موسوعة التفسير

سورةُ يس
الآيات (45-47)

ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ

المعنى الإجماليُّ:

 يقولُ تعالى مبيِّنًا جانبًا مِن جَهالاتِ المشركينَ، وتمادِيهم في غَيِّهم وضلالِهم: وإذا قيل لأولئك المُشرِكين: احْذَروا ما تقدَّم قبْلَكم مِن نِقمِ اللهِ في الأُممِ الماضيةِ بكُفرِهم أنْ يحُلَّ مثلُه بكم، واحْذَروا ما أنتُم لاقُوه مِن عذابِ اللهِ تعالَى إنْ هلكْتُم على كُفرِكم وتكذيبِكم، لعلَّكم تُرحمونَ، أعرَضوا وصَمُّوا آذانَهم.
وما تأتيهم آيةٌ مِن الآياتِ التي تدُلُّ على وَحدانيَّةِ الله تعالَى وقُدرتِه، وعلى أنَّ الرَّسولَ صلَّى الله عليه وسلَّم صادِقٌ في دَعوتِه؛ إلَّا أعرَضوا عنها وصَمُّوا آذانَهم.
وإذا قِيل لأولئك الكافِرينَ: أنفِقوا ممَّا رزقَكم اللهُ على المحتاجينَ، قالوا على سَبيلِ الاستِهزاءِ والسُّخريةِ: أنُطعِمُهم نحنُ ولو شاء اللهُ لأطعَمَهم هو مِن رِزقِه؟! ما أنتُم في أمْرِكم لنا بالإنفاقِ عليهم إلَّا في ضلالٍ واضحٍ!

تَفسيرُ الآياتِ :

وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا عدَّد تعالَى الآياتِ بقَولِه: وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ [يس: 33] ، وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ [يس: 37] ، وَآَيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ [يس: 41] ، وكانت الآياتُ تُفيدُ اليَقينَ، وتُوجِبُ القَطعَ بما قال تعالَى، ولم تُفِدْهم اليَقينَ -قال: فلا أقَلَّ مِن أن يَحتَرِزوا عن العذابِ؛ فإنَّ مَن أُخبِرَ بوقوعِ عذابٍ: يتَّقيه -وإنْ لم يَقطَعْ بصِدقِ قَولِ المُخبِرِ- احتياطًا [473] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/286). .
وأيضًا تَخَلَّصَ الكَلامُ مِن عَدَمِ انتِفاعِهم بالآياتِ الدَّالَّةِ على وَحدانيَّةِ اللهِ تعالَى، إلى عَدَمِ انتِفاعِهم بالأقوالِ المُبَلَّغةِ إليهم في القُرآنِ مِنَ المَوعِظةِ، والتَّذكيرِ بما حَلَّ بالأُمَمِ المُكذِّبةِ أنْ يُصيبَهم مِثلُ ما أصابَهم، وبعَدَمِ انتِفاعِهم بتَذكيرِ القُرآنِ إيَّاهم بالأدلَّةِ على وَحدانيَّةِ اللهِ سُبحانَه، وعلى البَعثِ [474] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/30). .
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45).
أي: وإذا قيلَ للمُشركينَ [475] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/448)، ((الوسيط)) للواحدي (3/515)، ((تفسير ابن كثير)) (6/580). : احْذَروا ما تَقدَّم قبْلَكم مِن نِقمِ الله في الأُممِ الماضيةِ بكُفرِهم أن يحُلَّ مِثلُه بكم، واحْذَروا ما أنتُم لاقُوه مِن عَذابِ اللهِ تعالَى إنْ هلكتُم على كُفرِكم وتكذيبِكم؛ لعلَّكم تنالونَ بذلك رحمةَ رَبِّكم- إذا قيل للمُشركينَ ذلك أعرَضوا [476] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/448، 449)، ((الهداية الى بلوغ النهاية)) لمكي (9/6043)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 901)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 159-160). وممَّن ذهَب إلى أنَّ معنى: مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ ما أصابَ مَن قَبلَكم من العُقوباتِ، ومعنى: وَمَا خَلْفَكُمْ: عذابُ الآخِرةِ: مقاتِلُ بنُ سليمان، وابنُ جَرير، ومكيٌّ، وابنُ عطية، وجلال الدِّين المحلِّي. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/580)، ((تفسير ابن جرير)) (19/448، 449)، ((الهداية الى بلوغ النهاية)) لمكي (9/6043)، ((تفسير ابن عطية)) (4/455)، ((تفسير الجلالين)) للمحلي (ص: 583). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: الحسنُ، وقَتادةُ. يُنظر: ((تفسير يحيى بن سلام)) (2/811)، ((تفسير ابن جرير)) (19/448). وقيل: المعنى: اتَّقوا ما بيْن أيديكم مِن أمْرِ الآخِرةِ؛ فاعمَلوا لها، وما خلْفَكم مِن أمْرِ الدُّنيا؛ فلا تغترُّوا بها، واحْذَروا أنْ يُعاقِبَكم اللهُ فيها. وممَّن قال بهذا المعنى: السَّمرقندي، والواحدي، والعُليمي، والسعدي. يُنظر: ((تفسير السمرقندي)) (3/126)، ((الوسيط)) للواحدي (3/515)، ((تفسير العليمي)) (5/468)، ((تفسير السعدي)) (ص: 697). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: ابنُ عباسٍ، والكَلبي. يُنظر: ((تفسير يحيى بن سلام)) (2/811)، ((تفسير الثعلبي)) (8/129). وقيل: المرادُ بما بيْن أيديهم وما خَلْفَهم: ذُنوبُهم المتقدِّمة، وذُنوبُهم المتأخِّرة التي تَصدُرُ منهم في المستقبَلِ. وممَّن قال بهذا القول: الزَّجَّاج، وابن جُزي، وابن كثير. يُنظر: ((معاني القرآن)) للزجاج (4/289)، ((تفسير ابن جزي)) (2/183)، ((تفسير ابن كثير)) (6/580). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: مجاهدٌ. يُنظر: ((تفسير يحيى بن سلام)) (2/811)، ((تفسير الثعلبي)) (8/129). قال الألوسيُّ بعدَ أنْ ذكَر الخِلافَ: (وحاصلُ الأمْرِ على ما قيل: اتَّقوا العذابَ، أو اتَّقوا ما يَترتَّبُ العذابُ عليه). ((تفسير الألوسي)) (12/28). وقال ابنُ عُثَيمين بعدَ أنْ ذكَرَ الخِلافَ في الآيةِ: (الآيةُ إذا كانتْ تَحتمِلُ المعانيَ المقولةَ فيها بدونِ تعارُضٍ؛ فإنَّها تُحمَلُ على الجَميعِ). ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 160). وقال الواحدي: (وجوابُ «إذا» محذوفٌ على تقديرِ: وإذا قيل لهم هذا أعرَضوا، يدلُّ على المحذوفِ قولُه: وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ [يس: 46] أي: عبرةٌ ودلالةٌ تدلُّ على صدقِ محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ). ((الوسيط)) (3/515). ويُنظر: ((تفسير القرطبي)) (15/36). !
وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46).
أي: وما تأتي هؤلاءِ المُشركينَ علامةٌ دالَّةٌ على تَوحيدِ اللهِ تعالَى وصِدقِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلَّا كانوا مُعرِضينَ عنها، فلا يَكتَرِثون بها، ولا يَتفَكَّرونَ فيها [477] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/449)، ((تفسير السمرقندي)) (3/126)، ((تفسير ابن كثير)) (6/580)، ((تفسير الشوكاني)) (4/427، 428)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/31). قال ابنُ الجوزي: (وفي «الآية» قولان: أحدُهما: أنَّها الآيةُ مِن القُرآنِ. والثاني: المعجزةُ، مثلُ انشقاقِ القمرِ). ((تفسير ابن الجوزي)) (2/9). وقال الواحديُّ: (المرادُ بالآياتِ: الدَّلالاتُ التي يجِبُ أن يَستَدِلُّوا بها على تَوحيدِ اللهِ وصِدقِ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ مِن خَلْقِ السَّمَواتِ والأرضِ وما بينَهما، مع المُعجِزاتِ التي أتَى بها محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم). ((البسيط)) (8/16). !
كما قال تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ [يوسف: 105] .
وقال سُبحانَه: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [القمر: 1، 2].
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (47).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
بعدَ أنْ ذكَرَ إعراضَهم عن الخالِقِ؛ بيَّن قسوتَهم على المخلوقينَ [478] يُنظر: ((تفسير المراغي)) (23/17). ؛ فالمكلَّفُ عليه التَّعظيمُ لجانبِ اللهِ، والشَّفقةُ على خَلقِ اللهِ، وهم تَرَكوا التَّعظيمَ حيثُ قيلَ لهم: اتَّقُوا فلم يَتَّقوا، وتَرَكوا الشَّفقةَ على خَلْقِ اللهِ حيثُ قِيل لهم: أَنْفِقُوا فلم يُنْفِقوا [479] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/287). .
وأيضًا لَمَّا كانت الرحمةُ بالرِّزقِ والنصرِ إنَّما تُنالُ بالرحمةِ للضُّعفاءِ، وكان الإنفاقُ خُلُقَ المؤمنينَ؛ قال مبيِّنًا أنَّهم انسلَخوا عن الإنسانيةِ جُملةً [480] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/136). :
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ.
أي: وإذا قِيلَ للمُشركينَ: أنفِقوا ممَّا رزَقَكم اللهُ على غَيرِكم مِنَ المحتاجينَ، قال أولئك المشركونَ للمُؤمِنينَ: كيف نُطعِمُ -نحْنُ- هؤلاء الذين تأمُرونَنا بالإنفاقِ عليهم ولو شاء اللهُ لأطعَمَهم هو مِن رِزقِه [481] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/449، 450)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (4/46)، ((تفسير ابن كثير)) (6/580)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/137-138)، ((تفسير العليمي)) (5/487). قيل: لَمَّا أسْلَم المُستضعَفونَ مِن أقرباءِ الكُفَّارِ ومَوالِيهم، قطَع الكُفَّارُ عنهم ما كانوا يُواسونَهم به، وكان ذلك بمكَّةَ أوَّلًا قبلَ نزولِ آياتِ القِتالِ، فنَدَبَهم المؤمِنونَ إلى صِلَةِ قرابَاتِهم فقالوا: أنُطْعِمُ مَن لو يَشاءُ اللَّهُ أطْعَمه. وقيل غير ذلك. يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/72). وقولُهم: أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ قيل: يحتَمِلُ أنْ يكونَ استهزاءً. وقيل: يحتَمِلُ أن يكونَ مِن بابِ الاحتجاجِ بالقَدَرِ؛ إمَّا عنادًا ومُعارَضةً للحَقِّ، أو فِرارًا من العِتابِ واللَّومِ. يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 167-168). وقيل: قَصَدوا بقولِهم الإنكارَ لقدرةِ اللَّهِ، أو إنكارَ جوازِ الأمرِ بالإنفاقِ معَ قُدرةِ اللَّهِ. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/288)، ((تفسير الشوكاني)) (4/428). ؟!
إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ.
أي: وقال المشركون أيضًا للمؤمنينَ: ما أنتُم بأمْرِكم لنا بالإنفاقِ ممَّا رزَقَنا اللهُ على المحتاجِينَ إلَّا في ضَلالٍ واضحٍ في غايةِ الظُّهورِ [482] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/450)، ((تفسير ابن كثير)) (6/580)، ((تفسير السعدي)) (ص: 697)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/33). قال الرَّسْعني: (قَولُه تعالى: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ يحتَمِلُ وُجوهًا: أحدُها: أنَّه مِن تمامِ كلامِهم للمُؤمِنين. قاله قتادةُ. والثَّاني: أنَّه إخبارٌ مِن الله تعالى وحُكمٌ عليهم بالضَّلالِ؛ حيث ردُّوا على المؤمِنينَ هذا الجَوابَ. الثَّالِثُ: أنَّه حكايةُ قَولِ المؤمِنينَ). ((تفسير الرسعني)) (6/344). !

الفَوائِدُ التَّربَويَّةُ:

1- قال سُبحانَه وتعالَى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ في قَولِه تعالى: لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أنَّ الإقبالَ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، واجتنابَ مَعصيتِه: سَبَبٌ للرَّحمةِ [483] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 161). .
2- في قَولِه تعالَى: وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ أنَّ بني آدمَ قد يَستكبِرونَ، فيُعرِضُون عنِ الآياتِ بدونِ نَظرٍ، والواجبُ على الإنسانِ أنْ يَنظُرَ أوَّلًا، ثمَّ يَحكُمَ ثانيًا؛ ولهذا يقالُ: «الحُكمُ على الشَّيءِ فَرعٌ عن تَصوُّرِه» [484] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 164). .
3- في قَولِه تعالى: أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ إشارةٌ إلى أمْرينِ: أحدُهما: أنَّ البُخلَ به في غايةِ القُبحِ؛ فإنَّ أبخلَ البُخَلاءِ مَن يَبخَلُ بمالِ الغيرِ. وثانيهما: أنَّه لا يَنبغي أنْ يمنَعَكم مِن ذلك مَخافةُ الفَقرِ؛ فإنَّ اللهَ رزَقَكم، فإذا أنفَقتُم فهو يُخلِفُه لكم ثانيًا، كما رزَقَكم أوَّلًا [485] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/287). .
4- في قَولِه تعالَى: قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ أنَّ البُخلَ هو مِن صِفاتِ الكافِرينَ، وإذا كان مِن صِفاتِ الكافِرينَ فإنَّه لا يَنبغي للمُؤمنِ أنْ يَتَّصِفَ به؛ فكلُّ ما كان مِن صِفاتِ الكافِرينَ -مِن اليَهودِ والنَّصارى وغيرِهم- فإنَّ اللَّائقَ بالمسلِمِ ألَّا يَفعَلَه؛ لأنَّه إذا فَعَله صارَ مُتَشَبِّهًا بالكافِرينَ في هذه الخَصلةِ [486] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 171). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- في قَولِه تعالَى: اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أنَّ الإنسانَ إذا أعرَضَ عن دِينِ اللهِ واستكبرَ كان عُرضَةً للعذابِ؛ إمَّا في الدُّنيا، أو في الآخِرةِ، أو في الدُّنيا والآخِرةِ [487] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 161). .
2- قال سُبحانَه وتعالَى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ في قَولِه تعالى: لَعَلَّكُمْ إثباتُ العِلَلِ والأسبابِ؛ فإنَّ «لعلَّ» هذه للتَّعليلِ، ولا أحدَ يُنكِرُ أنَّ للأسبابِ تأثيرًا إلَّا مَن صُرِفَ عن مُقتضى الفِطرةِ [488] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 161). !
3- في قَولِه تعالَى: وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ دَليلٌ على أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُبيِّنُ لعِبادِه مِن الآياتِ ما يُؤمِنُ على مِثلِه البَشَرُ، ووجهُ ذلك: أنَّه لولا هذا لم يكُنْ في الآياتِ فائِدةٌ [489] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 164). !
4- إضافةُ الآياتِ إلى ربِّهم في قَولِه تعالَى: مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ فيه دَليلٌ على كمالِها ووُضوحِها، وأنَّ مِن جُملةِ تربيةِ الله لعِبادِه: أنْ أوصَل إليهم الآياتِ التي يَستدلُّونَ بها على ما يَنفعُهم في دِينِهم ودُنياهم [490] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 697). .
5- في قَولِه تعالَى: أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ أنَّ الإنسانَ إذا أنفَقَ بأمرِ اللهِ تعالَى؛ فلا مِنَّةَ له على اللهِ عزَّ وجلَّ؛ لأنَّ اللهَ تعالى هو الذي أعطاه [491] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 170). .
6- في قَولِه تعالَى: قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ ذَمُّ مَن يَترُكُ المأمورَ به؛ اكتِفاءً بما يَجري به القَدَرُ [492] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (18/179). !
7- في قَولِهم: أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ أنَّ الإنسانَ قدْ يقولُ كَلِمةَ الحَقِّ يريدُ بها الباطِلَ؛ فنحن نُؤمِنُ بأنَّه لو شاءَ اللهُ لأطعمَ هؤلاء، لكِنَّ حِكمتَه عزَّ وجلَّ اقتضتْ أنْ يَجعَلَ هؤلاء فُقَراءَ، وهؤلاءِ أغنياءَ [493] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 171). . فما ذكروه حُجَّةٌ باطِلةٌ؛ لأنَّ اللهَ تعالى منَعَ الدُّنيا من الفُقَراءِ لا بُخلًا ولكِنْ ابتِلاءً، وأمَرَ الأغنياءَ بالإنفاقِ لا بحُكمِ الحاجةِ إلى أموالِهم، لكِنِ لابتلاءِ شُكرِهم [494] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (4/381). ، فهذا الاحتِجاجُ باطلٌ؛ لأنَّ اللهَ تعالَى إذا ملَّك عَبدًا مالًا، ثمَّ أوجَبَ عليه فيه حَقًّا، فكأنَّه انتَزَع ذلك القَدْرَ منه؛ فلا معنى للاعتراضِ، وقد صَدَقوا في قَولِهم: لو شاءَ اللهُ أطعَمَهم، ولكِنْ كَذَبوا في الاحتِجاجِ [495] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (15/37). .
8- قال اللهُ تعالَى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ احتِجاجُهم بالمشيئةِ ممَّا يدُلُّ على جَهلِهم العَظيمِ، أو تجاهُلِهم الوَخيمِ؛ فإنَّ المشيئةَ ليستْ حُجَّةً لعاصٍ أبدًا؛ فإنَّه وإنْ كان ما شاءَ اللهُ كان، وما لم يشَأْ لم يكُنْ: فإنَّه تعالَى مكَّن العِبادَ، وأعطاهم مِن القُوَّةِ ما يَقدِرونَ على فِعلِ الأمْرِ، واجتنابِ النَّهيِ، فإذا ترَكوا ما أُمِروا به كان ذلك اختيارًا منهم، لا جبرًا لهم ولا قَهرًا [496] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 697). .
9- في قَولِه تعالَى: مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ أنَّ المشركين يُقِرُّونَ بمشيئةِ اللهِ؛ وأنَّها نافذةٌ في كلِّ شيءٍ، والمشركون أو الكافِرون لا يُنْكِرونَ رُبوبيَّةَ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ بل يُقِرُّونَ بها، حتى الذين تظاهَروا بإنكارِها إنَّما يُنكرونها بألْسنتِهم؛ لقولِه تعالَى عن آلِ فرعونَ: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ [النمل: 14] ، ولقولِ موسى عليه الصلاةُ والسلامُ لفرعونَ: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ [الإسراء: 102] ، لكنْ يُنكرون الرُّبوبيَّةَ استكبارًا ومُكابَرةً؛ وإلَّا فإنَّ قَرارةَ نُفوسِهم تَشْهَدُ بها [497] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 171). .
10- للمُشركِينَ أساليبُ ادِّعائيَّةٌ يَستعملُونها مِن قَديمِ الزَّمانِ؛ حيثُ قالوا لهؤلاء القائلينَ: أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ؛ قالوا لهم: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ وهذا الوَصفُ المَشينُ للمُؤمِنينَ مِن الكافرين لم يَزَلْ ولا يَزالُ موجودًا إلى يَومِنا هذا؛ فهم يَصِفونَ أهلَ الخيرِ بالأوصافِ الكَثيرةِ المُنَفِّرةِ منهم، أو التي يَقصِدون بها استِعداءَ الحُكَّامِ على هؤلاء المؤمنين؛ يقولون: هؤلاء رَجعِيُّون، وهؤلاء مُتَخَلِّفون، هؤلاء مُتَشدِّدون، هؤلاء مُتَزمِّتون! وما أشبهَ ذلك مِن الكلِماتِ التي يَصفونَ بها أولياءَ اللهِ عزَّ وجلَّ [498] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 173). .

بلاغةُ الآياتِ:

1- قولُه تعالَى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ كَلامٌ مُستَأنَفٌ مَسوقٌ لِبَيانِ إعراضِهم عنِ الآياتِ التَّنزيليَّةِ بَعدَ بَيانِ إعراضِهم عنِ الآياتِ الآفاقيَّةِ التي كانُوا يُشاهِدونَها، وعَدَمِ تَأمُّلِهم فيها [499] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/169)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (8/206). .
- وبِناءُ فِعلِ قِيلَ لِمَا لم يُسمَّ فاعلُه؛ لِظُهورِ أنَّ القائِلَ هو الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في تَبليغِه عنِ اللهِ تعالَى، أي: قيلَ لهم في القُرآنِ [500] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/30). .
- وقَولُه: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ كقولِه: أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ [سبأ: 9] ؛ وجهُ المشابَهةِ: إحاطةُ العَذابِ بهم مِن كُلِّ حَدَبٍ، وأنَّهم أينَما ساروا فإنَّه أمامَهم وخَلفَهم مُحيطٌ بهم، لا يَقدِرونَ على الخُروجِ ممَّا همْ فيه، يَدُلُّ عليه قَولُه: فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ * إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا [يس: 43، 44]؛ ولذلك قال: لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [501] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (13/61). .
- وقَولُه أيضًا: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ ما بيْن الأيدي: يُرادُ منه المُستَقبَلُ، وما هو خَلفٌ: يُرادُ منه الماضي، وأصْلُ هذَينِ التَّركيبينِ تَمثيلانِ، فتارةً يَنظُرونَ إلى تمثيلِ المضافِ إليه بسائرٍ إلى مكانٍ؛ فالذي بيْن يَديهِ: هو ما سَيرِدُ هو عليه، والذي مِن ورائِه هو ما خَلَّفَه خَلْفَه في سَيرِه. وتارةً يَنظُرونَ إلى تَمثيلِ المضافِ بسائرٍ؛ فهو إذا كان بين يَديِ المضافِ إليه فقدْ سبقَه في السَّيرِ، فهو سابِقٌ له، وإذا كان خَلْفَ المضافِ إليه فقد تأخَّرَ عنه، فهو وارِدٌ بَعدَه، وقد فُسِّرَت هذه الآيةُ بالوَجهَينِ؛ فقيل: ما بيْن أيديكم مِن أمْرِ الآخِرةِ، وما خَلْفَكم مِن أحوالِ الأُمَمِ في الدُّنيا. وقيل: ما بيْن أيديكم: أحوالُ الأُمَمِ في الدُّنيا، وما خَلْفَكم: مِن أحوالِ الآخِرةِ [502] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/30، 31). .
- وجَوابُ (إذا) في قولِه: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ مَحذوفٌ، مَدلولٌ عليه بقَولِه بَعدَه: وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ؛ فكأنَّه قال: وإذا قيل لهمُ: اتَّقوا، أعرَضوا؛ لِأنَّهمُ اعتَادُوه وتمَرَّنوا عليه، ثُمَّ قال: ودَأبُهمُ الإعراضُ عِندَ كُلِّ آيةٍ ومَوعِظةٍ [503] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/19)، ((تفسير البيضاوي)) (4/269)، ((تفسير أبي السعود)) (7/170). .
2- قولُه تعالَى: وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ واقِعٌ مَوقِعَ التَّذييلِ لِمَا قَبلَه؛ ففيه تَعميمُ أحوالِهم وأحوالِ ما يُبَلَّغونَه مِنَ القُرآنِ، فكأنَّه قِيل: وإذا قِيل لهمُ: اتَّقوا، أعرَضوا، والإعراضُ دَأبُهم في كُلِّ ما يُقالُ لهم. وهذا التذييلُ أيضًا يُؤكِّدُ ما سبَقَ مِن حديثِ الإعراضِ [504] يُنظر: ((تفسير الألوسي)) (12/29)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/31). .
- وصِيغةُ المُضارِعِ تَأْتِيهِمْ؛ لِلدَّلالةِ على الاستِمرارِ التَّجدُّدِيِّ، و(مِنْ) الأُولى صِلةٌ لِتأكيدِ العُمومِ [505] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/170). .
- وإضافةُ الآياتِ إلى اسمِ الرَّبِّ المُضافِ إلى ضَميرِهم آَيَاتِ رَبِّهِمْ؛ لِتَفخيمِ شَأنِها المُستَتْبِعِ لِتَهويلِ ما اجتَرَؤوا عليه في حَقِّها، والمُرادُ بها إمَّا الآياتُ التَّنزيليَّةُ؛ فإتيانُها نُزولُها، وإمَّا ما يَعُمُّها وغَيرَها مِنَ الآياتِ التَّكوينيَّةِ الشَّامِلةِ لِلمُعجِزاتِ وغَيرِها مِن تَعاجيبِ المَصنوعاتِ التي مِنْ جُملَتِها الآياتُ الثَّلاثُ المَعدودةُ آنِفًا؛ فالمُرادُ بإتيانِها ما يَعُمُّ نُزولَ الوَحيِ، وظُهورَ تلك الأُمورِ لهم [506] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/170). .
- وكَلمةُ عَنْهَا مُتَعلِّقةٌ بـ مُعْرِضِينَ، قُدِّمتْ عليه مُراعاةً لِلفَواصِلِ [507] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/170). .
3- قولُه تعالَى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ
- قَولُه: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ، أي: ممَّا أعطاكُم بطَريقِ التَّفضُّلِ والإنعامِ مِن أنواعِ الأموالِ؛ عبَّرَ عنها بذلكَ تَحقيقًا لِلحَقِّ، وتَرغيبًا في الإنفاقِ، وتَنبيهًا على عِظَمِ جِنايَتِهم في تَركِ الامتِثالِ بالأمْرِ. وكذلك (مِنْ) التَّبعيضيَّةِ، أي: إذا قِيل لهم بطَريقِ النَّصيحةِ: أنفِقُوا بَعضَ ما أعطاكُمُ اللهُ تعالَى مِن فَضلِه على المُحتاجينَ؛ فإنَّ ذلك ممَّا يَرُدُّ البَلاءَ ويَدفَعُ المَكارِهَ [508] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/170). .
- وفي قولِه: مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ أظهَرَ اسمَ الجَلالةِ ولم يُضمِرْ؛ إشارةً إلى جَلالةِ الرِّزقِ بجَلالةِ مُعطِيه [509] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/137). .
- وأيضًا إظهارُ المَوصولِ مِن قَولِه: قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا في مَقامِ الإضمارِ، مع أنَّ مُقتَضى الظَّاهِرِ أنْ يُقالَ: (قالوا أنُطعِمُ ...) إلخ-؛ لِنُكتةِ الإشارةِ إلى أنَّ صُدورَ هذا القَولِ منهم إنَّما هو لِأجلِ كُفرِهم، ولِأجلِ إيمانِ الذين سُئِلَ الإنفاقُ عليهم [510] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/32). ؛ ففيه تصريحٌ بكُفرِ هؤلاء، وأنَّهم قالوه بسَببِ الكُفرِ؛ لا بسَببِ البخلِ! وأيضًا لإفادةِ أنَّ مِثْلَ هذه المقالةِ لا تَصْدُرُ إلَّا مِن كافرٍ؛ فيكونُ الكُفرُ عامًّا لكلِّ مَن قال هذه المقالةَ [511] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة يس)) (ص: 169). .
- والاستِفهامُ في قَولِه: أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إنكاريٌّ، وهذا الجَوابُ خَرجَ مَخرَجَ الاستِهزاءِ والتَّهكُّمِ بالمُؤمِنينَ، وبما كانوا يَقولونَه مِن تَعليقِ الأُمورِ بمَشيئةِ اللهِ، أي: لا نُطعِمُ مَن لو شاءَ اللهُ لَأطعَمَهم، بحَسبِ اعتِقادِكم أنَّ اللهَ هو المُطعِمُ [512] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/19)، ((تفسير البيضاوي)) (4/269)، ((تفسير أبي حيان)) (9/72)، ((تفسير أبي السعود)) (7/170)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/32)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (8/209). .
- وأيضًا التَّعبيرُ في جَوابِهم بالإطعامِ في قَولِه: أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ مع أنَّ المَطلوبَ هو الإنفاقُ: إمَّا لِمُجرَّدِ التَّفنُّنِ؛ تَجنُّبًا لِإعادةِ اللَّفظِ؛ فإنَّ الإنفاقَ يُرادُ منه الإطعامُ، وإمَّا لِأنَّهم سُئِلوا الإنفاقَ، وهو أعَمُّ مِنَ الإطعامِ؛ لِأنَّه يَشمَلُ الإكساءَ والإسكانَ، فأجابوا بإمساكِ الطَّعامِ، وهو أيسَرُ أنواعِ الإنفاقِ، ولأنَّهم كانوا يُعيِّرونَ مَن يَشِحُّ بإطعامِ الطَّعامِ، وإذا مَنعوا المُؤمِنينَ الطَّعامَ كان مَنعُهم ما هو فَوقَه أَحْرى [513] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/32). ؛ ففيه بيانُ غايةِ مُخالفتِهم؛ وذلك لأنَّهم إذا أُمِروا بالإنفاقِ -والإنفاقُ يَدخُلُ فيه الإطعامُ وغَيرُه- فلم يأتوا بالإنفاقِ ولا بأقَلَّ منه -وهو الإطعامُ-، وقالوا: لا نُطعِمُ، وهذا كما يقولُ القائِلُ لِغَيرِه: أعطِ زَيدًا دِينارًا؛ يقولُ: لا أعطيه دِرهمًا، مع أنَّ المطابِقَ هو أنْ يقولَ: لا أُعطيه دِينارًا، ولكِنَّ المبالغةَ في هذا الوَجهِ أتمُّ؛ فكذلك هاهنا [514] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/288). .
- وجُملةُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ مِن قَولِ المُشرِكينَ، يُخاطِبونَ المُؤمِنينَ، أي: ما أنتُم في قَولِكم: أنفِقوا ممَّا رَزَقَكمُ اللهُ إلَّا مُتمَكِّنٌ منكم الضَّلالُ الواضِحُ، وجَعَلوه ضَلالًا؛ لِجَهلِهم بصِفاتِ اللهِ تعالَى، وجَعلوه مُبِينًا؛ لِأنَّهم يُحَكِّمونَ الظَّواهِرَ مِن أسبابِ اكتِسابِ المالِ وعَدَمِه، وهذه الجُملةُ تَعليلٌ لِلإنكارِ المُستَفادِ مِنَ الاستِفهامِ. ويَجوزُ أنْ يَكونَ جَوابًا مِنَ اللهِ لهم، أو حِكايةً لِجوابِ المُؤمِنينَ لهم، أو هو مِن جُملةِ جَوابِهم لِلمُؤمِنينَ [515] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/19)، ((تفسير البيضاوي)) (4/269- 270)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/33). .