موسوعة التفسير

سورةُ الكَهفِ
الآيات (83-91)

ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ

غريب الكلمات:

سَبَبًا: أي: طَريقًا ومَسلكًا، يُقالُ للطَّريقِ إلى الشَّيءِ: سَبَبٌ، وللحَبْلِ يُتوصَّلُ به إلى الماءِ: سَبَبٌ، ولكُلِّ ما يُتوصَّلُ به إلى شَيءٍ يَبعُدُ عنك: سَبَبٌ، وأصلُ (سبب): يدُلُّ على طولٍ وامتِدادٍ [1327] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 264)، ((الغريبين)) للهروي (3/850)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/64)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 218)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 503).   .
عَيْنٍ حَمِئَةٍ: أي: عينِ ماءٍ ذاتِ حَمْأةٍ، والعينُ تُطلَقُ على الينبوعِ، وهو الماءُ الكثيرُ، والمرادُ بالعينِ: البحرُ، أو عينٌ مِن البحرِ، والحمأةُ هي: الطِّينُ الأسْودُ المُنتِنُ [1328]  يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 270)، ((تفسير ابن جرير)) (15/ 374)، ((البسيط)) للواحدي (14/132)، ((المفردات)) للراغب (ص: 259)، ((تفسير أبي حيان)) (7/221)، ((تفسير ابن كثير)) (5/191)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 410)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/341).   .

المعنى الإجمالي:

يقولُ تعالى: ويَسألُك -يا مُحمَّدُ- هؤلاء الكفَّارُ عن خَبَرِ ذي القَرنَينِ، قُل لهم: سأقصُّ عليكم منه ذِكْرًا تتذَكَّرونَه وتَتَّعِظونَ به: إنَّا مكَّنَّا له في الأرضِ،  وآتيناه مِن كُلِّ شيءٍ يحتاج إليه مثلُه مِن علمٍ أو قدرةٍ أو آلةٍ، ليصلَ به إلى مقصودِه، فأخذَ بتلك الأسبابِ التي تُوصِلُه إلى مَقصودِه، حتى إذا وصل ذو القَرنَينِ إلى مَغرِبِ الشَّمسِ وَجَدها في مرأى العَينِ كأنَّها تَغرُبُ في بحرٍ ذي طينٍ أسوَدَ، ووجد عند مَغرِبِها أمةً مِن الأممِ. قُلْنا: يا ذا القَرنَينِ، إمَّا أن تُعَذِّبَ مَن أصرَّ منهم على الكُفرِ، وإمَّا أن تُحسِنَ إليهم، فتُعَلِّمَهم الهُدى وتُبَصِّرَهم الرَّشادَ.
قال ذو القَرنَينِ: أمَّا مَن ظلَمَ نَفسَه منهم فأصرَّ على الكُفرِ، فسوف نُعَذِّبُه في الدُّنيا، ثمَّ يَرجِعُ إلى رَبِّه فيُعَذِّبُه عذابًا فظيعًا شَديدًا، وأمَّا مَن آمنَ منهم برَبِّه وعَمِلَ صالحًا، فله الجنَّةُ ثوابًا مِنَ اللهِ، وسنُحسِنُ إليه، ونُلينُ له في القَولِ، ونُعامِلُه باليُسرِ.
ثمَّ سار ذو القَرنَينِ إلى المَشرِقِ مُتَّبِعًا الأسبابَ التي أعطاه اللهُ إيَّاها، حتى إذا وصل إلى مَطلِعِ الشَّمسِ وجَدَها تَطلُعُ على قَومٍ ليس لهم شيءٌ يَستُرُهم منَ الشَّمسِ، كذلك وقد أحاط عِلْمُنا بما عِندَ ذي القرنَينِ من شيءٍ. 

تفسير الآيات:

وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّه لَمَّا فرَغَ اللهُ تعالى مِن قِصَّةِ موسى والخَضِر -عليهما السَّلامُ- التي حاصِلُها أنَّها طَوافٌ في الأرضِ لطَلَبِ العِلمِ؛ عَقَّبَها بقِصَّةِ مَن طاف الأرضَ لطَلَبِ الجِهادِ، وقدَّم الأُولَى إشارةً إلى علوِّ دَرَجةِ العِلمِ؛ لأنَّه أساسُ كُلِّ سَعادةٍ، وقِوامُ كُلِّ أمرٍ [1329] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (١٢/١٢٨).   .
وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ.
أي: ويَسألُك الكُفَّارُ [1330] قال ابن عثيمين: (سواءٌ مِن يهود، أو من قُرَيش، أو مِن غيرِهم). ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 124). وذهب ابنُ جريرٍ وابنُ عاشور إلى أنَّ السائلينَ هم كفَّارُ قُرَيشٍ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/368)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/17). قال ابنُ عاشور: (السائلون: قريشٌ لا محالةَ، والمسؤول عنه: خبرُ رجلٍ مِن عظماء العالَم عُرِفَ بلَقَبِ ذي القرنين، كانت أخبارُ سيرته خفيَّةً مُجمَلةً مُغلَقةً، فسألوا النبيَّ عن تحقيقِها وتفصيلِها، وأذِنَ له الله أن يبيِّنَ منها ما هو موضِعُ العبرة للناسِ في شؤون الصلاحِ والعدل، وفي عجيبِ صنعِ الله تعالى في اختلافِ أحوال الخَلقِ). ((تفسير ابن عاشور)) (16/17). -يا محمَّدُ- عن شَأنِ ذي القَرنَينِ [1331] قال البقاعي: (ذو القَرنَينِ: سُمِّي لشَجاعتِه، أو لبلوغِه قَرنَي مَغرِب الشَّمسِ ومَشرِقها، أو لانقراضِ قرنينِ مِن النَّاسِ في زمانِه، أو لأنَّه كان له ضفيرتانِ مِن الشَّعرِ، أو لتاجه قرنانِ). ((نظم الدرر)) (12/128).   وخَبَرِه [1332] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/368)، ((تفسير ابن كثير)) (5/189)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/18). قال أبو السعود: (اختُلِف في نبُوَّتِه بعد الاتِّفاقِ على إسلامِه... والصَّحيحُ أنَّه ما كان نبيًّا ولا مَلَكًا، وإنَّما كان مَلِكًا صالِحًا عادِلًا). ((تفسير أبي السعود)) (5/240). وقال البغوي: (الأكثرونَ على أنَّه كان مَلِكًا عادِلًا صالِحًا). ((تفسير البغوي)) (3/212). وقال ابنُ القَيِّم: (الإسكندرُ المَقدونيُّ، وهو ابن فيلبس، وليس هو بالإسكندر ذي القَرنَينِ الذي قَصَّ الله تعالى نبأه في القرآنِ، بل بينهما قرونٌ كثيرةٌ، وبينهما في الدِّينِ أعظَمُ تبايُنٍ؛ فذو القرنين كان رجلًا صالحًا موحِّدًا لله تعالى، يؤمِنُ بالله تعالى وملائكتِه، وكُتُبه ورُسُلِه واليومِ الآخرِ، وكان يغزو عُبَّادَ الأصنامِ، وبلغ مشارِقَ الأرضِ ومَغارِبَها، وبنى السَّدَّ بين الناسِ وبين يأجوجَ ومأجوجَ. وأمَّا هذا المقدونيُّ فكان مُشرِكًا يعبُدُ الأصنامَ هو وأهلُ مملكتِه). ((إغاثة اللهفان)) (2/263-264). ويُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (11/171). .
قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا.
أي: قُلْ -يا محمَّدُ- لِمَن سألَك عن ذي القَرنَينِ: سأقُصُّ عليكم بعضَ أخبارِه مِمَّا يكونُ فيها ذِكرى وعِبرةٌ وعِظةٌ [1333] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/368)، ((تفسير الألوسي)) (8/351)، ((تفسير السعدي)) (ص: 485)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/23). قال البقاعي: (مِنْهُ ذِكْرًا كافيًا لكم في تعرُّفِ أمرِه، جامعًا لمجامِعِ ذِكرِه). ((نظم الدرر)) (12/129). وقال الألوسي: (قُلْ لهم في الجوابِ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا الخطابُ للسائلين، والهاء لذي القرنينِ، ومِنْ: تبعيضيةٌ، والمرادُ: من أنبائِه وقَصَصِه، والجارُّ والمجرور صفةُ ذِكْرًا قُدِّمَ عليه فصار حالًا، والمراد بالتلاوةِ: الذِّكرُ، وعبَّرَ عنه بذلك؛ لكونِه حكايةً عن جهة الله عزَّ وجَلَّ، أي: سأذكرُ لكم نبأً مذكورًا من أنبائِه. ويجوز أن يكون الضميرُ له تعالى، ومن: ابتدائيةٌ، ولا حَذْفَ، والتلاوةُ على ظاهِرِها، أي: سأتلو عليكم من جهتِه سبحانه وتعالى في شأنِه ذِكرًا، أي: قُرآنًا). ((تفسير الألوسي)) (8/351). .
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84).
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ.
أي: إنَّا وطَّأْنا ومهَّدْنا لذي القَرنَينِ المُلكَ في الأرضِ، فأقدَرْناه على ذلك، وقوَّيناه بكَثرةِ الجُنودِ وآلاتِ الحَربِ، وحُسنِ التدبيرِ، وبسْطِ الهَيبةِ، وغيرِ ذلك [1334] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/189)، ((تفسير الألوسي)) (8/351)، ((تفسير السعدي)) (ص: 485)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/24، 26)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 126).   .
كما قال تعالى: وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ [البقرة: 247] .
وقال سُبحانَه: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران: 26] .
وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا.
أي: وآتَيناه مِن كُلِّ شَيءٍ يحتاجُ إليه مِثلُه مِن علمٍ أو قدرةٍ أو آلةٍ؛ حتَّى يصلَ به إلى مقصودِه مِن فَتحِ الأقاليمِ، وكَسرِ الأعداءِ، والتمكينِ في الأرضِ إلى غيرِ ذلك [1335] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/371)، ((تفسير الرسعني)) (4/350)، ((تفسير القرطبي)) (11/48)، ((تفسير ابن جزي)) (1/473)، ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص: 189)، ((تفسير ابن كثير)) (5/190)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/24)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 126). قال ابن عثيمين: (وقولُه: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لا يعمُّ كلَّ شيءٍ؛ لكنَّ المرادَ: مِن كلِّ شيءٍ يحتاجُ إليه في قوةِ السلطانِ، والتمكينِ في الأرضِ، والدليلُ على هذا أنَّ «كل شيء» بحسبِ ما تُضافُ إليه). ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 126). وقال السعدي: (هذه الأسبابُ التي أعطاه اللهُ إيَّاها لم يُخبِرْنا الله ولا رسولُه بها، ولم تتناقَلْها الأخبارُ على وجهٍ يُفيدُ العِلمَ... ولكِنَّنا نعلَمُ بالجُملةِ أنَّها أسبابٌ قَويَّةٌ كثيرةٌ، داخليَّةٌ وخارجيَّةٌ، بها صار له جندٌ عظيمٌ، ذو عَدَد وعُدَد ونظامٍ، وبه تمكَّنَ مِن قَهرِ الأعداء، ومِن تَسهيلِ الوصولِ إلى مشارِقِ الأرضِ ومَغارِبِها وأنحائِها). ((تفسير السعدي)) (ص: 485). .
فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85).
أي: فسار ذو القرنينِ في طَريقٍ آخذًا بالأسبابِ والوسائِلِ التي تُوصِلُه إلى مَقصودِه [1336] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (11/49)، ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص: 189)، ((تفسير السعدي)) (ص: 485)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/24، 25)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 126).   .
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86).
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ.
القراءاتُ ذاتُ الأثَرِ في التَّفسيرِ:
1- قِراءةُ حَمِئَةٍ أي: عَينٍ ذاتِ حَمْأةٍ، وهو: الطِّينُ الأسوَدُ المُنتِنُ [1337] قرأ بها نافعٌ، وابنُ كثيرٍ، وأبو عمرٍو، ويعقوبُ، وحفصٌ عن عاصمٍ. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/314). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((الحجة)) لابن خالويه (ص: 230)، ((معاني القراءات)) للأزهري (2/121)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 429)، ((مفاتيح الأغاني)) لأبي العلاء الكرماني (ص: 261).   .
2- قِراءةُ حَامِيَةٍ أي: عَينِ ماءٍ حارَّةٍ [1338] قرأ بها الباقون. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/314). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((تفسير ابن جرير)) (15/374)، ((الحجة)) لابن خالويه (ص: 230)، ((معاني القراءات)) للأزهري (2/121)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 428). قال ابنُ جرير: (الصَّوابُ مِن القَولِ في ذلك عندي أن يقال: إنَّهما قراءتانِ مُستفيضتانِ في قراءةِ الأمصار، ولكُلِّ واحدةٍ منهما وجهٌ صحيحٌ ومعنًى مفهومٌ، وكلا وجهَيه غيرُ مُفسدٍ أحدُهما صاحبَه؛ وذلك أنَّه جائزٌ أن تكون الشَّمسُ تَغرُبُ في عينٍ حارَّةٍ ذاتِ حمأةٍ وطينٍ، فيكون القارئُ فِي عَيْنٍ حَامِيَةٍ [واصِفَها] بصِفتِها التي هي لها -وهي الحرارة- ويكون القارئُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ واصِفَها بصِفتِها التي هي بها، وهي أنَّها ذاتُ حمأةٍ وطينٍ). ((تفسير ابن جرير)) (15/377). وقال ابن كثير: (قلتُ: ولا مُنافاةَ بين مَعنَييهما؛ إذ قد تكون حارَّةً لمجاورتِها وَهجَ الشَّمسِ عند غروبِها، وملاقاتِها الشُّعاعَ بلا حائل، و حَمِئَةً في ماءٍ وطينٍ أسوَدَ، كما قال كعبُ الأحبارِ وغيرُه). ((تفسير ابن كثير)) (5/192). وقال البقاعي: (فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ أي: ذاتِ حمأةٍ، أي: طينٍ أسوَدَ، وهي مع ذلك حارَّةٌ). ((نظم الدرر)) (12/130). .
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ.
أي: سار ذو القرنَينِ إلى أن بلغَ أقصى موضِعٍ يُمكِنُ سُلوكُه مِن اليابِسةِ مِن الجِهةِ الغَربيَّةِ للأرضِ، فوجد الشَّمسَ تَغرُبُ -في ناظِرَيه [1339] قال ابنُ تيميَّةَ: (معنى تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ أي: في رأيِ النَّاظِرِ باتِّفاقِ المفَسِّرينَ، وليس المرادُ تسقُطُ مِن الفَلَك فتَغرُبُ في تلك العين؛ فإنها لا تنزِلُ مِن السماءِ إلى الأرضِ، ولا تُفارِقُ فَلَكَها). ((مختصر الفتاوى المصرية)) (ص: 579). ويُنظر: ((تفسير القرطبي)) (11/49، 50)، ((تفسير البيضاوي)) (3/291)، ((تفسير ابن كثير)) (5/192)، ((تفسير السعدي)) (ص: 485). قال الشنقيطي: (المرادُ بالعين في الآية: البحرُ المحيط، وهو ذو طينٍ أسوَدَ، والعينُ تُطلَقُ في اللغةِ على ينبوعِ الماءِ، واليَنبوعُ: الماءُ الكثير، فاسمُ العينِ يَصدُقُ على البحر لغةً، وكونُ مَن على شاطئِ المحيط الغربيِّ يرى الشَّمسَ في نَظَرِ عَينِه تَسقُطُ في البحرِ؛ أمرٌ معروف). ((أضواء البيان)) (3/341). ويُنظر: ((حاشية الخفاجي على تفسير البيضاوي)) (6/131).   - في بحرٍ ذي طينٍ أسودَ مُنتِنٍ، فرآها وكأنَّها تَغرُبُ في ذلك البحرِ [1340] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/374، 377)، ((معاني القرآن)) للزجاج (3/308)، ((تفسير القرطبي)) (11/49، 50)، ((تفسير ابن كثير)) (5/191، 192)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/130)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 127).   .
وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا.
أي: ووجد ذو القَرنَينِ عندَ تلك العَينِ على ساحِلِ البَحرِ أُمَّةً مِن الأُمَمِ [1341] يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (14/134)، ((تفسير البيضاوي)) (3/292)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/130)، ((تفسير الشربيني)) (2/402)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 127). قال البيضاوي: (كانوا كُفَّارًا فخَيَّرَه اللهُ بين أن يعذِّبَهم أو يدعُوَهم إلى الإيمانِ). ((تفسير البيضاوي)) (3/292).   .
قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا.
أي: قُلْنا: يا ذا القَرنَينِ، إمَّا أن تُعَذِّبَ مَن أصَرَّ منهم على الكُفرِ [1342] قيل: المرادُ بالتعذيبِ: القتلُ. وممن قال بذلك: ابنُ جريرٍ، والواحدي، والبغوي، والبيضاوي، والبقاعي، وابنُ عاشورٍ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/379)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 670)، ((تفسير البغوي)) (3/213)، ((تفسير البيضاوي)) (3/292)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/131)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/26). وقيل: المرادُ: القتلُ والسبي. وممن قال بذلك: ابنُ كثير. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/193). وقال السعدي: (قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا أي: إمَّا أن تعَذِّبَهم بقَتلٍ أو ضربٍ أو أَسْرٍ، ونحوِه، وإمَّا أن تُحسِنَ إليهم؛ فخُيِّرَ بينَ الأمرينِ؛ لأنَّ الظَّاهِرَ أنَّهم كُفَّارٌ أو فُسَّاقٌ، أو فيهم شيءٌ من ذلك؛ لأنَّهم لو كانوا مؤمنين غيرَ فُسَّاقٍ، لم يُرخَّصْ في تعذيبِهم). ((تفسير السعدي)) (ص: 485-486). ويُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 127). وقال ابن عاشور: (دلَّ قولُه: إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا على أنَّهم مُستحِقُّون للعذابِ؛ فدلَّ على أنَّ أحوالَهم كانت في فَسادٍ مِن كُفرٍ وفَسادِ عمَلٍ). ((تفسير ابن عاشور)) (16/26). ، وإمَّا أن تُحسِنَ إليهم [1343] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/379)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 670)، ((تفسير البيضاوي)) (3/292)، ((تفسير ابن كثير)) (5/193)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 127). قيل: المراد بقولِه: تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا: أن تأسرَهم فتعلمَهم الهدَى، وتبصرَهم الرشادَ. وممن قال بذلك: ابنُ جريرٍ، والواحدي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/379)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 670). وقيل: المرادُ: تتَّخذَ فيهم حسنًا بالإرشادِ، وتعليمِ الشرائعِ. وممن قال بذلك: البيضاوي، والبقاعي، وابنُ عاشورٍ. يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/292)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/131)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/26). وقيل: المرادُ: تعفو وتصفح. وممن قال بذلك: البغوي. يُنظر: ((تفسير البغوي)) (3/213). وقيل: المرادُ: المَنُّ أو الفداء. وممن قال بذلك: ابنُ كثيرٍ. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/193). وقال الرسعني: (قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَينِ من قال: إنَّه نبيٌّ فالمعنى: قُلْنا له بطريقِ الوحيِ أو التكليمِ، ومن قال: عبدٌ صالحٌ، فالمعنى: قُلْنا له بطريقِ الإلهامِ، أو بطريقِ الإرسالِ إليه). ((تفسير الرسعني)) (4/354). ويُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (3/165)، ((تفسير البغوي)) (3/213)، ((تفسير ابن عطية)) (3/539)، ((تفسير القاسمي)) (7/72). وقال القرطبي: (يجوزُ أنْ يكونَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ خاطبَه على لسانِ نبيٍّ في وقتِه). ((تفسير القرطبي)) (11/52).   .
قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87).
قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ.
أي: قال ذو القرنَينِ [1344] قال ذو القرنين ذلك الكلامَ لمن عندَه مِن خواصِّه وأهلِ مشورتِه. وقيل: قاله للنبيِّ الذي خاطَبه الله على لسانِه. يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/243).   : أمَّا مَن ظلَمَ نَفسَه بالإصرارِ على الكُفرِ بعد دَعوتِه للحقِّ، فسوف نُعَذِّبُه [1345] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/379)، ((تفسير البيضاوي)) (3/292)، ((تفسير ابن كثير)) (5/193)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/131)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/27). قال أبو حيان: (الظُّلمُ هو الكُفرُ هنا بلا خلافٍ). ((تفسير أبي حيان)) (7/222).   .
ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا.
أي: ثُمَّ يَرجِعُ الكافِرُ بعد تعذيبِنا له في الدُّنيا إلى رَبِّه، فيُعَذِّبُه عذابًا فَظيعًا شَديدًا [1346] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/379)، ((تفسير ابن كثير)) (5/193)، ((تفسير الشوكاني)) (3/364)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/27). قال البقاعي: (فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا شديدًا جِدًّا لم يُعهَدْ مِثلُه؛ لكُفرِه لنعمتِه، وبَذْلِ خَيرِه في عبادةِ غيرِه، وفي ذلك إشارةٌ بالتهديدِ الشديدِ لليهود الغارِّين لقريشٍ، وإرشادٌ لقُريشٍ إلى أن يسألوهم عن قَولِه هذا؛ ليكون قائدًا لهم إلى الإقرارِ بالبَعثِ). ((نظم الدرر)) (12/131). قال ابن عثيمين: (ولكنَّه بالنسبة لله تعالى ليس بنُكْرٍ، بل هو حَقٌّ وعَدلٌ، لكِنَّه ينكِرُه المعَذَّبُ، ويرى أنَّه شديدٌ). ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 128). .
وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88).
وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى.
أي: وأمَّا مَن آمنَ بعدَ كُفرِه، وعَمِلَ بطاعةِ اللهِ مُخلِصًا له وَحدَه لا شَريكَ له؛ فله في الآخرةِ الجَنَّةُ ثوابًا على إيمانِه وعَمَلِه الصَّالحِ [1347] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/379)، ((تفسير السعدي)) (ص: 485)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 128).   .
وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا.
أي: وسنُلطِفُ له القَولَ ونُلينُه في الدُّنيا، ونُعَلِّمُه ما تيسَّرَ تعليمُه مِن الخيرِ، ونُعامِلُه باليُسرِ، ونُحسِنُ إليه [1348] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/380)، ((تفسير البغوي)) (3/213)، ((تفسير السعدي)) (ص: 485)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/27)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 128). قال ابنُ عاشور: (والقولُ اليسرُ: هو الكلامُ الحسَنُ، وُصِفَ باليُسرِ المعنوِيِّ؛ لكونِه لا يثقُلُ سماعُه، وهو مِثْلُ قولِه تعالَى: فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا [الإسراء: 28] أي: جميلًا). ((تفسير ابن عاشور)) (16/27).   .
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89).
أي: ثمَّ سار ذو القرنَينِ في طريقٍ آخَرَ آخِذًا بالأسبابِ والوسائِلِ؛ كي يصِلَ إلى جهةِ المَشرِقِ [1349] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/381)، ((البسيط)) للواحدي (14/137)، ((تفسير القرطبي)) (11/53)، ((تفسير ابن كثير)) (5/193)، ((تفسير السعدي)) (ص: 486).   .
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90).
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ.
أي: سار ذو القَرنَينِ إلى أن بلغ أقصى مَوضِعٍ يُمكِنُ سُلوكُه من الجِهةِ الشَّرقيَّةِ للأرضِ، حيث تَطلُعُ الشَّمسُ [1350] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/745)، ((تفسير ابن كثير)) (5/193)، ((تفسير السعدي)) (ص: 486)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 129). قال ابنُ الجوزي: (قال ابنُ الأنباري: ولا خلافَ بينَ أهلِ العربيَّةِ في أنَّ المَطْلِعَ والمَطْلَعَ كلاهما يُعنى بهما المكانُ الذي تَطلُعُ منه الشَّمسُ). ((تفسير ابن الجوزي)) (3/107). وقال ابنُ عاشور: (مَطلِعُ الشَّمسِ: جِهةُ المشرِقِ مِن سُلطانِه ومَملكتِه). ((تفسير ابن عاشور)) (16/28). ويُنظر: ((زهرة التفاسير)) لأبي زهرة (9/4582، 4583). .
وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا.
أي: فوجد الشَّمسَ تَطلُعُ على قَومٍ ليس لهم شيءٌ يُظِلُّهم منها؛ من جَبَلٍ أو شَجَرٍ أو بِناءٍ [1351] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/381)، ((تفسير السمرقندي)) (2/361)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 671)، ((تفسير ابن كثير)) (5/194)، ((تفسير الشوكاني)) (3/365). قال السعدي: (أي: وجدها تطلُعُ على أناسٍ ليس لهم سِترٌ مِن الشَّمسِ؛ إمَّا لعدَمِ استعدادِهم في المساكِنِ؛ وذلك لزيادة همجيَّتِهم وتوحُّشِهم، وعَدَمِ تَمدُّنهم، وإمَّا لكون الشَّمسِ دائمةً عندهم، لا تغرُبُ عنهم غروبًا يُذكَرُ). ((تفسير السعدي)) (ص: 486). وقال ابن عثيمين: (تَطلُعُ على قَومٍ ليس عندهم بناءٌ، ولا أشجارٌ ظَليلةٌ ولا دُورٌ ولا قصورٌ، وبعضُ العلماءِ بالغَ حتى قال: وليس عليهم ثيابٌ؛ لأنَّ الثيابَ فيها نوعٌ مِن السَّترِ. المهِمُّ أنَّ الشَّمسَ تَحرِقُهم). ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 130). وممن ذكَر أنَّهم قومٌ عراةٌ، لا لباسَ لهم: السمرقندي، والواحدي، والشوكاني. يُنظر: ((تفسير السمرقندي)) (2/361)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 671)، ((تفسير الشوكاني)) (3/365). !
كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91).
أي: كذلك [1352] اختَلَف المفسِّرونَ في المشَبَّهِ به، والمشارِ إليه في قولِه تعالى: كَذَلِكَ فقيل: متعلقٌ بـ أَتْبَعَ فيكونُ المعنى: ثم أتبَع سببًا، حتى بلَغ مطلعَ الشمسِ، كما أتبَع سببًا حتَّى بلَغ مغربَها. وممن قال بذلك: ابنُ جريرٍ، والشوكاني. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/383)، ((تفسير الشوكاني)) (3/365). وقيل: كَذَلِكَ: أي: كما بلَغ مغربَ الشمسِ، كذلك بلَغ مطلعَها. وممن اختاره: السمرقندي، والرسعني، والخازنُ. يُنظر: ((تفسير السمرقندي)) (2/361)، ((تفسير الرسعني)) (4/359)، ((تفسير الخازن)) (3/176). وقيل: المعنى: كما حكَم في القومِ الذين هم عندَ مغربِ الشمسِ، كذلك حكَم في الذين هم عندَ مطلعِ الشمسِ. وممن قال به: البغوي، وابنُ عطية، والعليمي. يُنظر: ((تفسير البغوي)) (3/213)، ((تفسير ابن عطية)) (3/541)، ((تفسير العليمي)) (4/216). وقيل: المعنى: كذلك أمرُ ذي القرنين هو كما وصفناه لكم. وممن قال بذلك في الجملةِ: الزمخشري، وأبو السعود، والبقاعي، وابنُ عثيمين. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/745)، ((تفسير أبي السعود)) (5/244)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/132-133)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 130). وقال الواحدي: (قولُه تعالى: كَذَلِكَ اختَلَفوا في المشَبَّهِ به، والمشارِ إليه، فقال الزجَّاجُ: يجوزُ أن يكونَ التَّقديرُ: وجَدَها تطلُعُ على قَومٍ كذلك القَبيلِ الذين كانوا عند مغربِ الشَّمسِ، وأنَّ حُكْمَهم حُكمُ أولئك. وقال غيره: المعنى: كما بلَغ مغربَ الشَّمسِ، فكذلك بلغ مَطلِعَها. وقيل: أتبَعَ سببًا كما أتبَعَ سَببًا. والقولُ ما قاله أبو إسحاقَ [الزجَّاج]؛ لأنَّ التَّشبيهَ بالكافِ يجِبُ أن يرجِعَ إلى أقرَبِ المذكورِ إليه، والأقرَبُ وجودُ القَومِ لا البلوغُ والإتباعُ). ((البسيط)) (14/138). ، وقد عَلِمْنا ما لدى ذي القرنَينِ مِن الجُندِ والأموالِ، والآلاتِ وأسبابِ المُلكِ والقُوَّة، فلم يخْفَ علينا شيءٌ مِن ذلك [1353] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/384)، ((تفسير البغوي)) (3/213)، ((تفسير البيضاوي)) (3/292)، ((تفسير ابن كثير)) (5/194)، ((تفسير السعدي)) (ص: 486)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/30). وممن اختار هذا المعنى لقولِه تعالى: أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا في الجملة: البغوي، وابنُ الجوزي، والبيضاوي، وابنُ كثير، والسعدي، وابنُ عاشور، وابنُ عثيمين. يُنظر: ((تفسير البغوي)) (3/213)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/108)، ((تفسير البيضاوي)) (3/292)، ((تفسير ابن كثير)) (5/194)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/30)، ((تفسير السعدي)) (ص: 486)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 130). قال البيضاوي: (وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ من الجنودِ والآلاتِ والعُدَدِ والأسبابِ خُبْرًا عِلمًا تعَلَّقَ بظواهِرِه وخفاياه، والمرادُ: أنَّ كثرةَ ذلك بلَغت مبلغًا لا يُحيطُ به إلَّا عِلمُ اللَّطيفِ الخبيرِ). ((تفسير البيضاوي)) (3/292). وقيل: المعنى: وقد أحَطْنا بما عند مَطلِعِ الشَّمسِ عِلمًا، لا يخفى علينا مِمَّا هنالك من الخَلقِ وأحوالِهم وأسبابِهم، ولا مِن غَيرِهم؛ شيءٌ. وممن قال بذلك: ابن جرير. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/384). ويُنظر أيضًا: ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/133)، ((تفسير أبي السعود)) (5/244). وقيل: معناه: وقد علِمْنا حينَ ملَّكناه ما عندَه مِن الصلاحيةِ بذلك الملكِ، والاستقلالِ به، والقيامِ بأمرِه. يُنظر: ((تفسير الخازن)) (3/176). .
كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ [آل عمران: 5].

الفوائد التربوية:

1- في قَولِه تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا إلى آخرِ الآياتِ: الاعتبارُ بتخليدِ جميلِ الثَّناءِ، وجليلِ الآثارِ؛ فإنَّ مَن أنعَمَ النَّظَرَ فيما قُصَّ عنه في هذه الآياتِ الكريمةِ يتَّضِحُ له جَليًّا حُسنُ سجاياه، وسموُّ مزاياه: من الشَّجاعةِ، وعلوِّ الهِمَّةِ، والعِفَّةِ، والعدلِ، ودأبِه على توطيدِ الأمنِ، وإثابتِه المحسنينَ، وتأديبِه للظَّالمينَ، والإحسانِ إلى النَّوعِ البشري، لا سيَّما في زمانٍ كان فيه أكثَرُ عوائِدِ وأخلاقِ الأُمَمِ -المتمَدِّنةِ وغيرِ المتمَدِّنةِ- وحشيةً فاسدةً [1354] يُنظر: ((تفسير القاسمي)) (7/69).   .
2- في قَولِه تعالى: إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا الاعتبارُ برفعِ الله بعضَ النَّاسِ دَرَجاتٍ على بَعضٍ، ورِزقِه من يشاءُ بغيرِ حِسابٍ -مُلكًا ومالًا- لِما له مِن خَفِيِّ الحِكَمِ، وباهِرِ القُدرةِ، فلا إلهَ سِواه [1355] يُنظر: ((تفسير القاسمي)) (7/67).   .
3- في قَولِه تعالى: فَأَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ الإشارةُ إلى القيامِ بالأسبابِ، والجريِ وراءَ سُنَّةِ الله في الكَونِ مِن الجِدِّ والعَمَلِ، وأنَّ على قَدْرِ بَذلِ الجُهدِ يكونُ الفوزُ والظَّفَرُ؛ فإنَّ ما قُصَّ عن ذي القرنينِ مِن ضَرْبِه في الأرضِ إلى مَغرِبِ الشَّمسِ ومَطلعِها وشِمالها، وعَدَمِ فُتورِه، ووجدانِه اللذَّةَ في مواصلةِ الأسفارِ، وتجَشُّمِ الأخطارِ، وركوبِ الأوعارِ والبِحارِ؛ ثمَّ إحرازِه ذلك الفَخارَ -الذي لا يُشَقُّ له غُبارٌ- أكبَرُ عبرةٍ لأولي الأبصارِ [1356] يُنظر: ((تفسير القاسمي)) (7/67).   .
4- في قَولِه تعالى: فَأَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ تنشيطُ الهِمَمِ لرَفعِ العوائِقِ، وأنَّه ما تيسَّرَت الأسبابُ فلا ينبغي أن يُعَدَّ ركوبُ البَحرِ ولا اجتيازُ القَفرِ عُذرًا في الخُمولِ والرِّضا بالدُّونِ! بل ينبغي أن يَنشَطَ ويتمَثَّلَ في مرارتِه حَلاوةَ عُقباه من الرَّاحةِ والهناءِ، كما قضى ذو القَرنينِ عُمُرَه ولم يذُقْ إلَّا حلاوةَ الظَّفَرِ ولذَّةَ الانتصارِ؛ إذ لم يكُنْ مِن الذين تُقعِدُهم المصاعِبُ عن نَيلِ ما يبتغونَ [1357] يُنظر: ((تفسير القاسمي)) (7/68).   .
5- في قَولِه تعالى: قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا أنَّ مَن قدَرَ على أعدائِه وتمكَّن منهم؛ فلا ينبغي له أن تُسكِرَه لذَّةُ السُّلطةِ بسَوقِهم بعَصا الإذلال، وتجريعِهم غُصَصَ الاستعبادِ والنَّكال! بل يعامِلُ المحسِنَ بإحسانِه، والمسيءَ بقَدرِ إساءتِه؛ فإنَّ ما حُكِيَ عن ذي القرنينِ مِن قَولِه هو نهايةٌ في العدلِ، وغايةٌ في الإنصافِ [1359] يُنظر: ((تفسير القاسمي)) (7/68).   .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قال اللهُ تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا قَولُه: مِنْهُ ذِكْرًا تنبيهٌ على أنَّ أحوالَه وأخبارَه كَثيرةٌ، وأنَّهم إنَّما يُهِمُّهم بعضُ أحوالِه المُفيدةِ ذِكرًا وعِظةً؛ ولذلك لم يقُلْ في قِصَّةِ أهلِ الكَهفِ: نحن نقُصُّ عليك مِن نَبَئِهم؛ لأنَّ قِصَّتَهم مُنحَصِرةٌ فيما ذُكِرَ، وأحوالَ ذي القرنَينِ غَيرُ مُنحَصِرةٍ فيما ذُكِرَ هنا [1360] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/23).   .
2- والأمرُ في قولِه: قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ إذْنٌ مِن اللهِ لرَسولِه بأن يَعِدَ بالجَوابِ عن سُؤالِهم؛ عَملًا بقولِه: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف: 23، 24] على أحَدِ تأويلَينِ في مَعناه [1361] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/23).   .
3- قَولُ الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا جعل خبَرَ ذي القَرنَينِ تِلاوةً وذِكرًا؛ للإشارةِ إلى أنَّ المُهِمَّ مِن أخبارِه ما فيه تذكيرٌ، وما يَصلُحُ لأن يكونَ تلاوةً حَسَب شأنِ القُرآنِ، فإنَّه يُتلَى لأجلِ الذِّكرِ، ولا يُساقُ مَساقَ القَصَصِ [1362] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/23).   ، لذا لم يتَجاوَزِ القرآنُ ذِكْرَ هذا الرَّجلِ بأكثرَ مِن لقَبِه المشتهِرِ به إلى تعيينِ اسمِه وبلادِه وقومِه؛ لأنَّ ذلك مِن شُؤونِ أهلِ التَّاريخِ والقَصصِ، وليس مِن أغراضِ القرآنِ؛ فكان مِنه الاقتصارُ على ما يُفيدُ الأُمَّةَ مِن هذه القِصَّةِ عِبرةً حُكميَّةً أو خُلقيَّةً؛ فلِذلك قال الله: قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا [1363] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/18).   .
4- قَولُ الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ افتِتاحُ هذه القِصَّةِ بـ وَيَسْأَلُونَكَ يدُلُّ على أنَّها مِمَّا نزلت السُّورةُ للجوابِ عنه، كما كان الابتداءُ بقِصَّةِ أصحابِ الكَهفِ اقتِضابًا؛ تنبيهًا على مِثلِ ذلك [1364] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/17).   .
5- قَولُ الله تعالى: إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا أي: استعمَلَها على وَجهِها؛ فليس كلُّ مَن عندَه شَيءٌ مِن الأسبابِ يَسلُكُه، ولا كُلُّ أحدٍ يكونُ قادِرًا على السَّبَبِ، فإذا اجتمع القُدرةُ على السَّبَبِ الحقيقيِّ والعَمَلُ به، حصل المقصودُ، وإن عَدِما أو أحدُهما، لم يَحصُلْ [1365] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: ٤٨٥).   .
6- في قَولِه تعالى: حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ أنَّه لا حرجَ أن يُخبِرَ الإنسانُ عن الشَّيءِ الذي تراه عيناه بحَسَبِ ما رآه؛ فمعلومٌ أنَّ الشَّمسَ تغرُبُ في هذه العَينِ الحَمِئةِ حَسَبَ رؤيةِ الإنسانِ؛ وإلَّا فهي أكبَرُ مِن الأرضِ، وأكبَرُ من هذه العَينِ الحَمِئةِ [1366] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 127).   .
7- قال الله تعالى: حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا * قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا فوعَدَ الظَّالِمَ بأمرَينِ: أنَّه يُعذِّبُه، وأنَّه يُرَدُّ إلى رَبِّه، فيُعَذِّبُه عذابًا نُكرًا، والمؤمِنُ وَعَده بأمرينِ: بأنَّ له الحُسنَى، وأنَّه يُعامِلُه بما فيه اليُسرُ والسُّهولةُ، لكِنْ تأمَّلْ في حالِ المشركِ؛ بدأ بتعذيبِه ثم ثَنَّى بتعذيبِ الله، والمؤمنُ بدأ بثوابِ اللهِ أولًا، ثمَّ بالمعاملةِ باليُسْرِ ثانيًا، والفرقُ ظاهرٌ؛ لأنَّ مقصودَ المؤمنِ الوصولُ إلى الجنَّةِ، والوصولُ إلى الجنَّةِ لا شَكَّ أنَّه أفضَلُ وأحَبُّ إليه مِن أن يُقالَ له قَولٌ يُسْرٌ، وأمَّا الكافرُ فعذابُ الدُّنيا سابقٌ على عذابِ الآخرةِ وأيسرُ منه؛ فبدأَ به، وأيضًا فالكافرُ يخافُ مِن عذابِ الدُّنيا أكثرَ مِن عذابِ الآخرةِ؛ لأنَّه لا يؤمِنُ بالثَّاني [1367] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 129).   .

بلاغة الآيات:

1- قوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا
     - قولُه: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ فيه إيجازٌ بالحَذْفِ؛ إذْ إنَّ المرادَ بالسُّؤالِ عن ذي القَرنينِ السُّؤالُ عن خبَرِه، فحذَف المضافَ إيجازًا؛ لِدَلالةِ المَقامِ [1368] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/18).   .
     - والتعبيرُ بصِيغةِ الاستِقْبالِ وَيَسْأَلُونَكَ؛ للدَّلالةِ على استِمْرارِهم على ذلك إلى وُرودِ الجوابِ [1369] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/239).   .
     - قولُه: سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا السِّينُ للتَّأكيدِ في سَأَتْلُو، والدَّلالةِ على التَّحقيقِ المناسِبِ لِمَقامِ تأييدِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وتَصديقِه، بإنْجاز وعْدِه، أي: لا أترُكُ التِّلاوةَ البَتَّةَ، لا الدَّلالةِ على أنَّ التِّلاوةَ ستَقَعُ فيما يُستقبَلُ كما قيل؛ لأنَّ هذه الآيةَ ما نزَلَتْ بانفِرادِها قبلَ الوحيِ بتَمامِ القصَّةِ، بل موصولةً بما بَعدَها [1370] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/241).   . والسِّينُ في قولِه: سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ لتحقيقِ الوَعدِ [1371] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/23).   .
     - قولُه: سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا فيه إيجازٌ بحَذفِ المضافِ، أي: مِن خبَرِه، و(مِن) تبعيضيَّةٌ، والذِّكْرُ: التَّذكُّرُ والتَّفكُّرُ، أي: سأَتْلو علَيكم ما به التَّذكُّرُ؛ فجعَل المتلُوَّ نفْسَه ذِكرًا مُبالَغةً بالوصفِ بالمصدَرِ [1372] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/17-18).   .
2- قوله تعالى: إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا
     -  إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ، أي: مكَّنَّا له أمْرَه مِن التَّصرُّفِ فيها كيف شاء، فحذَف المفعولَ [1373] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/291).   .
     - واللَّامُ في قولِه: مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ للتَّوكيدِ [1374] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/24).   .
3- قوله تعالى: حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا
     - قوله: وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا تنكيرُ قَوْمًا يُؤذِنُ بأنَّهم أمَّةٌ غيرُ مَعروفةٍ ولا مألوفةٍ حالةُ عَقائدِهم وسيرتِهم [1375] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/26).   .
     - قولُه: قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ استِئنافٌ بَيانيٌّ لِما أشعَرَ به تنكيرُ قَوْمًا مِن إثارةِ سؤالٍ عن حالِهم وعمَّا لاقاه بهم ذو القرنَين [1376] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/26).   .
     - قولُه تعالى: قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ قيل: إنَّه كنايةٌ عن تمكينِه تعالى له منهم، لا أنَّه قولُ مشافهةٍ [1377] يُنظر: ((تفسير القاسمي)) (7/72).   .
     - قولُه: وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا [الكهف: 86] ، فيه إيجازٌ بحذفِ المُضافِ، أي: أمرًا ذا حُسْنٍ؛ على حَذْفِ المضافِ، أو على طَريقةِ إطلاقِ المصدَرِ على مَوصوفِه مُبالَغةً؛ وذلك بالدَّعوةِ إلى الإسلامِ، والإرشادِ إلى الشَّرائعِ [1378] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/242).   .
     - قولُه: إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا يَجوزُ أن يَكونَ (إمَّا) و(إمَّا) للتَّقْسيمِ دونَ التَّخييرِ، أي: لِيَكُنْ شأنُك معَهم إمَّا التَّعذيبَ وإمَّا الإحسانَ، فالأوَّلُ لِمَن أصَرَّ على الكُفرِ، والثَّاني لِمَن تاب عنه [1379] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/292)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/23).   .
     - قولُه: إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا، أي: إمَّا أن تُكفِّرَ فتُعذِّبَ، وإمَّا أن تُؤمِّنَ فتُحْسِنَ؛ فعبَّر في التَّخْييرِ بالمسبَّبِ عن السَّببِ [1380] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/222).   .
     - وحُسْنًا مصدَرٌ، وعدَل عن (أن تُحسِنَ إليهِم) إلى أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا مُبالَغةً في الإحسانِ إليهم حتَّى جُعِل كأنَّه اتَّخَذ فيهم نفْسَ الحُسْنِ، وفي هذه المبالَغةِ تَلْقينٌ لاخْتِيارِ أحَدِ الأمرَينِ المخيَّرِ بينَهما [1381] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/26-27).   .
4- قوله تعالى: قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا
     - قولُه: أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ اجتِلابُ حرفِ الاستِقْبالِ والتَّنفيسِ (سوف) يُشيرُ إلى أنَّه سيَدْعوه إلى الإيمانِ، فإنْ أصَرَّ على الكُفرِ يُعذِّبُه؛ فأَتَى بحَرفِ التَّنفيسِ؛ لِمَا يُتخَلَّلُ بين إظهارِه كُفْرَه وبين تَعذيبِه، مِن دُعائِه إلى الإيمانِ وتأبِّيه عنه؛ فهو لا يُعاجِلُهم بالقَتلِ على ظُلمِهم، بل يَدْعُوهم ويُذَكِّرُهم، فإنْ رجَعوا وإلَّا فالقَتلُ. وقد صرَّح بهذا المفهومِ في قولِه: وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا، أي: آمَن بعدَ كُفرِه. ولا يَجوزُ أن يَكونَ المرادُ مَن هو مُؤمِنٌ الآنَ؛ لأنَّ التَّخييرَ بينَ تَعذيبِهم، واتِّخاذِ الإمهالِ معَهم؛ يَمنَعُ أن يَكونَ فيهم مؤمِنون حينَ التَّخْييرِ. وأتى بنُون العظَمةِ في نُعَذِّبُهُ على عادةِ المُلوكِ في قولِهم: (نحن فعَلْنا) [1382] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/222)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/27).   .
     - وما أحسَنَ مَجيءَ هذه الجُمَلِ! لَمَّا ذكَر ما يَستحِقُّه مِن ظُلمٍ بدَأ بما هو أقرَبُ لهم ومَحسوسٌ عِندَهم، وهو قولُه: فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ، ثمَّ أخبَر بما يَلحَقُه آخِرًا يومَ القيامةِ، وهو تعذيبُ اللهِ إيَّاه العذابَ النُّكْرَ، ولأنَّ التَّرتيبَ الواقِعَ هو كذا [1383] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/222).   .  
5- قوله تعالى: وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا
     - قولُه: جَزَاءً الْحُسْنَى جَزَاءً مصدرٌ مُؤكِّدٌ لِمَضمونِ الجُملةِ؛ قُدِّمَ على المبتدَأِ اعتِناءً به [1384] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/243)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/27).   .
     - وتأنيثُ الحُسْنى باعتِبارِ الخَصْلةِ أو الفَعْلةِ. ويَجوزُ أن تَكونَ الحُسْنى هي الجَنَّةَ كما في قولِه: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس: 26] ، فإن كان المرادُ مِن الحُسنى الخِصالَ الحُسْنى، فمَعنى عَطْفِ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا أنَّه يُجازي بالإحسانِ وبالثَّناءِ، وكِلاهُما مِن ذي القَرْنين، وإنْ كان المرادُ مِن الحُسْنى ثوابَ الآخِرةِ فذلك مِن أمرِ اللهِ تعالى، وإنَّما ذو القَرنَين مخبِرٌ به خبرًا مُستعمَلًا في فائدةِ الخبرِ، على معنى: إنَّا نُبشِّرُه بذلك، أو مُستعمَلًا في لازِمِ الفائدةِ تأدُّبًا مع اللهِ تعالى، أي: أنِّي أعلَمُ جَزاءَه عِندَك الحُسْنى. وعُطِف عليه: وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا؛ لبيانِ حَظِّ الملِكِ مِن جَزائِه، وأنَّه البِشارةُ والثَّناءُ [1385] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/27).   .
     - قولُه: يُسْرًا أُطلِق عليه المصدرُ؛ مُبالَغةً [1386] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/243).   .
     - وما أحسَنَ مَجيءَ هذه الجُمَلِ! لَمَّا ذكَر ما يَستحِقُّه مَن آمَنَ وعَمِل صالِحًا، ذكَر جَزاءَ اللهِ له في الآخِرةِ وهو الحُسْنى، أي: الجَنَّةُ؛ لأنَّ طمَعَ المؤمِنِ في الآخِرةِ ورَجاءَه هو الَّذي حمَلَه على أنْ آمَن؛ لأجْلِ جَزائِه في الآخرةِ، وهو عَظيمٌ بالنِّسبةِ للإحسانِ في الدُّنْيا، ثمَّ أتبَعَ ذلك بإحسانِه له في الدُّنيا، بقولِه: وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا، ولَمَّا ذكَر ما أعَدَّ اللهُ له مِن الحُسْنى جَزاءً لم يُناسِبْ أن يَذكُرَ جَزاءَه بالفِعْلِ، بل اقتَصر على القولِ؛ أدَبًا مع اللهِ تعالى، وإن كان يَعلَمُ أنه يُحسِنُ إليه فِعلًا وقولًا [1387] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/222).   .
6- قوله تعالى: كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا
     - قولُه: كَذَلِكَ الكافُ في كَذَلِكَ للتَّشبيهِ، والمشبَّهُ به شيءٌ تضَمَّنه الكلامُ السَّابقُ بلَفظِه أو مَعْناه، ويجوزُ أن يكونَ صِفةً لـ قَوْمًا، أي: قومًا كذلكَ القومِ الَّذين وجَدَهم في مَغرِبِ الشَّمسِ، أي: في كَونِهم كُفَّارًا، وفي تَخييرِه في إجراءِ أمْرِهم على العقابِ أو على الإمْهالِ. ويَجوزُ أن يكونَ المجرورُ جُزءَ جملةٍ أيضًا جُلِبَت للانتقالِ مِن كلامٍ إلى كلامٍ يَكونُ فَصْلَ خِطابٍ، كما يُقال: هذا الأمرُ كذا. وعلى الوُجوهِ كُلِّها فهو اعتراضٌ بينَ جُملةِ: ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ...، إلخ، وجُملةِ: ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ... [الكهف: 92، 93]، إلخ [1388] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/29).   .  وقيل: كَذَلِكَ، أي: أمْرُ ذي القرنَيْن كذَلِك، أي: كما وصَفْناه؛ تَعظيمًا لأمرِه [1389] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/745-746).   . وقيل: كَذَلِكَ مَعْناه: فَعَل معَهم كفِعْلِه مع الأوَّلين أهْلِ المغرِبِ، وأخبَر بقولِه: كَذَلِكَ، ثمَّ أخبَر تعالى عن إحاطتِه بجَميعِ ما لَدى ذي القرنَيْن وما تَصرَّف فيه مِن أفعالِه. ويَحتمِلُ أن يكونَ كَذَلِكَ استئنافَ قولٍ، ولا يَكونَ راجِعًا على الطَّائفةِ الأُولى [1390] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/224).   .