موسوعة الآداب الشرعية

فوائد ومسائل:


حُكمُ العَقيقةِ
العَقيقةُ [78]العَقيقةُ لُغةً: مأخوذةٌ مِن عَقَّ يَعُقُّ عَقًّا: إذا شَقَّ وقَطَع، ومنه تسميةُ شَعرِ المولودِ عَقيقةً، وتُسمَّى الذَّبيحةُ عَقيقةً؛ لأنَّها تُذبحُ، فيُشَقُّ حُلْقومُها ومَرِيئُها ووَدَجاهَا قطْعًا. يُنظر: ((العين)) للخليل (1/62)، ((سبل السلام)) للصنعاني (2/ 539)، ((تاج العروس)) للزبيدي (26/171). والعَقيقةُ اصطِلاحًا: ما يُذبحُ عنِ المَولودِ. وقيل: هي الطَّعامُ الذي يُصنعُ ويُدْعَى إليه مِن أجْلِ المَولودِ. يُنظر: ((المغني)) لابن قُدامةَ (9/458)، ((المجموع)) للنَّووي (8/426)، ((فتح الباري)) لابن حجر (9/586). سُنَّةٌ مُؤكَّدةٌ [79] وهذا مذهبُ الشَّافِعيَّةِ، والحنابِلةِ، وقولُ طائفةٍ مِنَ السَّلفِ، وهو اختيارُ ابنِ بازٍ، وابنِ عثيمين، وبه أفتَتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ. يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/293)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/80)، ((الاستذكار)) لابن عبد البر (5/316)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (4/262)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/491)، ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (11/439). وحُكيَ الإجماعُ على سُنِّيَّةِ العَقيقةِ: قال ابنُ قُدامةَ: (والعَقيقةُ سُنَّةٌ في قولِ عامَّةِ أهلِ العِلمِ؛ منهم: ابنُ عبَّاسٍ، وابنُ عُمرَ، وعائشةُ، وفقهاءُ التَّابِعينَ، وأَئمَّةُ الأَمصارِ). ((المغني)) (9/459). وقال أيضًا: (ولنا على استِحبابِها هذه الأحاديثُ... والإجماعُ، قال أبو الزِّنادِ: العَقيقةُ مِن أمْرِ النَّاسِ، كانوا يَكرَهون ترْكَهـ). ((المغني)) (9/459). وقال ابنُ القَطَّانِ: (فقد اجتَمَع في العَقيقةِ فِعْلُه وأمْرُه، وأَثبَتَ سُنَّتَها جميعُ العلماءِ). ((الإقناع في مسائل الإجماع)) (1/306). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن بُرَيدةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (كُنَّا في الجاهِليَّةِ إذا وُلِدَ لأحدِنا غُلامٌ ذَبَح شاةً ولَطَخَ رأسَـه بدَمِهـا، فلمَّا جاءَ اللهُ بالإسـلامِ كُنَّا نَذبَحُ شاةً ونَحلِقُ رأسَه ونَلْطَخُه بزَعْفَرانٍ) [80] أخرجه أبو داود (2843)، والبيهقي (19766) واللفظ لهما، والحاكم (7803) باختلافٍ يسير. صحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2843)، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2843): حسنٌ صحيحٌ، وصَحَّح إسنادَه الشوكاني في ((الدراري المضية)) (350). وذهب إلى تصحيحِه الحاكمُ، وقال: على شَرطِ الشَّيخينِ. .
2 - عن أُمِّ كُرْزٍ رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّها سألْتَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ العَقيقةِ، فقال: ((عنِ الغلامِ شاتانِ، وعنِ الأُنثَى واحدةٌ، ولا يَضرُّكُم ذُكْرانًا كُنَّ أَمْ إناثًا)) [81] أخرجه من طرق: أبو داودَ (2835)، والتِّرمِذيُّ (1516) واللَّفظُ له، والنَّسائيُّ (4218). صححه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2835)، وحسَّنه النَّوويُّ في ((المجموع)) (8/393)، وقال التِّرمِذيُّ: حسَنٌ صحيحٌ. وذهب إلى تصحيحه ابنُ حبان في ((صحيحهـ)) (5312)، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (121)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (9/277)، وابن القيم في ((تحفة المودود)) (50). .
أمَّا التَّعليلُ: فلأنَّها ذَبيحةٌ لسُرورٍ حادثٍ؛ فلمْ تَكُنْ واجِبةً، كالوَليمةِ والنَّقيعةِ [82] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (9/459). والنَّقيعةُ -بالنُّونِ والقافِ-: طَعامٌ يُعمَلُ لقُدومِ المُسافِرِ، ويُطلقُ على ما يَعمَلُه المُسافِرُ القادِمُ، وعلى ما يَعمَلُه غَيرُه له. قيل: اشتُقَّ مِنَ النَّقعِ، وهو الغُبارُ؛ لأنَّ المُسافِرَ يَأتي وعليه غُبارُ السَّفَرِ، وقيل: النَّقيعةُ مِنَ اللَّبَنِ: إذا بَرُدَ، وقيل غَيرُ ذلك. يُنظر: ((المجموع)) للنووي (4/ 400)، ((شرح مسلم)) للنووي (9/ 217)، ((فتح الباري)) لابن حجر (6/ 194). .
ما يُعَقُّ به عن الذَّكَرِ وما يُعَقُّ به عن الأُنثى
يُشرَعُ أنْ يُذبَحَ عنِ الذَّكَرِ شاتان، وعنِ الأُنثى [83] قال ابنُ حجر: (ذَكَر الحَلِيميُّ أنَّ الحِكمةَ في كَوْنِ الأُنثى على النِّصفِ مِنَ الذَّكرِ: أنَّ المقصودَ استِبقاءُ النَّفْسِ؛ فأَشبَهَتِ الدِّيَةَ. وقَوَّاه ابنُ القيِّم). ((فتح الباري)) (9/592). شاةٌ [84] وهذا مذهبُ الشَّافِعيَّةِ، والحنابلةِ، والظَّاهريَّةِ، وهو قولُ بعضِ السَّلفِ، واختارَه ابنُ القيِّمِ، والصَّنعانيُّ، والشَّوْكانيُّ، وابنُ بازٍ، وابنُ عثيمين. يُنظر: ((المجموع)) للنَّووي (8/429، 447)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/80)، ((المحلى)) لابن حزم (6/234)، ((التمهيد)) لابن عبد البر (4/314)، ((تحفة المودود)) لابن القيم (ص 65، 68)، ((سبل السلام)) للصنعاني (4/98)، ((الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني)) (5/2519)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (4/262) و(5/219)، ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (25/217). على أنَّه يَتأدَّى أصْلُ السُّنَّةِ عِندَ الشَّافعيَّةِ بواحدةٍ للذَّكرِ، وعندَ الحنابلةِ إنْ عُدِمَ الشَّاتانِ أَجزأَتْ واحدةٌ عنِ الذَّكرِ. .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن يوسُفَ بنِ ماهَكَ، أنَّهم دَخَلوا على حَفصةَ بنتِ عبدِ الرَّحمنِ، فسألُوها عنِ العَقيقةِ، فأَخبرَتْهم أنَّ عائشةَ أَخبرَتْها ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَمَرهُم عنِ الغلامِ شاتانِ مُكافَأتانِ، وعنِ الجاريةِ شاةٌ)) [85] أخرجه الترمذي (1513)، وأحمد (24028) واللفظ لهما، وابن ماجه (3163). صحَّحه ابن حبان في ((صحيحهـ)) (5310)، وابن القيم في ((زاد المعاد)) (2/297)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (9/333)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1513)، وقال التِّرمِذيُّ: حسَنٌ صحيحٌ .
2- عن أُمِّ كُرْزٍ رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّها سَمِعَت النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((عنِ الغلامِ شاتانِ، وعنِ الجاريةِ شاةٌ، لا يَضرُّكُم أذُكْرانًا كُنَّ أَمْ إناثًا)) [86] أخرجه من طرق أبو داودَ (2835) واللَّفظُ له، والتِّرمِذيُّ (1516)، والنَّسائيُّ (4218). صحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2835)، وحسَّنه النَّوويُّ في ((المجموع)) (8/393)، وقال التِّرمِذيُّ: حسَنٌ صحيحٌ. وذهب إلى تصحيحِه ابنُ حِبَّانَ في ((صحيحهـ)) (5312)، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (121)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (9/277)، وابن القيم في ((تحفة المودود)) (50). .
وَقتُ العقيقةِ:
يُستحَبُّ أنْ يَكونَ ذبْحُ العَقيقةِ في اليومِ السَّابعِ [87] ويُحسَبُ يومُ الوِلادةِ مِنَ الأيَّامِ السَّبعةِ، ويَجوزُ ذبْحُ العَقيقةِ قبلَ اليومِ السَّابعِ أو بَعدَه، ولا حَدَّ لآخِرِ وقتٍ للعقيقةِ؛ وذلك لأنَّ المقصودَ يَحصُلُ بذبحِ العَقيقةِ في أيِّ وقتٍ وإنْ فاتَه وقتُ الاستِحبابِ، ويَجوزُ ذبْحُها في أيِّ بلدٍ. يُنظرُ تفصيلُ هذه المسائلِ -وغيرِها ممَّا يتعلَّقُ بأحكامِ العقيقةِ- مع أدلَّتِها في: ((الموسوعة الفِقهيَّة بموقِعِ الدُّرَرِ السَّنيَّةِ))  https://dorar.net/feqhia أمَّا تلطيخُ رأسِ الصَّبيِّ بدمِ العَقيقةِ فلمْ يَرِدْ فيه حديثٌ صحيحٌ، وقد حُكيَ الإجماعُ على أنَّه مِن فِعلِ الجاهليَّةِ، وأنَّه نُسِخ في الإسلامِ، قال ابن رُشْدٍ: (وجميعُ العلماءِ على أنَّه كان يُدَمَّى رأسُ الطِّفلِ في الجاهليَّةِ بدمِها، وأنَّه نُسِخ في الإسلامِ...). ((بداية المجتهد)) (3/16). وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: (ولا أعلمُ أحدًا مِن أهلِ العِلمِ قال: يُدَمَّى رأسُ الصَّبيِّ، إلَّا الحَسنَ وقَتادةَ؛ فإنَّهما قالا: يُطْلَى رأسُ الصَّبيِّ بدمِ العَقيقةِ! وأَنكَر ذلك سائرُ أهلِ العِلمِ). ((التمهيد)) (4/318). مِن يومِ الوِلادةِ [88] وهذا هو مذهبُ الجُمهورِ: المالِكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحنابلةِ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك. يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/389)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/229)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (2/489). وحَكى ابنُ قُدامةَ الاستِحبابَ عن جميعِ مَن قالوا بمشروعيَّتِها. قال ابنُ قُدامةَ: (ولا نَعلمُ خلافًا بَينَ أهلِ العِلمِ القائِلين بمشروعيَّتِها في استِحبابِ ذبْحِها يومَ السَّابعِ). ((المغني)) (9/461). وقال ابنُ القيِّمِ: (هاهنا أربعةُ أمورٍ تَتعلَّقُ بالسَّابعِ: عَقيقتُه، وحلْقُ رأسِه، وتسميتُه، وخِتانُه. فالأوَّلانِ مُستحَبَّانِ في اليومِ السَّابعِ اتِّفاقًا). ((تحفة المودود)) (ص 94). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّة:
عن سَمُرةَ بنِ جُندُبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((كُلُّ غُلامٍ رَهينةٌ بعقيقتِه، تُذبحُ عنه يومَ سابِعِه، ويُحْلَقُ، ويُسمَّى)) [89] أخرجه من طرق أبو داودَ (2838) واللَّفظُ له، والتِّرمِذيُّ (1522)، والنَّسائيُّ (4220). صحَّحه البخاري كما في ((الاستذكار)) لابن عبد البر (2/14)، والبزار في ((البحر الزخار)) (1/401)، وابنُ دقيق العيد في ((الاقتراح)) (121)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (9/333)، وقال التِّرمِذيُّ: حسَنٌ صحيحٌ .
فائدةٌ في الحِكمةِ مِن مشروعيَّةِ العقيقةِ:
1- الشُّكرُ للهِ جلَّ وعَلا على نِعمةِ الوَلَدِ [90] يُنظر: ((فتاوى نور على الدرب)) لابن باز (18/221). .
2- التَّلطُّفُ في إشاعةِ نَسَبِ الوَلَدِ [91] يُنظر: ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (9/369)، ((حجة الله البالغة)) لولي الله الدهلوي (2/223). .
3- الاقتِداءُ بإبراهيمَ الخَليلِ عليه السَّلامُ حين ذَبَح الكبشَ الذي جَعَله اللهُ فِداءً لوَلَدِه إسماعيلَ؛ فصار سُنَّةً في أولادِه بَعدَه: أنْ يَفديَ أحدُهُم وَلَدَه عِندَ وِلادَتِه بذِبْحٍ، فيُخَيَّلُ إليه أنَّه بَذَل ولدَه في سبيلِ اللهِ كما فَعَل إبراهيمُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وفي ذلك تحريكٌ لمعاني الإحسانِ والانقيادِ [92] يُنظر: ((حجة الله البالغة)) لولي الله الدهلوي (2/223). .
4- أنَّها تَكونُ حِرْزًا له مِنَ الشَّيطانِ بعدَ وِلادتِه، كما كان ذِكْرُ اسمِ اللهِ عِندَ وضْعِه في الرَّحمِ حِرْزًا له مِن ضَرَرِ الشَّيطانِ [93] يُنظر: ((تحفة المودود بأحكام المولود)) لابن القيم (ص 64). .
5- أنَّها تَفُكُّ رهْنَ المولودِ [94] قال ابنُ القيِّمِ: (جَعَل اللهُ سبحانه النَّسيكةَ عنِ الولدِ سببًا لفكِّ رِهانِه مِنَ الشَّيطانِ الذي يَعلَقُ به مِن حينِ خُروجِه إلى الدُّنيا وطَعَن في خاصِرَتِه؛ فكانت العَقيقةُ فِداءً وتخليصًا له مِن حبْسِ الشَّيطانِ له، وسَجْنِه في أسْرِه ومنْعِه له مِن سَعيِه في مصالِحِ آخِرتِه التي إليها مَعادُهـ). ((تحفة المودود بأحكام المولود)) (ص: 74). وقال ابنُ حَجَرٍ: (قال الخَطَّابيُّ: اختَلف النَّاسُ في هذا، وأجوَدُ ما قيل فيه ما ذَهَب إليه أحمدُ بنُ حنبَلٍ، قال: هذا في الشَّفاعةِ، يريدُ: أنَّه إذا لم يُعَقَّ عنه فمات طفلًا لم يَشفَعْ في أبَوَيهـ). ((فتح الباري)) (9/594). وقال: (وقيل: معناه: أنَّ العَقيقةَ لازِمةٌ لا بدَّ منها، فشَبَّه المولودَ في لُزومِها وعَدَمِ انفكاكِه منها بالرَّهْنِ في يدِ المُرتَهِنِ. وهذا يُقوِّي قولَ مَن قال بالوجوبِ. وقيل: المعنى: أنَّه مَرهونٌ بأذَى شَعرِه؛ ولذلك جاء: فأَمِيطوا عنه الأذَى). .

انظر أيضا: