موسوعة التفسير

سورةُ النُّورِ
الآيات (27-29)

ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ

غريب الكلمات:

تَسْتَأْنِسُوا: أي: تَستأذِنوا، وتَستَعلِموا أيُريدُ أهلُها أن تَدخُلوا أم لا، والاستِئناسُ: إعلامُ مَن في الدارِ، تقولُ: استأنسْتُ فما رأيتُ أحدًا، أي: استعلَمْتُ وتعرَّفْتُ، وأصلُ (أنس): يدُلُّ على ظُهورِ الشَّيءِ [576] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 303)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/145)، ((البسيط)) للواحدي (16/189)، ((المفردات)) للراغب (ص: 94)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 255)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 317). .
مَتَاعٌ: أي: تمتُّعٌ وانتِفاعٌ، وأصلُ (متع): يدُلُّ على المنفعةِ [577] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 46)، ((تفسير ابن جرير)) (17/250)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 409)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/293)، ((المفردات)) للراغب (ص: 757)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 69). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ الله تعالى: يا أيُّها الذين آمَنوا باللهِ ورَسولِه، لا تَدخُلوا بيوتًا غيرَ بُيوتِكم حتى تستأذِنوا أهلَها في الدُّخولِ، وتُسَلِّموا عليهم، ذلكم الاستِئذانُ والتَّسليمُ خيرٌ لكم؛ لتتَّعِظوا وتعمَلوا بموجِبِ هذه الآدابِ، فإنْ لم تجِدوا في بُيوتِ الآخَرينَ أحدًا يأذَنُ لكم بالدُّخولِ فلا تَدخُلوها حتى يُسمَحَ لكم بالدُّخولِ، وإنِ استأذَنْتُم فلم يُؤذَنْ لكم، وقيل لكم: ارجِعوا؛ فارجِعوا ولا تُلِحُّوا؛ فإنَّ الرُّجوعَ عندَئذٍ أطهَرُ لكم، واللهُ عليمٌ بكُلِّ أعمالِكم، فيُجازيكم عليها. وليس عليكم إثمٌ وحرَجٌ أن تدخُلوا بغيرِ استِئذانٍ بُيوتًا لا تختَصُّ بسُكنى أحدٍ؛ كالبُيوتِ المبنيَّةِ على الطُّرُقِ للمُسافرينَ، والبُيوتِ الخَرِبةِ، وحوانيتِ التجَّارِ وغيرِها؛ ففيها حاجةٌ ومنافِعُ لِمَن يدخُلُها، واللهُ يعلَمُ ما تُظهِرونَ وما تُسِرُّونَ في نفوسِكم.

تفسير الآيات:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّ الله تعالى عدَلَ عمَّا يتَّصِلُ بالرَّميِ والقذفِ وما يتعلَّقُ بهما مِن الحُكمِ، إلى ما يليقُ به؛ لأنَّ أهلَ الإفكِ إنَّما وجَدوا السَّبيلَ إلى بُهتانِهم مِن حيث اتَّفَقت الخَلوةُ، فصارت كأنَّها طريقُ التُّهمةِ، فأَوجَبَ اللهُ تعالى ألَّا يَدخُلَ المرءُ بيتَ غَيرِه إلَّا بعد الاستِئذانِ والسَّلامِ؛ لأنَّ في الدُّخولِ لا على هذا الوجهِ وقوعَ التُّهمةِ، وفي ذلك مِن المضَرَّةِ ما لا خَفاءَ به، فقال تعالى [578] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (23/356). :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا.
أي: يا أيُّها الذين آمَنوا، لا تدخُلوا بيوتَ غيرِكم حتى تستأذِنُوا منهم في دُخولِها، وتُسلِّموا على ساكِنيها [579] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/245، 246)، ((تفسير القرطبي)) (12/213)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (5/713)، ((تفسير الألوسي)) (9/328، 329)، ((تفسير السعدي)) (ص: 565)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/197). وممَّن قال بأنَّ الاستِئناسَ هنا بمعنى الاستِئذانِ: ابنُ جرير، والقرطبيُّ، وابن القيم، والألوسي، والسعدي، وابن عاشور. يُنظر: المصادر السابقة. قال ابنُ جُزَي: (ومعنَى تَسْتَأْنِسُوا: تَستأذِنوا، وهو مأخوذٌ مِن قَولِك: آنستُ الشَّيءَ: إذا عَلِمْتَه؛ فالاستِئناسُ: أن يَستعلِمَ: هل يريدُ أهلُ الدَّارِ الدُّخولَ أم لا؟ وقيل: هو مأخوذٌ مِنَ الأُنسِ، ضِدِّ الوَحشةِ). ((تفسير ابن جزي)) (2/66). قال الشنقيطي: (في تفسيرِ هذه الآيةِ الكريمةِ بما يناسِبُ لَفْظَها وجهانِ، ولكُلٍّ منهما شاهِدٌ مِن كتابِ الله تعالى: الوجهُ الأوَّلُ: أنَّه مِن الاستِئناسِ الظَّاهِرِ الذي هو ضِدُّ الاستيحاشِ؛ لأنَّ الذي يَقرَعُ بابَ غيرِه لا يدري أيؤْذَنُ له أمْ لا، فهو كالمُستوحِشِ من خَفاءِ الحالِ عليه، فإذا أُذِنَ له استأنسَ وزال عنه الاستيحاشُ... الوَجهُ الثَّاني في الآيةِ: هو أن يكونَ الاستِئناسُ بمعنى الاستِعلامِ والاستِكشافِ، فهو استفعالٌ مِن آنسَ الشَّيءَ: إذا أبصَرَه ظاهِرًا مَكشوفًا أو عَلِمَه. والمعنى: حتى تَستَعلِموا وتستكشِفوا الحالَ، هل يؤْذَنُ لكم أمْ لا). ((أضواء البيان)) (5/491). وقال القاسمي: (تَسْتَأْنِسُوا أي تَستَعلِموا وتَستَكشِفوا الحالَ: هلْ يُرادُ دُخولُكم أمْ لا؟ مِنَ الاستِئناسِ وهو الاستِعلامُ... أو المعنى: حتى يؤْذَنَ لكم فتَستأنِسوا، مِنَ الاستِئناس الذي هو خِلافُ الاستيحاشِ؛ لِما أنَّ المستأذِنَ مُستَوحِشٌ مِن خَفاءِ الحالِ عليه، فيكون عبَّر بالشَّيءِ عمَّا هو لازِمٌ له). ((تفسير القاسمي)) (7/368). وقال ابنُ جرير: (فتأويلُ الكلامِ إذَنْ إذا كان ذلك معناه: يا أيُّها الذين آمنوا، لا تدخُلوا بُيوتًا غيرَ بُيوتِكم حتى تُسَلِّموا وتستأذِنوا، وذلك أن يقولَ أحَدُكم: السَّلامُ عليكم، أدخُلُ؟ وهو مِن المقَدَّمِ الذي معناه التأخيرُ، إنما هو: حتى تسَلِّموا وتستأذِنوا). ((تفسير ابن جرير)) (17/246). وقال ابن عثيمين: (اختلف العُلَماءُ في مسألة: هل تستأذِنُ أولًا، أو تسَلِّمُ أولًا؟ على أقوالٍ ثلاثة: فمنهم مَن يرى تقديمَ الاستئذانِ على السَّلامِ؛ لظاهرِ الآيةِ: حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا. ومنهم مَن يرى أنَّ السَّلامَ قبل الاستئذانِ؛ لأحاديثَ وردَت في ذلك. ومنهم مَن يرى أنَّه لو عَلِمَ أنَّ صاحِبَ البَيتِ موجودٌ، فعليه أن يسَلِّمَ أولًا ثم يستأذِنَ، وأمَّا إذا لم يَعلَمْ بوجودِه فإنَّه يستأذِنُ أولًا ثم يسَلِّمُ، وهذا القولُ أصَحُّ الأقوالِ الثلاثةِ؛ لأنَّ فيه جمعًا بين الآيةِ والأحاديثِ الواردةِ، ولأنَّه موافِقٌ تمامًا للنظَرِ). ((تفسير ابن عثيمين - سورة النور)) (ص: 154). وقال ابنُ جُزَي: (وليس في الآيةِ عَدَدُ الاستِئذانِ، وجاء في الحَديثِ أن يَستأذِنَ ثلاثَ مَرَّاتٍ، وهو تفسيرٌ للآيةِ). ((تفسير ابن جزي)) (2/66). .
عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كنتُ في مجلِسٍ مِن مجالسِ الأنصارِ إذ جاء أبو موسى كأنَّه مذعورٌ، فقال: استأذنتُ على عُمَرَ ثلاثًا، فلم يؤْذَنْ لي، فرَجَعْتُ، فقال: ما منَعَك؟ قلتُ: استأذنتُ ثلاثًا فلم يؤذَنْ لي فرجعْتُ، وقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إذا استأذنَ أحَدُكم ثلاثًا فلم يؤْذَنْ له، فلْيَرجِعْ. فقال: واللهِ لَتُقِيمَنَّ عليه ببَيِّنةٍ، أمِنْكم أحدٌ سَمِعه من النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ فقال أُبَيُّ بنُ كَعبٍ: واللهِ لا يَقومُ معك إلَّا أصغَرُ القومِ! فكنتُ أصغَرَ القَومِ، فقُمتُ معه، فأخبَرْتُ عُمَرَ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال ذلك)) [580] رواه البخاري (6245). .
وعن سَهلِ بنِ سَعدٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((اطَّلَع رجلٌ من جُحْرٍ [581] جُحْرٍ: أي: ثُقبٍ. يُنظر: ((عمدة القاري)) للعيني (22/239). في حُجَرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِدْرًى [582] مِدْرًى: أي: حديدةٌ يُسَوَّى بها شَعرُ الرَّأسِ شِبهُ المُشطِ. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (14/137). يَحُكُّ به رأسَه، فقال: لو أعلَمُ أنَّك تنظُرُ لطعَنْتُ به في عَينِك، إنَّما جُعِل الاستِئذانُ مِن أجلِ البَصَرِ )) [583] رواه البخاري (6241) واللفظ له، ومسلم (2156). .
وعن رجُلٍ من بني عامرٍ، أنَّه ((استأذَنَ علَى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وهو في بيتٍ، فقالَ: أأَلِجُ؟ فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ لخادمِه: اخرُجْ إلى هذا فعلِّمهُ الاستئذانَ، فقُلْ لَه: قُلْ: السَّلامُ عليكم، أأدخُلُ؟ فسمِعَه فقال: السَّلامُ عليكم، أأدخُلُ؟ فأَذِنَ لَه النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فدخَلَ )) [584] أخرجه أبو داود (5177) واللفظ له، والنَّسائي في ((السنن الكبرى)) (10148)، وأحمد (23127). صحَّح إسنادَه النووي في ((المجموع)) (4/619)، وصحَّح الحديثَ ابنُ القيم في ((زاد المعاد)) (2/392)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (5177). .
ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.
أي: ذلكم الاستِئذانُ والسَّلامُ عندَ إرادةِ دُخولِ بُيوتِ النَّاسِ أفضَلُ للمُستأذِنِ ولأهلِ البَيتِ، أمَرَكم اللهُ بذلك لتُطيعوه بفِعلِ هذه الآدابِ، وتَعلَموا أنَّها خيرٌ لكم مِن الدُّخولِ بلا إذنٍ ولا سلامٍ، فتَّتعِظوا وتأخُذوا بها [585] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/246)، ((الوسيط)) للواحدي (3/315)، ((تفسير البيضاوي)) (4/103)، ((تفسير الخازن)) (3/291)، ((تفسير ابن كثير)) (6/41)، ((تفسير الشوكاني)) (4/24). .
فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ.
فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ.
أي: فإنْ لم تجِدوا في بُيوتِ غَيرِكم أحَدًا مِن أهلِها، فاصبِروا ولا تدخُلوها إلى أن يؤْذَنَ لكم بالدُّخولِ، فإن أُذِن لكم فادخُلوا [586] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/247)، ((تفسير القرطبي)) (12/219، 220)، ((تفسير القاسمي)) (7/368)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/201). .
وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا.
أي: وإنِ استأذَنْتُم مِن أهلِ البُيوتِ في دُخولِ بُيوتِهم، فلمْ يأذَنوا لكم، وقالوا لكم: انصَرِفوا؛ فانصَرِفوا بلا غَضَبٍ، ولا تُلِحُّوا عليهم في طلَبِ الإذنِ، ولا تَبقَوا عندَ بُيوتِهم مُنتَظِرينَ [587] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/247)، ((تفسير الزمخشري)) (3/228)، ((تفسير السعدي)) (ص: 565). قال السعدي: (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا أي: فلا تمتَنِعوا مِن الرُّجوعِ، ولا تغضَبوا منه؛ فإنَّ صاحِبَ المنزلِ لم يمنعْكم حقًّا واجبًا لكم، وإنما هو متبَرِّعٌ، فإن شاء أذِنَ أو منَعَ، فأنتم لا يأخُذْ أحَدَكم الكِبْرُ والاشمئزازُ مِن هذه الحالِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 565). .
هُوَ أَزْكَى لَكُمْ.
أي: رجوعُكم عن بُيوتِ النَّاسِ إذا لم يأذَنوا لكم بدُخولِها، أطهَرُ لكم [588] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/247)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (15/387)، ((تفسير ابن كثير)) (6/41)، ((تفسير السعدي)) (ص: 565)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/200). قال السعدي: (هُوَ أَزْكَى لَكُمْ أي: أشدُّ لتطهيرِكم مِن السيئاتِ، وتنميتِكم بالحسناتِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 565). وقال ابنُ عاشور: (معنى أَزْكَى لَكُمْ: أنَّه أفضَلُ وخيرٌ لكم مِن أن يأذَنوا على كراهيةٍ). ((تفسير ابن عاشور)) (18/200). .
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ.
أي: واللهُ بما تعمَلون مِن الطَّاعاتِ والمعاصي، ودُخولِكم بإذنٍ وبغيرِ إذنٍ، وبغيرِ ذلك مِن أعمالِكم؛ عليمٌ، وسيُجازيكم عليها؛ خَيرِها وشَرِّها [589] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/247)، ((الوسيط)) للواحدي (3/315)، ((تفسير أبي حيان)) (8/32)، ((تفسير السعدي)) (ص: 565)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/201). .
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ.
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا ذكَرَ اللهُ تعالى حُكمَ الدُّورِ المَسكونةِ؛ ذكَرَ بعدَه حُكمَ الدُّورِ التي هي غيرُ مَسكونةٍ؛ وذلك لأنَّ المانِعَ مِن الدُّخولِ إلَّا بإذنٍ زائِلٌ عنها [590] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (23/359). .
وأيضًا لَمَّا كان مِن الأماكنِ التي قد لا يُوجَدُ بها أحَدٌ، ما يُباحُ الدُّخولُ إليه؛ لخُلوِّه، أو عَدَمِ اختِصاصِ النَّازِلِ به- أتبَع ما تقدَّمَ التَّعريفَ بأنَّه لم يَدخُلْ في النَّهيِ؛ فقال تعالى [591] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/252). :
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ.
أي: لا إثمَ ولا حرجَ عليكم أن تدخُلوا -مِن غيرِ استِئذانٍ- بيوتًا لا يَسكُنُها أحدٌ؛ لتنتَفِعوا بها؛ كالبيوتِ المبنيَّةِ على الطُّرُقِ للمُسافرينَ، والبُيوتِ الخَرِبةِ، وحوانيتِ التجَّارِ، والمكتباتِ، إلى غيرِ ذلك [592] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/248، 252)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (5/713)، ((تفسير ابن كثير)) (6/41)، ((تفسير السعدي)) (ص: 565)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/201 - 203). قال ابن جرير: (إنَّ الله عمَّ بقولِه: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ [النور: 29] كلَّ بيتٍ لا ساكنَ به لنا فيه متاعٌ، نَدخلُه بغيرِ إذنٍ، فلا وجهَ لتخصيصِ بعضِ ذلك دونَ بعضٍ، فكُلُّ بيتٍ لا مالِكَ له ولا ساكِنَ؛ مِن بيتٍ مبنيٍّ ببعضِ الطُّرُقِ للمارَّة والسَّابِلةِ؛ ليأوُوا إليه، أو بيتٍ خرابٍ قد بادَ أهلُه، ولا ساكِنَ فيه، حيث كان ذلك- فإنَّ لِمَن أراد دخولَه أن يدخُلَ بغيرِ استئذانٍ؛ لمتاعٍ له يؤويه إليه، أو للاستِمتاعِ به لقضاءِ حَقِّه؛ مِن بولٍ، أو غائطٍ، أو غيرِ ذلك). ((تفسير ابن جرير)) (17/252، 253). وقال البيضاوي: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ كالرُّبُطِ والحوانيتِ والخاناتِ والخانقاتِ. فِيهَا مَتَاعٌ استِمتاعٌ لَكُمْ؛ كالاستِكنانِ مِن الحرِّ والبردِ، وإيواءِ الأمتعةِ، والجلوسِ للمعامَلةِ، وذلك استثناءٌ مِن الحُكمِ السَّابقِ؛ لشُمولِه البيوتَ المسكونةَ وغيرَها). ((تفسير البيضاوي)) (4/104). قال ابن عاشور: (وأمَّا أن تكونَ تلك البيوتُ مأهولةً بأناسٍ يقطُنونَها يُؤوونَ المُسافرين ورِحالَهم ورواحِلَهم، ويحفَظون أمتِعتَهم ويُبيِّتونَهم حتى يستأنِفوا المرحلةَ؛ مثل الخاناتِ المأهولةِ والفنادقِ، وكذلك البيوتُ المعدودةُ لبيعِ السِّلَعِ، والحمَّاماتُ، وحوانيتُ التجَّارِ، وكذلك المكتباتُ وبُيوتُ المطالعةِ؛ فهذه مأهولةٌ، ولا تُسمَّى مسكونةً؛ لأنَّ السكنى هي الإقامةُ التي يَسكُنُ بها المرءُ، ويستقِرُّ فيها، ويُقيمُ فيها شؤونَه. فمعنى قولِه: غَيْرَ مَسْكُونَةٍ أنَّها غيرُ مأهولةٍ على حالةِ الاستقرارِ، أو غيرُ مأهولةٍ البتَّةَ). ((تفسير ابن عاشور)) (18/202). وقال ابن عاشور: (ظاهِرُ قَولِه: فِيهَا مَتَاعٌ أنَّ المتاعَ موضوعٌ هناك قبْلَ دخولِ الدَّاخِلِ، فلا مفهومَ لهذه الصفةِ؛ لأنَّها خرجت مخرجَ التنبيهِ على العُذرِ في الدُّخولِ، ويشمَلُ ذلك أن يدخُلَها لوضعِ مَتاعِه بدَلالةِ لحنِ الخِطابِ، وكذلك يشمَلُ دُخولَ المسافِرِ وإن كان لا متاعَ له؛ لقصدِ التظَلُّلِ أو المبيتِ، بدلالةِ لحنِ الخطابِ أو القياس، وقد فُسِّر المتاعُ بالمصدر، أي: التمتُّع والانتِفاع). ((تفسير ابن عاشور)) (18/202، 203). .
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ.
أي: واللهُ يعلَمُ ما تُظهِرونَه، وما تُخفونَه في قُلوبِكم [593] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/254)، ((تفسير أبي السعود)) (6/169)، ((تفسير الشوكاني)) (4/24). قال ابن جرير: (يقولُ تعالى ذِكرُه: واللهُ يعلم ما تُظهِرونَ -أيُّها الناسُ- بألسنتِكم مِن الاستئذانِ إذا استأذنتُم على أهلِ البيوتِ المسكونةِ، وَمَا تَكْتُمُونَ يقولُ: وما تُضمِرونَه في صدورِكم عندَ فِعلِكم ذلك، ما الذي تَقصدِون به: أطاعةَ اللهِ والانتهاءَ إلى أمرِه، أمْ غيرَ ذلك؟). ((تفسير ابن جرير)) (17/254). وقال البِقَاعي: (وَمَا تَكْتُمُونَ تَحذيرًا مِن أن تُزاحِموا أحدًا في مُباحٍ بما يؤذيه ويضَيِّقُ عليه، معتلِّينَ بأصلِ الإباحةِ، أو يؤْذَنَ لكم في منزلٍ فتُبطِنوا فيه الخيانةَ؛ فإنَّه وإن وقع الاحترازُ مِن الخَوَنةِ بالحِجابِ، فلا بدَّ من الخُلطةِ؛ لِما بُني عليه الإنسانُ من الحاجةِ إلى العِشرةِ). ((نظم الدرر)) (13/253). وقال أبو السعود: (هذا وعيدٌ لِمَن يدخُلُ مَدخلًا مِن هذه المداخِلِ؛ لفسادٍ، أو اطِّلاعٍ على عَوْراتٍ). ((تفسير أبي السعود)) (6/169). وقال السعدي: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ أي: أحوالَكم الظَّاهِرةَ والخَفيَّةَ، وعَلِمَ مصالحَكم؛ فلذلك شَرَع لكم ما تحتاجون إليه وتُضْطَرُّون مِن الأحكامِ الشَّرعيةِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 565). .

الفوائد التربوية:

1- قَولُ الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ فيه مِن الآدابِ أنَّ المرءَ لا يَنبغي أن يكونَ كَلًّا على غَيرِه، ولا يَنبغي له أن يُعرِّضَ نفْسَه إلى الكراهيةِ والاستِثقالِ، وأنَّه يَنبغي أن يكونَ الزَّائِرُ والمَزورُ مُتوافِقَينِ مُتآنِسَينِ، وذلك عَونٌ على توفُّرِ الأُخُوَّةِ الإسلاميَّةِ [594] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/197). .
2- قَولُ الله تعالى: وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ أي: أطهَرُ وأصلَحُ مِن الوقوفِ على الأبوابِ مُنتظرينَ؛ لأنَّ هذا ممَّا يجلِبُ الكراهةَ، ويقدَحُ في قلوبِ النَّاسِ، خصوصًا إذا كانوا ذَوِي مروءةٍ مُرتاضينَ للآدابِ الحَسَنةِ، وإذا نُهيَ عن ذلك لأدائِه إلى الكراهةِ، وجَبَ الانتِهاءُ عن كُلِّ ما يؤدِّي إليها؛ مِن قَرعِ البابِ بعُنفٍ، والتَّصييحِ بصاحِبِ الدارِ، وغيرِ ذلك ممَّا يَدخُلُ في عاداتِ مَن لم يتهذَّبْ، مِن أكثَرِ النَّاسِ [595] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (2/614). .
3- قَولُ الله تعالى: وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ فيه أدبٌ عَظيمٌ: وهو تعليمُ الصَّراحةِ بالحَقِّ دونَ المواربةِ، ما لم يكنْ فيه أذًى، وتعليمُ قَبولِ الحَقِّ؛ لأنَّه أطمَنُ لنَفْسِ قابِلِه مِن تلقِّي ما لا يُدرَى أهو حَقٌّ أم مُواربةٌ، ولو اعتاد النَّاسُ التصارُحَ بالحَقِّ بيْنهم، لزالت عنهم ظُنونُ السُّوءِ بأنفُسِهم [596] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/200). !

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ يُرشِدُ الباري جلَّ وعلا عبادَه المؤمنين ألَّا يَدخُلوا بيوتًا غيرَ بُيوتِهم بغير استِئذانٍ؛ فإنَّ في ذلك عِدَّةَ مفاسِدَ:
منها: ما ذكرَه الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، حيث قال: ((إنَّما جُعِل الاستِئذانُ مِن أجلِ البصَرِ )) [597] أخرجه البخاري (6241) واللفظ له، ومسلم (2156) من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه. ، فبسبَبِ الإخلالِ به يقَعُ البصَرُ على العَوْراتِ التي داخِلَ البيوتِ؛ فإنَّ البيتَ للإنسانِ في سَترِ عورةِ ما وراءَه بمنزلةِ الثَّوبِ في سَترِ عورةِ جَسَدِه.
ومنها: أنَّ ذلك يوجِبُ الرِّيبةَ مِن الدَّاخِلِ، ويُتَّهَمُ بالشَّرِّ سرقةً أو غيرَها؛ لأنَّ الدُّخولَ خُفيةً يدُلُّ على الشَّرِّ [598] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 565). .
2- قَولُ الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا فيه سؤالٌ: أنَّ كَلِمةَ (حتى) للغايةِ، والحُكمُ بعْدَ الغايةِ يكونُ بخلافِ ما قَبْلَها، فقولُه: لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا يقتضي جوازَ الدُّخولِ بعد الاستِئذانِ، وإن لم يكُنْ مِن صاحِبِ البيتِ إذْنٌ؟
الجوابُ مِن وجوهٍ:
الوجهُ الأوَّلُ: أنَّ الله تعالى جعَل الغايةَ الاستِئناسَ لا الاستِئذانَ، والاستِئناسُ لا يحصُلُ إلَّا إذا حصَلَ الإذنُ بعد الاسِتئذانِ.
الوجهُ الثَّاني: أنَّه لَمَّا عَلِمْنا أنَّ الحِكمةَ في الاستِئذانِ: ألَّا يَدخُلَ الإنسانُ على غَيرِه بغَيرِ إذنِه؛ فإنَّ ذلك ممَّا يَسوؤُه، وعَلِمْنا أنَّ هذا المقصودَ لا يحصُلُ إلَّا بعد حُصولِ الإذن- عَلِمْنا أنَّ الاستِئذانَ ما لم يتَّصِلْ به الإذنُ، وجَبَ ألَّا يكونَ كافيًا.
الوجهُ الثَّالثُ: أنَّ قَولَه تعالى: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ، فحظَرَ الدُّخولَ إلَّا بإذنٍ؛ فدَلَّ على أنَّ الإذنَ مَشروطٌ بإباحةِ الدُّخولِ في الآيةِ الأُولى [599] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (23/358). .
3- قَولُ الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا الظَّاهِرُ أنَّه يجوزُ للإنسانِ أن يدخُلَ بيتَ نَفْسِه مِن غيرِ استِئذانٍ ولا سلامٍ؛ لقَولِه: غَيْرَ بُيُوتِكُمْ [600] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/30). ، فالآيةُ فُهِم منها أنَّ الرجُلَ لا يستأذنُ عندَ دخولِ بيتِه على امرأتِه [601] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 191). ويُنظر أيضًا: ((تفسير سورة النور)) للشنقيطي (ص: 90). قال الشنقيطي: (اعلَمْ أنَّه إنْ لم يكُنْ مع الرَّجُلِ في بَيتِه إلَّا امرأتُه أنَّ الأظهَرَ أنَّه لا يستأذِنُ عليها، وذلك يُفهَمُ مِن ظاهِرِ قَولِه تعالى: لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ، ولأنَّه لا حِشمةَ بينَ الرَّجُلِ وامرأتِه، ويجوزُ بيْنهما مِنَ الأحوالِ والملابَساتِ ما لا يجوزُ لأحدٍ غَيرِهما، ولو كان أبًا أو أمًّا أو ابنًا، كما لا يخفى). ((أضواء البيان)) (5/501). لكنْ قال ابنُ كثيرٍ: (الأَولى أن يُعلِمَها بدُخولِه، ولا يُفاجِئَها به؛ لاحتِمالِ أن تكونَ على هيئةٍ لا تحِبُّ أن يراها عليها). ((تفسير ابن كثير)) (6/39). أمَّا إذا كان مع الرَّجُلِ في بيتِه مَحارِمُه، فقال الشنقيطي: (الأظهَرُ الذي لا ينبغي العُدولُ عنه أنَّ الرَّجُلَ يَلزَمُه أن يستأذِنَ على أمِّه وأختِه، وبَنِيه وبناتِه البالِغينَ؛ لأنَّه إنْ دخَلَ على مَن ذُكِرَ بغيرِ استِئذانٍ فقد تقَعُ عَينُه على عَوْراتِ مَن ذُكِرَ، وذلك لا يَحِلُّ له). ((أضواء البيان)) (5/500). .
4- قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ظاهِرُ الآيةِ يَقتَضي قَبولَ الإذنِ مُطلَقًا، سواءٌ كان الآذِنُ صَبيًّا أو امرأةً أو عبدًا أو ذِمِّيًّا؛ فإنَّه لا يُعتبَرُ في هذا الإذنِ صِفاتُ الشَّهادةِ [602] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (23/359). .
5- قَولُ الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا فيه وجوبُ الاستِئذانِ عند دُخولِ بيتِ الغيرِ [603] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 190)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/198). .
6- قَولُ الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ فيه وجوبُ الرُّجوعِ إذا لم يُؤذَنْ له، وتحريمُ الدُّخولِ إذا لم يكُنْ فيها أحَدٌ، ويُستفادُ مِن هذا تحريمُ دُخولِ مِلكِ الغيرِ، والسُّكنى فيه، وشَغلِه بغيرِ إذْنِ صاحِبِه، فيدخُلُ تحتَه من المسائِلِ والفروعِ ما لا يُحصَى [604] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 191). .
7- قَولُ الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا هو بيانٌ لكيفيَّةِ الاستِئذانِ [605] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 191). .
8- قال تعالى: وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا والسَّلامُ تقرَّرتْ مَشروعيَّتُه مِن قبْلُ في أوَّلِ الإسلامِ، ولم يكُنْ خاصًّا بحالةِ دُخولِ البيوتِ، فلم يكُنْ للسَّلامِ اختِصاصٌ هنا، وإنَّما ذُكِرَ مع الاستِئذانِ؛ للمُحافَظةِ عليه مع الاستِئذانِ؛ لئلَّا يُلْهِيَ الاستِئذانُ الطَّارقَ، فيَنْسى السَّلامَ، أو يَحسَبَ الاستئذانَ كافيًا عن السَّلامِ [606] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/198). .
9- قَولُ الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا سُمِّي الاستِئذانُ استِئناسًا؛ لأنَّ به يحصُلُ الاستِئناسُ، وبعَدَمِه تحصُلُ الوَحشةُ [607] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 565). .
10- قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ... إلى قَولِه: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ، في قَولِه تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ الجُناحُ: الإثمُ، فيُستفادُ منه أنَّ الأوامِرَ السَّابِقةَ للوُجوبِ؛ لأنَّها هي التي يأثمُ الإنسانُ بمُخالفتِها [608] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - سورة النور)) (ص: 161). .
11- قال الله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ في ذلك توعُّدٌ لأهلِ التجَسُّسِ على البيوتِ، وطلَبِ الدُّخولِ على غَفلةٍ للمعاصي، والنَّظَرِ لِما لا يحِلُّ [609] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/ 176)، ((تفسير أبي حيان)) (8/32). .
12- قال قتادةُ: (قال بَعضُ المُهاجِرينَ: لقد طلبتُ عُمُري كلَّه هذه الآيةَ فما أدرَكْتُها: أنْ أستأذِنَ على بَعضِ إخواني، فيقولَ لي: ارجِعْ، فأرجِعُ وأنا مُغتَبِطٌ؛ لِقَولِه تعالى: وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [610] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/248). .
13- لا مُنافاةَ بيْنَ قَولِه تعالى: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا وبيْنَ قَولِه: فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ؛ فإنَّ أهلَ البُيوتِ قد يَكونونَ غائِبينَ عن بُيوتِهم، فإذا رجَعوا وأذِنوا فلا مانِعَ مِن الدُّخولِ؛ فصاحِبُ البَيتِ قد لا يوجَدُ في وقتٍ، ويوجدُ في وَقتٍ آخَرَ، والفائدةُ في هذا نفيُ توهُّمِ جوازِ دُخولِ الدَّارِ التي لا يُوجَدُ فيها صاحِبُها؛ ظنًّا بأنَّ النَّهيَ إنَّما هو لخشيةِ الاطِّلاعِ على عَوْراتِ أهلِ الدَّارِ أنفُسِهم فحسْبُ؛ فإنَّ أهلَ الدارِ وإنْ غابوا فقد يَكرهونَ أن يَطَّلِعَ أحَدٌ على ما في دارِهم مِن مَتاعٍ وغَيرِه [611] يُنظر: ((تفسير سورة النور)) للشنقيطي (ص: 93، 94). قال الزمخشريُّ: (وذلك أنَّ الاستِئذانَ لم يُشرَع لئلَّا يطَّلِعَ الدَّاخِلُ بغير إذْنٍ على عورةٍ، ولا تسبِقَ عينُه إلى ما لا يحِلُّ النظرُ إليه فقط، وإنَّما شُرع لئلَّا يُوقَفَ على الأحوالِ التي يطويها النَّاسُ في العادةِ عن غيرِهم، ويتحفَّظون مِنِ اطِّلاعِ أحدٍ عليها، ولأنَّه تصَرُّفٌ في مِلكِ غيرِك؛ فلا بدَّ من أن يكونَ برضاه، وإلَّا أشْبَهَ الغَصبَ والتغلُّبَ). ((تفسير الزمخشري)) (3/228). .
14- في قَولِه تعالى: وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا بُنِيَ الفِعلُ للمَجهولِ؛ لِيَدُلُّ أنَّ المستأذِنَ إذا سَمِعَ مَن يقولُ له: «ارجِعْ»، فإنَّه يجبُ عليه أن يَرجِعَ، ولو كان القائِلُ غيرَ مَن له الإذنُ مِن أهلِ البَيتِ [612] يُنظر: ((تفسير سورة النور)) للشنقيطي (ص: 94). .
15- قَولُ الله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ يدخُلُ فيه المُعَدُّ للضَّيفِ إذا أَذِنَ فيه صاحبُه في أوَّلِ الأمرِ، ووضَعَ الضَّيفُ متاعَه فيه؛ لأنَّ الاستِئذانَ لئلَّا يُهجَمَ على ما لا يُرادُ الاطِّلاعُ عليه، ويُرادُ طَيُّه عن عِلمِ الغَيرِ، فإذا لم يُخَفْ ذلك، فلا معنى للاستِئذانِ [613] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/253). .
16- قَولُ الله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ يُفهَمُ منه تحريمُ النَّظَرِ إلى النِّساءِ وعَوراتِ الرِّجالِ، كما قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما جُعِلَ الاستِئذانُ مِن أجلِ البصرِ )) [614] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 191). والحديث أخرجه البخاري (6241) واللفظ له، ومسلم (2156) من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه. .
17- قَولُ الله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ هذا مِن احتِرازاتِ القُرآنِ العَجيبةِ؛ فإنَّ قَولَه: لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ لفظٌ عامٌّ في كلِّ بيتٍ ليس مِلكًا للإنسانِ؛ أخْرَجَ منه تعالى البيوتَ التي ليست مِلكَه، وفيها متاعُه، وليس فيها ساكِنٌ، فأسقَط الحرجَ في الدُّخولِ إليها [615] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 565). .
18- قَولُ الله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ فيه إيماءٌ إلى أنَّ مَن لا منفعةَ له في دُخولِها لا يؤْذَنُ له في دُخولِها؛ لأنَّه يُضَيِّقُ على أصحابِ الاحتياجِ إلى بِقاعِها [616] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/203). .

بلاغة الآيات:

1- قَولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
- قَولُه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا استِئنافٌ لبَيانِ أحكامِ التَّزاوُرِ، وتَعليمِ آدابِ الاستِئذانِ، وتَحديدِ ما يحصُلُ المقصودُ منه؛ كيْ لا يكونَ النَّاسُ مُختلفينَ في كَيفيَّتِه على تفاوُتِ اختلافِ مَداركِهم في المقصودِ منه والمُفيدِ [617] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/168)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/196). .
- ووَصْفُ البُيوتِ بمُغايرةِ بُيوتِهم خارجٌ مَخرجَ العادةِ الَّتي هي سُكنى كلِّ أحدٍ في ملْكِه، وإلَّا فالمؤاجرُ والمُعيرُ أيضًا مَنْهيَّانِ عن الدُّخولِ بغيرِ إذنٍ [618] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/168). .
- قَولُه: حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا كِنايةٌ لَطيفةٌ عن الاستِئذانِ، أي: أنْ يَستأذِنَ الدَّاخلُ، أي: يَطلُبَ إذنًا مِن شأنِه ألَّا يكونَ معه استيحاشُ ربِّ المنزلِ بالدَّاخلِ، إذا كان معنى الاستِئناسِ خِلافَ الاستيحاشِ؛ لأنَّ الَّذي يَطرُقُ بابَ غيرِه لا يَدْري أيُؤْذَنُ له أمْ لا، فهو كالمُستَوحشِ مِن خَفاءِ الحالِ، فإذا أُذِنَ له استأنَسَ، فالمعنى: حتَّى يُؤذَنَ لكم؛ فهذا مِن بابِ الكِناياتِ والإردافِ؛ لأنَّ هذا النَّوعَ مِن الاستئناسِ يَردُفُ الإذْنَ؛ فوُضِعَ مَوضعَ الإذنِ [619] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/225، 226)، ((تفسير أبي حيان)) (8/30)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/197)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (6/590). . وسِرُّ ذلك: تَرغيبُ المُخاطَبينَ في الإتيانِ بالاستِئذانِ؛ فإنَّ له فائدةً وثمرةً تَميلُ النُّفوسُ إليها، وتَنفِرُ مِن ضِدِّها، وهو الاستيحاشُ الحاصلُ بتقديرِ عدَمِ الاستِئذانِ؛ ففيه تَنهيضٌ للدَّواعي على سُلوكِ هذا الأدبِ [620] يُنظر: ((تفسير الزمخشري – حاشية ابن المنير)) (3/226)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (6/590). .
- وأيضًا في قولِه: حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا عطَفَ الأمرَ بالسَّلامِ على الاستِئناسِ، وجعَلَ كِلاهما غايةً للنَّهيِ عن دُخولِ البيوتِ؛ تَنبيهًا على وُجوبِ الإتيانِ بهما؛ لأنَّ النَّهيَ لا يرتفِعُ إلَّا عند حُصولِهما [621] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/197). .
2- قَولُه تعالى: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ
- قَولُه: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا احتِراسٌ مِن أنْ يظُنَّ ظانٌّ أنَّ المنازِلَ غيرَ المسكونةِ يدخُلُها النَّاسُ في غَيبةِ أصحابِها بدونِ إذْنٍ منهم؛ توهُّمًا بأنَّ عِلَّةَ شرْعِ الاستئذانِ ما يَكرَهُ أهْلُ المنازِلِ مِن رُؤيتِهم على غيرِ تأهُّبٍ، بلِ العلَّةُ هي كراهتُهم رُؤيةَ ما يُحِبُّون سَتْرَه مِن شُؤونِهم؛ فالشَّرطُ هنا يُشبِهُ الشَّرطَ الوصليَّ؛ لأنَّه مُرادٌ به المُبالَغةُ في تَحقيقِ ما قبْلَه؛ ولذلك ليس له مفهومُ مخالفةٍ [622] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/201). .
- والغايةُ في قولِه: حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ لتأكيدِ النَّهيِ بقولِه: فَلَا تَدْخُلُوهَا [623] يُنظر:  ((تفسير ابن عاشور)) (18/201). .
- قَولُه: وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ تَذييلٌ لهذه الوصايا بتَذكيرِهم بأنَّ اللهَ عليمٌ بأعمالِهم؛ لِيَزدجِرَ أهْلُ الإلحاحِ عن إلْحاحِهم بالتَّثقيلِ، ولِيَزدجِرَ أهْلُ الحِيَلِ أو التَّطلُّعِ مِن الشُّقوقِ ونَحوِها. وهذا تَعريضٌ بالوعيدِ؛ لأنَّ في ذلك عِصيانًا لِمَا أمَرَ اللهُ به؛ فعِلْمُه به كِنايةٌ عن مُجازاتِه فاعِلِيه بما يَستحِقُّونَ [624] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/228)، ((تفسير أبي حيان)) (8/32)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/201). .
3- قَولُه تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ
- قَولُه: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ صِفةٌ للبُيوتِ، أو استِئنافٌ جارٍ مَجْرى التَّعليلِ لعدَمِ الجُناحِ [625] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/169). .
- وقولُه: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ فيه وَعيدٌ لِمَن يَدخُلُ مَدخلًا مِن هذه المداخلِ لفسادٍ أو اطِّلاعٍ على عَوراتٍ، كمَن يدخُلونَ الخَرِباتِ والدُّورَ الخاليةَ مِن أهْلِ الرِّيبةِ؛ فهذه الجُملةُ مُستعمَلةٌ في التَّحذيرِ مِن تجاوُزِ ما أشارت إليه الآيةُ مِن القيودِ، وهي كونُ البُيوتِ غيرَ مَسكونةٍ، وكونُ الدَّاخلِ مُحتاجًا إلى دُخولِها، بلْهَ أنْ يدخُلَها بقصْدِ التَّجسُّسِ على قُطَّانِها -أي: ساكنيها-، أو بقصْدِ أذاهُم، أو سَرِقةِ مَتاعِهم [626] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/228)، ((تفسير البيضاوي)) (4/104)، ((تفسير أبي حيان)) (8/32)، ((تفسير أبي السعود)) (6/169)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/203). .