موسوعة الآداب الشرعية

رابعًا: عَدَمُ أخذِ هَديَّةٍ مُقابِلَ الشَّفاعةِ


مِن أدَبِ الشَّفاعةِ: عَدَمُ أخذِ الشَّافِعِ هَديَّةً مِنَ المَشفوعِ له مُقابِلَ شَفاعَتِه [34] قال ابنُ تيميةَ: (وأما الهديةُ في الشَّفاعةِ، مثلُ: أنْ يشفَعَ لرجلٍ عندَ وليِّ أمرٍ ليرفَعَ عنه مظلِمةً، أو يوصلَ إليه حقَّه، أو يوليَه ولايةً يستحقُّها، أو يستخدمُه في الجندِ المقاتلةِ وهو مستحقٌّ لذلك، أو يعطيَه مِن المالِ الموقوفِ على الفقراءِ أو الفقهاءِ أو القرَّاءِ أو النُّسَّاكِ أو غيرِهم، وهو مِن أهلِ الاستحقاقِ، ونحو هذه الشفاعةِ التي فيها إعانةٌ على فعلِ واجبٍ، أو تركِ محرمٍ، فهذه أيضًا لا يجوزُ فيها قبولُ الهديَّةِ، ويجوزُ للمُهدي أن يبذلَ في ذلك ما يتوصلُ به إلى أخذِ حقِّه أو دفعِ الظلمِ عنه، هذا هو المنقولُ عن السَّلفِ والأئمَّةِ الأكابرِ). ((الفتاوى الكبرى)) (4/ 174). وقال الصنعانيُّ: (إذا كانت الشفاعةُ في واجبٍ كالشَّفاعةِ عندَ السلطانِ في إنقاذِ المظلومِ مِن يدِ الظَّالمِ، أو كانت في محظورٍ كالشَّفاعةِ عندَه في توليةِ ظالمٍ على الرعيةِ فإنَّها في الأُولى واجبةٌ، فأخذُ الهديةِ في مقابلِها محرَّمٌ، والثانيةُ محظورةٌ فقبضُها في مقابلِها محظورٌ، وأمَّا إذا كانت الشَّفاعةُ في أمرٍ مباحٍ فلعلَّه جائزٌ أخذُ الهديَّةِ؛ لأنَّها مكافأةٌ على إحسانٍ غيرِ واجبٍ، ويحتمِلُ أنَّها تحرمُ؛ لأنَّ الشفاعةَ شيءٌ يسيرٌ لا تؤخَذُ عليه مكافأةٌ). ((سبل السلام)) (2/ 58). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ:
قال تعالى: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا [النساء: 85] .
قال الزَّمَخشَريُّ: (الشَّفاعةُ الحَسَنةُ: هيَ التي رُوعيَ بها حَقُّ مُسلِمٍ، ودُفِعَ بها عنه شَرٌّ، أو جُلِب إليه خَيرٌ، وابتُغِيَ بها وَجهُ اللهِ ولَم تُؤخَذْ عليها رِشوةٌ، وكانت في أمرٍ جائِزٍ لا في حَدٍّ مِن حُدودِ اللهِ ولا في حَقٍّ مِنَ الحُقوقِ. والسَّيِّئةُ: ما كان بخِلافِ ذلك.
وعن مَسروقٍ أنَّه شَفعَ شَفاعةً فأهدى إليه المَشفوعُ جاريةً، فغَضِبَ ورَدَّها وقال: لو عَلِمتُ ما في قَلبِك لَما تَكَلَّمتُ في حاجَتِك، ولا أتَكَلَّمُ فيما بَقيَ مِنها) [35] ((الكشاف)) (1/ 543). .
وأمَّا التَّعليلُ فللآتي:
1- لأنَّ الشَّفاعةَ مِن أعظَمِ القُرَبِ إلى اللهِ تعالى، فأشبَهَ الصَّلاةَ، ولأنَّه عَمَلٌ غَيرُ مَعلومٍ، ومَن عَمِلَ شَيئًا للهِ لا يَجوزُ أخذُ العِوَضِ عليه [36] ينظر: ((شرح سنن أبي داود)) لابن رسلان (14/ 537، 538). .
2- لأنَّه إذا قدَرَ على قَضاءِ حاجةِ أخيه عِندَ السُّلطانِ الظَّالِمِ أوِ السَّيِّدِ القاهرِ، صارَ ذلك واجِبًا عليه [37] ينظر: ((المسالك في شرح موطأ مالك)) لابن العربي (6/ 253). .

انظر أيضا: