موسوعة الآداب الشرعية

ثاني عشرَ: عَدَمُ الوَسمِ بما يَشينُ وتَركُ التَّعييرِ والتَّشهيرِ


مِن آدابِ التَّربيةِ: عَدَمُ وَسمِ الوَلَدِ بما يَشينُه [221] مِن أمثِلةِ الوَسمِ السَّلبيِّ: خَجولٌ، غَبيٌّ، لئيمٌ، بَخيلٌ، ماكِرٌ، عُدوانيٌّ، خارِجٌ عنِ السَّيطَرةِ، كَذَّابٌ، لِصٌّ، مُجرِمٌ، شِرِّيرٌ، فاشِلٌ، جاحِدٌ، مُغَفَّلٌ! وليسَ في الأطفالِ شَخصٌ (لئيمٌ)، ولا شَخصٌ (لطيفٌ)، ولا شَخصٌ (جَميلٌ)، وآخَرُ (قَبيحٌ)، وإنَّما هم جَميعُهم بَراعِمُ وليدةٌ، وكائِناتٌ بَريئةٌ صَغيرةٌ ناشِئة لا تَتَّسِمُ بالكَمالِ، ولكِنَّها مُبَرَّأةٌ مِن تلك السِّماتِ التي نُطلقُها عليهم. يُنظر: ((التربية بالعقاب)) للمقدم (ص: 281). ، وتَركُ تَعييرِه والتَّشهيرِ به مِن أوَّلِ زَلَّةٍ [222] قال مُصطَفى السِّباعيُّ: (مِن مَظاهِرِ التَّربيةِ الخاطِئةِ أن نُشَهِّرَ بالولدِ حينَ يَنحَرِفُ أوَّلَ مَرَّةٍ عن سَنَنِ الأخلاقِ الكَريمةِ، فإذا كَذَبَ مَرَّةً نادَيناه دائِمًا بالكَذَّابِ، وإذا لطَمَ أخاه الصَّغيرَ مَرَّةً واحِدةً نادَيناه بالشِّرِّيرِ، وإذا احتال على أُختِه الصَّغيرةِ فأخَذَ مِنها تُفَّاحةً كانت بيَدِها نادَيناه بالمُحتالِ، وإذا أخَذَ مِن جَيبِ أبيه قَلَمًا نادَيناه بالسَّارِقِ، وإذا طَلبنا مِنه كأسَ ماءٍ للشُّربِ فأبى نادَيناه بالكَسولِ، وهَكَذا نُشَهِّرُ به أمامَ إخوتِه وأهلِه مِنَ الزَّلَّةِ الأولى! وهذا أقبَحُ أُسلوبٍ في التَّأديبِ، وخَيرٌ مِن ذلك أن نُنَبِّهَه برِفقٍ، ونُبَيِّنَ له بالحُجَّةِ التي يَقتَنِعُ بها عَقلُه الصَّغيرُ أنَّه بذلك يُسيءُ إلى نَفسِه وإلى غَيرِه في هذا الانحِرافِ). ((أخلاقنا الاجتماعية)) (ص: 159). .
وذلك لِما يُؤَدِّي إليه الوَسمُ -أوِ الوَصمُ- مِن تَعزيزٍ للسُّلوكِ المُنحَرِفِ لدى الطِّفلِ، والتَّوافُقِ لا شُعوريًّا مَعَ ما أُلصِقَ به [223] قال مُحَمَّدُ بنُ إسماعيلَ المُقدم: (الوَسمُ الذي يَلصَقُ بشَخصٍ ما يُؤَثِّرُ على سُلوكِه، ويُعَزِّزُ السُّلوكَ المُنحَرِفَ لدَيه، لا سيَّما الوَسمِ السَّلبيِّ (الوَصمةِ)، لتُصبِحَ نُبوءةً تُحَقِّقُ نَفسَها بنَفسِها، فلا يَبقى للفَردِ (الذي تَمَّ إلصاقُ الوَسمِ بهـ) خيارٌ سِوى التَّوافُقِ لا شُعوريًّا مَعَ المَعنى الذي يَتَضَمَّنُه ذلك الحُكمُ، فالمُلصَقُ السَّلبيُّ يُساهمُ غالبًا في مَزيدٍ مِنَ الانخِراطِ في الأنشِطةِ الجانِحةِ؛ لأنَّ (الوَسمَ) يَتَرَتَّبُ عليه تَوقُّعاتٌ (تَنَبُّؤاتٌ) مُعَيَّنةٌ تلصَقُ بالأفرادِ، ومَعَ مُرورِ الوَقتِ وتَكَرُّرِ هذا الوَسمِ يَتَبَنَّاه الفردُ ويَجعَلُه جُزءًا مِن هُويَّتِه، فيَتَغَيَّرُ سُلوكُه -دونَ وعيٍ- حتَّى يُحَقِّقَ هذه النُّبوءةَ بنَفسِه، وكَأنَّه يَقولُ: "أفعَلُ هذه الأشياءَ؛ لأنَّني على هذا النَّحوِ"، فيُؤَكِّدُ الصُّورةَ التي يَرسُمُها الوَسمُ، ويُبَرهِنُ بسُلوكِه العَمَليِّ أنَّ التَّسميةَ السَّيِّئةَ كانت في مَحَلِّها). ((التربية بالعقاب)) (ص: 279). .

انظر أيضا: