موسوعة التفسير

سورةُ النَّحلِ
الآيات (38-40)

ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ

غريب الكلمات:

جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ: أي: أقوَى الأيمانِ وأغلَظَها مُجتَهِدينَ في تَوكيدِها. وحقيقةُ الجَهدِ: التَّعَبُ والمشَقَّةُ، ومُنتهى الطَّاقةِ، ثمَّ أطلِقَ على أشَدِّ الفِعلِ ونِهايةِ قُوَّتِه؛ لِما بينَ الشِّدَّةِ والمَشقَّةِ مِن المُلازَمةِ [452] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/484)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/486) (5/86)، ((المفردات)) للراغب (ص: 208)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 152)، ((تفسير ابن عاشور)) (6/233). .

المعنى الإجمالي:

يقول تعالى: حلفَ هؤلاء المُشرِكونَ باللهِ أيمانًا مُغلَّظةً أنَّ اللهَ لا يَبعَثُ مَن يموتُ بعدما بَلِيَ وتفَرَّق، بلى سيبعَثُهم اللهُ حَتمًا، وعدًا عليه حَقًّا، ولكِنَّ أكثَرَ النَّاسِ لا يَعلَمونَ. يبعَثُ اللهُ جميعَ العِبادِ؛ لِيُبيِّنَ لهم الحقَّ الذي كانوا يَختَلِفونَ فيه في الدُّنيا، ومِن ذلك أمرُ البعثِ، وليحكُمَ بينهم ويُجازيَ كلًّا بعملِه، ولِيعلَمَ الكُفَّارُ المُنكِرونَ للبعثِ أنَّهم على باطلٍ، وأنَّهم كاذِبونَ حين حَلَفوا أنْ لا بَعْثَ. إنَّ أمْرَ البَعثِ يَسيرٌ على الله؛ فإنَّه سبحانَه إذا أرادَ شيئًا فإنَّما يقولُ له: كُنْ، فإذا هو كائِنٌ.

تفسير الآيات:

وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38).
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ.
أي: وحلفَ مُشرِكو قُرَيشٍ باللهِ، وغَلَّظوا الأيمانَ وأكَّدُوها، على أنَّ اللهَ لا يَبعَثُ الموتَى بعدَ أنْ صاروا تُرابًا [453] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/219)، ((تفسير ابن كثير)) (4/571)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/161)، ((تفسير السعدي)) (ص: 440). !
بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا.
أي: بلى سيبعَثُ اللهُ الموتى، وعَدَ سبحانَه بذلك وعدًا، ولا يُخلِفُ اللهُ وَعدَه [454] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/219)، ((تفسير القرطبي)) (10/105)، ((تفسير ابن كثير)) (4/571)، ((تفسير السعدي)) (ص: 440)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/376). .
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ.
أي: ولكنَّ أكثَرَ النَّاسِ لا يَعلَمونَ أنَّ اللهَ باعِثُهم يومَ القيامةِ بعد مَوتِهم، فيُخالِفونَ الرُّسُلَ؛ لجَهلِهم، ويَقَعونَ في الكُفرِ [455] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/219)، ((تفسير القرطبي)) (10/105)، ((تفسير السعدي)) (ص: 440). .
عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((قال اللهُ: كَذَّبَني ابنُ آدمَ ولم يكُنْ له ذلك، وشَتَمَني ولم يكُنْ له ذلك؛ فأمَّا تكذيبُه إيَّايَ فقَولُه: لن يُعيدَني كما بَدَأني، وليس أوَّلُ الخَلقِ بأهْوَنَ عليَّ مِن إعادتِه، وأمَّا شَتمُه إيَّايَ فقَولُه: اتَّخذَ اللهُ ولدًا، وأنا الأحَدُ الصَّمَدُ، لم ألِدْ ولم أُولَدْ، ولم يكُنْ لي كُفْئًا أحَدٌ )) [456] رواه البخاري (4974). .
لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39).
لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ.
أي: سيَبعَثُ اللهُ الموتى؛ لِيُظهرَ لهم في الآخرةِ الحقَّ الذي كانوا يَختَلِفونَ فيه في الدُّنيا- ومِن ذلك اختِلافُهم في ثُبوتِ البَعثِ- ويَحكُمَ بينهم، ويَجزيَ كلًّا بما عَمِلَه [457] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (2/469)، ((تفسير ابن جرير)) (14/221)، ((تفسير السمعاني)) (3/173)، ((تفسير القرطبي)) (10/105)، ((تفسير البيضاوي)) (3/227)، ((تفسير ابن كثير)) (4/571)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/163)، ((تفسير السعدي)) (ص: 440)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/377). قال ابنُ عاشور: (الله تعالى حكيمٌ لا تجري أفعالُه على خلافِ الحِكمةِ التامَّةِ، أي: جعلَ البعثَ؛ ليُبَيِّن للنَّاسِ الشيءَ الذي يختلِفون فيه من الحَقِّ والباطل، فيظهر حَقُّ المحِقِّ، ويظهَر باطِلُ المُبطِل في العقائِدِ ونحوها من أصولِ الدينِ وما ألحِقَ بها. وشَمِل قولُه: يَخْتَلِفُونَ كُلَّ معاني المحاسَبةِ على الحقوقِ؛ لأنَّ تمييزَ الحقوقِ مِن المظالمِ كُلُّه محلُّ اختلافِ النَّاسِ وتنازُعِهم). ((تفسير ابن عاشور)) (14/155). .
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ.
أي: ولِيَعلَمَ الذين كَفَروا باللهِ تعالى، وأنكَروا البَعثَ أنَّهم كانوا في الدُّنيا كاذِبينَ في حَلِفِهم على أنَّ اللهَ لا يَبعَثُ مَن يَموتُ [458] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/221)، ((تفسير السمعاني)) (3/173)، ((تفسير ابن كثير)) (4/571)، ((تفسير الشوكاني)) (3/195). .
إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا بيَّنَ اللهُ تعالى تحتُّمَ البَعثِ، وحِكمَتَه؛ بيَّنَ إمكانَه ويُسْرَه عليه تعالى، وخِفَّتَه لَديه [459] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/163). .
وأيضًا فإنَّ هذه الجُملةَ مُتَّصِلةٌ بجُملةِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ؛ لبَيانِ أنَّ جَهلَ المُشرِكينَ بمَدى قُدرةِ اللهِ تعالى هو الذي جرَّأهم على إنكارِ البَعثِ واستحالتِه عِندَهم؛ فهي بيانٌ للجُملةِ التي قبلَها؛ ولذلك فُصِلَت، ووقَعَت جُملةُ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا... إلى آخِرِها اعتِراضًا بينَ البيانِ والمُبيَّنِ [460] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (14/155-156). .
إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.
أي: إنَّما قَولُنا لشَيءٍ نُريدُ إيجادَه أن نقولَ له مَرَّةً واحِدةً: كُنْ، فيكونُ كما أرَدْنا بلا تأخيرٍ، ولا تعَبٍ، ولا مشَقَّةٍ علينا، ومن ذلك إحياءُ الموتى [461] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/222)، ((تفسير القرطبي)) (10/106)، ((درء تعارض العقل والنقل)) لابن تيمية (2/94)، ((تفسير ابن كثير)) (4/571)، ((تفسير السعدي)) (ص: 440)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/377). .
كما قال تعالى: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 78-82] .
وقال سُبحانه: وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [القمر: 50].

الفوائد العلمية واللطائف:

1- في قَولِه تعالى: لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ ذكَرَ اللهُ حِكمتَينِ بالغتَينِ في بَعثةِ اللهِ سُبحانَه للأمواتِ بَعدَما أماتهم:
إحداهما: أن يُبَيِّنَ للنَّاسِ الذي اختَلَفوا فيه، وهذا بيانٌ عِيانِيٌّ تَشتَرِكُ فيه الخلائِقُ كلُّهم، والذي حصلَ في الدنيا بيانٌ إيمانيٌّ اختصَّ به بعضُهم.
 والحكمةُ الثانيةُ: عِلْمُ المُبطِلِ بأنَّه كان كاذِبًا، وأنَّه كان على باطلٍ، وأنَّ نسبةَ أهلِ الحقِّ إلى الباطلِ هي مِن افترائِه وكَذِبِهِ وبُهتانِه، فيُخزيه ذلك أعظمَ خِزيٍ [462] يُنظر: ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (4/161). .
2- قولُه تعالى: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، قال البُويطيُّ: (خلقَ اللهُ الخَلقَ كُلَّه بقَولِه كُنْ، فلو كان «كُنْ» مخلوقًا لكان قد خَلَق الخلقَ بمخلوقٍ، وليس كذلك) [463] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (13/443). .

بلاغة الآيات:

1- قَولُه تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
- قولُه: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ القسَمُ على نَفيِ البعثِ، أرادوا به الدَّلالةَ على يَقينِهم بانتفائِه، وإنَّما أيقنوا بذلك، وأقْسَموا عليه؛ لأنَّهم تَوهَّموا أنَّ سلامةَ الأجسامِ، وعدَمَ انخرامِها شَرطٌ لقَبولِها الحياةَ، وقد رَأَوْا أجسادَ الموتَى مُعرَّضةً للاضمحلالِ، فكيف تُعادُ كما كانت [464] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (14/151 – 152). ؟!
- قولُه: لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ فيه إيثارُ التَّعبيرِ بـ مَنْ يَمُوتُ على التَّعبيرِ بـ (الموتى)؛ لقَصدِ إيذانِ الصِّلةِ بتَعليلِ نَفيِ البعثِ؛ فإنَّ الصِّلةَ أقوَى دَلالةً على التَّعليلِ مِن دَلالةِ المُشتقِّ على عِلِّيةِ الاشتقاقِ؛ فهم جَعَلوا الاضمحلالَ مُنافيًا لإعادةِ الحياةِ، كما حُكِيَ عنهم وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ [465] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (14/154). [النمل: 67] .
2- قوله تعالى: لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ
- قولُه: لِيُبَيِّنَ تَعليلٌ لقولِه تعالى: وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا؛ لقَصدِ بَيانِ حِكمةِ جَعْلِه وعدًا لازمًا لا يتخلَّفُ؛ لأنَّه مَنوطٌ بحِكمةٍ، واللهُ تعالى حكيمٌ لا تَجْري أفعالُه على خِلافِ الحكمةِ التَّامَّةِ، أي: جعَلَ البعثَ ليُبيِّنَ للنَّاسِ الشَّيءَ الَّذي يختلِفون فيه مِن الحقِّ والباطِلِ، فيظهَرُ حَقُّ المُحِقِّ، ويظهَرُ باطلُ المُبِطلِ في العقائدِ ونحوِها مِن أصولِ الدِّينِ وما أُلْحِقَ بها [466] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (14/154). .
- قولُه: لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فيه التَّعبيرُ عن الحقِّ بالموصولِ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ؛ للدَّلالةِ على فَخامتِه، وللإشعارِ بعِلِّيةِ ما ذُكِرَ في حيِّزِ الصِّلةِ للتَّبيينِ وما عُطِفَ عليه، وجعَلَهما غايةً للبعثِ المُشارِ إليه باعتبارِ وُرودِه في معرِضِ الرَّدِّ على المُخالِفينَ، وإبطالِ مَقالةِ المُعاندين المُستدْعي للتَّعرُّضِ لِمَا يردَعُهم عن المُخالفةِ، ويُلْجِئُهم إلى الإذعانِ للحقِّ [467] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/114). .
3- قولُه تعالى: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ استئنافٌ لبَيانِ كيفيَّةِ التَّكوينِ على الإطلاقِ إبداءً وإعادةً، بعد التَّنبيهِ على آنيَّةِ البعثِ، ومنه يظهَرُ كيفيَّتُه [468] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/114). .
- قولُه: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ أفادت إِنَّمَا قَصرًا هو قَصرُ وُقوعِ التَّكوينِ على صُدورِ الأمرِ به، وهو قَصرُ قلبٍ؛ لإبطالِ اعتقادِ المُشركينَ تعذُّرَ إحياءِ الموتى؛ ظنًّا منهم أنَّه لا يحصُلُ إلَّا إذا سلِمَت الأجسادُ من الفسادِ، فإذا كان سبَبُ التَّكوينِ ليس زائدًا على قولِ: كُنْ، فقد بطَلَ تعذُّرُ إحياءِ الموتى؛ ولذلك كان هذا قَصرَ قلبٍ لإبطالِ اعتقادِ المُشركينَ [469] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (14/156). .
- قولُه: لِشَيْءٍ أُطْلِقَ (الشَّيءُ) هنا على المعدومِ باعتبارِ إرادةِ وُجودِه، فهو من إطلاقِ اسمِ ما يَؤُول إليه، أو المُرادُ بالشَّيءِ مُطلَقُ الحقيقةِ المعلومةِ وإنْ كانت مَعدومةً، وإطلاقُ الشَّيءِ على المعدومِ مُستعمَلٌ [470] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (14/156). قال ابنُ تيمية: (والذي عليه أهلُ السنةِ والجماعةِ وعامةُ عقلاءِ بني آدمَ مِن جميعِ الأصنافِ: أنَّ المعدومَ ليس في نفسِه شيئًا، وأنَّ ثُبوتَه ووجودَه وحصولَه شيءٌ واحدٌ، وقد دلَّ على ذلك الكتابُ والسُّنةُ والإجماعُ القديم). ((مجموع الفتاوى)) (2/155). وقال أيضًا: (تنازَعوا في المعدومِ الممكِنِ: فذهَب فريقٌ مِن أهلِ الكلامِ مِنَ المعتزلةِ والرَّافضةِ وبعضِ مَن وافَقَهم مِن ضُلَّالِ الصُّوفِيَّةِ: إلى أنَّه شيءٌ في الخارجِ لتعلُّقِ الإرادةِ والقدرةِ به! وهذا غلطٌ، وإنَّما هو معلومٌ للَّهِ ومرادٌ له إنْ كان مِمَّا يوجدُ، وليس له في نفسِه لا موتٌ ولا وجودٌ ولا حقيقةٌ أصلًا، بل وجودُه وثبوتُه وحصولُه شيءٌ واحدٌ، وماهيَّتُه وحقيقتُه في الخارجِ هي نفسُ وجودِه وحصولِه وثبوتِه ليس في الخارجِ شيئانِ وإنْ كان العقلُ يميِّزُ الماهِيَّةَ المطلقةَ عن الوجودِ المطلَقِ). ((مجموع الفتاوى)) (8/383). .