موسوعة التفسير

سورةُ الإسراءِ
الآيتان (88-89)

ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ

غريب الكلمات:

ظَهِيرًا: أي: عَونًا، وسُمِّي العَونُ ظَهيرًا؛ لاستنادِ ظَهرِه إلى ظَهرِ صاحِبِه، وأصلُ (ظهر): يدلُّ على قُوَّةٍ وبُروزٍ .
صَرَّفْنَا: أي: بَيَّنَّا، والصَّرْفُ: ردُّ الشيءِ مِن حالةٍ إلى حالةٍ، وأصلُ (صرف): يدُلُّ على رَجعِ الشَّيءِ .

المعنى الإجمالي:

أمَر الله تعالى نبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّم أن يتحدَّى المشركينَ بهذا القرآنِ، فقال: قُلْ -يا مُحمَّدُ: لو اتَّفَقَت الإنسُ والجِنُّ على الإتيانِ بمِثلِ هذا القُرآنِ المُعجِزِ، لَمَا استطاعوا ذلك ولو تعاوَنوا وتظاهَروا، ولقد بيَّنَّا ونَوَّعْنا للنَّاسِ في هذا القُرآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ليتَّعِظوا ويتذَكَّروا، فأبى أكثَرُ النَّاسِ إلَّا كُفرًا بالحَقِّ وجحودًا له.

تفسير الآيتين:

قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا ذكَرَ اللهُ تعالى إنعامَه على نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالنبُوَّةِ بإنزالِ وَحْيِه عليه وباهِرَ قُدرتِه بأنَّه تعالى لو شاء لذَهَب بالقُرآنِ؛ ذكَرَ ما منَحَه تعالى من الدَّليلِ على نبُوَّتِه الباقي بقاءَ الدَّهرِ، وهو القرآنُ الذي عجَزَ العالَمُ عن الإتيانِ بمِثلِه، وأنَّه مِن أكبَرِ النِّعَمِ والفَضلِ الذي أبقَى له ذِكرًا إلى آخرِ الدَّهرِ، ورَفَعَ له قَدرًا به في الدُّنيا والآخِرةِ .
وأيضًا بعدَ قَولِ اللهِ تعالى لنبيِّه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا * إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا لَمَّا كان بمَعرِضِ أن يقولوا: إنْ ذهَبَ عليك مِن شَيءٍ فائْتِ بمِثلِه مِن عندِ نَفسِك، ومِمَّا اكتسَبْتَه منه مِن الأساطيرِ؛ أمَرَه أن يُجيبَهم عن هذا بقَولِه؛ دلالةً على مَضمونِ ما قَبلَه :
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ.
أي: قُلْ -يا مُحمَّدُ: لو اتَّفَق جميعُ الإنسِ والجِنِّ على أن يأتُوا بمِثلِ هذا القُرآنِ في بلاغَتِه وحُسنِ نَظْمِه وكَمالِ مَعانيه؛ لَما أطاقوا ذلك وما استَطاعوه .
وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا.
أي: لا يَأتونَ بمِثلِه ولو تعاوَنَ الإنسُ والجِنُّ، وتناصَروا على ذلك، فكيف بهم إذا حاولوا ذلك مُتفَرِّقينَ ؟!
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا ذكَرَ اللهُ تعالى عَجزَ الإنسِ والجِنِّ عن أن يأتُوا بمِثلِ هذا القُرآنِ؛ نَبَّه على فَضلِه تعالى بما ردَّدَ فيه، وضَرَبَ مِن الأمثالِ والعِبَرِ التي تدُلُّ على تَوحيدِه تعالى، ومع كَثرةِ ما رَدَّدَ مِن الأمثلةِ، وأسبَغَ مِن النِّعَمِ، لم يكونوا إلَّا كافرينَ به وبنِعَمِه .
وأيضًا لَمَّا تحَدَّى اللهُ بُلَغاءَ المُشرِكينَ بالإعجازِ؛ تطاولَ عليهم بذِكرِ فضائلِ القُرآنِ على ما سِواه من الكلامِ، مُدمِجًا في ذلك النَّعيَ عليهم؛ إذ حَرَموا أنفُسَهم الانتِفاعَ بما في القُرآنِ مِن كلِّ مَثَلٍ. وذُكِرَتْ هنا ناحيةٌ مِن نواحي إعجازِه، وهي ما اشتمَلَ عليه مِن أنواعِ الأمثالِ .
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ.
أي: ولقد بيَّنَّا ونوَّعْنا للنَّاسِ في هذا القُرآنِ الحُجَجَ والبَراهينَ، والمواعِظَ والأمثالَ، والقَصَص والعِبَرَ؛ ليتذَكَّروا ويَتَّقوا .
فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا.
أي: فلم يَرْضَ أكثَرُ النَّاسِ إلَّا الكُفرَ بالحَقِّ، والجُحودَ لهذه النِّعمةِ العُظمَى، فجحَدوا بما في القُرآنِ، ورَدُّوا الهُدى، واقتَرَحوا مِن الآياتِ ما ليس لهم .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قال الله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا، وإخبارُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بهذه الآيةِ فيه آياتٌ لنُبُوَّتِه؛ منها إقدامُه على هذا الخبَرِ العَظيمِ عن جميعِ الإنسِ والجِنِّ إلى يومِ القيامةِ بأنَّهم لا يَفعلونَ هذا، بل يَعجِزونَ عنه، وهذا لا يُقدِمُ عليه مَن يَطلُبُ النَّاسَ أن يُصَدِّقوه إلَّا وهو واثِقٌ بأنَّ الأمرَ كذلك؛ إذ لو كان عنده شَكٌّ في ذلك لجازَ أن يَظهَرَ كَذِبُه في هذا الخبَرِ، فيُفسِدَ عليه ما قَصَده. ثمَّ جَعْلُه هذا في القُرآنِ المَتلوِّ المحفوظِ إلى يومِ القيامةِ، الذي يُقرَأُ به في الصَّلَواتِ، ويَسمَعُه العامُّ والخاصُّ، والوليُّ والعَدُوُّ؛ دليلٌ على كمالِ ثِقتِه بصِدقِ هذا الخبَرِ، وإلَّا لو كان شاكًّا في ذلك لخاف أن يَظهَرَ كَذِبُه؛ فمَن يَقصِدُ أن يُصَدِّقَه النَّاسُ لا يقولُ مِثْلَ هذا، ويُظهِرُه هذا الإظهارَ، ويُشيعُه هذه الإشاعةَ، إلَّا وهو جازِمٌ عند نَفسِه بصِدقِه، ولا يُتصَوَّرُ أنَّ بشَرًا يجزِمُ بهذا الخبَرِ إلَّا أن يعلَمَ أنَّ هذا مِمَّا يَعجِزُ عنه الخَلقُ؛ إذ عِلْمُ العالِمِ بعَجزِ جَميعِ الإنسِ والجِنِّ إلى يومِ القيامةِ، هو مِن أعظَمِ دلائِلِ كَونِه مُعجِزًا، وكونِه آيةً على نبُوَّتِه، فهذا مِن دلائِلِ نبُوَّتِه في أوَّلِ الأمرِ عند مَن سَمِعَ هذا الكلامَ، وعَلِمَ أنَّه مِن القُرآنِ الذي أُمِرَ ببلاغِه إلى جميعِ الخَلقِ، وهو وَحدَه كافٍ في العِلمِ بأنَّ القُرآنَ مُعجِزٌ .
2- في قَولِه تعالى: فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا دَلالةٌ على أنَّ الكُفَّارَ هم أكثَرُ أهلِ الأرضِ .

بلاغة الآيتين:

1- قَولُه تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا
- قولُه: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ... استئنافٌ للزِّيادةِ في الامتنانِ، وهو استئنافٌ بيانيٌّ لمضمونِ جُملةِ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا [الإسراء: 87] ، وافتتاحُه بـ (قُل) للاهتمامِ به، وهذا تَنويهٌ بشَرفِ القُرآنِ؛ فكان هذا التَّنويهُ امتنانًا على الَّذين آمنوا به، وهم الَّذين كان لهم شِفاءً ورحمةً، وتحدِّيًا بالعجزِ على الإتيانِ بمثْلِه للَّذين أعْرَضوا عنه، وهم الَّذين لا يَزيدُهم إلَّا خَسارًا .
- وفي قولِه: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ ذكْرُ الجنِّ مع الإنسِ؛ لقصْدِ التَّعميمِ، كما يُقال: لو اجتمَعَ أهلُ السَّمواتِ والأرضِ، وأيضًا لأنَّ المُتحدَّينَ بإعجازِ القُرآنِ كانوا يَزْعمون أنَّ الجنَّ يقدِرونَ على الأعمالِ العظيمةِ .
- وفائدةُ هذه الجُملةِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا التَّأكيدُ لمعنى الاجتماعِ المَدلولِ بقولِه: لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ أنَّه اجتماعُ تظافُرٍ على عمَلٍ واحدٍ، ومقصَدٍ واحدٍ .
- قولُه: عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ فيه تَكرُّرُ لفْظِ (مِثْل) في قولِه: لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ على سبيلِ التَّأكيدِ والتَّوضيحِ، وأنَّ المُرادَ منهم أنْ يأتوا بمثْلِه؛ إذ قد يُرادُ بمثْلِ الشَّيءِ في مَوضعٍ الشَّيءُ نفْسُه؛ فبيَّنَ بتَكرارِ بِمِثْلِهِ، ولم يكُنِ التَّركيبُ: لا يأْتون به؛ رفعًا لهذا الاحتمالِ، وأنَّ المطلوبَ منهم أنْ يأتوا بالمثْلِ لا أنْ يأتوا بالقُرآنِ .
2- قَولُه تعالى: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا
- جُملةُ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ معطوفةٌ على جُملةِ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ؛ زيادةً في الامتنانِ والتَّعجيزِ، وتأكيدُها بلامِ القسَمِ وحرْفِ التَّحقيقِ (قد)؛ لرَدِّ أفكارِ المُشركينَ أنَّه من عندِ اللهِ، فمَوردُ التَّأكيدِ هو فعْلُ صَرَّفْنَا الدَّالُّ على أنَّه مِن عندِ اللهِ .
- وزِيدَ في هذه الآيةِ قيدُ لِلنَّاسِ في قولِه: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ دونَ الآيةِ السَّابقةِ في السُّورةِ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا [الإسراء: 41] ؛ لأنَّ هذه الآيةَ واردةٌ في مقامِ التَّحدي والإعجازِ؛ فكان النَّاسُ مقصودينَ به قصْدًا أصليًّا مُؤمنُهم وكافِرُهم، بخلافِ الآيةِ المُتقدِّمةِ؛ فإنَّها في مقامِ توبيخِ المُشركينَ خاصَّةً، فكانوا مَعْلومين .
- ووجْهُ تَقديمِ أحدِ المُتعلِّقَينِ -وهو لِلنَّاسِ- بفعْلِ صَرَّفْنَا على الآخرِ في قولِه: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ: أنَّ ذِكْرَ النَّاسِ أهمُّ في هذا المقامِ؛ لأجْلِ كونِ الكلامِ مَسوقًا لتحدِّيهم والحُجَّةِ عليهم، وإنْ كان ذكْرُ القُرآنِ أهمَّ بالأصالةِ، إلَّا أنَّ الاعتباراتِ الطَّارئةَ تُقَدَّمُ في الكلامِ البليغِ على الاعتباراتِ الأصليَّةِ؛ لأنَّ الاعتباراتِ الأصليَّةَ لتَقرُّرِها في النُّفوسِ تَصيرُ مُتعارَفةً، فتكونُ الاعتباراتُ الطَّارئةُ أعَزَّ مَنالًا. ومن هذا بابُ تَخريجِ الكلامِ على خلافِ مُقْتضَى الظَّاهرِ .
- وذكَرَ في هذه الآيةِ مُتعلِّقَ التَّصريفِ بقولِه: مِنْ كُلِّ مَثَلٍ بخلافِ الآيةِ السَّابقةِ في السُّورةِ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا [الإسراء: 41] ؛ لأنَّ ذِكْرَ ذلك أدْخَلُ في الإعجازِ؛ فإنَّ كثرةَ أغراضِ الكلامِ أشدُّ تعجيزًا لمَن يَرومُ مُعارضتَه عن أنْ يأتِيَ بمثْلِه؛ إذ قد يقدِرُ بليغٌ من البُلغاءِ على غرَضٍ من الأغراضِ، ولا يقدِرُ على غرَضٍ آخرَ، فعجْزُهم عن مُعارضةِ سُورةٍ من القُرآنِ مع كثرةِ أغراضِه عجْزٌ بيِّنٌ من جهتَينِ: لأنَّهم عَجَزوا عن الإتيانِ بمثْلِه، ولو في بعضِ الأغراضِ، كما أشار إليه قولُه تعالى في سُورةِ (البقرةِ): فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة: 23] ، فإنَّ (مِن) للتَّبعيضِ. وتَنوينُ مَثَلٍ للتَّعظيمِ والتَّشريفِ، أي: من كلِّ مَثَلٍ شَريفٍ، والمُرادُ: شرَفُه في المقصودِ من التَّمثيلِ. ومِنْ في قولِه: مِنْ كُلِّ مَثَلٍ للتَّبعيضِ، وكُلِّ تُفيدُ العُمومَ؛ فالقُرآنُ مُشتمِلٌ على أبعاضٍ مِن جميعِ أنواعِ المثَلِ .
- وحُذِفَ مفعولُ فَأَبَى للقرينةِ، أي: أبَى العمَلَ به .
- وفي قولِه: أَكْثَرُ النَّاسِ أُوثِرَ الإظهارُ على الإضمارِ حيث لم يقُلْ: (أكثرُهم)؛ تأكيدًا وتوضيحًا .
- قولُه: إِلَّا كُفُورًا فيه من المُبالغةِ ما ليس في (أبَوُا الإيمانَ)؛ لأنَّ فيه دلالةً على أنَّهم لم يَرْضَوا بخَصلةٍ سِوى الكُفورِ من الإيمانِ، والتَّوقُّفِ في الأمْرِ ونحوِ ذلك، وأنَّهم بالغوا في عدَمِ الرِّضا حتَّى بَلَغوا مرتبةَ الإباءِ .
- وفي قولِه: إِلَّا كُفُورًا تأكيدُ الشَّيءِ بما يُشْبِهُ ضِدَّه، أي: تأكيدٌ في صُورةِ النَّقصِ؛ لِمَا فيه من الإطماعِ بأنَّ إبايتَهم غيرُ مُطَّردةٍ، ثمَّ يأتي المُسْتثنى مُؤكِّدًا لمعنى المُسْتثنى منه؛ إذ (الكُفورُ) أخَصُّ من المفعولِ الَّذي حُذِفَ للقرينةِ، وهو استثناءٌ مُفرَّغٌ؛ لِما في فعْلِ فَأَبَى مِن معنَى النَّفيِ الَّذي هو شرْطُ الاستثناءِ المُفرَّغِ؛ لأنَّ المدارَ على معنى النَّفيِ، مِثْلُ الاستثناءِ مِن الاستفهامِ المُستعمَلِ في النَّفيِ، كقولِه: هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا [الإسراء: 93] .