موسوعة الآداب الشرعية

ثالثًا: عَدَمُ قَضاءِ الحاجةِ في مَواطِنِ اجتِماعِ النَّاسِ وانتِفاعِهم


لا يَجوزُ قَضاءُ الحاجةِ في الطَّريقِ، وظِلِّ النَّاسِ النَّافِعِ [434] المُرادُ مِنَ الظِّلِّ: المَوضِعُ الذي يَستظِلُّه النَّاسُ، واتَّخَذوه مَحَلَّ نُزولِهم، وليسَ كُلُّ ظِلٍّ يَحرُمُ القُعودُ للحاجةِ فيه؛ فقد قَعَدَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لحاجَتِه تَحتَ حائِشٍ مِنَ النَّخلِ. يُنظر: ((شرح السنة)) للبغوي (1/384). ، وتَحتَ الشَّجَرِ المُثمِرِ، ومواردِ الماءِ، وغَيرِ ذلك مِن أماكِنِ تَجَمُّعِ النَّاسِ، أو مَواطِنِ انتِفاعِهم [435] وهو قَولٌ لبَعضِ المالكيَّةِ، ورِوايةٌ عِندَ أحمَدَ. يُنظر: ((حاشية العدوي على شرح مختصر خليل للخرشي)) (1/145)، ((المغني)) لابن قدامة (1/122). وممن اختاره: النَّوَويُّ، وابنُ عُثَيمين. قال النَّوويُّ: (ظاهرُ كَلامِ المُصَنِّفِ والأصحابِ أنَّ فِعلَ هذه المَلاعِنِ أو بَعضِها مَكروهٌ كَراهةَ تَنزيهٍ لا تَحريمٍ، ويَنبَغي أن يَكونَ مُحَرَّمًا؛ لهذه الأحاديثِ، ولِما فيه مِن إيذاءِ المُسلِمينَ، وفي كَلامِ الخَطَّابيِّ وغَيرِه إشارةٌ إلى تَحريمِهـ). ((المجموع)) (2/87). وقال ابنُ عُثيمين: (يَحرُمُ البَولُ والتَّغَوُّطُ تَحتَ شَجَرةٍ عليها ثَمَرةٌ... وهناكَ أشياءُ لا يَجوزُ البَولُ فيها ولا التَّغَوُّطُ غَيرَ ما ذَكَرَه المُؤَلِّفُ، كالمَساجِدِ... وكذلك المَدارِسُ، فكُلُّ مُجتَمَعاتِ النَّاسِ لأمرٍ دينيٍّ أو دُنيَويٍّ لا يَجوزُ للإنسانِ أن يَتَبَوَّلَ فيها أو يَتَغَوَّطَ. والعِلَّةُ: القياسُ على نَهيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ البَولِ في الطُّرُقاتِ وظِلِّ النَّاسِ). ((الشرح الممتع)) (1/128،129). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
عُمومُ قَولِه تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا *الأحزاب: 58*.
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ قَضاءَ الحاجةِ في مواطِنِ انتِفاعِ النَّاسِ وتَجَمُّعِهم أذيَّةٌ للمُسلِمينَ، وقد جاءَ في أذيَّتِهمُ الوعيدُ المَذكورُ في الآيةِ [436] ((المجموع)) للنووي (2/87). .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اتَّقُوا اللَّعَّانَينِ [437] يعني: الأمرَينِ الجالبَينِ للَّعنِ الحامِلينَ النَّاسَ عليه والدَّاعيَينِ إليه؛ وذلك أنَّ مَن فَعَلَهما لُعِنَ وشُتِمَ، فلمَّا صارا سَبَبًا لذلك أُضيفَ إليهما الفِعلُ، فكان كأنَّهما اللَّاعِنانِ، وقد يَكونُ اللَّاعِنُ أيضًا بمَعنى المَلعونِ، فاعِلٌ بمَعنى مَفعولٍ، كما قالوا: سِرٌّ كاتِمٌ، أي: مَكتومٌ، وعيشةٌ راضيةٌ، أي: مَرضيَّةٌ. يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (1/ 21). ، قالوا: وما اللَّعَّانانِ يا رَسولَ اللهِ؟ قال: الذي يَتَخَلَّى في طَريقِ النَّاسِ، أو في ظِلِّهم)) [438] أخرجه مسلم (269). .
2- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه: عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((أنَّه نَهى أن يُبالَ في الماءِ الرَّاكِدِ [439] الماءُ الرَّاكِدُ: هو الدَّائِمُ السَّاكِنُ الذي لا يجري. يُنظر: ((غريب الحديث)) للقاسم بن سلام (1/ 281)، ((تهذيب اللغة)) للأزهري (10/ 68). ) [440] أخرجه مسلم (281). .
قال ابنُ الجَوزيِّ: (الرَّاكِدُ: المُقيمُ الذي لا يَجري، ولا يَخلو مِن حالَينِ: إمَّا أن يَكونَ قَليلًا فيُنَجَّسُ بالبَولِ، أو كَثيرًا لا يُنَجِّسُه البَولُ، فاستِدامةُ البَولِ فيه تُغَيِّرُ ريحَه وتُقَذِّرُه إلى المُستَعمِلينَ مِنهـ) [441] ((كشف المشكل)) (3/ 94). .
3- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((لا يَبولَنَّ أحَدُكُم في الماءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغتَسِلُ مِنهـ)) [442] أخرجه مسلم (282). .
وفي رِوايةٍ: ((لا تَبُلْ في الماءِ الدَّائِمِ الذي لا يَجري، ثُمَّ تَغتَسِلُ مِنهـ)) [443] أخرجه مسلم (282). .

انظر أيضا: