موسوعة التفسير

سورةُ العَنكَبوتِ
الآيات (53-55)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ

غَريبُ الكَلِماتِ:

يَغْشَاهُمُ: أي: يُصيبُهم، وأصلُ (غشي): يدُلُّ على تغطيةِ شَيءٍ بشَيءٍ .

المعنى الإجماليُّ:

يقولُ تعالى مبيِّنًا سَفاهةَ المشركينَ وجهْلَهم: ويَستعجِلُك مُشرِكو قَومِك -يا محمَّدُ- بوُقوعِ عذابِ اللهِ عليهم، ولولا قَضاءُ اللهِ بنُزولِ العذابِ عليهم في وقتٍ محدَّدٍ لجاءَهم وقتَ استِعجالِهم به! ولَيأتيَنَّهم عذابُ اللهِ فَجأةً وهم لا يَشعرونَ بوَقتِ مَجيئِه.
يَستعجِلُك مُشرِكو قَومِك بالعذابِ، وإنَّ جهنَّمَ لَمُحيطةٌ بهم وبكُلِّ كافرٍ، يومَ يَغْشاهم عذابُ النَّارِ مِن فَوقِهم ومِن تحتِ أرجُلِهم، ويقولُ اللهُ للكافرينَ: ذُوقوا جزاءَ ما كنتُم تَعمَلونَه في الدُّنيا.

تَفسيرُ الآياتِ:

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّها عطفٌ على جملةِ: وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ [العنكبوت: 50] ؛ استِقصاءً في الرَّدِّ على شُبُهاتِهم، وإبطالًا لتَعِلَّاتِ إعراضِهم النَّاشئِ عن المُكابَرةِ .
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ.
أي: ويَطلُبُ منك مُشرِكو قَومِك -يا مُحمَّدُ- أن تُعجِّلَ وُقوعَ عَذابِ اللهِ عليهم .
كما قال تعالى: وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [الأنفال: 32] .
وقال سُبحانَه: وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [يس: 48] .
وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ.
أي: ولولا تَقديرُ اللهِ لِعذابِ المُشرِكينَ بأن يَنزِلَ عليهم في وَقتٍ محدَّدٍ لا يَتقدَّمُ ولا يَتأخَّرُ، لجاءهم في وَقتِ استِعجالِهم إيَّاه .
وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ.
أي: ولَيأتيَنَّهم عذابُ اللهِ فجأةً دونَ أن يَشعُروا بوَقتِ مَجيئِه .
يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54).
أي: ويَستعجِلُك كُفَّارُ قَومِك -يا مُحمَّدُ- بوُقوعِ عذابِ اللهِ عليهم، وإنَّ جهنَّمَ لَمُحيطةٌ بهم وبكُلِّ كافرٍ، فلا بدَّ لهم مِن دُخولِها يومَ القيامةِ .
ثُمَّ ذَكَر سبحانَه كيفِيَّةَ إحاطةِ العذابِ بهم، فقالَ :
يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55).
يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ.
أي: إنَّ جَهنَّمَ مُحيطةٌ بالكافِرينَ يومَ يَغشاهم عَذابُها مِن فَوقِهم، ويَغشاهم مِن تحتِ أرجُلِهم .
كما قال تعالى: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ [الأعراف: 41] .
وقال سُبحانَه: لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ * بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ [الأنبياء: 39، 40].
وقال عزَّ وجلَّ: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ [الزمر: 16].
وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
أي: ويَقولُ اللهُ للكافِرينَ: ذُوقوا جزاءَ ما كُنتُم تَعمَلونَه في الدُّنيا مِن كُفرانٍ وعِصيانٍ .
كما قال تعالى: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا * هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الطور: 13 - 16].
وقال سُبحانَه: يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ [القمر: 48].

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- في قولِه تعالى: وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ أنَّ أفعالَ اللهِ سُبحانَه وتعالى مُقَدَّرةٌ مُنظَّمةٌ، لا تأتي مُصادَفةً بغيرِ عِلْمٍ ولا بغيرِ رُشْدٍ، بل هو سُبحانَه وتعالى كامِلُ العِلمِ والحِكمةِ .
2- قال تعالى: وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ أراد الله تأخيرَه لحِكَمٍ عَلِمها؛ منها: إمهالُهم ليؤمِنَ منهم مَنْ آمَنَ بعدَ الوعيدِ، ولِيَعلموا أنَّ الله لا يَستفِزُّه استِعجالُهم العذابَ؛ لأنَّه حكيمٌ لا يُخالفُ ما قدَّره بحكمتِه، حليمٌ يُمهِلُ عِبادَه .
3- في قوله تعالى: وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ حُجَّةٌ على المُعتَزلةِ والقَدَريَّةِ واضحةٌ؛ لأنَّ العذابَ في هذا الموضعِ لا يَخلو مِن أنْ يكونَ هلاكَ موتٍ أو غيرَه مِن أنواعِ العذابِ، وأيُّهما كان فلا يَتقدَّمُ الأجَلَ المضروبَ! وهم يَزعمون أنَّ الإنسانَ قد يموتُ بغيرِ أجَلِه، ويُنْكِرون أنَّ اللهَ جلَّ جلالُه ضرَب أجلًا لأحدٍ في هلاكٍ؛ مَخافةَ ما يَلْزَمُهم في الكتابِ السَّابقِ بشَيءٍ مِن الأشياءِ !
4- في قَولِه تعالى: يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ عِظَمُ هذا العذابِ؛ حيثُ إنه يَغلُظُ عليهم مِن ناحيتينِ: مِن العُلُوِّ، ومِن السُّفْلِ؛ لأنَّه يكونُ كالغِطاءِ والوِطاءِ، كأنَّهم يُطبَقُ عليهم بنارٍ، ومُوقَدٌ مِن تحتِهم نارٌ، هذا عَدَا ما يأتيهم مِن كلِّ جانبٍ؛ لقوله تعالى: لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ .
5- في قوله تعالى: يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أنَّ تعذيبَ الكفارِ جِسْميٌّ ونَفْسيٌّ: الجِسْميُّ ما يَذوقونه مِن أنواعِ العذابِ، والنَّفْسيُّ ما يحصُلُ لهؤلاء المعذَّبِينَ مِن التَّقريعِ والتَّوبيخِ الَّذي فيه الألَمُ النَّفْسيُّ؛ لقولِه: ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، والألَمُ النَّفْسيُّ قد يكونُ أشدَّ مِن الألَمِ الجِسميِّ .
6- في قَولِه تعالى: ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إثباتُ العَدلِ؛ حيث كان الجزاءُ مِن جِنسِ العَمَلِ .
7- قولُه تعالى: مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فيه الرَّدُّ على الجبريَّةِ الَّذين يقولونَ: إنَّ الإنسانَ لا يُضافُ إليه العَمَلُ إلَّا على سبيلِ المَجازِ فقط! فعَمَلُ الإنسانِ عندَهم كإحراقِ النَّارِ لِمَا تُحرِقُه؛ فهو شيءٌ مُجبَرٌ عليه بدونِ اختيارِه !

بلاغةُ الآياتِ:

1- قوله تعالى: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
- قولُه: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ حُكِيَ استِعجالُهم العذابَ بصِيغةِ المُضارِعِ؛ لاستِحضارِ حالِ استِعجالِهم؛ لإفادةِ التَّعجيبِ منها .
- قولُه: وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ جُملةٌ مُستأنَفةٌ مُبيِّنةٌ لِمَا أُشِيرَ إليه في الجُملةِ السَّابقةِ، مِن مَجِيءِ العذابِ عندَ مَحلِّ الأجلِ .
2- قوله تعالى: يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ أعقَبَ إنذارَهم بعذابِ يومِ بَدرٍ -على قولٍ- بإنذارِهم بالعذابِ الأعظَمِ؛ لأنَّه سُبحانَه قد أعدَّ لهم عذابًا أعظَمَ مِن عذابِ يومِ بَدرٍ، وهو عذابُ جهنَّمَ الَّذي يعُمُّ جميعَهم. وأُعِيدَ لأجْلِه ذِكْرُ استِعجالِهم بالعذابِ مُعترِضًا بيْنَ المُتعاطِفَينِ؛ إيماءً إلى أنَّ ذلك جوابُ استِعجالِهم؛ فإنَّهم استَعجَلوا العذابَ فأُنذِروا بعذابَينِ، أحدُهما أعجَلُ مِن الآخَرِ. وفي إعادةِ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ تَهديدٌ وإنذارٌ بأخْذِهم؛ فجُملةُ وَإِنَّ جَهَنَّمَ معطوفةٌ على جُملةِ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً؛ فهُما عذابانِ كما هو مُقْتضى ظاهرِ العَطْفِ .
- قولُه: يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ استِئنافٌ مَسوقٌ لِغايةِ تَجْهيلِهم، ورَكاكةِ رأْيِهم، وفيه دَلالةٌ على أنَّ ما اسْتَعْجلوه عذابُ الآخرةِ، أي: يَستعجِلونك بالعذابِ، والحالُ أنَّ مَحلَّ العذابِ الَّذي لا عذابَ فوقَه مُحِيطٌ بهم، كأنَّه قِيل: يَستعجِلونك بالعذابِ، وإنَّ العذابَ لَمُحيطٌ بهم، أي: سيُحِيطُ بهم، وإنَّما جِيءَ بالجُملةِ الاسميَّةِ دَلالةً على تحقُّقِ الإحاطةِ واستِمرارِها، أو تَنزيلًا لحالِ السَّببِ مَنزلةَ حالِ المُسبَّبِ؛ فإنَّ الكُفْرَ والمعاصيَ المُوجِبةَ لدُخولِ جهنَّمَ مُحِيطةٌ بهم .
- قولُه: وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ اللَّامُ في (الكافرين) للعهْدِ على وَضْعِ الظَّاهرِ مَوضِعَ المُضمَرِ، أو للجِنْسِ؛ فيكونُ استِدلالًا بحُكْمِ الجنْسِ على حُكْمِهم .
- قولُه: وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ الإحاطةُ كِنايةٌ عن عدَمِ إفلاتِهم منها، والمرادُ بالكافرينَ المُستعجِلون، واستُحْضِروا بوصْفِ الكافرينَ؛ للدَّلالةِ على أنَّه مُوجِبُ إحاطةِ العذابِ بهم. واستُعْمِلَ اسمُ الفاعلِ (محيط) في الإحاطةِ المُستقبَلةِ، مع أنَّ شأْنَ اسمِ الفاعلِ أنْ يُفِيدَ الاتِّصافَ في زمَنِ الحالِ؛ تَنزيلًا للمُستقبَلِ مَنزِلةَ زمانِ الحالِ؛ تَنبيهًا على تَحقيقِ وُقوعِه؛ لِصُدورِه عمَّن لا خِلافَ في إخبارِه .
3- قوله تعالى: يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
- قولُه: يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ ظرفٌ لِمُضْمرٍ قد طُوِيَ ذِكْرُه؛ إيذانًا بغايةِ كَثرتِه وفَظاعتِه، كأنَّه قِيلَ: يومَ يَغشاهُم العذابُ -الذي أُشِيرَ إليه بإحاطةِ جهنَّمَ بهم- يكونُ مِن الأحوالِ والأهوالِ ما لا يَفِي به المَقالُ. وقِيل: ظرفٌ للإحاطةِ .
- وفي قولِه: يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ تَصويرٌ للإحاطةِ، وقولُه: مِنْ فَوْقِهِمْ بيانٌ للغِشْيانِ؛ لتَصويرِه تفظيعًا لحالِه -كقولِه: وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ [الأنعام: 38] - وتأْكيدًا لِمعنى الغِشْيانِ؛ فهو في مَوضعِ الحالِ مِن العذابِ، وهي حالٌ مُؤكِّدةٌ. وقولُه: وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ احتِراسٌ عمَّا قد يُوهِمُه الغِشْيانُ مِن الفوقيَّةِ خاصَّةً، أي: تُصِيبُهم نارٌ مِن تحتِهم تَتوهَّجُ إليهم وهم فوقَها، والمقصودُ مِن هذه الكِنايةِ أنَّ العذابَ مُحِيطٌ بهم؛ فلذلك لم يُذكَرِ الجانبانِ الأيمَنُ والأيسَرُ؛ لأنَّ الغرَضَ مِن الكِنايةِ قد حصَلَ، والمقامُ مَقامُ إيجازٍ؛ لأنَّه مَقامُ غضبٍ وتَهديدٍ .
- قولُه: وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ التَّقديرُ: ويقولُ اللهُ، وعدَلَ عن ضَميرِ التَّكلُّمِ -على خِلافِ مُقْتضى الظَّاهرِ- على طَريقةِ الالتِفاتِ، أو يُقدَّرُ: ويقولُ الملَكُ المُوكَّلُ بجهنَّمَ .
- وقولُه: وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ جَعَل ذلك عيْنَ ما كانوا يعملونَ؛ لِلمُبالَغةِ بطريقِ إطلاقِ اسمِ المسَبَّبِ على السَّبَبِ، فإنَّ عمَلَهم كان سَبَبًا لعذابِهم ، فهم في الحقيقةِ لا يَذوقون ما كانوا يعملون، إنَّما يَذوقون جزاءَه، لكنَّه مِن بابِ التَّعبيرِ بالسَّببِ عن المسبَّبِ. وأيضًا هو أشدُّ في التَّقريعِ؛ لأنَّ هذا العملَ اختاروه بأنفُسِهم، والجزاءُ لَمْ يختاروه بأنفُسِهم؛ فكأنَّه يقولُ: هذا هو الَّذي اختَرْتُم تمامًا . وأيضًا لأنَّ الجزاءَ لما كان بقدرِ المجزيِّ أُطلِق عليه اسمُه .