موسوعة الآداب الشرعية

خامِسَ عشرَ: الإحسانُ إلى البَناتِ والصَّبرُ عليهنَّ


مِنَ المُرَغَّبِ فيه والمَندوبِ إليه: الإحسانُ إلى البَناتِ، والصَّبرُ عليهنَّ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن عُقبةَ بنِ عامِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((مَن كان له ثَلاثُ بَناتٍ فصَبَرَ عليهنَّ، وأطعَمَهنَّ وسَقاهنَّ وكَساهنَّ مِن جِدَتِه [230] مِن جِدَتِه -بكَسرِ الجيمِ-، أي: غِناه، ويُقالُ: وَجَدَ يَجِدُ جِدَةً: إذا استَغنى. يُنظر: ((حاشية السندي على سنن ابن ماجهـ)) (2/ 391). ، كُنَّ له حِجابًا مِنَ النَّارِ يَومَ القيامةِ)) [231] أخرجه ابن ماجه (3669) واللَّفظُ له، وأحمد (17403). صَحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن ابن ماجهـ)) (3669)، والوادِعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (939)، وصَحَّحَ إسنادَه ابنُ باز في ((مجموع الفتاوى)) (25/365)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (17403). .
2-عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن عال جاريَتَينِ حتَّى تَبلُغا جاءَ يَومَ القيامةِ أنا وهو، وضَمَّ أصابِعَهـ)) [232] أخرجه مسلم (2631). .
قال ابنُ قُرْقُول: (قَولُه: "مَن عال جاريَتَينِ"، أي: مانَهما وقامَ بنَفقَتِهما، وأصلُه مِنَ العَولِ، وهو القوتُ، ومِنه: "وابدَأْ بمَن تَعولُ" [233] لفظه: عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((خَيرُ الصَّدَقةِ ما كان عن ظَهرِ غِنًى، وابدَأ بمَن تَعولُ)). أخرجه البخاري (1426). ، أي: بمَن تَقوتُ) [234] ((مطالع الأنوار)) (5/ 56). .
وقال النَّوويُّ: (مَعنى عالَهما: قامَ عليهما بالمُؤنةِ والتَّربيةِ ونَحوِهما... ومَعناه: جاءَ يَومَ القيامةِ أنا وهو كَهاتَينِ) [235] ((شرح مسلم)) (16/ 180). . أي: جاء مصاحبًا لي [236] ينظر: ((شرح المشكاة)) للطيبي (10/ 3175). .
2- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((جاءَتني امرَأةٌ ومَعَها ابنَتانِ لها، فسَألَتْني فلم تَجِدْ عِندي شيئًا غيرَ تَمرةٍ واحِدةٍ، فأعطَيتُها إيَّاها، فأخَذَتها فقَسمَتْها بينَ ابنَتَيها، ولم تَأكُلْ مِنها شيئًا! ثُمَّ قامَت فخَرَجَت وابنَتاها، فدَخَل عليَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فحَدَّثتُه حَديثَها، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَنِ ابتُليَ [237] قال ابنُ الجَوزيِّ: (إنَّما ذَكَرَهنَّ بالابتِلاءِ لمَوضِعِ الكَراهةِ لهنَّ، والثَّوابُ إنَّما يَعظُمُ على المَكروهِ). ((كشف المشكل)) (4/ 349). وقال النَّوويُّ: (إنَّما سَمَّاه ابتِلاءً؛ لأنَّ النَّاسَ يَكرَهونَهنَّ في العادةِ، قال اللهُ تعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ [النحل: 58] ). ((شرح مسلم)) (16/ 179). مِنَ البَناتِ بشيءٍ فأحسَنَ إليهنَّ كُنَّ له سِترًا مِنَ النَّارِ)) [238] أخرجه البخاري (1418)، ومسلم (2629) واللَّفظُ له. .
وفي رِوايةٍ: ((مَنِ ابتُليَ مِنَ البَناتِ بشَيءٍ، فأحسَن صُحبَتَهنَّ كُنَّ له سِترًا مِنَ النَّارِ)) [239] أخرجها أحمد (26060) واللفظ له، والطيالسي بعد حديث (1550)، وابن حبان (2939). صححها ابن حبان، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (26060). .
الابتِلاءُ: الاختِبارُ بما يَظهَرُ به التِزامُ الحَقِّ والشَّرعِ أو عَدَمُه، وكانتِ العَرَبُ كَأكثَرِ النَّاسِ يَكرَهُونَ البَناتِ؛ فلذلك احتيجَ في القيامِ بحُقوقِهنَّ مِنَ التَّربيةِ والإحسانِ إلى الصَّبرِ [240] ((حقوق النساء في الإسلام)) لمحمد رشيد رضا (ص: 373). .
3- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّها قالت: ((جاءَتني مِسكينةٌ تَحمِلُ ابنَتَينِ لها، فأطعَمتُها ثَلاثَ تَمَراتٍ، فأعطَت كُلَّ واحِدةٍ مِنهما تَمرةً، ورَفعَت إلى فيها تَمرةً لتَأكُلَها، فاستَطعَمَتها [241] الاستِطعامُ: طَلبُ الطَّعامِ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (1/ 412). ابنَتاها، فشَقَّتِ التَّمرةَ التي كانت تُريدُ أن تَأكُلَها بَينَهما، فأعجَبَني شَأنُها، فذَكَرتُ الذي صَنَعَت لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: إنَّ اللَّهَ قد أوجَبَ لها بها الجَنَّةَ، أو أعتَقَها بها مِنَ النَّارِ)) [242] أخرجه مسلم (2630). .
قال النَّوويُّ: (في هذه الأحاديثِ فَضلُ الإحسانِ إلى البَناتِ والنَّفقةِ عليهنَّ والصَّبرِ عليهنَّ وعلى سائِرِ أُمورِهنَّ) [243] ((شرح مسلم)) (16/ 179). .

انظر أيضا: