فَوائِدُ مُتفَرِّقةٌ:
1-يُروى أنَّ مَروانَ بنَ الحَكمِ لمَّا انصَرَف مِن مِصرَ إلى الشَّامِ، استَعمَل عَبدَ العَزيزِ ابنَه على مِصرَ، وقال له حينَ ودَّعه: (إن كان بك غَضَبٌ على أحَدٍ مِن رَعيَّتِك فلا تُؤاخِذْه به عِندَ سَورةِ الغَضَبِ، واحبِسْ عنه عُقوبتَك حتَّى يسكُنَ غَضَبُك، ثُمَّ يكونَ مِنك ما يكونُ وأنتَ ساكِنُ الغَضَبِ مُنطِفئُ الجَمرةِ؛ فإنَّ أوَّلَ من جَعل السِّجنَ كان حَليمًا ذا أناةٍ)
[420] ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (1/40). .
2- قال ابنُ قُتَيبةَ: (أتى عُمَرَ بنَ عَبدِ العَزيزِ رَجُلٌ كان واجِدًا عليه، فقال: لولا أنِّي غَضبانُ لعاقَبتُك. وكان إذا أرادَ أن يُعاقِبَ رَجُلًا حَبسَه ثَلاثةَ أيَّامٍ، فإذا أرادَ بَعدَ ذلك أن يُعاقِبَه عاقَبَه؛ كَراهةَ أن يَعجَلَ عليه في أوَّلِ غَضَبِه.
وأسمَعَه رَجُلٌ كَلامًا، فقال له: أرَدتَ أن يَستَفِزَّني الشَّيطانُ بعِزِّ السُّلطانِ، فأنالَ مِنك اليَومَ ما تَنالُه مِنِّي غَدًا، انصَرِفْ رَحِمَك اللهُ!
قال لُقمانُ الحَكيمُ: ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيه فقدِ استَكمَل الإيمانَ: مَن إذا رَضيَ لم يُخرِجْه رِضاه إلى الباطِلِ، وإذا غَضِبَ لم يُخرِجْه غَضَبُه مِنَ الحَقِّ، وإذا قَدَرَ لم يَتَناوَلْ ما ليسَ لهـ)
[421] ((عيون الأخبار)) (1/405). .
3- قال الخَطَّابُ بنُ المُعلَّى المَخزوميُّ لابنِه: (إنْ سُفِهَ عليك فاحلُمْ، وإذا هَدَأ غَضَبُك فتَكلَّمْ، وأكرِمْ عِرضَك، وألقِ الفُضولَ عنك)
[422] ((روضة العقلاء)) لابن حبان (ص: 199). .
4- قال ابنُ حِبَّان: (أحسَنُ النَّاسِ عَقلًا مَن لم يَحرَدْ
[423] حَرِدَ الرَّجُلُ: أزعَجَه الغَضَبُ، ويُقالُ: حَرِدَ الرَّجُلُ فهو حَرِدٌ: إذا اغتاظَ فتَحَرَّشَ بالذي غاظَه وهَمَّ به، فهو حارِدٌ. يُنظر: ((الزاهر في معاني كلمات الناس)) لابن الأنباري (1/ 445)، ((تهذيب اللغة)) لأبي منصور الأزهري (4/ 239). ، وأحضَرُ النَّاسِ جَوابًا مَن لم يَغضَبْ، وسُرعةُ الغَضَبِ أنَكى في العاقِلِ مِنَ النَّارِ في يَبَسِ العَوسَجِ
[424] العَوسَجُ: شَجَرٌ كَبيرُ الشَّوكِ، وهو ضُروبٌ شَتَّى. يُنظر: ((العين)) للخليل (1/ 213). ؛ لأنَّ مَن غَضِبَ زايَلَه عَقلُه فقال ما سَوَّلت له نَفسُه وعَمِل ما شانَه وأرداه.
وسُرعةُ الغَضَبِ مِن شيَمِ الحَمقى، كَما أنَّ مُجانَبَتَه مِن زيِّ العُقَلاءِ، والغَضَبُ بَذرُ النَّدَمِ؛ فالمَرءُ على تَركِه قَبلَ أن يَغضَبَ أقدَرُ على إصلاحِ ما أفسَدَ به بَعدَ الغَضَبِ.
والواجِبُ على العاقِلِ إذا ورَدَ عليه شَيءٌ بضِدِّ ما تَهواه نَفسُه أن يَذكُرَ كَثرةَ عِصيانِه رَبَّه، وتَواتُرَ حِلمِ اللهِ عنه، ثُمَّ يُسَكِّن غَضَبَه، ولا يُزري بفِعلِه الخُروج إلى ما لا يَليقُ بالعُقَلاءِ في أحوالِهم مَعَ تَأمُّلِ وُفورِ الثَّوابِ في العُقبى بالاحتِمالِ ونَفيِ الغَضَبِ.
ولو لم يَكُنْ في الغَضَبِ خَصلةٌ تُذَمُّ إلَّا إجماعُ الحُكَماءِ قاطِبةً على أنَّ الغَضبانَ لا رَأيَ له لكان الواجِبُ عليه الاحتيالَ لمُفارَقَتِه بكُلِّ سَبَبٍ
والغَضبانُ لا يَعذِرُه أحَدٌ في طَلاقٍ ولا عَتاقٍ، ومِنَ الفُقَهاءِ مَن عَذَر السَّكرانَ في الطَّلاقِ والعتاقِ، والخَلقُ مَجبولونَ على الغَضَبِ والحِلمِ مَعًا، فمَن غَضِبَ وحَلَم في نَفسِ الغَضَبِ فإنَّ ذلك ليسَ بمَذمومٍ ما لم يُخرِجْه غَضَبُه إلى المَكروهِ مِنَ القَولِ والفِعلِ، على أنَّ مُفارَقَتَه في الأحوالِ كُلِّها أحمَدُ)
[425] يُنظر: ((روضة العقلاء)) (ص: 138-141). .
5- عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((لمَّا صَوَّرَ اللهُ آدَمَ في الجَنَّةِ تَرَكَه ما شاءَ اللهُ أن يَترُكَه، فجَعَل إبليسُ يُطيفُ به، يَنظُرُ ما هو، فلمَّا رَآه أجوَفَ عَرَف أنَّه خُلِقَ خَلقًا لا يَتَمالَكُ)) [426] أخرجه مسلم (2611). .
قال النَّوويُّ: («يُطيفُ به» قال أهلُ اللُّغةِ: طاف بالشَّيءِ يَطوفُ طَوفًا وطَوافًا، وأطاف يُطيفُ: إذا استَدارَ حَوالَيه.
قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «فلمَّا رَآه أجوَفَ عَلمَ أنَّه خُلِقَ خَلقًا لا يَتَمالكُ» الأجوَفُ: صاحِبُ الجَوفِ، وقيل: هو الذي داخِلُه خالٍ.
ومَعنى: «لا يَتَمالَكُ» لا يَملِكُ نَفسَه ويَحبِسُها عنِ الشَّهَواتِ، وقيل: لا يَملِكُ دَفعَ الوسواسِ عنه، وقيل: لا يَملِكُ نَفسَه عِندَ الغَضَبِ. والمُرادُ جِنسُ بَني آدَمَ)
[427] ((شرح مسلم)) (16/ 164). .