المَطلَبُ الأوَّلُ: لا يُجمَعُ بَينَ الأصلِ والبَدَلِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "لا يُجمَعُ بَينَ الأصلِ والبَدَلِ"
[1588] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (21/191)، ((فتح باب العناية)) للقاري (1/121). . وصيغةِ: "لا يُجمَعُ بَينَ الأصلِ والبَدَلِ على سَبيلِ رَفوِ أحَدِهما بالآخَرِ"
[1589] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (1/122). . وصيغةِ: "لا يَجتَمِعُ الأصلُ والبَدَلُ إلَّا بدَليلٍ"
[1590] يُنظر: ((القواعد)) للمقري (1/238)، ((شرح المنهج المنتخب)) للمنجور (2/491). . وصيغةِ: "لا يُجمَعُ بَينَ البَدَلِ والمُبدَلِ مِنه"
[1591] يُنظر: ((اقتضاء الصراط المستقيم)) لابن تيمية (1/486). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الجَمعَ بَينَ الأصلِ والبَدَلِ في حالةٍ واحِدةٍ مُمتَنِعٌ، فلا يُصارُ إلى الجَمعِ بَينَ البَدَلِ والمُبدَلِ مِنه على سَبيلِ إكمالِ أحَدِهما بالآخَرِ، كَما ورَدَ في إحدى صيَغِ القاعِدةِ: (لا يُجمَعُ بَينَ الأصلِ والبَدَلِ على سَبيلِ رَفوِ أحَدِهما بالآخَرِ)، وإذا أدَّى المُكَلَّفُ البَدَلَ مَعَ قُدرَتِه على الأصلِ فإنَّه لا يُجزِئُه
[1592] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (1/122) و(2/32)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/303)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/671). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقُرآنِ، والسُّنَّةِ، والِاستِقراءِ:
1- مِنَ القُرآنِ:- قال اللهُ تعالى:
وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [المائدة: 6] .
وَجهُ الدَّلالةِ:تَدُلُّ الآيةُ على أنَّ اللَّهَ تعالى لم يُجِزِ التَّيَمُّمَ إلَّا عِندَ فَقدِ الماءِ، وأنَّ اللَّهَ تعالى أمَرنا بإحدى الطَّهارَتَينِ على البَدَلِ، ولَم يَأمُرْنا بالجَمعِ بَينَهما، ومَن جَمَع بَينَهما فقد جَمَعَ بَينَ الأصلِ والبَدَلِ، فصارَ مُخالِفًا للنَّصِّ.
كَما أنَّ التَّيَمُّمَ على الوَجهِ واليَدَينِ يَنوبُ عن جَميعِ البَدَنِ، وذلك في الجَنابةِ، وتارةً عن بَعضِ البَدَنِ وذلك في الطَّهارةِ الصُّغرى، فيَكونُ التَّيَمُّمُ في هذه الحالةِ نائِبًا عَمَّا لم يُغسَلْ مِن أعضاءِ البَدَنِ، فلَم يَجتَمِعِ الأصلُ والبَدَلُ في حَقِّ العُضوِ الواحِدِ
[1593] يُنظر: ((الجمع والفرق)) لأبي محمد الجويني (1/200)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/41). .
- وقال اللهُ تعالى:
لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة: 89] .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ كَفَّارةَ الأيمانِ مِمَّا له أصلٌ وبَدَلٌ، والأصلُ والبَدَلُ إذا التَقَيا ثُمَّ وجَدنا سَبيلًا إلى تَغَلُّبِ الأصلِ وتَقديمِه، فلا بُدَّ مِنَ التَّغليبِ، فتَدُلُّ الآيةُ على عَدَمِ الجَمعِ بَينَ الأصلِ والبَدَلِ؛ فإنَّ الصَّومَ في كَفَّارةِ اليَمينِ بَدَلٌ عنِ الإطعامِ، فلا يَجمَعُ صاحِبُ الكَفَّارةِ بَينَهما
[1594] يُنظر: ((الجمع والفرق)) لأبي محمد الجويني (3/407)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (1/148)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/65)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/672). .
2- مِنَ السُّنَّةِ:- عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((قَدِم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المَدينةَ ولَهم يَومانِ يَلعَبونَ فيهما، فقال: ما هذانِ اليَومانِ؟ قالوا: كُنَّا نَلعَبُ فيهما في الجاهليَّةِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ اللَّهَ قد أبدَلَكُم بهما خَيرًا مِنهما: يَومَ الأضحى، ويَومَ الفِطرِ )) [1595] أخرجه أبو داود (1134) واللفظ له، والنسائي (1556)، وأحمد (12006). صحَّحه الحاكم في ((المستدرك)) (1105) وقال: على شرط مسلم، والبغوي في ((شرح السنة)) (2/598)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1134)، وصحَّح إسنادَه النووي في ((خلاصة الأحكام)) (2/819)، وابن حجر في ((فتح الباري)) (2/513)، وقال ابن تيمية في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/485): إسنادُه على شَرطِ مُسلِمٍ. .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ نَبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يُقِرَّ العيدَينِ الجاهليَّينِ، ولا تَركهم يَلعَبونَ فيهما كَما جَرَتِ العادةُ، بَل قال:
((إنَّ اللَّهَ قد أبدَلَكُم بهما خَيرًا مِنهما))، والإبدالُ مِنَ الشَّيءِ يَقتَضي تَركَ المُبدَلِ مِنه؛ إذ لا يُجمَعُ بَينَ البَدَلِ والمُبدَلِ مِنه؛ ولِهذا لا تُستَعمَلُ هذه العِبارةُ إلَّا فيما تُرِكَ اجتِماعُهما، فيَقتَضي تَركَ الجَمعِ بَينَهما، لا سيَّما، وقَولُه:
((خَيرًا مِنهما)) يَقتَضي الاكتِفاءَ بما شُرِعَ لنا عَمَّا كان في الجاهليَّةِ
[1596] يُنظر: ((اقتضاء الصراط المستقيم)) لابن تيمية (1/485). .
- وعن أبي أُمامةَ الباهليِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ في خُطبَتِه عامَ حَجَّةِ الوداعِ:
((إنَّ اللَّهَ قد أعطى كُلَّ ذي حَقٍّ حَقَّه؛ فلا وصيَّةَ لوارِثٍ )) [1597] أخرجه أبو داود (2870)، والترمذي (2120)، وابن ماجه (2713) واللَّفظُ له صَحَّحه ابنُ العربي في ((عارضة الأحوذي)) (4/432)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجهـ)) (2713)، وأحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/215)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2870)، وحسنه الإمام أحمد كما في ((بلوغ المرام)) لابن حجر (286)، وابن عبد البر في ((التمهيد)) (24/439). .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ اللَّهَ تعالى كَتَب الوصيَّةَ للوالِدَينِ والأقرَبينَ ولَم يَكونوا وارِثينَ، ثُمَّ فرَضَ لهم ما يَستَحِقُّونَه مِنَ الإرثِ، ولمَّا كان لا يُجمَعُ بَينَ الأصلِ والبَدَلِ، لم تَبقَ الوصيَّةُ للوالِدَينِ وبَقيَّةِ الورَثةِ مِنَ الأقرَبينَ مَشروعةً حينَئِذٍ
[1598] يُنظر: ((التنبيهـ)) لابن أبي العز (3/1018). .
3- مِنَ استِقراءِ الشَّريعةِ:حَيثُ يَتَبَيَّنُ مِنِ استِقراءِ الشَّريعةِ أنَّ الجَمعَ بَينَ الأصلِ والبَدَلِ غَير مُتَحَقِّقٍ في الشَّرعِ؛ ولِذلك قال ابنُ العَرَبيِّ: (ليسَ في الشَّريعةِ مَوضِعٌ يُجمَعُ فيه بَينَ الأصلِ والبَدَلِ)
[1599] ((أحكام القرآن)) (1/567). .
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- المَسحُ على الخُفَّينِ بَدَلٌ عن غَسلِ الرِّجلَينِ، ولا يَجوزُ الجَمعُ بَينَ الأصلِ والبَدَلِ في المَسحِ على الخُفِّ
[1600] يُنظر: ((شرح مشكل الوسيط)) لابن الصلاح (1/160)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (21/172)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/52)، ((البناية)) للعيني (1/618). .
2- الصَّومُ بَدَلٌ عنِ التَّكفيرِ بالمالِ في كَفَّارةِ اليَمينِ، فلا يَجوزُ الجَمعُ فيها بَينَ الأصلِ والبَدَلِ
[1601] يُنظر: ((الجمع والفرق)) لأبي محمد الجويني (3/407)، ((درر الحكام)) لملا خسرو (1/248). .