موسوعة الآداب الشرعية

ثالثَ عشرَ: تَركُ التَّحقيرِ والإهانةِ والسُّخريةِ


مِن آدابِ التَّربيةِ: عَدَمُ تَحقيرِ الوَلَدِ أو إهانَتِه أوِ السُّخريةِ مِنه [224] مِن صُوَرِ الإساءةِ اللَّفظيَّةِ السُّخريةُ مِنَ الطِّفلِ: -مِن جَسَدِه: (أجسامُ البغالِ وأحلامُ العَصافيرِ)، (أيُّها السَّمينُ). -مِن مَلامِحِه الخِلقيَّةِ: (يا قَصيرُ)، (يا أبا شِبرٍ)، (يا أعوَرُ). - مِن تَصَرُّفاتِه وأفعالِه، كَطَريقةِ نَومِه أو أكلِه أو مَشيِه، ونَحوِ ذلك. - مِن قُدُراتِه العَقليَّةِ: (اسكُتْ أيُّها الأبلَهُ)، (أنتَ بَليدٌ غَبيٌّ مُتَخَلِّفٌ). - وقد تَدورُ الإساءةُ اللَّفظيَّةُ حَولَ تَحطيمِ ثِقَتِه في نَفسِه، وتَحقيرِ ذاتِه: (قابِلْني إذا نَجَحتَ)، (لن تَذوقَ طَعمَ النَّجاحِ)، (أنتَ أسوأُ مَن رَأيتُ)، (لم يَعُدْ لي فيك أمَلٌ، قد أَيِستُ مِنك، أنتَ خَيَّبتَ فيك رَجائي)، (أكرَهُك لأنَّك فاشِلٌ عَديمُ القيمةِ، وسَتَبقى فاشِلًا ما حَيِيتَ)، (المَوتُ أفضَلُ لمِثلِك)، (أنا لا أفتَخِرُ بأنَّك ابني، ولا أُريدُ أن يَعرِفَ أحَدٌ أنَّك ابني)... وهَكَذا. -وقد يَقتَرِنُ بالإهانةِ اللَّفظيَّةِ إيذاءٌ جَسَديٌّ، كاللَّطمِ، والصَّفعِ على الوَجهِ والقَفا، والرَّكلِ، والبَصقِ عليه، والضَّربِ بالنِّعالِ. - وقد تَصِلُ الإساءةُ اللَّفظيَّةُ إلى حَدِّ قَذفِ الطِّفلِ في عِرضِه بإطلاقِ الألفاظِ النَّابيةِ البَذيئةِ عليه! وقد قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في شَأنِ العَبدِ المَملوكِ: ((مَن قَذَف مَملوكَه وهو بَريءٌ مِمَّا قال، جُلِد يَومَ القيامةِ إلَّا أن يَكونَ كَما قال)). أخرجه البخاري (6858) واللَّفظُ له، ومسلم (1660) من حديثِ أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. -وقد تَكونُ الإهانةُ مِن خِلالِ تَشبيهِه بالحَيَواناتِ الدُّنيا، أو مُناداتِه بأسمائِها، كالكَلبِ، والقِردِ، والخِنزيرِ، والحِمارِ... إلخ. يُنظر: ((التربية بالعقاب)) للمقدم (ص: 301، 302). ، ولو كان ذلك في عِقابٍ [225] قال المُقَدِّمُ: (يَتَّفِقُ التربويُّون على أنَّ النَّقدَ أوِ العِقابَ يَجِبُ ألَّا يَتَضَمَّنا تَحقيرَ الذَّاتِ، يمعنى أنَّ المَذمومَ هو السُّلوكُ الذي يُعاقَبُ عليه الطِّفلُ، وليسَ الطِّفلُ نَفسُه، وأنَّ وُقوعَ الخَطَأِ مِنَ الطِّفلِ لا يَعني أنَّه أحمَقُ، أو مُتَخَلِّفٌ، أو غَبيٌّ .. إلخ، فيَجِبُ أن يَتَوجَّهَ النَّقدُ إلى السُّلوكِ وليسَ إلى الطِّفلِ ذاتِه، فنَقولُ مَثَلًا: "هذا الفِعلُ سَيِّئٌ، وطِفلٌ مُهَذَّبٌ مِثلُك لا يَحسُنُ مِنه هذا السُّلوكُ"، بَدَلًا مِن أن نَقولَ له: "أنتَ سَيِّئٌ أو غَبيٌّ أو أحمَقُ..."؛ لأنَّ المَقصودَ هو أن يَشعُرَ الطِّفلُ بعَدَمِ الرِّضا عن تَصَرُّفِه، وليسَ عَدَم الرِّضا عن نَفسِه. يَقولُ الإمامُ الماوَرديُّ في آدابِ المُعَلِّمِ: "ومِن آدابِهم: أن لا يُعنِّفوا مُتَعَلِّمًا، ولا يحقِروا ناشِئًا، ولا يَستَصغِروا مُبتَدِئًا". فيَجِبُ أن يَقتَرِنَ التَّأديبُ بالاحتِرامِ والاعتِبارِ، وأن يَتَنَزَّهَ العِقابُ التَّربَويُّ عنِ الإهانةِ، فإنَّ الطِّفلَ كَما يَحتاجُ إلى الحُبِّ والقَبولِ، والمَدحِ، والطُّمَأنينةِ، كذلك يَحتاجُ إلى التَّأديبِ عن طَريقِ سُلطةٍ ضابطةٍ مُرَبِّيةٍ، ويَحتاجُ مَعَها إلى الاعتِبارِ والاحتِرامِ والتَّقديرِ). ((التربية بالعقاب)) للمقدم (308، 309). ويُنظر: ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص: 84). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ:
أ-مِنَ الكِتاب
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات: 11] .
ب-مِنَ السُّنَّةِ
عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((... المُسلمُ أخو المُسلمِ، لا يَظلِمُه ولا يَخذُلُه، ولا يَحقِرُه، التَّقوى هاهنا -ويُشيرُ إلى صَدرِه ثَلاثَ مَرَّاتٍ- بحَسْبِ امرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أن يحقِرَ أخاه المُسلمَ، كُلُّ المُسلمِ على المُسلمِ حَرامٌ؛ دَمُه، ومالُه، وعِرضُهـ)). [226] أخرجه مسلم (2564).

انظر أيضا: