موسوعة الآداب الشرعية

خامسًا: البُعدُ عنِ الإتلافِ مِن غَيرِ موجِبٍ


مِنَ الأدَبِ مَعَ البيئةِ: المُحافَظةُ عليها وعلى مُكَوِّناتِها وعناصِرِها مِنَ الإتلافِ والإهلاكِ مِن غَيرِ سَبَبٍ ولا فائِدةٍ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1-عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((نَزَلَ نَبيٌّ مِنَ الأنبياءِ تَحتَ شَجَرةٍ، فلَدَغَته نَملةٌ، فأمَر بجَهازِه فأُخرِجَ مِن تَحتِها، ثُمَّ أمَرَ ببَيتِها فأُحرِقَ بالنَّارِ، فأوحى اللهُ إليه: فهَلَّا نَملةً واحِدةً!)) [465] أخرجه البخاري (3319) واللَّفظُ له، ومسلم (2241). .
وفي رِوايةٍ: ((أنَّ نَملةً قَرَصَت نَبيًّا مِنَ الأنبياءِ، فأمَر بقَريةِ النَّملِ فأُحرِقَت، فأوحى اللهُ إليه: أفي أنْ قَرَصَتك نَملةٌ أهلَكتَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ تُسَبِّحُ؟!)) [466] أخرجها مُسلِم (2241). .
2-عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((عُذِّبَتِ امرَأةٌ في هرَّةٍ، لم تُطعِمْها، ولم تَسقِها، ولم تَترُكْها تَأكُلُ مِن خَشاشِ الأرضِ [467] خَشاشُ الأرضِ: هَوامُّها وحَشَراتُها وما أشبَهَ ذلك. يُنظر: ((غريب الحديث)) للقاسم بن سلام (2/ 400)، ((أعلام الحديث)) للخطابي (3/ 1574). ) [468] أخرجه البخاري (3318)، ومسلم (2243) واللفظ له.
وفي رِوايةٍ: ((دَخَلتِ امرَأةٌ النَّارَ مِن جَرَّاءِ هِرَّةٍ لها -أو هِرٍّ- رَبطَتها، فلا هي أطعَمَتها، ولا هي أرسَلَتها تَرَمرَمُ [469] تَرَمْرَمُ: أي: تتناوَلُ ذلك بشَفَتَيها وتأكُلُ، مأخوذٌ من المَرمَّةِ، وهي الشَّفَةُ، ويُقالُ: البَقَرُ تَرَمرَمُ مِن كلِّ الشَّجَرِ. ينظر: ((المعلم)) للمازري (3/ 304)، ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (3/ 154)، ((الإفصاح)) لابن هبيرة (8/ 29)، ((شرح مسلم)) للنووي (16/ 173). مِن خَشاشِ الأرضِ حتَّى ماتَت هَزلًا)) [470] أخرجها مسلم (2619). .
3- عن عَبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((عُذِّبَتِ امرَأةٌ في هرَّةٍ سَجَنتها حتَّى ماتَت، فدَخَلت فيها النَّارَ؛ لا هي أطعَمَتها ولا سَقَتها إذ حَبَسَتها، ولا هي تَرَكتها تَأكُلُ مِن خَشاشِ الأرضِ)) [471] أخرجه البخاري (3482) واللفظ له، ومسلم (2242). .
4- عن نافِعِ بنِ عُمَرَ، قال: حَدَّثَني ابنُ أبي مُلَيكةَ، عن أسماءَ بنتِ أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صَلَّى صَلاةَ الكُسوفِ، فقامَ فأطال القيامَ، ثُمَّ رَكعَ فأطال الرُّكوعَ، ثُمَّ قامَ فأطال القيامَ، ثُمَّ رَكعَ فأطال الرُّكوعَ، ثُمَّ رَفعَ، ثُمَّ سَجَد، فأطال السُّجودَ، ثُمَّ رَفعَ، ثُمَّ سَجَدَ، فأطال السُّجودَ، ثُمَّ قامَ، فأطال القيامَ، ثُمَّ رَكعَ فأطال الرُّكوعَ، ثُمَّ رَفعَ فأطال القيامَ ثُمَّ رَكعَ، فأطال الرُّكوع، ثُمَّ رَفعَ، فسَجَدَ، فأطال السُّجودَ، ثُمَّ رَفعَ، ثُمَّ سَجَدَ، فأطال السُّجودَ، ثُمَّ انصَرَف، فقال: "قَد دَنَت مِنِّي الجَنَّةُ، حتَّى لوِ اجتَرَأتُ عليها لجِئتُكُم بقِطافٍ مِن قِطافِها، ودَنَت مِنِّي النَّارُ حتَّى قُلتُ: أيْ رَبِّ، وأنا مَعَهم؟ فإذا امرَأةٌ -حَسِبتُ أنَّه قال- تَخدِشُها هِرَّةٌ، قُلتُ: ما شَأنُ هذه؟ قالوا: حَبَسَتها حتَّى ماتَت جوعًا، لا أطعَمَتها، ولا أرسَلَتها تَأكُلُ -قال نافِعٌ: حَسِبتُ أنَّه قال:- مِن خشيشِ، أو خَشاشِ الأرضِ)) [472] أخرجه البخاري (745). .
5- عن جابِرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((كسَفتِ الشَّمسُ على عَهدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في يَومٍ شَديدِ الحَرِّ، فصَلَّى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأصحابِه، فأطال القيامَ، حتَّى جَعَلوا يَخِرُّونَ، ثُمَّ رَكعَ فأطال، ثُمَّ رَفعَ فأطال، ثُمَّ رَكعَ فأطال، ثُمَّ رَفعَ فأطال، ثُمَّ سَجَدَ سَجدَتينِ، ثُمَّ قامَ فصَنَعَ نَحوًا مِن ذاك، فكانت أربَعَ رَكعاتٍ، وأربَعَ سَجَداتٍ، ثُمَّ قال: إنَّه عُرِضَ عليَّ كُلُّ شيءٍ تُولَجونَه [473] تُولَجونَه: أي: تُدخَلونَه وتصيرون إليه من جنَّةٍ ونارٍ وقَبرٍ ومَحشَرٍ وغَيرِها. ينظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (3/ 341)، ((مشارق الأنوار)) لعياض (2/ 286)، ((شرح مسلم)) للنووي (6/ 207). ، فعُرِضَت عليَّ الجَنَّةُ، حتَّى لو تَناوَلتُ مِنها قِطفًا أخَذتُه -أو قال: تَناوَلتُ مِنها قِطْفًا- فقَصُرَت يَدي عنه، وعُرِضَت عليَّ النَّارُ، فرَأيتُ فيها امرَأةً مِن بَني إسرائيلَ تُعَذَّبُ في هرَّةٍ لها؛ رَبَطَتها فلم تُطعِمْها، ولم تَدَعْها تَأكُلُ مِن خَشاشِ الأرضِ، ورَأيتُ أبا ثُمامةَ عَمرَو بنَ مالِكٍ يَجُرُّ قُصْبَه [474] القُصْبُ: مُفرَدُ الأقصابِ، وهي الأمعاءُ. يُنظر: ((غريب الحديث)) للقاسم بن سلام (3/ 388)، ((تهذيب اللغة)) لأبي منصور الأزهري (8/ 294). في النَّارِ، وإنَّهم كانوا يَقولونَ: إنَّ الشَّمسَ والقَمَرَ لا يَخسِفانِ إلَّا لمَوتِ عَظيمٍ، وإنَّهما آيَتانِ مِن آياتِ اللهِ يُريكُموهما، فإذا خَسَفا فصَلُّوا حتَّى تَنجَليَ)) [475] أخرجه مسلم (904). .
6-عن سَعيدِ بنِ جُبَيرٍ، قال: مَرَّ ابنُ عُمَرَ بنَفرٍ قَد نَصَبوا دَجاجةً يترامَونها، فلمَّا رَأوا ابنَ عُمَرَ تَفرَّقوا عنها، فقال ابنُ عُمَرَ: مَن فَعلَ هذا؟! ((إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعَنَ مَن فَعلَ هذا)) [476] أخرجه البخاري (5515)، ومسلم (1958) واللفظ له. .
وفي رِوايةٍ: مَرَّ ابنُ عُمَرَ بفِتيانٍ مِن قُريشٍ قَد نَصَبوا طيرًا وهم يَرمونَه، وقد جَعَلوا لصاحِبِ الطَّيرِ كُلَّ خاطِئةٍ مِن نَبلِهم، فلمَّا رَأوا ابنَ عُمَرَ تَفرَّقوا، فقال ابنُ عُمَرَ: مَن فَعَل هذا؟! لعَنَ اللهُ مَن فعَل هذا! ((إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شيئًا فيه الرُّوحُ غَرَضًا)) [477] أخرجه مسلم (1958). .
وفي أخرى: عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه دَخَل على يَحيى بنِ سَعيدٍ، وغُلامٌ مِن بَني يَحيى رابطٌ دَجاجةً يَرميها، فمَشى إليها ابنُ عُمَرَ حتَّى حَلَّها، ثُمَّ أقبَلَ بها وبالغُلامِ مَعَه، فقال: ازجُروا غُلامَكُم عن أن يَصبِرَ هذا الطَّيرَ للقَتلِ؛ ((فإنِّي سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى أن تُصبَرَ بَهيمةٌ [478] أي: أن تُحَبسَ للرَّميِ، وكانوا يَحبِسونَها ويَرمونَها بالنَّبلِ. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (3/ 198). وقال ابنُ بَطَّالٍ في نَهيِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن تُصبَرَ البَهائِمُ: (هو الطَّائِرُ وغيرُه مِن ذَواتِ الرُّوحِ، يُصبَرُ حيًّا ثُمَّ يُرمى حتَّى يُقتَلَ، وأصلُ الصَّبرِ: الحَبسُ، وكُلُّ مَن حَبَسَ شيئًا فقَد صَبرَه. ومِنه قيل للرَّجُلِ يُقَدَّمُ فيُضرَبُ عُنُقُه: قُتِل صَبرًا. عَنى: أُمسِكَ للمَوتِ). ((شرح صحيح البخاري)) (5/ 427). وقال الخَطَّابيُّ: (أصلُ الصَّبرِ الحَبسُ، ومنه قيل: قُتِل فُلانٌ صَبرًا، أي: قَهرًا أو حَبسًا على المَوتِ، وإنَّما نُهيَ عَن ذلك لِما فيه مِن تَعذيبِ البَهيمةِ). ((معالم السنن)) (4/ 277). أو غيرُها للقَتلِ)) [479] أخرجها البخاري (5514). .

انظر أيضا: