موسوعة التفسير

سورةُ طه
الآيات (95-98)

ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ

غريب الكلمات:

خَطْبُكَ: أي: أمرُك وشَأنُك، والخَطبُ: الأمرُ يقَعُ؛ وإنَّما سُمِّيَ بذلك لِما يقَعُ فيه من التخاطُبِ والمُراجَعةِ [831] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 281)، ((تفسير ابن جرير)) (16/148)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/198)، ((المفردات)) للراغب (ص: 286)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 232)، ((تفسير القرطبي)) (11/239). .
بَصُرْتُ: أي: رأيتُ وعلِمتُ، وأصلُ (بصر): يدُلُّ على العِلمِ بالشَّيءِ [832] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/148)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/253، 254)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 232)، ((تفسير القرطبي)) (11/239)، ((تفسير ابن كثير)) (5/313). .
فَنَبَذْتُهَا: أي: قَذَفتُها، وألقَيْتُها، وأصلُ النَّبذِ: طَرْحُ الشَّيءِ وإلقاؤُه [833] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 281)، ((تفسير ابن جرير)) (16/152)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/380)، ((تفسير القرطبي)) (11/240). .
سَوَّلَتْ: أي: زَيَّنَتْ، والتَّسْويلُ: تزيينُ النَّفسِ لِما تَحرِصُ عليه، وتصويرُ القَبيحِ منه بصورةِ الحَسَنِ [834] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 281)، ((تفسير ابن جرير)) (13/39)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 262)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/118)، ((المفردات)) للراغب (ص: 437)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 232)، ((تفسير القرطبي)) (11/240). .
لَا مِسَاسَ: أي: لا تَمسُّ النَّاسَ ولا يمَسُّونَك، أو كنايةٌ عن الطَّردِ والوَحدةِ، وأصلُ (مسَّ): جَسُّ الشَّيءِ باليَدِ [835] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 281)، ((المفردات)) للراغب (ص: 767)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 232)، ((تفسير ابن كثير)) (5/314)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 970). .
ظَلْتَ عَلَيْهِ: أي: دُمتَ وأقَمْتَ عليه، يُقَال: ظلَّ يفعَلُ كذا: إذا فعَلَه نَهارًا [836] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/154)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 324)، ((تفسير القرطبي)) (11/242). .
لَنَنْسِفَنَّهُ: أي: لَنَقذِفَنَّه ولَنُذرِّيَنَّه، يقال: نَسَفت الريحُ الشَّيءَ: إذا اقتَلَعَتْه وأزالَتْه، وأصلُ (نسف): يدُلُّ على كشفِ شيءٍ [837] يُنظر: ((مجاز القرآن)) لأبي عبيدة (2/28)، ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 282)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 465)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/419)، ((المفردات)) للراغب (ص: 802)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 915). .

المعنى الإجمالي:

يخبرُ الله تعالى عن موسَى عليه السلامُ أنَّه بعدَ أن انتهَى مِن سماعِ اعتذارِ أخيه هارونَ، اتَّجهَ إلى السَّامِريِّ أصلِ الفتنةِ، فسأَله موبخًا له: فما شأنُكَ يا سامِريُّ، وما الذي حَمَلك على ما صَنعْتَ؟ قال السَّامريُّ: رأيتُ ما لم يرَ بنو إسرائيلَ، وعلمْتُ ما لم يَعْلَموا، فأخذتُ بكَفِّي ترابًا مِن أثَرِ حافِرِ فَرَسِ جِبريلَ، فألقيتُه على الحُلِيِّ الذي صَنَعتُ منه العِجلَ، فكان عِجلًا جَسَدًا له خُوارٌ، وكذلك زيَّنَت لي نَفسي.
قال موسى للسَّامريِّ: فاذهَبْ، فإنَّ لك مدَّةَ حياتِك الدُّنيا أن تعيشَ منبوذًا قائلًا لكلِّ أحَدٍ: لا أَمَسُّ ولا أُمَسُّ؛ عقوبةً لك على إضلالِك بني إسرائيلَ، وإنَّ لك مَوعِدًا لعذابِك لن يُخْلِفَك اللهُ إيَّاه، وانظُرْ إلى مَعبودِك الذي أقمْتَ على عبادتِه، لنُحَرِّقنَّه في النَّارِ، ثم لَنُفرِّقَنَّ أجزاءَه في البَحرِ تفريقًا لا يبقَى معه شَيءٌ منه. إنَّما إلهُكم هو اللهُ الذي لا معبودَ بحَقٍّ إلَّا هو، وَسِعَ عِلمُه كُلَّ شَيءٍ.

تفسير الآيات:

قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95).
أي: قال موسى: فما شأنُكَ -يا سامِريُّ-، وما الذي حَمَلك على ما صَنعْتَ [838] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/148)، ((تفسير القرطبي)) (11/239)، ((تفسير ابن كثير)) (5/313). ؟!
قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96).
قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ.
أي: قال السَّامريُّ لموسى: رأيتُ ما لم يرَ بنو إسرائيلَ، وعلمْتُ ما لم يَعْلَموا [839] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/148)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 704)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/295). قال ابن عطية: (يحتمل أن يرادَ مِن البصيرةِ، ويحتَملُ أن يُرادَ مِن البَصَر). ((تفسير ابن عطية)) (4/61). وممن فسر بَصُرْتُ بالعلم: مقاتل بن سليمان، وأبو عبيدة، وابن جرير، والزجاج، ومكي، والواحدي، والزمخشري، والعُليمي، وابن عاشور. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/40)، ((مجاز القرآن)) لأبي عبيدة (2/26)، ((تفسير ابن جرير)) (16/148)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (3/374)، ((الهداية الى بلوغ النهاية)) لمكي (7/4689)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 704)، ((تفسير الزمخشري)) (3/84)، ((تفسير العُليمي)) (4/320). ((تفسير ابن عاشور)) (16/295). وممن فسَّره بالرؤية: السمعاني، وابنُ جزي، والقرطبي، وابن كثير، وأبو السعود، وهو ظاهرُ كلامِ السعدي. يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (3/352)، ((تفسير ابن جزي)) (2/13)، ((تفسير القرطبي)) (11/239)، ((تفسير ابن كثير)) (5/313)، ((تفسير أبي السعود)) (6/38)، ((تفسير السعدي)) (ص: 512). وممن جمع بين المعنيين السابقين: السمرقندي، والقنوجي. يُنظر: ((تفسير السمرقندي)) (2/410)، ((تفسير القنوجي)) (8/270). !
فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ.
أي: فأخذتُ بكَفِّي ترابًا من أثَرِ حافِرِ فَرَسِ جِبريلَ [840] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/149 - 151)، ((تفسير ابن كثير)) (5/313)، ((تفسير السعدي)) (ص: 512)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/295). قال الواحدي: (قال ابنُ عباسٍ وجميعُ المفسِّرين: يريدُ أثَرَ فَرَسِ جبريلَ). ((البسيط)) (14/507). وقال الرازي: (عامَّةُ المفَسِّرين قالوا: المرادُ بالرَّسولِ: جِبريلُ عليه السَّلامُ، وأراد بأثَرِه: التُّرابَ الذي أخذَه من مَوضِعِ حافِرِ دابَّتِه). ((تفسير الرازي)) (22/95). وقال الألوسي عن هذا القول: (ما ذُكِرَ مِن تفسيرِ الآيةِ هو المأثورُ عن الصَّحابةِ والتَّابِعينَ رَضِيَ الله تعالى عنهم، وتَبِعَهم جُلُّ أجِلَّةِ المفَسِّرينَ). ((تفسير الألوسي)) (8/563). قال ابنُ كثير: (أخذ [أي: السَّامريُّ] ما كان استعاروه من الحُلِيِّ، فصاغ منه عِجلًا، وألقى فيه قَبضةً من الترابِ كان أخَذَها مِن أثرِ فَرَسِ جبريلَ حين رآه يومَ أغرَقَ اللهُ فِرعَونَ على يديه، فلمَّا ألقاها فيه خار كما يخورُ العِجلُ الحقيقيُّ، ويقال: إنَّه استحال عِجلًا جَسَدًا، أي: لحمًا ودمًا، حَيًّا يخورُ. قاله قتادةُ وغيرُه. وقيل: بل كانت الرِّيحُ إذا دخَلَت مِن دُبُرِه خرَجَت مِن فَمِه، فيخورُ كما تخورُ البَقَرةُ، فيرقُصونَ حَولَه ويَفرَحونَ). ((البداية والنهاية)) (2/147). والقولُ الثاني في الآيةِ: أنَّ المرادَ بالرَّسولِ: موسى، وأنَّ أثَرَه: شَريعتُه التي شرَعَها، وسُنَّتُه التي سَنَّها، وأنَّ المرادَ بقَولِه: فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا، أي: طَرَحتُ شَريعةَ موسى، ونبَذْتُ سُنَّتَه، ثمَّ اتَّخذْتُ العِجلَ جَسَدًا له خُوارٌ. يُنظر: ((تفسير الماوردي)) (3/423). وهذا القول الثاني ذكَره أبو مسلم الأصبهاني، ورجَّحه الرازي، ومال إليه ابنُ عاشورٍ، واختاره المراغي. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (22/95، 96)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/296)، ((تفسير المراغي)) (16/142). ويُنظر أيضًا: ((تفسير القاسمي)) (7/144). قال ابن عاشور: (قال جمهورُ المفسِّرينَ: المرادُ بِالرَّسولِ جبريلُ، ورَوَوْا قِصَّةً قالوا: إِنَّ السَّامِرِيَّ فَتَنَه اللَّهُ، فأراه اللَّهُ جبريلَ راكِبًا فَرَسًا فَوَطِئَ حافِرُ الفرسِ مكانًا فإذا هو مُخْضَرٌّ بِالنَّباتِ. فعلِم السَّامِرِيُّ أنَّ أثرَ جبريلَ إذا أُلقي في جمادٍ صارَ حَيًّا، فأخذَ قبضةً من ذلك التُّرابِ وصَنَع عجلًا وألقى القبضة عليه فصارَ جسدًا، أي حَيًّا، له خوارٌ كخوارِ العجلِ، فعَبَّر عن ذلك الإلقاءِ بالنَّبْذ. وهذا الَّذي ذكروه لا يوجدُ في كُتُبِ الإسرائيليِّينَ، ولا ورَدَ به أثرٌ مِن السُّنةِ، وإِنَّما هي أقوالٌ لبعضِ السَّلَفِ، ولَعَلَّها تَسَرَّبَتْ لِلنَّاسِ مِنْ رواياتِ الْقَصَّاصينَ). ((تفسير ابن عاشور)) (16/296). وقال الماتريدي: (عامَّةُ أهلِ التأويلِ... يقولون: إنَّه قَبَض قَبضةً مِن ترابٍ مِن أثرِ فَرسِ جبريلَ فنَبذَها، وليس في الآيةِ ذِكرُ التُّرابِ ولا ذِكرُ الفَرَسِ، ولا أنَّ ذلك الرَّسولَ جبريلُ أو غيرُه، ويُشبِهُ أن يكونَ الذي قبَضَه هو ترابٌ مِن أثرِ الفَرَسِ، على ما قاله أهلُ التأويلِ، وقد ذُكِرَ في حرفِ أُبَيٍّ: (فقبضتُ قَبضةً مِن أثَرِ فَرَسِ الرَّسولِ)، فإنْ ثبت ما قالوا وإلَّا لم نَزِدْ على ما ذُكِرَ في الكتابِ مِن هذه الأنباءِ والقِصَصِ التي كانت في كتُبِهم، فذُكِرَت في القرآنِ؛ لِيَحتجَّ بها رسولُ الله على أولئك؛ لِيَعرِفوا أنَّه إنما عَرَفَ بالله تعالى، فلو زِيدَ أو نُقِصَ عمَّا في كُتُبِهم لذهب موضِعُ الاحتجاجِ عليهم، بل يُوجِبُ ذلك شِبْهَ الكذِبِ عليهم؛ لذلك وجَبَ حِفظُ ما حُكي في الكتابِ مِن الأنباءِ والأخبارِ مِن غيِر زيادةٍ ولا نُقصانٍ؛ مخافةَ الكَذِبِ، إلَّا إن ثبت شيءٌ يُذكَرُ عن رَسولِ الله أنَّه كان؛ فعند ذلك يُقالُ، وإلَّا فالكَفُّ أَولى؛ لِما ذكَرْناه). ((تفسير الماتريدي)) (7/303-304). !
فَنَبَذْتُهَا.
أي: فألقيتُ قَبضةَ التُّرابِ [841] والمعنى: فنبذتُها على العِجلِ. وممن قال بذلك: ابن أبي زمنين، والقرطبي، والعُليمي، والسعدي، والشنقيطي. يُنظر: ((تفسير ابن أبي زمنين)) (3/125)، ((تفسير القرطبي)) (11/240)، ((تفسير العُليمي)) (4/321)، ((تفسير السعدي)) (ص: 512)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/164). قال الشنقيطي: (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ يعني: من أثَرِ حافرِ فَرَسِ الرَّسولِ، يعني: جبريلَ. فَنَبَذْتُهَا أي: على العِجْلِ، فجعله اللهُ جَسَدًا له خُوارٌ، فلما ألقى السَّامريُّ ذلك الترابَ على العِجلِ صار ذلك العِجلُ المصوغُ مِن الحُليِّ جَسدًا له خُوارٌ). ((العذب النمير)) (4/164). وقال ابن جزي: (فَنَبَذْتُهَا أي: ألقَيتُها على الحُليِّ فصار عِجلًا، أو على العِجلِ فصار له خُوارٌ). ((تفسير ابن جزي)) (2/13). ، فكان منها ما تَراه [842] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/152)، ((تفسير ابن كثير)) (5/313)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/296). قال الشنقيطي: (وأظهَرُ الأقوالِ عندي في ذلك: هو أنَّهم جعلوا جميعَ الحُلِيِّ في النارِ ليذوبَ فيصيرَ قطعةً واحدة؛ لأنَّ ذلك أسهَلُ لحِفظِه حتى يرى نبيُّ الله موسى فيه رأيَه، والسَّامريُّ يريدُ تدبيرَ خطَّةٍ لم يطَّلِعوا عليها، وذلك أنَّه لَمَّا جاء جبريلُ ليذهَبَ بموسى إلى الميقاتِ وكان على فَرَسٍ، أخذَ السَّامريُّ ترابًا مَسَّه حافِرُ تلك الفَرَس، ويزعمون في القِصَّةِ أنَّه عاين موضِعَ أثَرِها يَنبُتُ فيه النباتُ، فتفَرَّسَ أنَّ الله جعل فيها خاصيَّةَ الحياة، فأخَذ تلك القبضةَ مِن الترابِ واحتفَظ بها، فلمَّا أرادوا أن يَطرَحوا الحُلِيَّ في النَّارِ لِيَجعَلوه قِطعةً واحدةً، أو لغيرِ ذلك مِن الأسبابِ، وجَعَلوه فيها؛ ألقَى السامريُّ عليه تلك القَبضةَ مِن الترابِ المذكورةَ، وقال له: كنْ عِجْلًا جسدًا له خوارٌ، فجعَلَه الله عِجلًا جسدًا له خوارٌ، فقال لهم: هذا العِجلُ هو إلهُكم وإلهُ موسى، كما يشيرُ إلى ذلك قولُه تعالى عن موسى: قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي). ((أضواء البيان)) (4/83). .
وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي.
أي: وكذلك [843] قال ابن جرير: (وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي [طه: 96] يقولُ: وكما فعلتُ مِن إلقائي القبضةَ التي قبضتُ مِن أثرِ الفرسِ على الحليةِ التي أُوقِد عليها حتى انسَبَكت فصارتْ عجلًا جسدًا له خوارٌ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي يقولُ: زيَّنت لي نفسي أنَّه يكونُ ذلك كذلك). ((تفسير ابن جرير)) (16/152). وقال البقاعي: ( وَكَذَلِكَ أي وكما سوَّلت لي نفسي أخذَ أثرِه سَوَّلَتْ أي: حسَّنت وزيَّنت لِي نَفْسِي نبذَها في الحلي فنبذْتُها، فكان منها ما كان، ولم يدْعُني إلى ذلك داعٍ، ولا حملني عليه حاملٌ غير التسويلِ). ((نظم الدرر)) (12/335). زيَّنَتْ وحسَّنَت لي نفسي [844] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/152)، ((تفسير ابن كثير)) (5/313)، ((تفسير الشوكاني)) (3/452)، ((تفسير السعدي)) (ص: 512). .
قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97).
قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ.
أي: قال موسى للسَّامريِّ: فلأنَّك أخذْتَ ومَسِستَ ما لم ينبغِ لك أخْذُه ومَسُّه مِن أثَرِ الرَّسولِ، فاخرجْ مِن بَينِنا وتباعَدْ منَّا؛ فإنَّ لك مدَّةَ حياتِك الدُّنيا أن تقولَ: لا أَمَسُّ ولا أُمَسُّ، فلا يمسُّك ولا يخالِطُك ولا يقربُك أحدٌ من النَّاسِ، ولا تمسُّ ولا تخالطُ ولا تقربُ أحدًا منهم؛ عقوبةً لك على إضلالِك بني إسرائيلَ [845] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/152)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 704)، ((تفسير القرطبي)) (11/240)، ((تفسير ابن كثير)) (5/313، 314)، ((تفسير السعدي)) (ص: 512)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/297، 298). قال الواحدي: (الصَّحيحُ ما ذُكِرَ في التفسيرِ مِن وجهٍ آخَرَ: أنَّه جعَل يهيمُ في البريَّة مع الوحوشِ والسِّباعِ لا يَمَسُّ أحدًا ولا يمَسُّه أحدٌ، عاقَبَه الله بذلك، وكان إذا لقي أحدًا يقول: لا مِساسَ، أي: لا تقرَبْني ولا تمَسَّني، وصار ذلك عقوبةً له). ((البسيط)) (14/511). وقال البقاعي: (مُنع من مخالطةِ الناسِ منعًا كليًّا؛ فلا يتَّصِلُ بأحدٍ، ولا يتَّصِلُ به أحدٌ، بل يكونُ وحيدًا طريدًا ما دام حيًّا). ((نظم الدرر)) (12/336). وقال ابنُ عاشور: (لم يزدْ موسَى في عقابِ السامريِّ على أن خلَعَه مِن الأمَّة، إمَّا لأنَّه لم يكُنْ مِن أنفُسِهم، فلم يكُنْ بالذي تجري عليه أحكامُ الشَّريعةِ، وإمَّا لأنَّ موسى أُعلِمَ بأنَّ السَّامريَّ لا يُرجَى صلاحُه، فيكونُ ممَّن حَقَّت عليه كَلِمةُ العذابِ... فجعل حَظَّه في حياتِه أن يقولَ: لا مِساسَ، أي: سلَبَه الله الأُنسَ الذي في طَبعِ الإنسانِ، فعَوَّضه به هَوَسًا ووِسواسًا وتوحُّشًا، فأصبَح متباعِدًا عن مخالطةِ النَّاسِ، عائشًا وحدَه، لا يترُكُ أحدًا يقتَرِبُ منه، فإذا لَقِيه إنسانٌ قال له: لا مِساسَ، يخشَى أن يمَسَّه، أي: لا تمسُّني ولا أمَسُّك، أو أراد: لا اقترابَ مني؛ فإن المسَّ يُطلَقُ على الاقترابِ، كَقولِه: وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ [هود: 64] ، وهذا أنسَبُ بصيغةِ المفاعَلةِ، أي: لا مُقاربةَ بيننا، فكان يقولُ ذلك، وهذه حالةٌ فظيعةٌ أصبح بها سُخريةً!). ((تفسير ابن عاشور)) (16/297-298). .
وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ.
أي: وإنَّ لك -يا سامريُّ- وعدًا لِعَذابِك لن يُخلِفَكه اللهُ [846] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/153)، ((تفسير القرطبي)) (11/240)، ((تفسير ابن كثير)) (5/314). .
  وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ.
أي: وانظُرْ -يا سامِريُّ- إلى مَعبودِك العِجلِ الذي بَقِيتَ مُلازِمًا لعبادتِه، واللهِ لَنُحَرِّقَنَّه في النَّارِ [847] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/154، 155)، ((معاني القرآن)) للزجاج (3/375)، ((تفسير ابن عطية)) (4/62)، ((تفسير القرطبي)) (11/242)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/299، 300). قال الشنقيطي: (على أنَّ التحريقَ معناه التحريقُ بالنارِ -كما قاله جماعةٌ مِن العلماءِ- فيظهرُ أنَّ العجلَ صار جسدًا لحمًا ودمًا؛ لأنَّ اللحمَ والدمَ إذا أُحرِق بالنارِ يبسَ، وأمكَن دقُّه ونسفُه في البحرِ؛ لأنَّ الذهبَ والفضةَ لا يمكنُ دقُّهما ونسفُهما في البحرِ، وأمَّا على أنَّ المعنى لَنُحَرِّقَنَّهُ: نبردنَّه بالمباردِ كما تشهدُ له القراءةُ الأُخرى: لَنَحْرُقَنَّهُ فعلى هذا المعنى فالأليقُ أن يكون بقِي ذهبًا وفضةً إلا أنَّه يصوِّت صَوْتَ البَقَر إذا دخلتِ الريحُ في داخلِه). ((العذب النمير)) (4/166). ويُنظر: ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (8/99). قال أبو حيان: (وذكر أبو عليٍّ أنَّ التَّشديدَ قد يكونُ مُبالغةً في «حَرَقَ»: إذا بُرِدَ بالمِبْرَدِ. وفي مُصحَفِ أُبَيٍّ وعبدِ اللِه: «لَنَذْبَحَنَّهُ ثُمَّ لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ» وتوافِقُ هذه القراءةُ مَن روى أنَّه صار لحمًا ودمًا ذا رُوحٍ، ويترتَّبُ الإحراقُ بالنَّارِ على هذا، وأمَّا إذا كان جمادًا مَصوغًا مِن الحُليِّ فيترتَّبُ بَرْدُه لا إحراقُه، إلَّا إن عُنيَ به إذابتُه). ((تفسير أبي حيان)) (7/380). قال ابنُ جُزي: (والصَّحيحُ أنَّ المقصودُ بإحراقِه بالنَّارِ: إذابتُه وإفسادُ صُورتِه، فيَصِحُّ حَملُ قراءةِ الجماعةِ على ذلك). ((تفسير ابن جزي)) (2/14). وقال الزجاج: (قوله: لَنُحَرِّقَنَّهُ... إذا شَدَّدَ [أي: الراء] فالمعنى: نُحرقُه مرةً بعدَ مرةٍ). ((معاني القرآن)) (3/375). وقال السعدي: (كان قد أُشرِبَ العِجلُ في قلوبِ بني إسرائيلَ، فأراد موسى عليه السَّلامُ إتلافَه وهم ينظُرونَ، على وَجهٍ لا تُمكِنُ إعادتُه بالإحراقِ والسَّحقِ وذَرْيِه في اليَمِّ ونَسفِه؛ ليزولَ ما في قلوبِهم مِن حُبِّه، كما زال شَخصُه، ولأنَّ في إبقائِه مِحنةً؛ لأنَّ في النُّفوسِ أقوى داعٍ إلى الباطِلِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 512). .
ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا.
أي: ثم لَنُفرِّقَنَّ أجزاءَه في البَحرِ تفريقًا لا يبقَى معه شَيءٌ منه [848] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/156)، ((تفسير السمرقندي)) (2/411)، ((تفسير ابن كثير)) (5/314)، ((تفسير السعدي)) (ص: 512)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/300). .
إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا فَرَغ موسى عليه السَّلامُ مِن إبطالِ ما عَمِلَه السَّامريُّ؛ عاد إلى بيانِ الدِّينِ الحَقِّ [849] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/380). .
إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ.
أي: إنَّما معبودُكم اللهُ المُستَحِقُّ للعبادةِ وَحدَه، الذي لا معبودَ بحَقٍّ إلَّا هو [850] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/157)، ((الهداية)) لمكي (7/4695)، ((تفسير ابن كثير)) (5/314)، ((تفسير السعدي)) (ص: 512). .
كما قال تعالى: إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ [النساء: 171].
وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا.
أي: أحاط اللهُ بكُلِّ شَيءٍ عِلمًا، فلا يخفَى عليه شَيءٌ، ولا يَضيقُ عليه عِلمُ جَميعِ ذلك [851] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/157)، ((تفسير ابن عطية)) (4/63)، ((تفسير ابن كثير)) (5/314)، ((تفسير السعدي)) (ص: 512). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قال الله تعالى: قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ هذه الآيةُ أصلٌ في نَفيِ أهلِ البِدَعِ والمعاصي، وهِجرانِهم، وألَّا يُخالَطوا [852] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (11/241). .
2- مَرتبةُ تغييرِ المنكَرِ باليَدِ سَنَّها أبو الأنبياءِ إبراهيمُ، حين راغ على تلك الأوثانِ ضَربًا باليَمينِ حتى جعَلَها جُذاذًا وحَطَّمها تحطيمًا، وتَبِعَه فيها موسى حينما قال للسَّامريِّ: وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا، وتَبِعَهما خِتامُهم وأفضَلُهم محمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم، فحَطَّم أوثانَ العَرَبِ المحيطةَ بمكَّةَ، وأرسلَ أصحابَه يَهدِمونَها في كلِّ حيٍّ [853] يُنظر: ((آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي)) (1/396). .
3- قَولُ الله تعالى: وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا قد يستدل به على جواز إتلاف الحيوان إذا كانت المصلحة تقتضي ذلك، ومنه قتلُ البهيمةِ المفعولِ بها [854] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 177). ، وهذا على اعتبارِ أنَّ العجلَ كان حقيقيًّا.

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالى: قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ استئنافٌ وقَعَ جوابًا عمَّا نشَأَ من حِكايةِ ما سلَفَ مِن اعتذارِ القومِ بإسنادِ الفسادِ إلى السَّامريِّ، واعتذارِ هارونَ عليه السَّلامُ؛ كأنَّه قِيلَ: فماذا صنَعَ مُوسى عليه السَّلامُ بعْدَ سَماعِ ما حُكِيَ من الاعتذارينِ واستقرارِ أصْلِ الفِتْنةِ على السَّامريِّ؟ فقيل: قال مُوبِّخًا له: هذا شأْنُهم، فما خطْبُك [855] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/38). ؟
2- قوله تعالى: قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي
- قولُه: فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا الرَّسولُ هو جِبريلُ عليه السَّلامُ -على أحدِ القولين في التفسيرِ-، ولعلَّه لم يُسَمِّه؛ لأنَّه لم يعرِفْه إلا بهذا العنوانِ، أو لأنَّ ذِكْرَه بعُنوانِ الرِّسالةِ فيه إشعارٌ بوُقوفِه على ما لم يَقِفْ عليه القومُ من الأسرارِ الإلهيَّةِ؛ تأكيدًا لِمَا صَدَّرَ به مَقالتَه. أو أرادَ أنْ يُنبِّهَ على وقْتِ أخْذِ ما أخَذَ [856] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/84)، ((تفسير البيضاوي)) (4/37)، ((تفسير أبي حيان)) (7/376)، ((تفسير أبي السعود)) (6/39)، ((تفسير الألوسي)) (8/563). .
- قولُه: وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (كذلك) إشارةٌ إلى مَصدرِ الفِعْلِ المذكورِ بعْدَه، ومَحلُّ (كذلك) في الأصلِ النَّصْبُ، على أنَّه مَصدرٌ تَشبيهيٌّ، أي: نَعتٌ لمصدرٍ مَحذوفٍ، والتَّقديرُ: سوَّلَتْ لي نفْسي تَسويلًا كائنًا مثْلَ ذلك التَّسويلِ؛ فقُدِّمَ على الفِعْلِ لإفادةِ القصْرِ، واعتُبِرَتِ الكافُ مُقْحَمةً؛ لإفادةِ تأكيدِ ما أفادهُ اسمُ الإشارةِ من الفَخامةِ؛ فصار نفْسَ المَصدرِ المُؤكِّدِ لا نَعتًا له، أي: ذلك التَّزيينَ البديعَ زَيَّنَت لي نفْسي ما فعَلْتُه، لا تَزيينًا أدْنى منه؛ ولذلك فعلْتُه [857] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/39). .
- والتَّشبيهُ في قولِه: وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي تَشبيهُ الشَّيءِ بنفْسِه، أي: كذلك التَّسويل سوَّلَت لي نفْسي، أي: تَسويلًا لا يقبَلُ التَّعريفَ بأكثَرَ من ذلك [858] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/297). .
- وفي هذه الآياتِ إيجازٌ واضحٌ جِدًّا؛ لأنَّ تَسَلْسُلَ الحوادثِ يَقْتضي تَقديرَ جُمَلٍ لا بُدَّ منها، وقد ورَدَ الحذْفُ في قولِه تعالى: فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ؛ فقد حُذِفَ المُضافُ مُكرَّرًا هنا، والتَّقديرُ: من أثَرِ حافِرِ فرَسِ الرَّسولِ [859] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (6/239). .
3- قوله تعالى: قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا
- قولُه: قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ دخلَتِ الفاءُ للتَّعقيبِ إثْرَ المُحاوَرةِ، وطَرْدِه بلا مُهلةٍ زمانيَّةٍ. وعبَّرَ بالمُماسَّةِ عن المُخالَطةِ؛ لأنَّها أدنَى أسبابِ المُخالَطةِ، فنبَّهَ بالأدنَى على الأعلَى [860] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/377). .
- وقولُه: فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ ... تعليلٌ لمُوجِبِ الأمْرِ [861] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/39). .
- وفي قولِه: وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا جعَلَ الاستدلالَ بالنَّظرِ إشارةً إلى أنَّه دليلٌ بيِّنٌ، لا يَحتاجُ المُستدِلُّ به إلى أكثَرَ من المُشاهَدةِ؛ فإنَّ دَلالةَ المحسوساتِ أوضَحُ مِن دَلالةِ المعقولاتِ. وأُضِيفَ الإلهُ إلى ضَميرِ السَّامريِّ في قولِه: إِلَهِكَ؛ تَهكُّمًا بالسَّامريِّ وتَحقيرًا له، ووصَفَ ذلك الإلهَ المزعومَ بطَريقِ الموصوليَّةِ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا؛ لِمَا تدُلُّ عليه الصِّلةُ مِن التَّنبيهِ على الضَّلالِ والخطَأِ، أي: الَّذي لا يَستحِقُّ أنْ يُعْكَفَ عليه [862] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/299). .
- وتَقديمُ المجرورِ في قولِه: عَلَيْهِ عَاكِفًا؛ للتَّخصيصِ، أي: الَّذي اخترْتَه للعِبادةِ دونَ غيرِه، أي: دونَ اللهِ تعالى [863] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/299). .
- قولُه: ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (ثُمَّ) للتَّراخي الرُّتبيِّ؛ لأنَّ نَسْفَ العِجْلِ أشَدُّ في إعدامِه من تَحريقِه وأذَلُّ له. وأُكِّدَ (نَنْسِفنَّه) بالمفعولِ المُطلَقِ نَسْفًا؛ إشارةً إلى أنَّه لا يَتردَّدُ في ذلك، ولا يَخْشَى غضَبَه، كما يَزْعمون أنَّه إلَهٌ [864] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/300). .
4- قوله تعالى: إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا
- قولُه: إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ ... استئنافٌ مَسوقٌ لتَحقيقِ الحقِّ إثْرَ إبطالِ الباطلِ، بتَلوينِ الخِطابِ وتَوجيهِه إلى الكلِّ، أي: إنَّما مَعبودُكم المُستحِقُّ للعِبادةِ اللهُ [865] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/40). .
- وهذه الجُملةُ من حِكايةِ كَلامِ مُوسى عليه السَّلامُ؛ فمَوقِعُها موقِعُ التَّذييلِ لوعْظِه، وقدِ الْتَفَتَ من خِطابِ السَّامريِّ إلى خِطابِ الأُمَّةِ؛ إعراضًا عن خِطابِه؛ تَحقيرًا له، وقصْدًا لتَنبيهِهم على خطَئِهم، وتَعليمِهم صِفاتِ الإلهِ الحقِّ. واقتصَرَ منها على الوَحدانيَّةِ، وعُمومِ العِلْمِ؛ لأنَّ الوحدانيَّةَ تجمَعُ جَميعَ الصِّفاتِ، وأمَّا عُمومُ العِلْمِ فهو إشارةٌ إلى عِلْمِ اللهِ تعالى بجَميعِ الكائناتِ الشَّاملةِ لأعمالِهم؛ ليَرقُبُوه في خاصَّتِهم [866] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/300- 301). .
- قولُه: وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أفاد لفْظُ (كل) العُمومَ؛ فالمعنى: وسِعَ عِلْمُه كلَّ شَيءٍ، بحيثُ لا يَضِيقُ عِلْمُه عن شَيءٍ، أي: لا يَقْصُرُ عنِ الاطِّلاعِ على أخْفى الأشياءِ [867] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/301). .