موسوعة التفسير

سُورَةُ آل عِمْرانَ
 الآيتان (90-91)

ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ

المَعنَى الإجماليُّ:

يَتوعَّد اللهُ تبارَك وتعالَى الَّذين كفروا وارتدُّوا بعد إيمانهم، ثمَّ ازدادوا كُفرًا واستمرُّوا عليه إلى أنْ جاءَهم الموت، بأنَّه لن يَقبلَ لهم توبةً؛ فهُم الَّذين خرَجوا عن المنهج الحقِّ إلى طريق الغيِّ والضَّلال في أقوالهم وأفعالهم.
ثم يُخبر تعالى بأنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وهم متلبِّسون بالكفرِ غيرَ تائبين منه، فإنَّه لن يَقبل من أحدٍ منهم شيئًا عمِله، ولو أَنفق تقرُّبًا إليه مِلءَ الأرض ذهبًا، أو افتدَى نفْسَه به، فإنَّه لن يقبلَ منه، بل أُولَئِكَ لَهُمْ عند الله في الآخرة عَذَابٌ موجِعٌ مؤلم، ولن يَجِدوا ناصرًا ينصرُهم ويُنقذهم من عذابِ الله.

تفسير الآيتين :

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
 لَمَّا رغَّبَ في التوبة في قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، رهَّب من التواني عنها يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (4/478). ، فقال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ....
سببُ النُّزول:
عَنِ ابنِ عباسٍ أنَّ قومًا أَسلَموا ثمَّ ارتدُّوا ثمَّ أَسلَموا ثمَّ ارتدُّوا، فأرْسلوا إلى قومِهم يَسألَونَ لهم، فذَكروا ذلك لرسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فنزلَتْ هذه الآيةُ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ أخرجَه البزار كما في ((تفسير ابن كثير)) (2/72). وجوَّد إسنادَه ابنُ كثير. .
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ
 أي: إنَّ الَّذين كفروا وارتدُّوا بعدَ إيمانهم ينظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/71)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/520). .
ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ
 أي: ثمَّ أقاموا على كُفرِهم واستمرُّوا عليه إلى الممات، وتمادَوْا في ضلالهم، وأخَّروا التوبةَ إلى حُضور الموت- فلن يَقبلَ اللهُ لهم توبةً ينظر: ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/461)، ((تفسير ابن كثير)) (2/71)، ((أضواء البيان)) (1/202)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/520)، وعزاه ابن تيميَّة للأكثرين. ((مجموع الفتاوى)) (16/29). وقال بعضُ العلماء: معنى لن تُقبل توبتهم: لن يُوفَّقوا للتوبة، حتى تُقبل منهم، ويَشهد له قولُه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا *النساء: 137*، فعدم غفرانه لهم؛ لعدم هدايتهم السبيل الذي يغفر لصاحبه، ونظيرها قوله تعالى: لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ *النساء: 168-169*. ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/202). .
كما قال تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ [النساء: 18] .
وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ
وهؤلاء الَّذين كفروا بعدَ إيمانهم، ثمَّ ازدادوا كُفرًا، هم الَّذين ضلَّوا سبيل الحقَّ، وأخطؤوا الطَّريق القويم في الأقوال والأفعال ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/567)، ((تفسير ابن عطية)) (1/470). .
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ
 أي: إنَّ الَّذين كفَروا وماتوا على الكُفر ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/570))، ((تفسير ابن كثير)) (2/72). .
فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ
 أي: مَن مات على الكُفرِ، فلن يَقبَل اللهُ منه شيئًا مِن عَمِله، ولو كان أنفقَ مِلْءَ الأرض ذهبًا تقرُّبًا إلى الله، وكذلك لو افتَدَى نفْسَه من الله بمِلْءِ الأرض ذهبًا ما قَبِل الله منه ينظر: ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/461)، ((تفسير ابن عطية)) (1/470)، ((تفسير ابن كثير)) (2/72). .
عن عائشةَ رضِي اللهُ عنها، قالت: قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، ابنُ جُدْعَانَ كان في الجاهلِيَّة يَصِلُ الرَّحِمَ، ويُطعِمُ المِسكينَ؛ فَهَلْ ذاكَ نافِعُهُ؟ قال: ((لا يَنْفَعُه؛ إنَّه لَمْ يَقُلْ يومًا: رَبِّ اغفِرْ لي خَطيئَتي يومَ الدِّين )) أخرجه مسلم (214). .
وعن أنسِ بن مالك رضِي اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: ((يقولُ الله تعالى لأَهونِ أهلِ النَّارِ عذابًا يومَ القيامةِ: لو أنَّ لك ما في الأرضِ من شيءٍ أكُنتَ تفتدي به؟ فيقولُ: نعمْ. فيقولُ: أردتُ منكَ أهونَ من هذا، وأنتَ في صُلبِ آدمَ: ألَّا تُشرِكَ بي شيئًا، فأَبَيْتَ إلَّا أنْ تُشرِكَ بي )) أخرجه البخاري (6557)، ومسلم (2805). .
وصرحَّ في مواضعَ أُخَرَ بأنَّه لو زِيد بمثلِه لا يُقبَل منه أيضًا إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ [المائدة: 36] ، وبيَّن في مواضع أُخَر، أنَّه لا يُقبل فداءٌ في ذلك اليوم منهم بتاتًا كقوله: فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الحديد: 15] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/202). .
أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
هؤلاء الَّذين كفروا وماتوا وهم كُفَّار، لهم عند اللهِ في الآخِرة عذابٌ موجِعٌ مؤلِم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/571)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/522). .
وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ
وليس لهم أحدٌ ينصُرهم ويَستنقذُهم من عذابِ الله، أو يُجيرُهم من أليمِ عِقابِه ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/571)، ((تفسير ابن كثير)) (2/73). .

الفوائد التربوية :

1- في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا: دليلٌ على أنَّ ازدياد الكُفرِ عبارةٌ عمَّا يُنمِّيه ويقوِّيه من الأعمال الَّتي يقاوم بها الإيمان، فالكفرُ يَزداد قوَّةً واستقرارًا وتمكنًا بالعمل بمقتضاه، كما أنَّ الإيمانَ كذلك يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (3/301). .
2- يُؤخذ من قوله تعالى: لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ أنَّ قَبولَ التوبة المستلزِم لمغفرة الذَّنب ليس من قَبيل العطاء الجُزاف، وإنَّما يكون بموافقةِ سُنن الله في الفِطرة الإنسانيَّة السليمة، فمقتضاها أنْ يُحدِث لها العِلمُ بقُبح الذنبِ وسوءِ عاقبتِه ألَمًا يَحمِلُها على ترْكه ومَحْو أثره، بعمل صالح يُحْدِثَ فيها أثرًا مضادًّا لذلك الأثر يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (3/303). .
3- في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ: دليلٌ على أنَّ السيِّئات يُنتِج بعضها بعضًا، وخصوصًا لِمَن أَقدم على الكُفر العظيم، وترَكَ الصَّراط المستقيم، وقد قامتْ عليه الحُجَّة، ووضَّح اللهُ له الآياتِ والبراهين يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 137). .
4- دلَّ قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ... على أنَّ الأمر يسيرٌ على المؤمن؛ لأنَّه يَفتدي من عذاب الله بما هو أقلُّ مِن مِلْء الأرض ذهبًا، وهو الإيمانُ والعملُ الصالح، وأداءُ ما يجِب عليه من الحقوق الماليَّة يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/521). .
5- مَن لم تَرتَقِ رُوحُه في الدُّنيا إلى درجةِ الإيمان الصَّحيح؛ فإنَّها لا تَرتقي في الآخرة من الهاويةِ إلى درجةٍ من الدَّرجات العُلا في الجنَّة، ولو افتدَى بمِلْءِ الأرضِ ذهبًا في الآخرة، على فرْض أنْ يملكَه، كما في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (3/303- 304). .

الفَوائدُ العِلميَّةُ واللَّطائِف:

1- لَمَّا كان الكُفر-لفظاعتِه وقُبحه وشَناعته- جديرًا بالنَّفْرة عنه، والبُعد منه، نبَّه سبحانه وتعالى على ذلك باستبعاد إيقاعِه؛ فكيف بالتَّمادي عليه؟! فكيف بالازديادِ منه؟! وعبَّر عن ذلك بأداة التَّراخي فقال: ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (4/478). .
2- أنَّ المرتدَّ إذا بقي على رِدَّته، فإنَّه لا تُقبَل توبتُه عند الموت؛ لقوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ، وهذا لا يكون إلَّا بالردَّة يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/521). .
3- أنَّه كلَّما تمادَى الإنسان في الكفر ولم يتُبْ، فإنَّه يزداد؛ لأنَّ كلَّ وقت يمرُّ عليه يزداد وزرًا إلى وزره، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا [آل عمران: 90] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/521). .

بلاغة الآيتين:

1- في قوله تعالى: ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا: عبَّر عن ذلك بأداة التراخي (ثمَّ)؛ إشارةً إلى تمادِيهم على ذلك، وعدَم مبادرتِهم بالتوبةِ   يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (4/478). .
2- قوله تعالى: لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ: فيه مناسبةٌ بديعة، حيث لم تَدخُل: الفاء في: لَنْ تُقْبَلَ هنا، ودخلت في قوله: فَلَنْ يُقْبَلَ... في الآية بعدَها؛ لأنَّ الفاء مؤذِنةٌ بالاستحقاقِ بالوصف السَّابق، وفي الآيةِ بعدها قال: وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ، وهنا لم يُصرِّح بهذا القيد. ولَمَّا كانوا لا يتوبون إلَّا عند إشرافِهم على الهلاك، كنَّى عن عدمِ توبتِهم بعدمِ قَبولِها؛ تغليظًا في شأنهم، وإبرازًا لحالهم في صورة حالِ الآيسين من الرحمة، أو لأنَّ توبتَهم لا تكونُ إلَّا نفاقًا؛ لارتدادِهم وازديادِهم كفرًا؛ ولذلك لم تدخُلْ فيه الفاء   يُنظر: ((تفسير الرازي)) (8/287)، ((تفسير البيضاوي)) (2/27)، ((تفسير أبي حيان)) (3/249)، ((تفسير أبي السعود)) (2/57)، ((تفسير القاسمي)) (2/238)، ((تفسير ابن عاشور)) (3/304). .
3- قوله تعالى: وَلَوِ افْتَدَى بِهِ: في فائدةِ ذِكر الواوِ في قوله: وَلَوِ وجوه   يُنظر: ((تفسير الرازي)) (8/287)، ((تفسير القاسمي)) (2/352). :
منها: أنَّها للعطف، والتقدير: لو تقرَّب إلى الله بمِلْءِ الأرض ذهبًا، لم ينفعْه ذلك مع كُفره، ولو افتدَى من العذاب بمِلْء الأرض ذهبًا لم يُقبل منه، وهذا أَوْكَدُ في التَّغليظ؛ لأنَّه تصريحٌ بنفي القَبول من جميع الوجوه.
ومنها: أنَّ الواو دخلتْ لبيان التفصيل بعدَ الإجمال الذي في قوله: فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا؛ لاحتمالِه لوجوهٍ كثيرة، فنصَّ على نفْي القَبول بجهة الفِدية.
ومنها: أنَّها مبالغةٌ في إظهارِ غضَب الربِّ سبحانه عليهم؛ حيث حَكَم تعالى بأنَّه لا يُقبل منهم ملءُ الأرض ذهبًا ولو كان واقعًا على سبيل الفداء؛ تنبيهًا على أنَّه لَمَّا لم يكن مقبولًا بهذا الطريق، فبأنْ لا يكونَ مقبولًا منه بسائرِ الطُّرق أَوْلى.
4- في قوله تعالى: مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا: فيه إيجازٌ بالحذف؛ إذ مِن المعلوم أنَّ الكافرَ لا يملك يومَ القيامة نقيرًا ولا قِطميرًا، وحتى لو مَلَكَهما فلا يَنفعانِ أَلْبَتَّةَ في الدار الآخِرة، فالتقدير: أنَّهم إذا ماتوا على الكُفر، فلو أنَّهم كانوا قدْ أنفقوا في الدُّنيا ملءَ الأرض ذهبًا، لن يَقبل اللهُ تعالى ذلك منهم؛ لأنَّ الطاعةَ مع الكفرِ لا تكون مقبولةً. أو يكون الكلامُ وقَع على سبيلِ الفرْض والتقدير؛ فالذهبُ كنايةٌ عن أعزِّ الأشياء، والتقدير: لو أنَّ الكافرَ يومَ القِيامة قدَرَ على أعزِّ الأشياء ثُمَّ قدَر على بذْله في غايةِ الكثرة، لعجَز أن يتوسَّل بذلك إلى تخليصِ نفْسِه من عذابِ الله يُنظر: ((تفسير الرازي)) (8/287- 288). .
5- قوله تعالى: أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ: فيه مبالغةٌ في التحذير، وتأكيدٌ على عدمِ العفوِ عنهم، وإقناطٌ؛ لأنَّ مَن لا يُقبل منه الفداء، ربَّما يُعفَى عنه تكرمًا يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (2/28). .
6- قوله تعالى: كَيْفَ يَهْدِي وقوله: لَا يَهْدِي: فيه تكرار يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/259). ؛ للتأكيد. أو يكون قوله: كَيْفَ يَهْدِي اللهُ مختصًّا بالمرتدِّين، ثمَّ إنَّه تعالى عمَّم ذلك الحُكمَ في المرتدِّ، وفي الكافر الأصليِّ، فقال: وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ يُنظر: ((تفسير الرازي)) (8/284). ، وعلى هذا؛ ففيه ذِكرُ حُكمٍ عامٍّ بعد حُكمٍ خاصٍّ؛ وهو مفيدٌ للتأكيد أيضًا.
7- قوله تعالى: وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ: فيه تأكيدٌ بضميرِ الفَصْل هُمْ يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/259). .
8- قوله تعالى: عَذَابٌ أَلِيمٌ: فيه تنكيرُ عَذَابٌ؛ للتهويلِ. وفيه زيادةُ مبالغةٍ بوصْفِه بـأَلِيم مع العُدولِ من مُفعِل (مؤلم) إلى فَعيل أَلِيم يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/259). .
9- قوله تعالى: أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ: الإشارة بـأُولِئَكَ وما فيه مِن معنى البُعد؛ للتنبيهِ على أنَّهم أحرياءُ بما يرِدُ بعدَ اسمِ الإشارةِ من الحُكم عليهم يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (3/304). .
10- قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ: فيه توكيدٌ لفظيٌّ بالمرادف، وليُبنى عليه التفريعُ بقوله: فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ...   يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (3/305). .