موسوعة التفسير

سورةُ الأحزابِ
الآيات (28-31)

ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ

غَريبُ الكَلِماتِ:

وَزِينَتَهَا: الزِّينةُ: اسمٌ لكلِّ ما يُتَزَيَّنُ به: مِن مَلْبوسٍ ومَركوبٍ وحِلْيَةٍ وفِراشٍ وسِلاحٍ، وأصلُ (زين): يدُلُّ على حُسنِ الشَّيءِ وتَحسينِه [498] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/41)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 256)، ((المفردات)) للراغب (ص: 388، 389)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 493)، ((تفسير الشوكاني)) (2/532). .
أُمَتِّعْكُنَّ: أي: أُعطِكُنَّ حُقوقَكنَّ، وأصلُ (متع): يدُلُّ على مَنفَعةٍ [499] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/293)، ((تفسير ابن كثير)) (6/403)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 188). .
وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا: أي: وأُطَلِّقْكُنَّ، والسَّراحُ الجَميلُ: هو أن يكونَ طَلاقًا للسُّنَّةِ مِن غَيرِ ضِرارٍ ولا مَنعِ واجبٍ لها، وأصلُ (سرح): يدُلُّ على إطلاقٍ [500] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/84)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/157)، ((تفسير القرطبي)) (14/170)، ((تفسير ابن كثير)) (6/403). .
بِفَاحِشَةٍ: الفاحِشةُ: الزِّنا، والمَعصِيةُ، والنُّشوزُ وسُوءُ الخُلُقِ، وتُطلَقُ الفاحِشةُ على كلِّ شَيءٍ مُستَقبَحٍ ومُستَشنَعٍ مِن قَولٍ أو فِعلٍ، وأصلُ (فحش): يدُلُّ على قُبحٍ في شَيءٍ وشَناعةٍ [501] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/34)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 361)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/478)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 38، 60). .
يَقْنُتْ: أي: يُطِعْ ويَستَجِبْ، والقُنوتُ: لُزومُ الطَّاعةِ مع الخُضوعِ، وأصلُ (قنت): يدُلُّ على طاعةٍ وخَيرٍ في دينٍ [502] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 350)، ((تفسير ابن جرير)) (19/92)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 519)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/31)، ((المفردات)) للراغب (ص: 684). .

المعنى الإجماليُّ:

يذكُرُ الله تعالى بعضَ التَّوجيهاتِ الحكيمةِ الَّتي وجَّهها إلى أزواجِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فيقولُ: يا أيُّها النَّبيُّ قُلْ لأزواجِكَ: إنْ كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحياةَ الدُّنيا وزَخارِفَها، وتَطلُبْنَ نَفقةً لا أُطيقُها؛ فتعالَينَ أُعطِكُنَّ مالًا، وأطَلِّقْكُنَّ طَلاقًا جميلًا، وإنْ كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ ورَسولَه والآخِرةَ، فإنَّ اللهَ أعدَّ للمُطيعاتِ مِنكُنَّ ثوابًا عظيمًا.
يا أزواجَ النَّبيِّ مَن يأْتِ مِنكنَّ بفاحشةٍ ظاهرةٍ يُضاعَفْ لها العَذابُ ضِعفَينِ، وكان ذلك هيِّنًا يسيرًا على اللهِ، ومَن تُداوِمْ منكُنَّ على طاعةِ اللهِ ورَسولِه، وتعمَلْ صالِحًا؛ نُؤتِها ثوابَها في الآخِرةِ مَرَّتينِ، وأعدَدْنا لها رِزقًا جَميلًا في الجنَّةِ.

تَفسيرُ الآياتِ:

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ مكارِمَ الأخلاقِ مُنحَصِرةٌ في شَيئَينِ: التَّعظيمِ لأمرِ اللهِ، والشَّفَقةِ على خَلقِ اللهِ، ثمَّ إنَّ اللهَ تعالى لَمَّا أرشَدَ نبيَّه إلى ما يتعلَّقُ بجانبِ التَّعظيمِ لله بقَولِه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب: 1] ؛ ذكَر ما يتعلَّقُ بجانبِ الشَّفَقةِ، وبدأ بالزَّوجاتِ؛ فإنَّهنَّ أَولى النَّاسِ بالشَّفَقةِ؛ ولهذا قدَّمهنَّ في النَّفَقةِ [503] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/165). .
وأيضًا بعدَ أن نصرَ اللهُ نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فردَّ عنه الأحزابَ، وفتَحَ عليه قُرَيظةَ والنَّضيرَ، ظَنَّ أزواجُه رَضِيَ اللهُ عنهنَّ أنَّه اختَصَّ بنفائِسِ اليهودِ وذخائِرِهم، فقعَدْنَ حَوْلَه وطلَبْنَ توسِعةَ الحالِ، ومُعامَلتَهنَّ مُعاملةَ نِساءِ الملوكِ وأبناءِ الدُّنيا؛ مِن التَّمَتُّعِ بزُخرُفِها مِن المأكَلِ والمشرَبِ ونحو ذلك؛ فأمره اللهُ تعالى أن يَتلوَ عليهنَّ ما نزَلَ فى شأنِهنَّ [504] يُنظر: ((تفسير المراغي)) (21/151). .
سَبَبُ النُّزولِ:
عن جابرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((دخَلَ أبو بكرٍ يَستأذِنُ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فوجَدَ النَّاسَ جُلوسًا ببابِه، لم يُؤذَنْ لأحدٍ منهم، قال: فأُذِنَ لأبي بكرٍ فدخَلَ، ثمَّ أقبلَ عُمَرُ فاستأذن فأُذِنَ له، فوجَد النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جالِسًا حَوْلَه نِساؤه، واجِمًا ساكِتًا، فقال: لأقولَنَّ شَيئًا أُضحِكُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رَسولَ اللهِ، لو رأيْتَ بنتَ خارِجةَ سألَتْني النَّفَقةَ، فقُمْتُ إليها فوجَأْتُ عُنُقَها [505] فوجأتُ: أي: ضَرَبتُ عُنُقَها بكَفِّي، والوَجْأُ: الضَّربُ باليَدِ، وجاء الوَجْأُ بمعنى الدَّقِّ أيضًا. يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) لعلي القاري (5/2122). ! فضَحِكَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقال: هُنَّ حَوْلي كما ترى، يَسأَلْنَني النَّفَقةَ! فقام أبو بكرٍ إلى عائِشةَ يَجَأُ عُنُقَها، فقام عُمَرُ إلى حَفصةَ يجَأُ عُنُقَها، كِلاهما يقولُ: تَسألْنَ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما ليس عندَه؟! فقُلْنَ: واللهِ لا نَسألُ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شيئًا أبدًا ليس عِندَه. ثمَّ اعتزَلهُنَّ شَهرًا أو تِسعًا وعِشرينَ، ثمَّ نزلَتْ عليه هذه الآيةُ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا، قال: فبدأ بعائِشةَ، فقال: يا عائِشةُ، إنِّي أُريدُ أن أَعرِضَ عليكِ أمرًا أُحِبُّ ألَّا تَعجَلي فيه حتَّى تَستشيري أبوَيْكِ، قالت: وما هو يا رَسولَ اللهِ؟ فتلا عليها الآيةَ، قالت: أفيكَ يا رَسولَ اللهِ أستشيرُ أبوَيَّ؟! بل أختارُ اللهَ ورَسولَه والدَّارَ الآخِرةَ، وأسألُك ألَّا تُخبِرَ امرأةً مِن نسائِك بالَّذي قُلتُ. قال: لا تَسألُني امرأةٌ مِنهُنَّ إلَّا أخبَرْتُها؛ إنَّ اللهَ لم يَبعَثْني مُعَنِّتًا ولا مُتَعَنِّتًا، ولكِنْ بعَثَني مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا)) [506] رواه مسلم (1478). .
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا.
أي: يا أيُّها النَّبيُّ قُلْ لِزَوجاتِك: إنْ كُنتُنَّ تُرِدْنَ التَّنعُّمَ بالحياةِ الدُّنيا وزَخارِفِها، وتَطلُبْنَ نَفَقةً لا أستطيعُها [507] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/84)، ((تفسير البيضاوي)) (4/230)، ((تفسير السعدي)) (ص: 662)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/315). قال الشوكاني: (ومعنَى الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا: سَعَتُها ونَضارَتُها ورَفاهِيَتها والتَّنَعُّمُ فيها). ((تفسير الشوكاني)) (4/317). .
فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ.
أي: فأقبِلْنَ أُعْطِكُنَّ ما أوجَبَه اللهُ على الرِّجالِ إذا طَلَّقوا نِساءَهم [508] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/84)، ((تفسير ابن كثير)) (6/401)، ((تفسير أبي السعود)) (7/100). قال ابنُ جُزَي: (أصلُ «تعالَ»: أن يقولَه مَن كان في موضعٍ مرتفعٍ لِمَن في موضعٍ منخفضٍ، ثم استُعملَتْ بمعنى: أقْبِلْ، في جميعِ الأمكنةِ). ((تفسير ابن جزي)) (2/150). قال العُلَيمي: (فَتَعَالَيْنَ: أجِبْنَ إلى ما أعرِضُ عليكُنَّ، ولم يُرِدْ حقيقةَ الإقبالِ والمجيءِ). ((تفسير العليمي)) (5/358). قال ابنُ عاشور: (التَّمتيعُ: أن يُعطيَ الزَّوجُ امرأتَه حينَ يُطَلِّقُها عَطيَّةً؛ جَبرًا لخاطِرِها؛ لِما يَعرِضُ لها مِنَ الانكِسارِ). ((تفسير ابن عاشور)) (21/316). .
كما قال تعالى: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [البقرة: 236] .
وقال اللهُ سُبحانَه وتعالى: وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة: 241] .
وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا.
أي: وأُطَلِّقْكنَّ طَلاقًا جَميلًا كما أذِنَ اللهُ وأَمَر، بلا غَضَبٍ ولا سَبٍّ وشَتمٍ، ولا منْعِ حَقٍّ [509] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/84)، ((تفسير القرطبي)) (14/170)، ((تفسير السعدي)) (ص: 662)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/316). .
كما قال تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا [البقرة: 231] .
وقال سُبحانَه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا * فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [الطلاق: 1، 2].
وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29).
وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ.
أي: وإنْ كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ ورَسولَه ونَعيمَ الآخرةِ، بحيثُ تَطيبُ أنفُسُكنَّ بما يُعطيكنَّ الرَّسولُ مِن نَفَقةٍ، ولا تُطالِبْنَه بزيادةٍ [510] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/84)، ((البسيط)) للواحدي (18/228)، ((تفسير السعدي)) (ص: 663)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/316، 317). .
فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا.
أي: فإنَّ اللهَ هيَّأ للمُحسِناتِ مِنكُنَّ ثَوابًا عَظيمًا، تُحتَقرُ له الدُّنيا وزِينتُها [511] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/84)، ((تفسير ابن عطية)) (4/381)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/338)، ((تفسير الشوكاني)) (4/317)، ((تفسير السعدي)) (ص: 663). قال ابنُ العربي: (المعنى: أعطاهنَّ اللهُ بذلك ثوابًا مُتكاثِرَ الكيفيَّةِ والكَمِّيَّةِ في الدُّنيا والآخرةِ -وذلك بيِّنٌ في قَولِه تعالى: نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ [الأحزاب: 31]- وزيادةَ رِزقٍ كَريمٍ مُعَدٍّ لهنَّ). ((أحكام القرآن)) (3/565). ويُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (6/401). وقال العليمي: (و«مِنْ» للتَّبيينِ؛ لأنهنَّ كلَّهنَّ كنَّ محسِناتٍ، فأخبَر بذلك عائشةَ رضي الله عنها، فاختارت رسولَ الله، ثمَّ اختارت الباقياتُ الصالحاتُ اختيارَها). ((تفسير العليمي)) (5/359). وقال السمعاني: (والمحسِناتُ هنَّ اللَّاتي اخترنَ الله ورسولَه والدَّارَ الآخرةَ، وجميعُ نساءِ النَّبيِّ قد اخترْنَ ذلك؛ فجميعُهنَّ محسناتٌ). ((تفسير السمعاني)) (4/277). وقال ابن جرير: (لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ وهنَّ العاملاتُ منهُنَّ بأمرِ الله، وأمرِ رسولِه). ((تفسير ابن جرير)) (19/84). ويُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/381). .
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ نِساءَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا اختَرْنَ اللهَ ورَسولَه والدَّارَ الآخِرةَ؛ ذكَرَ تعالى مُضاعَفةَ أجرِهنَّ، ومُضاعَفةَ وِزرِهنَّ وإثمِهنَّ، لو جرَى مِنهنَّ؛ ليزدادَ حَذَرُهنَّ وشُكرُهنَّ اللهَ تعالى [512] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 663). ويُنظر أيضًا: ((تفسير الرازي)) (25/166). .
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ.
القِراءاتُ ذاتُ الأثَرِ في التَّفسيرِ:
في قَولِه تعالى: مُبَيِّنَةٍ قراءتانِ:
1- قِراءةُ مُبَيَّنَةٍ قيل: المعنى: أنَّ اللهَ تعالى بَيَّنهَا، فهي ظاهِرةٌ [513] قرأ بها ابنُ كثيرٍ، وشعبةُ. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/248، 348). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((الحجة في القراءات السبع)) لابن خالويه (ص: 121)، ((معاني القراءات)) للأزهري (1/298)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 196). .
2- قِراءةُ مُبَيِّنَةٍ قيل: المعنى: أنَّ الفاحِشةَ هي الفاعِلةُ والمُبَيِّنةُ على فاعِلِها والكاشِفةُ له. وقيل: المعنى: أنَّها ظاهِرةٌ في نَفْسِها وشَديدةُ الوُضوحِ على كَونِها فاحِشةً، فهي تُبَيِّنُ نَفْسَها [514] قرأ بها الباقون. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/248، 348). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((الحجة في القراءات السبع)) لابن خالويه (ص: 121)، ((معاني القراءات)) للأزهري (1/298)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 196)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/340)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/319، 320). .
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ.
أي: يا أزواجَ النَّبيِّ مَن تأْتِ مِنكنَّ بفاحِشةٍ [515] قال البغوي: (بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ بمعصيةٍ ظاهرةٍ، قيلَ: هي كقولِه عزَّ وجلَّ: لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر: 65] ، لا أنَّ منهنَّ مَن أتتْ فاحشةً. وقال ابنُ عبَّاسٍ: المرادُ بالفاحشةِ: النُّشوزُ وسوءُ الخُلُقِ). ((تفسير البغوي)) (3/635). قيل: هي الزِّنا. وممَّن قال بذلك: ابنُ جرير، وهو ظاهرُ اختيارِ الرازيِّ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/90)، ((تفسير الرازي)) (25/166). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: السُّدِّيُّ. يُنظر: ((تفسير يحيى بن سلام)) (2/715). قال الرَّسْعَنيُّ بعدَ أن حكى قولَ السُّدِّيِّ: (أظُنُّ الحاملَ له على ذلك هذا القول؛ أنَّه رأى هذه اللَّفظةَ لهذا المعنى في مواضعَ مِن القرآنِ، ورسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بل سائرُ رُسلِه معصومون مِن صُحبةِ زَوجةٍ تُزَنُّ بهذه الرِّيبةِ ... فلا وجْهَ لِنَهيهِنَّ عمَّا لا يجوزُ وُقوعُه مِنهُنَّ). ((تفسير الرسعني)) (6/142). وممَّن اختار أنَّ المُرادَ: معصيةٌ ظاهرةٌ؛ مِن نُشوزٍ، وسُوءِ خُلُقٍ: الرسعنيُّ، والعُلَيميُّ. يُنظر: ((تفسير الرسعني)) (6/142)، ((تفسير العليمي)) (5/360). قال الرسعني: (بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ قال ابنُ عبَّاسٍ: يريدُ: النُّشوزَ وسوءَ الخُلقِ. فإن قيل: الفاحشةُ السَّيِّئةُ البليغةُ في القُبحِ، والنُّشوزُ وسوءُ الخُلقِ لا يَترقَّى إلى ذلك، فكيف سمَّاه فاحشةً؟ قلتُ: تعاظَمَ ذلك وتفاحَشَ لأجْلِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ، وكَوْنِه هو المُعامَلَ به). ((تفسير الرسعني)) (6/142). وقال ابنُ عاشور: (الفاحِشةُ: المَعصِيةُ، قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأعراف: 33]، وكلَّما وردَتِ الفاحِشةُ في القرآنِ نَكِرةً فهي المعصيةُ، وإذا وردت مَعرِفةً فهي الزِّنا ونحوُه). ((تفسير ابن عاشور)) (21/319). ويُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/340). وقيل: هي العصيانُ للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم. وممَّن قال بذلك: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ. يُنظر: ((مقاتل بن سليمان)) (3/487). وقال ابنُ كثير: (هو شَرطٌ، والشَّرطُ لا يقتضي الوقوعَ، كقَولِه تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر: 65] ... فلمَّا كانت محلَّتُهنَّ رَفيعةً ناسَب أن يجعَلَ الذَّنْبَ -لو وقع منهنَّ- مُغلَّظًا؛ صيانةً لجَنابِهنَّ وحِجابِهنَّ الرَّفيعِ). ((تفسير ابن كثير)) (6/408). ظاهرةٍ، يُضاعَفْ لها العَذابُ مِثْلَيْ عَذابِ مَن وقَعَ في تلك الفاحِشةِ [516] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/90)، ((تفسير ابن عطية)) (4/382)، ((طريق الهجرتين)) لابن القيم (ص: 370)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/340)، ((تفسير السعدي)) (ص: 663)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/319، 320). قال ابنُ عاشور: (المضاعَفةُ: تكريرُ شَيءٍ ذي مِقدارٍ بمِثلِ مِقدارِه... وهو ضِعفٌ في القُوَّةِ وفي المدَّةِ). ((تفسير ابن عاشور)) (21/319). .
وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا.
أي: وإنَّ مُضاعَفةَ اللهِ لِعَذابِ مَن تَفعَلُ ذلك هَيِّنٌ عليه، فلا يتعاظمُه ولا يَصعُبُ عليه [517] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/91)، ((تفسير الرازي)) (25/166)، ((تفسير ابن كثير)) (6/408)، ((تفسير الشوكاني)) (4/318)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة الأحزاب)) (ص: 212). قال الرازي: (أي ليس كَونُكنَّ تحتَ النَّبيِّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- وكَونُكنَّ شَريفاتٍ جليلاتٍ: ممَّا يدفَعُ العذابَ عنكُنَّ، وليس أمرُ اللهِ كأمرِ الخَلقِ؛ حيث يَتعذَّرُ عليهم تعذيبُ الأعِزَّةِ؛ بسَبَبِ كثرةِ أوليائِهم وأعوانِهم، أو شُفَعائِهم وإخوانِهم). ((تفسير الرازي)) (25/166). ويُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - سورة الأحزاب)) (ص: 212). .
وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه أعقَبَ الوَعيدَ بالوَعدِ؛ جريًا على سُنَّةِ القُرآنِ [518] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/5). ، فبَيَّن زيادةَ ثوابِ زَوجاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كما بيَّن زيادةَ عِقابِهنَّ [519] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/166). .
وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ.
أي: ومَن تُداوِمْ مِنكُنَّ على طاعةِ اللهِ وطاعةِ رَسولِه، وتَعمَلِ الأعمالَ الصَّالحةَ الَّتي شَرَعها اللهُ بإخلاصٍ له سُبحانَه- نُؤتِها ثَوابَها في الآخِرةِ مِثْلَيْ ما نُعطي غَيرَها [520] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/92)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 864)، ((تفسير السمعاني)) (4/278)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (5/224)، ((تفسير السعدي)) (ص: 663)، ((تفسير ابن عاشور)) (22/5)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة الأحزاب)) (ص: 213، 214). .
وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا.
أي: وأعدَدْنا لها رِزقًا حَسَنًا جَميلًا، وعَيشًا في الجَنَّةِ هَنيئًا [521] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/92)، ((البسيط)) للواحدي (18/232)، ((تفسير ابن كثير)) (6/408). وممَّن قال بأنَّ الرزقَ الكريمَ هنا: في الجنةِ: ابنُ جرير، والواحدي، وابن كثير. يُنظر: المصادر السابقة. قال النحاس: (أهلُ التَّفسيرِ على أنَّ الرِّزقَ الكريمَ هاهنا: الجنَّةُ). ((إعراب القرآن)) (3/214). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: قَتادةُ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/92). قال ابنُ عثيمين: (المرادُ بالرِّزقِ الكريمِ هنا: العَطاءُ الكَثيرُ الحَسَنُ الجَميلُ، وهذا إنَّما يكونُ في الجنَّةِ). ((تفسير ابن عثيمين - سورة الأحزاب)) (ص: 215). وقيل: هو في الدُّنيا والآخرةِ. وممَّن قال بذلك: البِقاعي. يُنظر: ((نظم الدرر)) (15/343). .

الفَوائِدُ التَّربَويَّةُ:

1- في قَولِه تعالى: وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا أنَّ النِّيَّةَ لها أثرٌ عظيمٌ في زيادةِ الثَّوابِ؛ لأنَّه رَتَّبَ هذا الثَّوابَ على هذه الإرادةِ، والنِّيَّةِ الطَّيِّبَةِ [522] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأحزاب)) (ص: 209). .
2- قَولُ الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا فيه إعلامٌ لهنَّ أنَّ في اختيارِ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ اختيارَ اللهِ ورَسولِه والدَّارِ الآخِرةِ، وهذه الثَّلاثةُ هي الدِّينُ [523] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/165). .
3- المرءُ كُلَّما كانت نِعمةُ اللهِ عليه أتَمَّ، كانت عُقوبتُه إذا ارتكَبَ الجرائمَ أتَمَّ؛ ولهذا قال تعالى في حَقِّ مَن أتَمَّ نِعمَتَه عليهِنَّ مِن النِّساءِ: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا، وهذا على وَفْقِ قضايا العقولِ ومُستَحسَناتِها؛ فإنَّ العبدَ كلَّما كمَلَتْ نِعمةُ اللهِ عليه ينبغي له أنْ تكونَ طاعتُه له أكمَلَ، وشُكرُه له أتَمَّ، ومَعصيتُه له أقبَحَ. وشِدَّةُ العُقوبةِ تابِعةٌ لقُبحِ المعصيةِ؛ ولهذا كان أشَدُّ النَّاسِ عذابًا يومَ القيامة عالِمًا لم يَنفَعْه اللهُ بعِلمِه؛ فإنَّ نِعمةَ اللهِ عليه بالعِلمِ أعظَمُ مِن نِعمتِه على الجاهِلِ، وصُدورَ المعصيةِ منه أقبَحُ مِن صُدورِها مِن الجاهلِ [524] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (2/84). .
4- في قَولِه تعالى: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ أنَّ صاحِبَ الشَّرَفِ يكونُ ذمُّه على تَخَلُّفِه عن الواجبِ أعظَمَ [525] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (16/602). ، وأنَّ الذَّنْبَ مِنَ المقَرَّبينَ أشَدُّ مِن الذَّنبِ مِن غيرِ المقَرَّبينَ [526] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأحزاب)) (ص: 212). ؛ فالسَّيِّئاتُ تُضاعَفُ بشَرَفِ فاعِلِها، وقُوَّةِ مَعرفتِه بالله، وقُربِه منه؛ فإنَّ مَن عصى السُّلطانَ على بِساطِه أعظَمُ جُرمًا ممَّن عصاه على بُعدٍ؛ ولهذا توعَّد اللهُ خاصَّةَ عِبادِه على المعصيةِ بمُضاعَفةِ الجزاءِ، وإن كان قد عصَمَهم منها؛ ليُبَيِّنَ لهم فَضْلَه عليهم بعِصمتِهم مِن ذلك [527] يُنظر: ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (2/318). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- إنَّ اللهُ سُبحانَه وتعالى أكرَمَ نَبيَّه مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مُخاطَبتِه إيَّاه بما لم يُكرِمْ به أحدًا مِنَ الأنبياءِ؛ فلم يَدْعُه باسمِه في القُرآنِ قَطُّ، بل يَقولُ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ، يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ [528] يُنظر: ((الصارم المسلول)) لابن تيمية (ص: 422). ويُنظر ما تقدم (ص: 14-15). .
2- في قَولِه تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا أنَّه لو تَضَجَّرَتِ المرأةُ مِن زوجِها لِقِلَّةِ ذاتِ اليدِ، كإنسانٍ فقيرٍ؛ وهي مثلًا مِن بيتٍ أغنياء؛ ورأى أنَّ المرأةَ مُتَضَجِّرَةٌ مِن فَقْرِه، فهنا نقول: يُستحَبُّ أنْ يُشاوِرَها مثل ما أمرَ اللهُ نبيَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ [529] يُنظر: ((الشرح الممتع على زاد المستقنع)) لابن عثيمين (13/11). .
3- قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا فخيَّرهنَّ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في ذلك، فاختَرْنَ اللهَ ورَسولَه والدَّارَ الآخِرةَ، كُلُّهنَّ، ولم يتخَلَّفْ مِنهنَّ واحِدةٌ -رَضِيَ اللهُ عنهُنَّ- وفي هذا التَّخييرِ فوائِدُ عَديدةٌ:
منها: الاعتِناءُ برَسولِه وغَيرتُه عليه أن يكونَ بحالةٍ يَشُقُّ عليه كَثرةُ مَطالِبِ زَوجاتِه الدُّنيويَّةِ.
ومنها: سلامتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بهذا التَّخييرِ مِن تَبِعةِ حُقوقِ الزَّوجاتِ، وأنَّه يبقَى في حُرِّيةِ نَفْسِه؛ إنْ شاء أعطَى، وإنْ شاء منَع مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ [الأحزاب: 38] .
ومنها: تَنزيهُه عمَّا لو كان فيهنَّ مَن تُؤثِرُ الدُّنيا على اللهِ ورَسولِه والدَّارِ الآخرةِ، وعن مُقارَنتِها.
ومنها: سلامةُ زَوجاتِه رَضِيَ اللهُ عنهنَّ عن الإثمِ والتعَرُّضِ لسَخَطِ اللهِ ورَسولِه؛ فحَسَم اللهُ بهذا التَّخييرِ عنهُنَّ التسَخُّطَ على الرَّسولِ، الموجِبَ لِسَخَطِه، المُسخِطَ لرَبِّه، الموجِبَ لعِقابِه.
ومنها: إظهارُ رِفعتِهنَّ وعُلوِّ دَرَجتِهنَّ، وبيانُ عُلُوِّ هِمَمِهنَّ؛ أن كان اللهُ ورَسولُه والدَّارُ الآخِرةُ مُرادَهنَّ ومَقصودَهنَّ دونَ الدُّنيا وحُطامِها.
ومنها: استِعدادُهنَّ بهذا الاختيارِ للأمرِ الخِيارِ؛ للوُصولِ إلى خِيارِ درَجاتِ الجنَّةِ، وأن يَكُنَّ زَوجاتِه في الدُّنيا والآخرةِ.
ومنها: ظُهورُ المناسَبةِ بيْنَه وبيْنَهنَّ؛ فإنَّه أكمَلُ الخَلقِ، وأراد اللهُ أن تكونَ نِساؤُه كامِلاتٍ مُكَمَّلاتٍ، طَيِّباتٍ مُطَيَّباتٍ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور: 26] .
ومنها: أنَّ هذا التَّخييرَ داعٍ ومُوجِبٌ للقناعةِ الَّتي يَطمَئِنُّ لها القَلبُ، ويَنشرِحُ لها الصَّدرُ، ويَزولُ عَنهُنَّ جَشَعُ الحِرصِ، وعَدَمُ الرِّضا الموجِبُ لقَلقِ القَلبِ واضطِرابِه، وهَمِّه وغَمِّه.
ومنها: أن يكونَ اختيارُهنَّ هذا سَببًا لزيادةِ أجرِهنَّ ومُضاعفتِه، وأن يَكُنَّ بمرتبةٍ ليس فيها أحدٌ مِنَ النِّساءِ [530] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 663). .
4- قَولُ الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا فيه تخييرُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نساءَه بينَ الإقامةِ معه وفراقِه، وأنَّ التخييرَ ليس طلاقًا؛ لقولِه تعالى: فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [531] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 211). .
5- غايةُ أعمالِ الأبرارِ والمقرَّبينَ والمحِبِّينَ: إرادةُ وَجهِه، قال تعالى: وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا، فجعَلَ إرادتَه غيرَ إرادةِ الآخِرةِ، وهذه الإرادةُ لوَجهِه موجِبةٌ لِلَذَّةِ النَّظَرِ إليه في الآخِرةِ [532] يُنظر: ((مدارج السالكين)) لابن القيم (3/24). .
6- كمالُ خُلُقِ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ حيث أمَرَه اللهُ تعالى أنْ يقولَ: إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا، بيْنَما كان مقتضَى الحالِ أنْ يُوَبَّخْنَ على ذلك، ويُؤَنَّبْنَ عليه، لكنَّه قيل: فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ [533] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأحزاب)) (ص: 206). .
7- في قَولِه تعالى: إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا أنَّ مَن طلَّقَها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فإنَّها تُباحُ لِغَيرِه أنْ يَتزوَّجَها، ولولا هذا لم يحصُلْ لهنَّ بالتَّخييرِ فائِدةٌ [534] يُنظر: ((تلخيص كتاب الاستغاثة لابن تيمية)) لابن كثير (2/658). .
8- في قَولِه تعالى: إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا أنَّ مُجَرَّدَ الزُّهدِ في الدُّنيا لا حَمدَ فيه، كما لا حَمدَ على الرَّغبةِ فيها، وإنَّما الحمدُ على إرادةِ اللهِ والدَّارِ الآخرةِ، والذَّمُّ على إرادةِ الدُّنيا، المانعةِ مِن إرادةِ ذلك [535] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (20/146). .
9- أنَّ إرادةَ اللهِ تعالى ورَسولِه صلَّى الله عليه وسلَّم والدَّارِ الآخِرةِ: هو مِن الإحسانِ؛ لِقَولِه تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا [536] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأحزاب)) (ص: 209). .
10- قَولُ الله تعالى: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا فيه سؤالٌ: لِمَ خَصَّ اللهُ تعالى نِساءَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بتَضعيفِ العُقوبةِ على الذَّنبِ، والمَثوبةِ على الطَّاعةِ؟
الجوابُ مِن وَجهَينِ:
الوجهُ الأوَّلُ: لأنَّهنَّ يُشاهِدْنَ مِنَ الزَّواجِرِ الرَّادِعةِ عن الذُّنوبِ ما لا يُشاهِدُه غَيرُهنَّ، ولأنَّ في مَعصيَتِهنَّ أذًى لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وذَنْبُ مَن آذَى رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعظَمُ مِن ذَنبِ غَيرِه.
الوجهُ الثَّاني: لأنَّهنَّ أشرَفُ مِن سائِرِ النِّساءِ؛ لِقُربِهنَّ مِن رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فكانت الطَّاعةُ مِنهنَّ أشرَفَ، كما أنَّ المعصيةَ مِنهنَّ أقبَحُ [537] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 459، 460). .
11- في قَولِه تعالى: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ حمايةُ فراشِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم التَّامَّةُ؛ لِكَونِ المرأةِ إذا أَتَتْ بفاحشةٍ مُبَيِّنةٍ مِن زَوجاتِه؛ فإنَّ اللهَ تعالى يُضاعِفُ لها العذابَ، كلُّ ذلك مِن أجْلِ حمايةِ فِراشِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وسواءٌ قُلْنا: إنَّ المرادَ بالفاحشةِ الزِّنا، أو المرادَ بها بذاءةُ اللِّسانِ [538] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأحزاب)) (ص: 212). .
12- إنَّ مُضاعَفةَ العَذابِ في قَولِه تعالى: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَرَدَ تعظيمًا لحقِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لأنَّ وُقوعَ ذلك مِن نِسائِه يقتَضي أمرًا زائدًا على الفاحِشةِ، وهو أذى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم [539] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (11/329). .
13- في قولِه: وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا إيذانٌ بأنَّ كَوْنَهنَّ نِساءَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ليس بمُغْنٍ عنْهُنَّ شيئًا، وكيف يُغْني عنهُنَّ وهو سَببُ مُضاعَفةِ العذابِ؟! فكان داعيًا إلى تَشديدِ الأمْرِ عليهنَّ، غيرَ صارفٍ عنه [540] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/536)، ((تفسير أبي حيان)) (8/473). .
14- في قَولِه تعالى: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ أنَّ فضلَ اللهِ تعالى واسعٌ؛ فقد يُصيبُ العاملُ أجرَه مرَّتَينِ لسببٍ مِن الأسبابِ [541] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأحزاب)) (ص: 215). .
15- في قَولِه تعالى: نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ كمالُ عَدْلِ اللهِ سُبحانَه وتعالى؛ فلمَّا ضَعَّفَ لها العذابَ ضَعَّفَ لها الثَّوابَ والأجرَ [542] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأحزاب)) (ص: 215). .
16- قال الله تعالى: وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا وصَفَه الله تعالى بالكريمِ؛ لأنَّه أفضَلُ جنسِه [543] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/6). .

بلاغةُ الآياتِ:

1- قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا
- قولُه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ ... افتِتاحُ هذه الأحكامِ بنِداءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بـ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ، تَنبيهٌ على أنَّ ما سيُذكَرُ بعدَ النِّداءِ له مَزيدُ اختصاصٍ به، وهو غرَضُ تَحديدِ سِيرةِ أزواجِه معه سِيرةً تُناسِبُ مَرتبةَ النُّبوَّةِ، وتَحديدِ تَزوُّجِه [544] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/315). .
- قولُه: إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا ... أي: إنْ كُنتنَّ تُؤثِرْنَ ما في الحياةِ مِن التَّرفِ على الاشتغالِ بالطَّاعاتِ والزُّهدِ؛ فالكلامُ فيه على حَذفِ مُضافٍ يُقدَّرُ صالحًا للعُمومِ؛ إذ لا دليلَ على إرادةِ شأْنٍ خاصٍّ مِن شُؤونِ الدُّنيا. وهذه نُكتةُ تَعديةِ فِعلِ تُرِدْنَ إلى اسمِ ذاتِ الحَياةِ دونَ حالٍ مِن شُؤونِها. وعَطْفُ (زِينَتَهَا) عطْفُ خاصٍّ على عامٍّ، وفي عَطْفِه زِيادةُ تَنبيهٍ على أنَّ المقصودَ المحذوفَ عامٌّ [545] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/315). .
- قولُه: إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا تَجريدُ (إنْ) الشَّرطيَّةِ عن الوعيدِ؛ للمُبالَغةِ في تَحقيقِ معنى التَّخييرِ، والاحترازِ عن شائبةِ الإكراهِ، وهو السِّرُّ -فيما ذُكِرَ- مِن تَقديمِ التَّمتيعِ على التَّسريحِ، وفي وَصفِ السَّراحِ بالجَميلِ [546] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/101). .
- وتقديمُ اختيارِ الدُّنيا فيه إشارةٌ إلى أنَّ النَّبيَّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ غيرُ مُلتفِتٍ إلى جانبِهنَّ غايةَ الالتِفاتِ، وكيف وهو مشغولٌ بعبادةِ ربِّه [547] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/165). .
- قوله: فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (تعالَيْنَ): استُعمِل هنا تَمثيلًا لحالِ تَهيُّؤِ الأزواجِ لأخْذِ التَّمتيعِ وسَماعِ التَّسريحِ بحالِ مَن يَحضُرُ إلى مكانِ المُتكلِّمِ [548] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/316). .
- وتَقديمُ التَّمتيعِ على التَّسريحِ المُسبَّبِ عنه، مِن بابِ الكرمِ وحُسنِ الخُلقِ، وفيه قَطعٌ لِمَعاذيرِهنَّ مِن أوَّلِ الأمْرِ [549] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/230)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (12/413)، ((تفسير أبي السعود)) (7/101). .
2- قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا
- قولُه: وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي: تُؤثِرْنَ رِضا اللهِ لِمَا يُرِيدُه لرَسولِه؛ فالكلامُ على حَذفِ مُضافٍ يَقتضيهِ المقامُ [550] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/316). .
- وإرادةُ الدَّارِ الآخِرةِ: إرادةُ فَوزِها؛ فالكَلامُ على حَذفِ مُضافٍ يَقْتضيهِ المقامُ، فأُسلوبُ الكلامِ جَرى على إناطةِ الحُكمِ بالأعيانِ، وهو أُسلوبٌ يَقْتضي تَقديرًا في الكلامِ مِن قَبِيلِ دلالةِ الاقتضاءِ، وفي حَذفِ المضافاتِ، وتَعليقِ الإرادةِ بأسماءِ الأعيانِ الثَّلاثةِ؛ مَقصِدُ أنْ تكونَ الإرادةُ مُتعلِّقةً بشُؤونِ المضافِ إليه الَّتي تَتنزَّلُ مَنزلةَ ذاتِه، مع قَضاءِ حقِّ الإيجازِ بعدَ قَضاءِ حقِّ الإعجازِ [551] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/317). .
- قولُه: فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا أوقَعَ الاسمَ الظَّاهرَ لِلْمُحْسِنَاتِ مَوقِعَ المُضمَرِ؛ تَنبيهًا على الوَصفِ الَّذي تَرتَّبَ لهنَّ به الأجرُ العظيمُ، وهو الإحسانُ؛ لِيَعلَمْنَ أنَّ هذا الأجْرَ حاصلٌ لهنَّ على قَدْرِ إحسانِهنَّ، وكأنَّه قال: أعَدَّ لَكُنَّ؛ لأنَّ مَن أراد اللهَ ورسولَه والدَّارَ الآخرةَ كان مُحسِنًا [552] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/472، 473)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/317). .
- وفي ذِكرِ الإعدادِ إفادةُ العِنايةِ بهذا الأجْرِ والتَّنويه به زِيادةً على وَصْفِه بالعظيمِ. وتَوكيدُ جُملةِ الجزاءِ بحَرْفِ (إنَّ)؛ إظهارٌ للاهتِمامِ بهذا الأجرِ [553] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (21/317، 318). .
3- قوله تعالى: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا
- قولُه: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ تَلوينٌ للخِطابِ، وتَوجيهٌ له إليهنَّ؛ لإظهارِ الاعتِناءِ بنُصحِهنَّ، ونِداؤهنَّ هاهنا وفيما بعدَه بالإضافةِ إليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لأنَّها الَّتي يَدورُ عليها ما يَرِدُ عليهنَّ مِن الأحكامِ، ولِيَعلَمْنَ أنَّ ما سَيُلْقى إليهنَّ خبرٌ يُناسِبُ عُلوَّ أقْدارِهنَّ [554] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/101)، ((تفسير ابن عاشور)) (21/318). .
- وفي قَولِه: يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ مُناسَبةٌ حَسَنةٌ، فعندَ إيتاءِ الأجرِ ذُكِرَ المُؤْتي، وهو اللهُ، فقال: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا، وعندَ العذابِ لم يُصرِّحْ بالمعَذِّبِ، فقال: يُضَاعَفْ؛ إشارةً إلى كمالِ الرَّحمةِ والكَرَمِ، كما أنَّ الكريمَ الحَيَّ عندَ النَّفعِ يُظهِرُ نَفْسَه وفِعلَه، وعندَ الضُّرِّ لا يَذكُرُ نَفْسَه [555] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/166). . وفيه وجهٌ آخَرُ: أنَّ البناءَ للمَفعولِ يدُلُّ على العنايةِ بالتَّهويلِ بالعَذابِ، بجَعلِه عُمدةَ الكلامِ [556] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/341). .
4- قوله تعالى: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا
- وفي قولِه: نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ أُسنِدَ فِعلُ إيتاءِ أجْرِهنَّ إلى ضَميرِ الجلالةِ بوَجهٍ صَريحٍ في قولِه: نُؤْتِهَا؛ تَشريفًا لإيتائِهنَّ الأجْرَ؛ لأنَّه المأمولُ بهنَّ، وكذلك فِعلُ وَأَعْتَدْنَا [557] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/5). .
- وضَميرُ أَجْرَهَا عائدٌ إلى (مَن) باعتبارِ أنَّها صادقةٌ على واحدةٍ مِن نِساءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. وفي إضافةِ الأجْرِ إلى ضَميرِها في قولِه: أَجْرَهَا إشارةٌ إلى تَعظيمِ ذلك الأجْرِ بأنَّه يُناسِبُ مَقامَها، وإلى تَشريفِها بأنَّها مُستحِقَّةٌ ذلك الأجْرَ [558] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/5). .
- والعُدولُ عن المُضارعِ إلى فِعلِ الماضِي في قولِه: وَأَعْتَدْنَا؛ لإفادةِ تَحقيقِ وُقوعِه [559] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (22/6). .