موسوعة التفسير

سُورةُ النِّساءِ
الآيات (85- 87)

ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ

غريبُ الكَلِمات:

يَشْفَعْ شَفَاعَةً: شفَع لفُلانٍ إذا جاء مُلتَمِسًا مَطلبَه، ومُعينًا له، والشَّفاعةُ: الانضمامُ إلى آخَرَ؛ نُصرةً له، وسؤالًا عنه، وأصْلُ الشَّفْع: ضمُّ الشَّيء إلى مِثلِه يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 7) ، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 290)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/201)، ((المفردات)) للراغب (ص: 457). .
كِفْلٌ: أي: نصيب، وأَصْل (كفل): يَدلُّ على تَضَمُّنِ الشَّيءِ للشَّيءِ ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 132) ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 397) ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/187). .
مُقِيتًا: أي: قَدِيرًا ومُقْتدِرًا، وقيل: شاهِدًا وحافِظًا، وحقيقتُه: القائِمُ على كلِّ شيءٍ يَحفظُه ويُقيتُه. وأصلُ (قوت): يَدلُّ على قُدرةٍ على الشَّيءِ، والإمساكِ والحِفظِ ينظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 132)، ((تفسير الطبري)) (7/271- 272)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 435)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/38)، ((المفردات)) للراغب (ص: 687)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 875، 879). .
حَسِيبًا: أي: رقيبًا، وكَافِيًا ومُقتدرًا، وعالِمًا ومحاسبًا، ومنه: أَحْسَبَني هذا الشَّيءُ، أي: كفاني ينظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 17)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 187)، ((المفردات)) للراغب (ص: 234)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 203)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 398، 413). .

المَعْنى الإجماليُّ:

يُخبِر تعالى أنَّ مَن يسعَ لمعاونةِ غيرِه في أمرٍ من الأمورِ فيه منفعةٌ وخيرٌ لذلك الغَيْرِ، فإنَّ للساعي حظًّا من ثوابِ الله تعالى، ومَن يسعَ في معاونة غيره على أمرٍ من أمور الشَّرِّ يكُنْ عليه جزءٌ من الإثمِ والوِزر المترتِّبِ على سَعيِه ونيَّته، وكان الله على كل شيءٍ مقتدرًا، وهو على كلِّ شيء حفيظٌ وحسيبٌ.
ثمَّ يأمر اللهُ تعالى مَن حُيِّي بتحيَّةٍ أن يرُدَّ بتحيةٍ أحسَنَ ممَّا حُيِّيَ بها، أو يكون الرَّدُّ بمثلها، إنَّ اللهَ كان على كلِّ شيءٍ مِن طاعةٍ أو معصيةٍ حفيظًا ومحصيًا حتَّى يجازيَ فاعلَها عليها.
ثمَّ يقرِّرُ اللهُ تعالى أنَّه لا معبودَ بحقٍّ إلَّا هو سبحانه وتعالى، وأنَّه سيحشُر جميعَ الخَلْق إلى موقفِ الحسابِ، لا شكَّ أبدًا أنَّ ذلك الجمعَ واقعٌ، فإنَّه لا أحدَ أصدقُ من الله تعالى في حديثِه وخبَرِه ووعدِه ووعيدِه.

تفسير الآيات:

مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)
مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً
أي: مَن يَسعَ في معاونةِ غيرِه بما يجلِبُ له النَّفعَ والخير، ويدفعُ عنه الضُّرَّ والشَّرَّ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/268)، ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (7/64-65)، ((تفسير ابن كثير)) (2/368)، ((تفسير السعدي)) (ص: 191). .
يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا
أي: يكُنْ له حظٌّ من ثواب الله تعالى يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/268)، ((تفسير ابن كثير)) (2/368)، ((تفسير السعدي)) (ص: 191). .
عن أَبي موسى الأشعري رضِي اللهُ عنه، قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا جاءَه السائلُ، أو طُلِبَتْ إليه حاجَةٌ، قال: اشفَعوا تؤجَروا، ويَقضي اللهُ على لسانِ نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما شاء )) رواه البخاري (1432). .
وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً
أي: ومَن يَسعَ في مُعاونةِ غيرِه على أَمرٍ من الشَّرِّ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/268)، ((تفسير السعدي)) (ص: 191)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/37). .
يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا
أي: يكُنْ عليه وِزرٌ وإثمٌ مِن ذلك الأمرِ الَّذي تَرتَّبَ على سَعيِه ونيَّتِه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/268)، ((تفسير ابن كثير)) (2/368)، ((تفسير السعدي)) (ص: 191)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/37-38). .
وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا
أي: إنَّ اللهَ تعالى على كلِّ شيءٍ قديرٌ، وحفيظٌ وحسيبٌ، فيُجازي كُلًّا بما يستحقُّه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/272)، ((تفسير السعدي)) (ص: 191)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/38). .
وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86)
وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ
أي: إذا سُلِّم عليكم بسلامٍ، وحُيِّيتم بأيِّ تحيةٍ كانت، أو دُعِي لكم بطولِ الحياةِ والبَقاء يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/273)، ((الوجيز)) للواحدي (1/279)، ((تفسير ابن كثير)) (2/368)، ((تفسير السعدي)) (ص: 191)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/39-41). .
فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا
فرُدُّوا التَّحيةَ والسَّلام، وادْعُوا لِمَن دعَا لكم بأحسَنَ ممَّا حيَّاكم ودعا لكم وأفضَلَ، لفظًا وبَشاشةً، أو رُدُّوا عليه بمثلِ دُعائِه وتحيَّتِه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/273)، ((تفسير ابن كثير)) (2/368)، ((تفسير السعدي)) (ص: 191)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/39-41). .
عن أبي هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((خلَق اللهُ آدمَ على صورتِه، طولُه ستُّونَ ذراعًا، فلمَّا خلَقه، قال: اذهبْ فسلِّمْ على أولئك؛ نفرٍ من الملائكةِ جلوسٍ، فاستمِعْ ما يُحيُّونك؛ فإنَّها تحيَّتُك وتحيَّةُ ذرِّيَّتِك، فقال: السَّلامُ عليكم، فقالوا: السَّلامُ عليك ورحمةُ اللهِ، فزادوه: ورحمةُ اللهِ، فكلُّ مَن يدخلُ الجنَّةَ على صورةِ آدمَ، فلم يزَلِ الخَلْقُ ينقُصُ بعدُ حتَّى الآن )) رواه البخاري (6227). .
وعن عِمران بن الحُصين رضِي اللهُ عنه، قال: ((جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: السَّلامُ عليكُم، فردَّ عليهِ ثمَّ جلَسَ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: عشرٌ، ثمَّ جاءَ آخَرُ فقالَ: السَّلامُ عليكُم ورحمةُ اللَّهِ، فردَّ عليهِ ثمَّ جلسَ، فقالَ: عِشرون، ثمَّ جاءَ آخرُ فقالَ: السَّلامُ عليكُم ورحمةُ اللَّهِ وبرَكاتُهُ، فردَّ عليهِ فجلسَ، فقالَ: ثلاثونَ )) رواه أبو داود (5195)، و الترمذي (2689)، وأحمد في المسند (19948)، والدارمي (2682).  قال الترمذيُّ: حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وحسن إسناده البيهقي في ((شعب الإيمان)) (8480)، وقوى إسناده ابن حجر في ((فتح الباري)) (11/8) ، وحسَّنه الألبانيُّ في ((تخريج المشكاة)) (3/1318). وقال الوادعي ((الصحيح المسند)) (1029):حسن على شرط مسلم. .
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا
أي: إنَّ اللهَ على كلِّ شيءٍ ممَّا يعمَل النَّاسُ من طاعةٍ أو معصيةٍ حفيظٌ ومُحْصٍ له, حتَّى يجازيَهم به يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/278)، ((تفسير السعدي)) (ص: 191)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/40، 42). .
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
أنَّ الله تعالى لَمَّا ذكَر قولَه: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا [النساء: 86] ، تلاه بالإعلام بوحدانيَّة الله تعالى، والحشْرِ، والبَعثِ مِن القُبور للحساب يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/6)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (5/352). ، فقال:
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
أي: إنَّ الله تعالى وحْدَه هو المعبود بحقٍّ، فلا يستحقُّ العبادةَ إلَّا هو سبحانه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/279)، ((تفسير ابن كثير)) (2/370)، ((تفسير السعدي)) (ص: 191)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/44). .
لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
أي: واللهِ ليحشرَنَّكم اللهُ تعالى جميعًا إلى موقِفِ الحساب، فيجمَعُ أوَّلَكم وآخِرَكم في صعيدٍ واحد فيُجازي كلَّ عاملٍ بعمله يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/279)، ((تفسير السعدي)) (ص: 191)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/47). .
لَا رَيْبَ فِيهِ
أي: لا شكَّ بوجهٍ من الوجوه في حقيقةِ أنَّ الله عزَّ وجلَّ سيجمَعُ النَّاسَ يوم القيامة بعد مماتهم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/279)، ((تفسير السعدي)) (ص: 191)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/47). .
وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا
أي: لا أحدَ أصدقُ منه في حَديثِه وخَبرِه، ووعْدِه ووعِيدِه سبحانه؛ فحديثُه وأخبارُه وأقوالُه في أعلى مراتبِ الصِّدقِ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/279-80)، ((تفسير ابن كثير)) (2/370)، ((تفسير السعدي)) (ص: 191)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/46). .

الفَوائِد التربويَّة:

1- الحثُّ على التَّعاونِ على البِرِّ والتَّقوى؛ وذلك بإعطاءِ المتعاونين نصيبًا من الأجرِ على ما تعاونوا عليه: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/38). .
2- أنَّ مَن شارَك في عملٍ سيِّئٍ، كان له نصيبٌ منه: وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/38). .
3- التَّحذيرُ مِن الشَّفاعةِ السَّيِّئة؛ لقوله تعالى: وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/38). .
4- أنَّ اللهَ سبحانه مُقِيتٌ على كلِّ شيء، أي: مقتدرٌ عليه، ويلزَمُ مِن هذا أن يحذَرَ الإنسانُ من مخالَفةِ الله؛ لأنَّ الله تعالى حفيظٌ عليه ومقتدِرٌ عليه: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/39). .
5- الحثُّ العظيمُ على التَّعاونِ على البِرِّ والتَّقوى، والزَّجرُ العظيمُ عن التَّعاونِ على الإثمِ والعُدوان، وقرَّر ذلك بقوله: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 191). .
6- في قولِ الله تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا أن ترُدَّ على المسلم بأحسنَ مِن سلامِه أو بما يماثله يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/146). ، وفي ذلك إشارةٌ إلى حُسنِ العِشرة وآدابِ الصُّحبة، وأنَّ مَن حمَّلك فضلًا زِدتَ على فِعلِه، وإلَّا فلا تنقُصْ عن مِثْله يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/734). .

الفوائد العلميَّة واللَّطائف:

1- قال تعالى: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا من العِبرَةِ في الآيةِ أن نتذكَّرَ بها أنَّ الحاكمَ العادلَ لا تنفعُ الشَّفاعةُ عنده إلَّا بإعلامِه ما لم يكُنْ يعلَمُ من مظلَمةِ المشفوعِ له، أو استحقاقِه لِما يُطلَب له، ولا يقبَلُ الشَّفاعة لأجل إرضاءِ الشَّافعِ فيما يُخالِفُ الحقَّ والعدلَ، وينافي المصلحةَ العامَّة يُنظر: ((تفسير المنار)) (5/251). .
2- قول الله تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا  قوله: فَحَيُّوا على الأمرِ بردِّ السَّلام، فيُفيد وجوبَ الرَّدِّ؛ لأنَّ أصلَ صيغةِ الأمرِ أن تكونَ للوجوبِ يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (5/351)، ((تفسير ابن عاشور)) (5/145)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/40). .
3- أنَّ ردَّ التَّحيَّة يكونُ على وجهين؛ مجزئٍ وأفضلَ: فالمجزئُ مأخوذٌ من قوله: أَوْ رُدُّوهَا، والأكملُ والأفضل من قوله: بِأَحْسَنَ مِنْهَا، وقُدِّم الأحسنُ على المِثل؛ لأنَّه أكملُ وأفضلُ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/40). .
4- مراعاة الإسلامِ للعدل؛ لقوله: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/40). .
5- قوله تعالى: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا فيه أنَّه لا يُجزئُ الرَّدُّ بغير السَّلام، فإذا قال المسلم: السَّلام عليك، فقلت: أهلًا وسهلًا، فلا يُجْزئ؛ لأنَّ هذه التَّحيَّةَ ليست مِثلَها ولا أحسنَ منها؛ إذ إنَّ قولَ المسلم: السَّلام عليكم، دعاءٌ لك بالسَّلامةِ مِن كلِّ الآفات البدنيَّة والماليَّة والقلبيَّة وغيرِها يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/41). .
6- يُستفادُ مِن قوله تعالى: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا، أنَّه يُطلَب من المُسَلَّمِ عليه أن يرُدَّ بأكمَلَ، إمَّا بالكمِّيَّة وإمَّا بالكيفيَّة، فإذا قال: السَّلام عليك. فالأحسنُ: عليك السَّلامُ ورحمة الله، هذا بالكمِّيَّة. أمَّا الكَيفيَّة: فإذا قال: السَّلام عليك، بصوت مرتفعٍ مسموعٍ يدلُّ على التَّواضعِ فقلت: عليك السَّلام، بصوت مثلِه أو أبينَ فهذا ردٌّ صحيحٌ بالكيفيَّة يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/41). .
7- يُؤخذ من الآيةِ الكريمةِ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا: الحثُّ على ابتداءِ السَّلام والتَّحيَّة من وجهين: أحدهما: أنَّ اللهَ أمَر بردِّها بأحسَنَ منها أو مثلِها؛ وذلك يستلزمُ أنَّ التَّحيَّة مطلوبةٌ شرعًا، الثَّاني: ما يستفاد من أفعل التَّفضيلِ، وهو "أحسن" الدَّالُّ على مشاركة التَّحيَّة وردِّها بالحَسن، كما هو الأصلُ في ذلك يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 191). .
8- قولُ اللهِ تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا الفاء في قوله (فحيُّوا) تفيد أنَّ الرَّدَّ يكونُ على الفَوْرِ يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (1/320)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (5/351). .
9- قولُ اللهِ تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا تقديم قوله: (بأحسَنَ منها) فيه إشارةٌ إلى أنَّ ذلك أفضلُ يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/146). .
10- قولُ اللهِ تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا، فِعل (كان) يدلُّ على أنَّ ذلك الوصفَ وصفٌ مقرَّرٌ أزَليٌّ يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/147). .
11- قال تعالى: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ [النساء: 87] ، التَّوحيدُ والإيمان بالبعث والجزاء في الدَّار الآخرة هما الرُّكنانِ الْأَوَّلانِ للدِّينِ، وإنَّما الرُّسلُ يُبلِّغون النَّاسَ ما يجبُ مِن إقامتِهما ودعمِهما بالأعمال الصَّالحة يُنظر: ((تفسير المنار)) (5/258). .
12- وجوبُ الإيمانِ باليوم الآخِرِ على وجهٍ لا شكَّ معه؛ لقوله: لَا رَيْبَ فِيهِ، فيجب علينا أن نؤمنَ بأنَّ الله يجمَعُنا يومَ القيامةِ إيمانًا لا شكَّ معه، ولا تردُّدَ فيه يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/47). .
13- قول الله تعالى: يَوْمِ القِيَامَةِ القيامة والقِيام بمعنًى واحدٍ، وقيل: دخلتِ الهاءُ للمبالغة لشدَّةِ ما يقعُ فيه من الهولِ يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/6، 7)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (5/353). .
14- إثبات الكلامِ لله عزَّ وجلَّ، يؤخَذ من قوله: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا، مِن قوله: أَصْدَقُ ومن قوله: حَدِيثًا، والصِّدقُ إنَّما يوصَفُ به الكلامُ، والحديثُ هو الكلام، وعلى هذا فيكونُ إثباتُ كلامِ الله عزَّ وجلَّ من الكلمتينِ جميعًا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/47). .
15- وجوبُ الإيمانِ بما أخبَر اللهُ به عن نفسِه وعن أمورِ الغيبِ كلِّها؛ لقوله: وَمَنْ أَصْدَقُ، فإذا أخبر اللهُ عن نَفْسِه بشيء، أو عن الأمور الغائبةِ بشيءٍ، وجَب علينا تصديقُه؛ فكلامُه وخبره صِدقٌ لا كذِبَ فيه بوجهٍ من الوجوه؛ لقوله: وَمَنْ أَصْدَقُ أي: مِن اسم التَّفضيل؛ لأنَّ اسمَ التَّفضيلِ يجعَلُ المفضَّل في قمَّةِ الوصف، وعلى هذا فليس في كلامِ الله سبحانه تعالى شيءٌ من الكذِبِ إطلاقًا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/47). .
16- وصفُ كلامِ اللهِ تعالى بالحَديثِ؛ لقوله: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا وهو كذلك يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/48). .

بَلاغةُ الآياتِ:

1- قوله: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا
- قوله: نَصِيبٌ مِنْهَا وكِفْلٌ مِنْهَا: فيه مناسبةٌ حَسنةٌ؛ حيثُ عبَّر عنِ الجزاءِ في جانبِ الشَّفاعة الحسنةِ بأنَّه نَصِيبٌ؛ إيماءً إلى أنَّه قد يكونُ له أجرٌ أكثرُ مِن ثوابِ مَن شفَع عندَه، وعبَّر بـكِفْل عن الجزاءِ في جانبِ الشَّفاعة السيِّئة؛ إشارةً إلى أنَّ مَن يَشفَعُ شفاعةً سيِّئةً يكون له نصيبٌ من وِزْرها مُساوٍ لها في المِقْدارِ من غَيرِ أنْ يَنقُصَ منه شيءٌ؛ فالنصيبُ هو الحظُّ مِن كلِّ شيءٍ، والكِفلُ الحظُّ كذلك، ويُستعمَلُ الكِفلُ بمعنى المِثل؛ فيُؤخذُ من ذلك: أنَّ الكفلَ هو الحظُّ المماثِلُ لحظٍّ آخَر يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/210)، ((تفسير ابن عاشور)) (5/144). . وقيل: عبَّر بـكِفْل عن الجزاءِ في جانبِ الشَّفاعة السيِّئة؛ لأنَّه يُفهَم منه النَّصيبُ ويُفهَمُ أكثرُ مِنه؛ تغليظًا في الزَّجرِ؛ إذ الكِفلُ اسمٌ للنَّصيبِ الذي عليه يَكونُ اعتمادُ الناسِ، في تَحصيلِ المصالحِ لأنفسِهم، ودَفْع المفاسِدِ عن أنفسِهم؛ والغَرضُ من قوله: كِفْلٌ مِنْهَا التنبيهُ على أنَّ الشفاعةَ المؤدِّيةَ إلى سُقوطِ الحقِّ وقوَّةِ الباطلِ تكونُ عَظيمةَ العِقابِ عِندَ اللهِ تعالى يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/160)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (5/348). .
2- قوله: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا: تذييلٌ لجملة مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً؛ لإفادةِ أنَّ الله يُجازي على كلِّ عملٍ بما يناسبه مِن حُسن، أو سوء يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/144). .
3- قوله: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا: تذييلٌ لقصدِ الامتنانِ بهذه التعليماتِ النافعة يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/147). ، أو للتَّحذيرِ مِن عَدمِ ردِّ التَّحيَّة بمثلِها أو أحسَنَ، فيُحْذَر من التعرُّضَ لمحاسبةِ الله عزَّ وجلَّ الذي هو على كلِّ شيءٍ حسيبٌ، وليُحْذَرْ من مُخالفةِ هذا التَّكليفِ. وهذا يدلُّ على شِدَّة العنايةِ بحِفظِ الدِّماءِ والمنعِ مِن إهدارِها؛ لأنَّ الرجُلَ في الجِهادِ كان يَلْقاه الرجلُ في دارِ الحربِ أو ما يُقارِبُها فيُسلِّمُ عليه، فقد لا يلتفتُ إلى سَلامِه عليه ويَقتُلُه، وربَّما ظهَر أنَّه كان مسلمًا، فإذا كان مسلمًا، وقتَلَه، ففيه أعظمُ المضارِّ والمفاسدِ يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/166)، ((تفسير القاسمي)) (3/244)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/42). .
وقيل: في هذا التَّذييلِ وَعْدٌ بالجزاءِ الحَسَنِ على قَدْرِ فَضْلِ ردِّ السَّلامِ، أو بالجزاءِ السَّيِّئ على ترْك الردِّ مِن أصلِه يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/147). ؛ فهو ترغيبٌ وترهيبٌ.
- وقد أُكِّد وصفُ الله تعالى بأنَّه حسيبٌ بمؤكِّدين: حرف (إنَّ)، وفِعل (كان) الدالِّ على أنَّ ذلك وصفٌ أزليٌّ يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/147). .
4- قوله: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ: استئنافٌ ابتدائيٌّ، جمَع تمجيدَ الله، والتهديد، والتحذيرَ من مخالَفَة أمْرِه، والتَّقرير للإيمانِ بيومِ البَعثِ، والردِّ لإشراكِ بعضِ المنافقينَ وإنكارِهم البعث يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/148). .
- وجملة لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إمَّا خبرٌ للمبتدأِ اللَّهُ، وإمَّا اعتراضٌ والخبرُ جُملةُ لَيَجْمَعَنَّكُمْ؛ وجِيءَ بالاعتِراضِ لتَمجيدِ اللهِ عزَّ وجلَّ يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/545)، ((تفسير ابن عاشور)) (5/148). .
- وقوله: لَيَجْمَعَنَّكُمْ جوابُ قَسمٍ محذوفٍ، واقِعٌ جميعُه موقعَ الخبرِ عن اسمِ الجلالة الله، وأُكِّد هذا الخبر: بلام القَسَم، ونون التوكيد دلالةً على تقديرِ القَسَم؛ لإنكارِ المنكِرين ليوم القيامة؛ لتقويةِ تحقيقِ هذا الخبر؛ إبطالًا لإنكار الذين أنكروا البعثَ يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (5/353)، ((تفسير ابن عاشور)) (5/148). .
- وقوله: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَمَّا كان التَّدريجُ بالإماتة شيئًا فشيئًا، عبَّر بحرفِ الغاية (إلى)؛ فالمرادُ ليجمعَنَّكم في الموتِ أو القُبورِ إلى يومِ القيامة يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/167)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (5/353). .
5- قوله: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا هذا استفهامٌ معناه النَّفيُ، والتَّقدير: لا أحدَ أصدقُ مِن الله حديثًا يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/7). ؛​​ فالاسْتِفهامُ عن أنْ يَكُونَ أحَدٌ أَصدَقَ مِنَ اللَّهِ تعالى ​هوَ اسْتِفهامٌ إِنْكَارِيٌّ​؛ ​​​فهو إنكارٌ​​ أنْ يكونَ أحدٌ أكثرَ​ صِد​قًا منه​؛ فإنَّه لا يتطرَّق الكذبُ إلى خبرِ الله تعالى بوجهٍ؛ لأنَّ الكذبَ نقصٌ، وهو على اللهِ تعالى مُحالٌ يُنظَر: ((تفسير البيضاوي)) (2/88)، ((تفسير أبي السعود)) (2/211)، ((تفسير ابن عاشور)) (5/148). .
- وفي قوله: حَدِيثًا تتميمٌ؛ حيث أتْبَعَ الكلامَ بهذه الكلمة التي تَزيدُ المعنى تمكُّنًا وبيانًا للمعنى المراد يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لمحيي الدين درويش (2/251). .