موسوعة الآداب الشرعية

رابعًا: مُمارَسةُ الرِّياضةِ


يَنبَغي مُمارَسةُ رياضةٍ مُباحةٍ تَزيدُ في القوَّةِ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
قال تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال: 60] .
ب-مِنَ السُّنَّةِ
1-عن عُقبةَ بنِ عامِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو على المِنبَرِ يَقولُ: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال: 60] ، ألا إنَّ القوَّةَ الرَّميُ، ألا إنَّ القوَّةَ الرَّميُ، ألا إنَّ القوَّةَ الرَّميُ)) [46] أخرجه مسلم (1917). .
2-عنِ الحارِثِ بنِ يَعقوبَ، عن عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ شِماسةَ، أنَّ فُقَيمًا اللَّخْميَّ قال لعُقبةَ بنِ عامِرٍ: تَختَلفُ بَينَ هَذَينِ الغَرَضَينِ وأنتَ كَبيرٌ يَشُقُّ عليك! قال عُقبةُ: لولا كَلامٌ سَمِعتُه مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم أُعانِيه، قال الحارِثُ: فقُلتُ لابنِ شِماسةَ: وما ذاكَ؟ قال: إنَّه قال: ((مَن عَلِم الرَّميَ ثُمَّ تَرَكَه، فليسَ مِنَّا، أو: قد عَصى)) [47] أخرجه مسلم (1919). .
3-عن سَلَمةَ بنِ الأكوَعِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((مَرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على نَفرٍ مِن أسلَمَ ينتَضِلون [48] الانتِضالُ: الرَّميُ بالسِّهامِ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (5/ 44). ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ارُموا بَني إسماعيلَ؛ فإنَّ أباكُم كان راميًا، ارموا وأنا مَعَ بَني فُلانٍ. قال: فأمسَكَ أحَدُ الفريقَينِ بأيديهم، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ما لَكم لا تَرمونَ؟ قالوا: كيف نَرمي، وأنتَ مَعَهم؟! فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ارموا؛ فأنا مَعَكُم كُلِّكُم)) [49] أخرجه البخاري (2899). .
4-عن عُقبةَ بنِ عامِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((ستُفتَحُ عليكُم أرَضونَ، ويَكفيكُمُ اللَّهُ، فلا يَعجِزُ أحَدُكُم أن يَلهوَ بأسهُمِهـ)) [50] أخرجه مسلم (1918). .
5-عن نافِعٍ، عن عَبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم سابَقَ بَينَ الخَيلِ التي أُضمِرَت [51] إضمارُ الخَيلِ: هو أن تُعلَفَ الخَيلُ حَتَّى تَسمَنَ وتَقْوى، ثُمَّ يُقَلَّلَ عَلَفُها بقَدرِ القُوتِ وتَدخُلَ بَيتًا وتُغشى بالغِطاءِ حَتَّى تَحمى فتَعرَقَ، فإذا جَفَّ عَرَقُها خَفَّ لَحمُها وقَويَت على الجَريِ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (6/ 72).. مِنَ الحَفياءِ، وأَمَدُها ثَنيَّةُ الوَداعِ، وسابَق بَينَ الخَيلِ التي لَم تُضمَرْ مِنَ الثَّنيَّةِ إلى مَسجِدِ بَني زُرَيقٍ))، وأنَّ عَبدَ اللَّهِ بنَ عُمَرَ كان فيمَن سابَقَ بها [52] أخرجه البخاري (420) واللَّفظُ له، ومسلم (1870). .
قال النَّوويُّ: (فيه جَوازُ المُسابَقةِ بَينَ الخَيلِ، وجَوازُ تَضميرِها، وهما مُجمَعٌ عليهما للمَصلحةِ في ذلك، وتَدريبِ الخَيلِ ورياضَتِها وتَمَرُّنِها على الجَريِ وإعدادِها لذلك؛ ليُنتَفَعَ بها عِندَ الحاجةِ في القِتالِ كَرًّا وفَرًّا) [53] ((شرح مسلم)) (13/ 14). .
فائِدةٌ:
قال القاسِميُّ: (يَقولُ بَعضُهم: إنَّ الرِّياضةَ الجَسَديَّةَ في الألعابِ الرِّياضيَّةِ صِحِّيَّةٌ أخلاقيَّةٌ؛ إذ يُستَعانُ على صَرفِ أهواءِ الشُّبَّانِ عَمَّا يَضُرُّهم، والأخذِ بها إلى ما يُفيدُهم؛ فإنَّ في النَّفسِ مُيولًا مُتَعَدِّدةً وأهواءً مُتَبايِنةً كامِنةً، فما استُعمِل مِنها ونَشِطَ نَما وتَغَلَّب على مُبايِنِه، وأصبَحَ مَلَكةً راسِخةً؛ ولذلك يَجِبُ أن يُعدلَ مَيلُ الشُّبَّانِ، ويُصرَفوا عنِ الضَّارِّ إلى النَّافِعِ، ويُستَعانُ بالألعابِ الرِّياضيَّةِ على ذلك.
والألعابُ الرِّياضيَّةُ مُتَعَدِّدةٌ، وليسَت كُلُّها نافِعةً؛ فعلينا أن نَختارَ الأنفَعَ مِنها للصِّحَّةِ، ونَصرِفَ النَّظَرَ عَمَّا لا يُقصَدُ به إلَّا إلفاتُ نَظَرِ مُتَفرِّجٍ جَلبًا للدِّرهَمِ مِمَّا لا طائِلَ تَحتَه.
وما نُؤثِرُه حَريٌّ أن نَنظُرَ فيه مِن وجهَينِ:
أحَدُهما: النَّفعُ الصِّحِّيُّ.
وثانيهما: ضَرورةُ الاحتياجِ إليه في وقتٍ ما؛ فإنَّ الحَياةَ عُرضةٌ للأخطارِ، كَما تَمَسُّ الحاجةُ إلى مَعرِفةِ السِّباحةِ والعَدْوِ؛ تَحَفُّظًا مِنَ الغَرَقِ وأهوالِ الحَربِ، وقد أثبَتَ التَّحقيقُ أنَّ مِن جُملةِ ما أعانَ على انتِصارِ بَعضِ الدُّوَلِ في المَواقِعِ البَرِّيَّةِ كَونَ بلادِهم جَبَليَّةً، وهم مُرَوَّضونَ على الصُّعودِ والنُّزولِ فيها) [54] ((جوامع الآداب)) (ص: 91، 92). .

انظر أيضا: