موسوعة الآداب الشرعية

خامسًا: الخِتانُ


ينبغي أن يَحرِصَ الوالِدُ على خِتانِ المولودِ [95] والخِتانُ واجبٌ في حقِّ الرِّجالِ، ومُستحبٌّ في حقِّ النِّساءِ. ويُنظر بيانُ ذلك مع أدلَّتِه في: ((الموسوعة الفقهيَّة بموقِعِ الدُّرَرِ السَّنيَّةِ))  https://dorar.net/feqhia
الأدلَّةُ على ذلك من الكِتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ:
أ- مِنَ الكتابِ
قال اللهُ تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ [البقرة: 124] .
وعَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال في تفسيرِ هذه الآيةِ: (ابتلاهُ اللهُ بالطَّهارةِ، خَمسٌ في الرَّأسِ وخَمسٌ في الجسدِ؛ في الرَّأسِ: قصُّ الشَّاربِ، والمَضْمَضةُ، والاستِنْشاقُ، والسِّواكُ، وفَرْقُ الرَّأسِ، وفي الجَسَدِ: تَقليمُ الأظْفارِ، وحَلْقُ العانَةِ، والخِتانُ، ونَتْفُ الإبْطِ، وغَسْلُ مكانِ الغائطِ والبَوْلِ بالماءِ) [96] أخرجه أبو داود معلَّقًا بعد حديث (54) مختصرًا، والحاكم (3096)، والبيهقي (693) واللفظ لهما. صحَّحه الحاكمُ، وقال: على شرطِ الشيخينِ، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (54)، وصحَّح إسنادَه ابنُ حجر في ((تحفة النبلاء)) (230). .
وَجهُ الدَّلالةِ مِن الآيةِ والأثَرِ:
أنَّ الخِتانَ كان من الخِصالِ التي ابتَلَى اللهُ سُبحانَه بها إبراهيمَ خَليلَه، فأتمَّهنَّ وأكمَلَهنَّ، فجَعَله إمامًا للنَّاسِ [97] يُنظر: ((تحفة المودود)) لابن القيم (ص: 158، 161). .
ب- مِن السُّنَّةِ
1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((الفِطرةُ خَمسٌ: الخِتانُ، والاستِحدادُ [98] الاستِحدادُ مُشتَقٌّ مِنَ الحَديدِ، ومَعناه الاحتِلاقُ بالموسى، يُقالُ: استَحَدَّ الرَّجُلُ: إذا احتَلقَ بالحَديدِ، واستَعانَ بمَعناه إذا حَلقَ عانَتَه. يُنظر: ((غريب الحديث)) للقاسم بن سلام (3/ 398، 399)، ((معالم السنن)) للخطابي (2/ 339). ، وقَصُّ الشَّارِبِ، وتَقليمُ الأظفارِ، ونَتفُ الآباطِ)) [99] رواه البخاري (5891) واللفظ له، ومسلم (257). قال ابنُ القيِّم: (الفِطرةُ فِطرتانِ: فِطرةٌ تتعلَّقُ بالقَلبِ، وهي: معرفةُ اللهِ ومحبَّتُه وإيثارُه على ما سواه، وفِطرةٌ عَمليَّةٌ، وهي: هذه الخِصالُ؛ فالأُولى تُزكِّي الرُّوحَ وتُطهِّرُ القَلبَ، والثَّانيةُ تُطهِّرُ البَدَنَ، وكلٌّ منهما تمدُّ الأخرى وتقوِّيها، وكان رأسُ فِطرةِ البَدَنِ الخِتانَ). ((تحفة المودود)) (ص: 161). .
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((عَشْرٌ من الفِطرة: قصُّ الشَّارب، وإعفاءُ اللِّحيةِ، والسِّواكُ، واستنشاقُ الماءِ، وقصُّ الأظفارِ، وغَسلُ البَراجمِ [100] غَسلُ البَراجِمِ مَعناه تَنظيفُ المَواضِعِ التي تَتَشَنَّجُ ويَجتَمِعُ فيها الوسَخُ، وأصلُ البَراجِمِ العُقَدُ التي تَكونُ في ظُهورِ الأصابعِ، والرَّواجِبُ ما بَين البَراجِمِ، فبَينَ كُلِّ بُرجُمَتَينِ راجِبةٌ، وواحِدةُ البَراجِمِ بُرْجُمةٌ. يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (1/ 31، 32)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (3/ 105) و (4/ 397). ، ونَتفُ الإبْطِ، وحَلقُ العانةِ، وانتِقاصُ الماءِ [101] انتِقاصُ الماءِ: يَعني الاستِنجاءَ؛ وذلك أنَّه إذا غُسِل الذَّكَرُ بالماءِ ارتَدَّ البَولُ، ولم يَنزِلْ، وإن لم يُغسَلْ نَزَل مِنه الشَّيءُ حتَّى يَستبرِئَ. وليسَ مَعنى الحَديثِ أنَّه سَمَّى البَولَ ماءً، ولكِنَّه أرادَ انتِقاصَ البَولِ بالماءِ إذا غُسِل به. يُنظر: ((غريب الحديث)) للقاسم بن سلام (3/ 400)، ((صحيح مسلم)) (261). )، قال زَكَريَّا: قال مُصعَبٌ: ونَسِيتُ العاشِرةَ، إلَّا أن تَكونَ المَضمَضةَ [102] رواه مسلم (261). .
ج- مِنَ الإجماعِ
نقَل الإجماعَ على مشروعيَّةِ الختانِ: غيرُ واحِدٍ مِن أهلِ العِلمِ [103] ممَّن نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ، وابنُ عبدِ البَرِّ، وابنُ العَرَبيِّ، وابنُ تيميَّةَ، والشَّوكانيُّ. قال ابنُ حَزمٍ: (اتَّفَقُوا أنَّ مَن ختَنَ ابنَه فقد أصاب، واتَّفَقوا على إباحةِ الخِتانِ للنِّساءِ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 157). وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: (لا خِلافَ بَينَ العُلَماءِ في قصِّ الأظفارِ، ونتْفِ الإبْطِ وحَلْقِه لِمَن صعُب عليه النَّتْفُ، ولا في الاختِتانِ؛ أنَّ كلَّ ذلك عندهم سُنَّةٌ مسنونةٌ مجتمَعٌ عليها، مندوبٌ إليها، إلَّا الِختانَ، فإنَّ بعضَهم جَعَله فَرضًا). ((الاستذكار)) (8/336). وقال ابنُ العربيِّ وهو يتكلَّمُ عن سُنَنِ الفِطرةِ: (قدِ اتَّفَقَت الأمَّةُ على أنَّها من الملَّةِ، واختَلَفوا في مراتِبِها). ((أحكام القرآن)) (1/56). وقال ابنُ تيميَّةَ: (إذا لم يُخَفْ عليه ضَررُ الخِتانِ فعليه أن يختَتِنَ؛ فإنَّ ذلك مشروعٌ مؤكَّدٌ للمُسلِمين باتِّفاقِ الأئمَّةِ، وهو واجبٌ عندَ الشَّافِعيِّ، وأحمدَ في المشهورِ عنه، وقد اختَتَن إبراهيمُ الخليلُ عليه السَّلامُ بَعدَ ثمانينَ مِن عُمُره، ويُرجَعُ في الضَّررِ إلى الأطبَّاءِ الثِّقاتِ، وإذا كان يضرُّه في الصَّيفِ أخَّره إلى زمانِ الخَريفِ). ((الفتاوى الكبرى)) (1/274). وقال الشَّوكانيُّ: (ثُبوتُ مشروعيَّةِ الخِتانِ في هذه الملَّةِ الإسلاميَّةِ أوضحُ من شمسِ النَّهارِ؛ فما سمِع السامعونَ منذُ كان الإسلامُ وإلى هذه الغايةِ أنَّ مسلمًا من المسلِمين ترَكه، أو ترَخَّصَ في ترْكِه، أو تعلَّل بما يحصُلُ من مزيدِ الألمِ، لا سيَّما للصِّبيانِ الذين لم يَجرِ عليهم قَلَمُ التَّكليفِ، ولا كانوا في عِدادِ مَن يُخاطَبُ بالأمورِ الشَّرعيَّةِ، وقد صار مثلُ هذا الشِّعارِ عَلامةً للمُسلِمِ تُميِّزُه عن الكفَّارِ إذا اختلط بهم). ((السيل الجرار)) (ص: 723). .
فوائدُ:
من حِكَمِ مَشروعيَّةِ الخِتانِ:
1- أنَّ اللهَ سُبحانَه جَعَل الخِتانَ عَلَمًا لمن يُضافُ إليه وإلى دِينِه، حتَّى إذا جُهِلَت حالُ إنسانٍ في دِينِه عُرِف بسِمةِ الخِتانِ [104] يُنظر: ((تحفة المودود)) لابن القيم (ص: 186). .
2- ما في الخِتانِ مِن الطَّهارةِ والنَّظافةِ، والتَّزيينِ وتحسينِ الخِلقةِ [105] يُنظر: ((تحفة المودود)) لابن القيم (ص: 188). .
3- ما في الخِتانِ من تعديلِ الشَّهوةِ، التي إذا أُفرِطَت ألحَقَت الإنسانَ بالحيواناتِ، وإن عُدِمَت بالكُليَّةِ ألحَقَتْه بالجَماداتِ [106] يُنظر: ((تحفة المودود)) لابن القيم (ص: 188). .
الفوائِدُ الصِّحيَّةُ للخِتانِ [107] يُنظر: ((الختان)) لمحمد علي البار ( ص: 75-102). :
1- الخِتانُ وقايةٌ من الالتِهاباتِ الموضعيَّةِ في القَضيبِ، والناتجةِ عن وجودِ القُلْفةِ.
2- الخِتانُ وقايةٌ من التِهاباتِ المجاري البَوليَّةِ والتَّناسُليَّةِ.
3- الخِتانُ وِقايةٌ مِن سَرَطانِ القَضيبِ.
4- الخِتانُ وقايةٌ من الأمراضِ الجِنسيَّةِ التي تنتقِلُ عبرَ الاتِّصالِ الجِنسيِّ، وتَنتَشِرُ بصورةٍ أكبَرَ وأخطَرَ لدَى غيرِ المختونينَ.
5- يَمنَعُ الالتِهاباتِ الميكروبيَّةَ والرَّوائحَ الكريهةَ التي تنتُجُ عن تراكُمِ اللَّخنِ (النَّتْنِ) تحتَ القُلْفةِ.
6- الخِتانُ وقايةٌ للزَّوجةِ مِن سَرَطانِ عُنُقِ الرَّحِمِ بإذنِ اللهِ عزَّ وجلَّ.

انظر أيضا: