موسوعة التفسير

سورةُ الصَّافَّاتِ
الآيات (50-61)

ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ

غَريبُ الكَلِماتِ:

قَرِينٌ: أي: صاحِبٌ وصَديقٌ مُلازِمٌ، والاقتِرانُ: الازدِواجُ واجتِماعُ شَيئينِ أو أشياءَ في معنًى مِنَ المعاني، وأصلُ (قرن): يدُلُّ على جَمعِ شَيءٍ إلى شَيءٍ [352] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 371)، ((تفسير ابن جرير)) (19/543)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/76)، ((المفردات)) للراغب (ص: 667)، ((تفسير القرطبي)) (15/82). .
لَمَدِينُونَ: أي: لَمَجزيُّونَ، ومُحاسَبونَ، وأصلُ (دين): يدُلُّ على جِنسٍ مِنَ الانقيادِ [353] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 371)، ((تفسير ابن جرير)) (19/545)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/319)، ((تفسير القرطبي)) (15/82)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 352). .
سَوَاءِ الْجَحِيمِ: أي: وَسَطِ النَّارِ، وأصلُ (سوي): يدُلُّ على استقامةٍ واعتدالٍ بيْنَ شيئينِ، وأصلُ (جحم): يدُلُّ على عِظَمِ الحَرارةِ وشِدَّتِها [354] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 371)، ((تفسير ابن جرير)) (19/547)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 267)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/429) و(3/112). .
لَتُرْدِينِ: أي: لَتُهلِكُني، والرَّدَى: الهلاكُ، والتَّرَدِّي: التَّعَرُّضُ للهَلاكِ، وأصلُ (ردي): يدُلُّ على رَميٍ أو تَرامٍ وما أشْبَهَ ذلك [355] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 371)، ((تفسير ابن جرير)) (19/549)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/506)، ((المفردات)) للراغب (ص: 351)، ((تفسير القرطبي)) (15/84)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 352). .
الْمُحْضَرِينَ: أي: المُعَذَّبينَ في النَّارِ، وأصلُ (حضر): يدُلُّ على وُرودٍ ومُشاهَدةٍ [356] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 334)، ((تفسير ابن جرير)) (19/550)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/75)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 320). .

المعنى الإجماليُّ:

يُخبِرُ تعالى أنَّه يُقبِلُ بَعضُ أهلِ الجنَّةِ على بَعضٍ يَتساءَلون، فيقولُ قائِلٌ منهم لأصحابِه: إنِّي كان لي قَرينٌ في الدُّنيا يقولُ لي: أَئِنَّك لَتُصَدِّقُ بوُقوعِ البَعثِ والجَزاءِ بعدَ المَوتِ؟! أئِذا مِتْنا وصِرْنا تُرابًا وعِظامًا أئِنَّا لَمُحاسَبونَ على أعمالِنا؟!
فيقولُ هذا المؤمِنُ لأصحابِه في الجنَّةِ: هل أنتم مُطَّلِعونَ؛ لِنَنظُرَ حالَ هذا القَرينِ الَّذي كان يُكَذِّبُ بالبَعثِ؟! فاطَّلعَ المؤمِنُ فرأى قَرينَه الكافِرَ في وَسَطِ الجَحيمِ. فقال المؤمِنُ له: تاللهِ لقد كِدْتَ أن تُهلِكَني بمُحاوَلةِ إغوائِك، ولولا هِدايةُ رَبِّي لي إلى الحَقِّ لَكُنتُ مِنَ المُحضَرينَ معك في النَّارِ.
ثمَّ أقبَلَ المؤمِنُ على أصحابِه مِن أهلِ الجنَّةِ مَسرورًا فقال: أئِنَّا لَمُخَلَّدونَ في هذا النَّعيمِ، ولن نموتَ مَوتةً أُخرى غيرَ مَوتَتِنا الأُولى الَّتي كانت في الدُّنيا، ولن نُعذَّبَ في النَّارِ؟! إنَّ هذا لَهُوَ الفوزُ العظيمُ. لِمِثْلِ هذا النَّعيمِ المُقيمِ فلْيَعمَلِ العامِلونَ في الدُّنيا مِنَ الصَّالحاتِ!

تَفسيرُ الآياتِ:

فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذكَرَ اللهُ تعالى نَعيمَ أهلِ الجنَّةِ، وتمامَ سُرورِهم بالمآكِلِ والمَشارِبِ، والأزواجِ الحِسانِ، والمجالِسِ الحَسَنةِ؛ ذكَرَ تَذاكُرَهم فيما بيْنَهم، ومُطارَحتَهم للأحاديثِ عن الأمورِ الماضيةِ، وأنَّهم ما زالوا في المحادَثةِ والتَّساؤُلِ [357] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 703). .
وأيضًا لَمَّا كان ذلك الاجتِماعُ إنَّما هو للسُّرورِ، وكان السُّرورُ لا يَتِمُّ إلَّا بالمُنادَمةِ، وكان أحلى المُنادَمةِ ما يُذَكِّرُ بحُلولِ نِعمةٍ أو انحِلالِ نِقمةٍ؛ تسَبَّبَ عن ذلك -ولا بُدَّ- قولُه تعالى [358] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/233). :
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50).
أي: فأقبَلَ بَعضُ أهلِ الجنَّةِ على بَعضٍ يَتساءَلونَ فيما بيْنَهم [359] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/542)، ((تفسير القرطبي)) (15/81)، ((تفسير ابن كثير)) (7/15)، ((تفسير السعدي)) (ص: 703).        قال ابنُ كثير: (ذلك مِن حديثِهم على شَرابِهم، واجتِماعِهم في تَنادُمِهم، وعِشرتِهم في مَجالِسِهم، وهم جلوسٌ على السُّرُرِ، والخَدَمُ بيْن أيديهم يَسعَونَ ويَجيئونَ بكُلِّ خَيرٍ عَظيمٍ). ((تفسير ابن كثير)) (7/15). وقال الألوسي: (وتساؤلُهم عن المعارفِ والفضائلِ، وما جرَى لهم وعليهم في الدُّنيا، وما أحلَى تذكُّرَ ما فاتَ عندَ رفاهيةِ الحالِ، وفراغِ البالِ). ((تفسير الألوسي)) (12/88). ويُنظر أيضًا: ((تفسير البيضاوى)) (5/13)، ((تفسير أبي السعود)) (7/192). .
قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51).
أي: قال قائِلٌ مِن أهلِ الجنَّةِ لجُلَسائِه: إنِّي كان لي قَرينٌ [360] قيل: المرادُ به: شَيطانٌ مِن الجِنِّ. وممَّن رُوِيَ عنه هذا القَولُ: مجاهدٌ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/543). وقيل: المرادُ به: صَديقٌ مُلازِمٌ مِن الإنسِ. وممَّن ذهب إلى هذا القَولِ في الجملةِ: ابنُ عطيَّة، والبِقاعي، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/473)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/234)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/115). وممَّن قال بنحوِ هذا القولِ مِن السَّلفِ: ابنُ عبَّاسٍ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/543). وممَّن ذهب إلى إمكانِ حَملِ الآيةِ على كِلا القولينِ: ابنُ كثير، وابنُ عثيمين. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/15)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (ص: 115). قال ابنُ كثير: (كَانَ لِي قَرِينٌ قال مجاهِدٌ: يعني شيطانًا. وقال العَوْفيُّ، عن ابنِ عبَّاسٍ: هو الرَّجُلُ المشركُ يكونُ له صاحِبٌ مِن أهلِ الإيمانِ في الدُّنيا. ولا تَنافيَ بيْن كلامِ مُجاهدٍ وابنِ عبَّاسٍ؛ فإنَّ الشَّيطانَ يكونُ مِن الجِنِّ، فيُوسوِسُ في النَّفْسِ، ويكونُ مِن الإنسِ فيَقولُ كلامًا تَسمَعُه الأُذُنانِ، وكِلاهما مُتعاوِنانِ). ((تفسير ابن كثير)) (7/15). وقيل: المرادُ به صاحِبُ الجنَّتينِ الَّذي قصَّ اللهُ خبَرَه في سورةِ الكَهفِ. وممَّن قال بهذا المعنى: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، والواحديُّ، والقُرطبيُّ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/607)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 909)، ((تفسير القرطبي)) (15/82). في الدُّنيا [361] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/543)، ((تفسير القرطبي)) (15/82)، ((تفسير ابن كثير)) (7/15)، ((تفسير السعدي)) (ص: 703). .
يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52).
أي: كان القَرينُ يَقولُ لي: أئِنَّك لَمِنَ المُصَدِّقينَ بوُقوعِ البَعثِ والحِسابِ والجَزاءِ بعدَ الموتِ [362] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/542، 545)، ((تفسير القرطبي)) (15/82)، ((تفسير ابن كثير)) (7/15)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/234)، ((تفسير السعدي)) (ص: 703). قيل: يقولُ له ذلك على وَجهِ التَّوبيخِ. ومِمَّن قال بهذا المعنى: البيضاوي، والبِقاعي، وأبو السعود، والألوسي. يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/10)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/234)، ((تفسير أبي السعود)) (7/192)، ((تفسير الألوسي)) (12/88). قال البِقاعي: (يُوبِّخُني بذلك، ويَستقصِرُ باعي في النَّظَرِ؛ استِثارةً لِهِمَّتي، وإلهابًا لِنَخوتي وحَمِيَّتي). ((نظم الدرر)) (16/234). وقيل: يقولُ ذلك على وَجهِ التَّعَجُّبِ والتَّكذيبِ والاستِبعادِ، والكُفرِ والعِنادِ. ومِمَّن قال بهذا في الجملةِ: ابنُ كثير، والقاسميُّ. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/15)، ((تفسير القاسمي)) (8/210). قال ابنُ عثيمين: (الآيةُ تحتمِلُ هذا وهذا). ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (ص: 116). ؟!
أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53).
أي: أئِذا مِتْنا وصِرْنا تُرابًا وعِظامًا أئِنَّا لَمُحاسَبونَ ومَجزيُّونَ على أعمالِنا [363] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/545)، ((تفسير القرطبي)) (15/82)، ((تفسير ابن كثير)) (7/15)، ((تفسير السعدي)) (ص: 703)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/116). ؟!
قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54).
أي: قال الرَّجُلُ المؤمِنُ لأصحابِه في الجنَّةِ: هل أنتم مُطَّلِعونَ على النَّارِ وأهلِها، فنَنظُرَ حالَ هذا القَرينِ المكَذِّبِ بالبَعثِ [364] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/546)، ((تفسير القرطبي)) (15/82)، ((تفسير ابن كثير)) (7/16)، ((تفسير السعدي)) (ص: 703)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (ص: 117). قال ابنُ الجوزي: (فأحَبَّ المؤمِنُ أن يَرى قرينَه الكافِرَ، فقال لأهلِ الجنَّةِ: هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ أي: هل تُحِبُّونَ الاطِّلاعَ إلى النَّارِ؛ لِتَعلَموا أين مَنزِلَتُكم مِن مَنزِلَةِ أهلِها؟). ((تفسير ابن الجوزي)) (3/542). ؟
فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55).
أي: فاطَّلعَ المؤمِنُ في النَّارِ فرأى قَرينَه الكافِرَ يُعذَّبُ في وَسَطِ الجَحيمِ [365] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/546)، ((تفسير ابن كثير)) (7/16)، ((تفسير السعدي)) (ص: 704). .
قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56).
أي: قال المؤمِنُ لَمَّا رأى قَرينَه الكافِرَ في النَّارِ: تاللهِ لقد أوشَكْتَ أن تُهلِكَني بمُحاوَلةِ صَرفِك لي عن الإيمانِ بالبَعثِ والجَزاءِ [366] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/549)، ((تفسير ابن كثير)) (7/16)، ((تفسير السعدي)) (ص: 704)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/117، 118). .
وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57).
أي: ولولا أنَّ رَبِّي أنعَمَ علَيَّ بالهدايةِ إلى الحَقِّ والثَّباتِ عليه، لَكُنتُ مِنَ المُحضَرينَ معك في النَّارِ [367] يُنظر: ((تفسير يحيى بن سلام)) (2/833)، ((تفسير ابن جرير)) (19/550)، ((تفسير ابن كثير)) (7/16)، ((تفسير السعدي)) (ص: 704)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/118). !
أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لـمَّا تَمَّم كَلامَه مع الرَّجُلِ الَّذي كان قَرينًا له في الدُّنيا، وهو الآنَ مِن أهلِ النَّارِ؛ عاد إلى مُخاطَبةِ جُلَسائِه مِن أهلِ الجنَّةِ؛ قائِلًا [368] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/334). :
أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59).
أي: قال المُؤمِنُ لأهلِ الجنَّةِ مُغتَبِطًا مَسرورًا بنِعمةِ اللهِ عليهم بالخُلودِ فيها أبدًا: ألَنْ نَموتَ مَوتةً أُخرى غيرَ مَوتَتِنا الأُولى الَّتي كانت في الدُّنيا، ولن نكونَ مِن المُعَذَّبينَ في النَّارِ [369] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/550)، ((تفسير ابن كثير)) (7/16)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/237)، ((تفسير الشوكاني)) (4/456)، ((تفسير السعدي)) (ص: 704)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (ص: 129، 130). ؟!
كما قال تعالى: لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [الدخان: 56، 57].
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذكَرَ اللهُ تعالى نعيمَ الجنَّةِ ووصَفَه بهذه الأوصافِ الجَميلةِ؛ مَدَحَه وشَوَّق العامِلينَ، وحَثَّهم على العَمَلِ، فقال [370] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 703). :
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60).
أي: إنَّ الخُلودَ في الجنَّةِ والنَّجاةَ مِنَ النَّارِ لَهُوَ الفَوزُ العَظيمُ [371] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/608)، ((تفسير يحيى بن سلام)) (2/833)، ((تفسير ابن جرير)) (19/550)، ((تفسير ابن كثير)) (7/16). قال ابنُ عطيَّة: (يحتمِلُ أن يكونَ مِن خِطابِ المؤمِنِ لِقَرينِه... ويحتمِلُ أن يكونَ مِن خِطابِ الله تعالى لمحمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم وأمَّتِه). ((تفسير ابن عطية)) (4/475). وممَّن ذهب إلى أنَّه مِن كلامِ المؤمِنِ: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، وابنُ جرير، والزمخشري، والقرطبي، وابن كثير، والبِقاعي، والشوكاني، واستظهره ابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/608)، ((تفسير ابن جرير)) (19/550)، ((تفسير الزمخشري)) (4/45)، ((تفسير القرطبي)) (15/84)، ((تفسير ابن كثير)) (7/16)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/237)، ((تفسير الشوكاني)) (4/456)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/119). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: ابنُ عبَّاسٍ، وقَتادةُ، والحسَنُ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/551)، ((الدر المنثور)) للسيوطي (7/95). وقيل: يجوزُ أن يكونَ مِن قولِ المؤمنِ وأصحابِه جميعًا. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/45)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (13/153). وظاهِرُ كلامِ السَّمرقنديِّ والسَّعديِّ أنَّه مِن كلام اللهِ تعالى، وهو اختيارُ ابنِ جُزَي. يُنظر: ((تفسير السمرقندي)) (3/142)، ((تفسير ابن جزي)) (2/192)، ((تفسير السعدي)) (ص: 704). .
كما قال تعالى: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران: 185].
لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61).
أي: فلْيَعمَلِ العامِلونَ في الدُّنيا مِنَ الصَّالحاتِ؛ لِيَنالوا مِثلَ هذا النَّعيمِ، والفَوزِ العَظيمِ [372] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/551)، ((الوسيط)) للواحدي (3/526)، ((تفسير البغوي)) (4/32)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/542)، ((تفسير ابن كثير)) (7/16)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/120). قال القرطبي: (يحتمِلُ أن يكونَ مِن كلامِ المؤمِنِ... ويحتمِلُ أن يكونَ مِن قَولِ الملائكةِ. وقيل: هو مِن قَولِ الله عزَّ وجلَّ لأهلِ الدُّنيا). ((تفسير القرطبي)) (15/84). ويُنظر: ((تفسير الألوسي)) (12/91). ومِمَّن قال بأنَّه مِن كلامِ الله تعالى: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، والفَرَّاءُ، وابنُ جرير، والواحديُّ، والبغوي، وابنُ عاشور. ينُظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/608، 609)، ((معاني القرآن)) للفراء (2/385)، ((تفسير ابن جرير)) (19/551)، ((الوسيط)) للواحدي (3/526)، ((تفسير البغوي)) (4/32)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/120). ومِمَّن قال بأنَّه مِن كلامِ المؤمِنِ: الزمخشريُّ، والشوكانيُّ. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/45)، ((تفسير الشوكاني)) (4/456). .
كما قال تعالى: وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا [الكهف: 46] .
وقال سُبحانَه: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين: 26] .

الفَوائِدُ التَّربَويَّةُ:

1- في قَولِه تعالى: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ كمالُ أدبِ أهلِ الجنةِ في أنَّهم عندَ المُحادَثةِ يُقبِلُ بَعضُهم على بَعضٍ، وهذا مِن كَمالِ الأدبِ: أنْ تُقبِلَ إلى مُحَدِّثِك [373] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (ص: 122). .
2- قَولُ الله تعالى: قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ فيه عِبرةٌ مِن الحَذَرِ مِن قُرَناءِ السُّوءِ، ووُجوبِ الاحتراسِ مِمَّا يَدْعُونَ إليه، ويُزَيِّنونَه مِن المهالِكِ [374] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/119). ويُنظر أيضًا: ((تفسير ابن عطية)) (4/473). ، فصُحبةُ الأشرارِ فيها ضَرَرٌ عَظيمٌ، كما بيَّنَه اللهُ عزَّ وجَلَّ في هذه الآيةِ [375] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/226). .
3- في قَولِه تعالى: قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ أنَّه يُندَبُ للإنسانِ أنْ يَنظُرَ في ضَلالِ مَن ضَلَّ؛ لِيَتبَيَّنَ في ذلك قَدْرَ نعمةِ اللهِ عليه في الهدايةِ؛ فإنَّ الأشياءَ إنَّما تَتبيَّنُ بضِدِّها [376] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (ص: 126). .
4- في قَولِه تعالى: وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ أنَّ التَّحَدُّثَ بنِعمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ مَشروعٌ ومأمورٌ به؛ بشَرطِ أنْ يكونَ المقصودُ به الثَّناءَ على اللهِ تعالى، لا الافتخارَ على عبادِ اللهِ [377] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (ص: 133). !
5- قَولُ الله تعالى: لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ فهو أحَقُّ ما أُنفِقَت فيه نفائِسُ الأنفاسِ، وأَولى ما شَمَّر إليه العارِفونَ الأكياسُ، والحَسرةُ كُلُّ الحَسرةِ أن يَمضِيَ على الحازِمِ وَقتٌ مِن أوقاتِه وهو غيرُ مُشتَغِلٍ بالعَمَلِ الَّذي يُقرِّبُ لهذه الدَّارِ، فكيف إذا كان يَسيرُ بخطاياه إلى دارِ البَوارِ [378] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 703). ؟! فينبغي للعاقِلِ أنْ يُذهِبَ أنفاسَه ونَفيسَه ونَفسَه في العَمَلِ لهذه الغايةِ الحَميدةِ: الوُصولِ إلى الجنَّةِ [379] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (ص: 141). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- في قَولِه تعالى: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ كمالُ سُرورِ أهلِ الجنَّةِ، وأنَّهم يَتحادَثونَ ويَتساءَلونَ عمَّا جرَى في الدُّنيا، والتَّحَدُّثُ عمَّا جرَى على الإنسانِ فيما سَبَقَ فيه لَذَّةٌ وراحةٌ للنَّفْسِ [380] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (ص: 121). .
2- قَولُ الله تعالى: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ يدُلُّ على أنَّ النَّاسَ في الآخرةِ تَعودُ إليهم تَذَكُّراتُهم الَّتي كانت لهم في الدُّنيا، مُصَفَّاةً مِن الخواطِرِ السَّيِّئةِ، والأكدارِ النَّفْسانيَّةِ، مُدرِكةً الحقائِقَ على ما هي عليه [381] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/115). .
3- في قَولِه تعالى: إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ أنَّه قد يكونُ أعدَى عَدُوٍّ للإنسانِ مَن كان مُقارِنًا له [382] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (ص: 125). .
4- في قَولِه تعالى: فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ أنَّ أحوالَ يومِ القيامةِ لا تُقاسُ بأحوالِ الدُّنيا؛ فإنَّ هذا يَنظُرُ مِن أعلى عِلِّيِّينَ إلى أسفَلِ السَّافِلينَ، فيَرى صاحبَه في سَواءِ الجَحيمِ، فيَتفرَّعُ على هذه الفائدةِ: أنَّ كُلَّ ما ورَد مِن أحوالِ يومِ القيامةِ -مِمَّا تَستَبعِدُه النُّفوسُ؛ لِعَدمِ مُشاهَدةِ نَظيرِه في الدُّنيا- لا ينبغي أنْ يكونَ مَحَلَّ استِبعادٍ [383] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (ص: 126). .
5- في قَولِه تعالى: وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي جوازُ إضافةِ الشَّيءِ إلى سَبَبِه؛ فلم يَقُلْ: ولولا ربِّي [384] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (ص: 134). !
6- قَولُ الله تعالى: وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ احتُجَّ به على أنَّ الهُدى والضَّلالَ مِنَ اللهِ تعالى [385] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/335). . وفيه حُجَّةٌ على المُعتَزِلةِ والجَهميَّةِ، ألَا ترَى إلى مُخاطَبةِ هذا لِقَرينِه الَّذي كان حَريصًا على إغوائِه في الدُّنيا بما يَقولُ له: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ، فأعلَمَه أنَّه لم يَنْجُ ممَّا كان يَدْعوه إليه قَرينُه ويُزَيِّنُه له إلَّا بنِعمةِ ربِّه، لا بِطاقتِه واستِطاعةِ نَفْسِه [386] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (3/727). .
7- في قَولِه تعالى: وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ أنَّ نجاةَ الإنسانِ مِن عذابِ اللهِ مِن أكبرِ النِّعَمِ، ويدُلُّ لذلك أيضًا قولُه تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة: 3] ؛ حيث جَعَلَ إكمالَ الدِّينِ مِن إتمامِ النِّعمةِ، وبالدِّينِ تكونُ النَّجاةُ مِن النَّارِ، والفَوزُ بدارِ القَرارِ، فمِن أكبَرِ النِّعَمِ بلا شَكٍّ -بل هي أكبَرُ النِّعَمِ- أن يَمُنَّ اللهُ على الإنسانِ بالنَّجاةِ مِن النَّارِ ودُخولِ الجنَّةِ [387] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (ص: 133). .
8- في قَولِه تعالى: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ أنَّ الفوزَ حقيقةً هو الوُصولُ إلى دارِ كرامةِ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ فيَترتَّبُ على هذه الفائدةِ: أنَّ الإنسانَ مهما فاز في الدُّنيا، فإنَّ فَوزَه ليس بشَيءٍ بالنِّسبةِ إلى فَوزِ الآخِرةِ [388] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (ص: 138). .
9- في قَولِه تعالى: لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ رَدٌّ على الجَبرِيَّةِ؛ حيثُ وُجِّهَ الأمرُ إليهم، ونُسِبَ العَمَلُ إليهم؛ لأنَّ الأمرَ بالشَّيءِ لِمَن لا يَستطيعُه: لا شكَّ أنَّه ظُلمٌ وتَكليفٌ بما لا يُطاقُ، وإثباتَ العَمَلِ أيضًا لِمَن لا إرادةَ له يُعَدُّ مَدحًا لغوًا؛ لأنَّ هؤلاء إذا كانوا مُجبَرينَ فلا يَنبغي أنْ يُمدَحوا على مَحبوبٍ، ولا أنْ يُذَمُّوا على مَكروهٍ [389] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (ص: 141). !

بلاغةُ الآياتِ:

1- قولُه تعالَى: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ
- الفاءُ في فَأَقْبَلَ للتَّفْريعِ؛ لأنَّ شأنَ المُتَجالِسينَ في مَسَرَّةٍ أنْ يَشرَعوا في الحديثِ؛ فإنَّ في الحَديثِ مع الأصحابِ والمُنتَدِمينَ لَذَّةً، فإذا استَشْعروا أنَّ ما صاروا إليه مِن النَّعيمِ كان جزاءً على ما سبَقَ مِن إيمانِهم وإخلاصِهم، تذكَّرَ بعضُهم مَن كان يُجادِلُه في ثُبوتِ البَعْثِ والجَزاِء، فحَمِدَ اللهَ على أنْ هَداهُ لعَدَمِ الإصغاءِ إلى ذلك الصَّادِّ؛ فلذلك حُكِيَ إقْبالُ بعضِهم على بعضٍ بالمُساءلةِ بفاءِ التَّعْقيبِ [390] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/115). . وقيل: قَولُه: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ معطوفٌ على قَولِه: يُطَافُ عَلَيْهِمْ، والمعنى: يَشرَبونَ ويَتحادَثونَ على الشَّرابِ، فيُقبِلُ بَعضُهم على بَعضٍ يَتساءَلونَ عَمَّا جرَى لهم وعليهم في الدُّنيا [391] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/44)، ((تفسير الرازي)) (26/333). .
- وجِيءَ في حِكايةِ هذه الحالةِ بصِيَغِ الفِعلِ الماضي فَأَقْبَلَ مع أنَّها مُستقبَلةٌ؛ لإفادةِ تَحقيقِ وُقوعِ ذلك وتَأْكيدِه حتَّى كأنَّه قد وقَعَ، والقَرينةُ هي التَّفريعُ على الأخبارِ المُتعلِّقةِ بأحوالِ الآخِرةِ [392] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/44)، ((تفسير البيضاوي)) (5/10)، ((تفسير أبي حيان)) (9/102)، ((تفسير أبي السعود)) (7/192)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/115)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (8/272). .
- وقيل: سَمَّاه سُؤالًا؛ لأنَّه مع كَونِه أهلًا لِأن يُسألَ عنه، لا يخلو عن سُؤالٍ أدناه سُؤالُ المحادَثِ أن يُصغِيَ إلى الحَديثِ [393] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/233). .
- وحُذِفَ المُتَساءَلُ عنه؛ لدَلالةِ ما بعدَه عليه [394] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/115). . وقيل: حُذِفَ المعمولُ والمقامُ مقامُ لذَّةٍ وسرورٍ؛ فدلَّ ذلك على أنَّهم يَتساءَلون بكلِّ ما يَلتذُّونَ بالتَّحدُّثِ به [395] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 703). .
2- قولُه تعالَى: يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ
- الاستِفْهامُ في أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ مُستعمَلٌ في الإنكارِ، أي: ما كان يحِقُّ لك أنْ تُصدِّقَ بهذا. وسُلِّطَ الاستِفهامُ على حَرفِ التَّوكيدِ؛ لإفادةِ أنَّه بَلَغَه تأكُّدُ إسلامِ قَرينِه، فجاء يُنكِرُ عليه ما تحقَّقَ عندَه، أي: أنَّ إنكارَه إسلامَه بعدَ تحقُّقِ خَبَرِه، ولولا أنَّه تحقَّقَه لَمَا ظَنَّ به ذلك [396] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/116)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (8/272). .
- جُملةُ أَئِذَا مِتْنَا بَيانٌ لِجُملةِ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ بيَّنَتِ الإنكارَ المُجمَلَ بإنكارٍ مُفصَّلٍ، وهو إنكارُ أنْ يُبعَثَ النَّاسُ بعدَ تفرُّقِ أجْزائِهم، وتَحوُّلِها تُرابًا بعدَ المَوتِ، ثمَّ يُجازَوْا [397] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/116). .
- وجُملةُ أَئِنَّا لَمَدِينُونَ جَوابُ (إذا)، وقُرِنَت بحَرفِ التَّوكيدِ؛ لإفادةِ أنَّه بَلَغَه أنَّ صاحِبَه يُؤمِنُ بالبَعْثِ؛ فجاءَ يُنكِرُ عليه ما تحقَّقَ عِندَه [398] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/116). .
- وقيلَ هُنا: أَئِنَّا لَمَدِينُونَ، وفي أوَّلِ السُّورةِ أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ [الصَّافَّات: 16]؛ لاختِلافِ القائِلينَ [399] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/116). .
3- قولُه تعالَى: قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ
- الاستِفْهامُ مُستعمَلٌ في العَرْضِ، عَرَضَ على رُفقائِه أنْ يَتَطلَّعوا إلى رُؤيةِ قَرينِه وما صارَ إليه؛ وذلك: إمَّا لأنَّه عَلِمَ أنَّ قَرينَه ماتَ على الكُفرِ بأنْ يكونَ قد سَبَقَه بالمَوتِ، وإمَّا لأنَّه أُلقِيَ في رُوعِه أنَّ قَرينَه صارَ إلى النَّارِ، وهو مُوقِنٌ بأنَّ خازِنَ النَّارِ يُطلِعُهم على هذا القَرينِ؛ لعِلمِهم بأنَّ لأهْلِ الجَنَّةِ ما يَتَساءَلونَ. وقيلَ: القائِلُ هو اللهُ، أو بعضُ الملائكةِ، يقولُ لهم: هل تُحِبُّونَ أنْ تَطَّلِعوا على أهْلِ النَّارِ؛ لِأُريَكم ذلك القَرينَ، فتَعلَموا أينَ مَنزِلَتُكم مِن مَنزِلَتِهِم [400] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/44)، ((تفسير البيضاوي)) (5/10، 11)، ((تفسير أبي حيان)) (9/103)، ((تفسير أبي السعود)) (7/192)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/117). ؟
- وقيل: الاستِفهامُ هو بمعنَى الأمرِ، أي: اطَّلِعوا [401] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (4/455). .
- وحُذِفَ متعلَّقُ مُطَّلِعُونَ؛ لِدَلالةِ آخِرِ الكَلامِ عليه بقَولِهِ: فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ، فالتَّقْديرُ: هل أنتُمْ مُطَّلِعونَ على أهْلِ النَّارِ؛ لِنَنظُرَه فيهم [402] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/117). ؟
4- قولُه تعالَى: فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ
- في قَولِهِ: فَاطَّلَعَ ما يُعرَفُ في البلاغةِ بـ (الاكتِفاءِ)، أي: فاطَّلَعَ واطَّلَعوا فرآهُ ورَأَوه في سَواءِ الجَحيمِ؛ إذ هو إنَّما عرَضَ عليهم الاطِّلاعَ؛ لِيَعلَموا تَحقيقَ ما حَدَّثَهم عن قَرينِه، واقتُصِرَ على ذِكْرِ اطِّلاعِه هو دُونَ ذِكرِ اطِّلاعِ رُفَقائِه؛ لأنَّه ابتَدَأَ بالاطِّلاعِ؛ لِيُميِّزَ قَرينَه؛ فَيُرِيَه لِرُفَقائِه [403] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/117). قال السعدي: (الظَّاهِرُ مِن حالِ أهلِ الجنَّةِ، وسُرورِ بَعضِهم ببَعضٍ، وموافَقةِ بَعضِهم بَعضًا: أنَّهم أجابوه لِمَا قال، وذَهَبوا تبَعًا له؛ للاطِّلاعِ على قَرينِه). ((تفسير السعدي)) (ص: 703). وقيل: عرَض عليهم الاطِّلاعَ فاعتَرَضوه، فاطَّلع هو بعدَ ذلك. ويحتمِلُ أنَّهم قاموا معه ولم يَطَّلِعوا. ويحتمِلُ أنَّهم سكَتوا وعرَف أنَّهم لا يُريدون ذلك، ثمَّ تقَدَّمَ. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/44)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصَّافَّات)) (ص: 118). . وقيل: لأنَّ النَّافِعَ لنا إنَّما هو قَولُه فقط في توبيخِ عَدُوِّه، وتَغبيطِ نَفْسِه ووَلِيِّه؛ فلم يُجمَعِ الضَّميرُ لِئَلَّا يلبِسَ فيُوهِمَ أنَّه للجَميعِ، وأعاده عليه وَحْدَه لِنَعتبِرَ بمَقالِه، ونتَّعِظَ بما قَصَّ علينا مِن حالِه [404] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/235). .
5- قولُه تعالَى: قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ
- جُملةُ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ مُستأنَفةٌ استِئْنافًا بَيانيًّا؛ لأنَّ وَصْفَ هذه الحالةِ يُثيرُ في نَفْسِ السَّامِعِ أنْ يَسأَلَ: فماذا حَصَل حينَ اطَّلَعَ؟ فيُجابُ بأنَّه حينَ رأى قَرينَه أخَذَ يُوبِّخُه على ما كان يُحاوِلُه منه حتَّى كاد أنْ يُلقِيَه في النَّارِ مِثلَه، وهذا التَّوبيخُ يَتضمَّنُ تَنديمَه على مُحاولةِ إرْجاعِه عن الإسلامِ [405] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/117). .
- وقَولُهُ: تَاللَّهِ قَسَمٌ فيه التَّعجُّبُ مِن سَلامَتِه منه، إذ كان قَرينُه قارَبَ أنْ يُردِيَه؛ فالقَسَمُ بالتَّاءِ مِن شَأنِه أنْ يَقَعَ فيما جوابُ قَسَمِه غَريبٌ، ومَحَلُّ الغَرابةِ هو خَلاصُه مِن شَبَكةِ قَرينِه، واختِلافُ حالِ عاقِبَتَيْهما مع ما كانا عليه مِن شِدَّةِ المُلازَمةِ والصُّحبةِ، وما حفَّه مِن نِعْمةِ الهِدايةِ، وما تورَّطَ قَرينُه فيه مِن أوْحالِ الغَوايةِ [406] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/105)، ((تفسير أبي السعود)) (7/193)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/117، 118). .
6- قولُه تعالَى: أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ
- قولُه: أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ رُجوعٌ إلى مُحاوَرةِ جُلَسائِه بعدَ إتمامِ الكَلامِ مع قَرينِه؛ تبجُّحًا وابتِهاجًا بما أتاحَ اللهُ عزَّ وجلَّ لهم من الفَضلِ العَظيمِ، والنَّعيمِ المُقيمِ [407] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/193). .
- قَولُهُ: أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ عَطَفَتِ الفاءُ الاستِفْهامَ على جُملةِ قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ [الصَّافَّات: 54]، فالاستِفْهامُ مُوجَّهٌ مِن هذا القائِلِ إلى بَعضِ المُتَسائِلينَ، وهو مُستعمَلٌ في التَّقْريرِ المرادِ به التَّذكيرُ بنِعْمةِ الخُلودِ، فإنَّه بعدَ أنْ أطلَعَهم على مَصيرِ قَرينِه السُّوءِ أقبَلَ على رِفاقِه بإكمالِ حَديثِه تَحدُّثًا بالنِّعْمةِ، واغتِباطًا وابتِهاجًا بها، وذِكرًا لها؛ فإنَّ لذِكرِ الأشياءِ المَحْبوبةِ لَذَّةً، فما ظنُّكَ بذِكْرِ نِعْمةٍ قد انغَمَسوا فيها، وأيْقَنوا بخُلودِها؟! ولعلَّ نَظمَ هذا التَّذكُّرِ في أُسلوِب الاستِفْهامِ التَّقْريريِّ؛ لِقَصدِ أنْ يُسمَعَ تَكرُّرُ ذِكرِ ذلك حينَ يُجيبُه الرِّفاقُ بأنْ يقولوا: نَعَمْ، ما نحن بِمَيِّتِينَ [408] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/119). .
- الهَمْزةُ للتَّقريرِ، وفيها مَعْنى التَّعجُّبِ، والفاءُ للعَطفِ على مُقدَّرٍ يَقتَضيهِ نَظْمُ الكلامِ، أي: أنحنُ مُخَلَّدونَ، مُنعَّمونَ، فما نحنُ بميِّتينَ، أي: بمَن شَأنُه المَوتُ [409] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/45)، ((تفسير أبي السعود)) (7/193). ؟
- الظَّاهِرُ أنَّه مِن كَلامِ القائِلِ: يُسمِعُ قَرينَه على جِهةِ التَّوبيخِ له، أي: لَسْنا أهْلَ الجَنَّةِ بمَيِّتينَ، لكِنَّ المَوْتةَ الأُولى كانت لنا في الدُّنيا، بخِلافِ أهْلِ النَّارِ، ويكونُ في خِطابِه ذلك مُنكِّلًا له، مُقرِّعًا مُحزِنًا له بما أنعَمَ اللهُ به عليه مِن دُخولِ الجَنَّةِ، مُعلِمًا له بتَبايُنِ حالِه في الآخِرةِ بحالِه كما كانَتا تَتبايَنانِ في الدُّنيا مِن أنَّه ليس بعدَ المَوتِ جَزاءٌ ظَهَرَ له خِلافُه يُعذَّبُ بكُفرِهِ باللهِ، وإنكارِ البَعثِ. ويجوزُ أنْ يكونَ خِطابًا مِن القائِلِ لرُفَقائِه، لَمَّا رَأى ما نزَلَ بقَرينِه، وَقَفَهم على نِعَمِه تَعالى في دَيْمومةِ خُلودِهم في الجَنَّةِ، ونَعيمِهم فيها [410] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/105). .
- والاستِثْناءُ في قَولِه: إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى مُنقطِعٌ؛ لأنَّ المَوتَ المَنفيَّ هو المَوتُ في الحالِ، أو الاستِقْبالِ كما هو شَأنُ اسْمِ الفاعِلِ، فتعيَّنَ أنَّ المُسْتثنى غيرُ داخِلٍ في المَنفيِّ، فهو مُنقطِعٌ، أي: لكِنَّ المَوتةَ الأُولى، وذلك الاستِدْراكُ تَأكيدٌ للنَّفيِ [411] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/119). .
- وعُطِفَ قَولُه: وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ على أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ؛ لِيَتمحَّضَ الاستِفْهامُ للتَّحدُّثِ بالنِّعْمةِ؛ لأنَّ المُشرِكينَ أيضًا ما هُم بمَيِّتينَ، ولكِنَّهم مُعذَّبونَ، فحالُهم شَرٌّ من المَوتِ [412] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/119). .
- قَولُهُ: وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ذلك تمامُ كلامِه لِقَرينِه؛ تَقْريعًا له، أو مُعاوَدةٌ إلى مُكالَمةِ جُلَسائِه؛ تحدُّثًا بنِعْمةِ اللهِ، أو تَبجُّحًا بها، وتَعجُّبًا منها، وتَعْريضًا للقَرينِ بالتَّوبيخِ [413] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/11). .
7- قولُه تعالَى: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
- على القولِ بأنَّه حِكايةٌ لِبقيَّةِ كَلامِ القائِلِ لرِفاقِه فهو بمَنزِلةِ التَّذْييلِ والفَذْلَكةِ [414] الفَذْلكة: مِن فَذْلَكَ حِسابَه فَذْلَكَةً، أي: أَنْهاهُ وفَرَغَ مِنْه، وذكَر مُجمَلَ ما فُصِّل أولًا وخُلاصتَه. و(الفَذْلكةُ كَلِمةٌ منحوتةٌ كـ (البَسملة) و(الحوقلة) مِن قولِهم: (فذَلِكَ كذَا وكذَا عددًا). ويُراد بالفذلكة النتيجةُ لِمَا سبَق من الكلام، والتفريعُ عليه، ومنها فذلكةُ الحساب، أي: مُجمَل تفاصيله، وإنهاؤه، والفراغ منه، كقوله تعالى: تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ بعد قولِه: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة: 196] . يُنظر: ((تاج العروس)) للزبيدي (27/293)، ((كناشة النوادر)) لعبد السلام هارون (ص: 17)، ((مفاتيح التفسير)) لأحمد سعد الخطيب (ص: 638، 639). لِحالَتِهمُ المُشاهَدِ بعضُها والمُتحَدَّثِ عن بعضِها بقَولِهِ: أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ [415] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/119). . فهذا القولُ يقولُه المُؤمِنُ تَحدُّثًا بنِعْمةِ اللهِ، واغتِباطًا بحالِه، وبمَسمَعٍ مِن قَرينِه الَّذي كان مُكذِّبًا بالبَعثِ؛ لِيَكونَ تَوبيخًا له يَزيدُ به تَعذُّبًا، ولِيَحكِيَهُ اللهُ فيَكونَ لنا لُطفًا وزاجِرًا. وعلى القولِ بأنَّه مِن قَولِ اللهِ عزَّ وجلَّ فيَكونُ تقريرًا لِقَولِهم، وتَصْديقًا له، والإشارةُ إلى ما هم عليه مِن النِّعْمةِ والخُلودِ والأمْنِ مِنَ العَذابِ [416] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/45)، ((تفسير البيضاوي)) (5/11)، ((تفسير أبي حيان)) (9/105)، ((تفسير أبي السعود)) (7/193). .
- وقد أُبدِعَ في تَصويرِ حُسنِ حالِهم بحَصرِ الفَوزِ فيه، حتَّى كأنَّ كلَّ فَوزٍ بالنِّسْبةِ إليه ليس بفَوزٍ، فالحَصرُ للمُبالَغةِ؛ لعَدَمِ الاعتِدادِ بغَيرِه، ثمَّ أَلْحقوا ذلك الحَصرَ بوَصفِه بـ الْعَظِيمُ [417] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/120). .
8- قولُه تعالَى: لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ
- تَذْييلٌ لِحِكايةِ حالِ عِبادِ اللهِ المُخلَصينَ، فهو كَلامٌ مِن جانِبِ اللهِ تَعالى -على قولٍ-؛ للتَّنويهِ بما فيه عِبادُ اللهِ المُخلَصونَ، وللتَّحْريضِ على العَمَلِ بمِثلِ ما عَمِلوه ممَّا أوجَبَ لهم إخلاصَ اللهِ إيَّاهم، فالإشارةُ في قَولِه: لِمِثْلِ هَذَا إلى ما تَضمَّنَه قَولُه: أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ [الصَّافَّات: 41] الآياتِ، أي: لِمِثلِ نَعيمِهم، وأُنسِهم، ومَسَرَّتِهم، ولَذَّاتِهم، وبَهجَتِهم، وخُلودِ ذلك كُلِّه [418] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/120)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (8/273). .
- واللَّامُ في لِمِثْلِ لامُ التَّعْليلِ، وتَقديمُ المَجرورِ على عامِلِه؛ لإفادةِ القَصرِ، أي: لا لعمَلٍ غَيرِه، وهو قَصْرُ قَلْبٍ [419] تقدم تعريفه (ص: 52). ؛ للرَّدِّ على المُشرِكينَ الَّذين يَحسَبونَ أنَّهم يَعمَلونَ أعْمالًا صالِحةً يَتَفاخَرونَ بها مِن مثلِ المَيسِرِ، والمَعْنى: لِنَوالِ مِثلِ هذا، فحُذِفَ المُضافُ؛ لِدَلالةِ اللَّامِ على مَعْناهُ [420] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/120). .
- والفاءُ في قَولِه: فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ للتَّفْريعِ على مَضْمونِ القِصَّةِ المَذْكورةِ قَبْلَها مِن قَولِه: إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ [الصَّافَّات: 40] الآياتِ. والأمْرُ في فَلْيَعْمَلِ للإرْشادِ الصَّادِقِ بالواجِباتِ والمَنْدوباتِ [421] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/120). .
- والمُرادُ بالعامِلينَ: الَّذينَ يَعمَلونَ الخَيرَ، ويَسيرونَ على ما خَطَّتْ لهم شَريعةُ الإسلامِ؛ فحُذِفَ مَفعولُ (يَعْمَل) اختِصارًا؛ لِظُهورِه مِنَ المَقامِ [422] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/120). .