المَطلَبُ الثَّاني: مِنَ القَواعِدِ المُندَرِجةِ تَحتَ قاعِدةِ: لا يُجمَعُ بَينَ الأصلِ والبَدَلِ: ما جازَ على البَدَلِ لا يَدخُلُه تَبعيضٌ فيهما
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "ما جازَ على البَدَلِ لا يَدخُلُه تَبعيضٌ فيهما"
[1602] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/259). . وصيغةِ: "الواجِبُ الواحِدُ لا يُؤَدَّى ببَعضِ الأصلِ، وبَعضِ البَدَلِ"
[1603] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (9/440)، ((المنثور)) للزركشي (1/259). . وصيغةِ: "لا يَجتَمِعُ في العُضوِ الواحِدِ أصلٌ وبَدَلٌ"
[1604] يُنظر: ((التنبيهـ)) لابن بشير (1/339). . وصيغةِ: "عَدَمُ بَعضِ الأصلِ بمَنزِلةِ عَدَمِ الجَميعِ في جَوازِ الاقتِصارِ على البَدَلِ"
[1605] يُنظر: ((المجموع)) للنووي (2/268). . وصيغةِ: "الواجِبُ لا يَتَلَفَّقُ مِن أُصولٍ"
[1606] يُنظر: ((الغاية)) للعز بن عبد السلام (6/124)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/29). . وصيغةِ: "ما جازَ فيه التَّخييرُ لا يَجوزُ فيه التَّبعيضُ إلَّا أن يَكونَ الحَقُّ لمُعَيَّنٍ ورَضيَ"
[1607] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/255). . وصيغةِ: "الواجِبُ المُخَيَّرُ لا يَقَعُ بَينَ أصلٍ وبَدَلٍ حَقيقيٍّ"
[1608] يُنظر: ((حاشية البجيرمي)) (1/258). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الواجِبَ الواحِدَ لا يُؤَدَّى ببَعضِ الأصلِ، وبَعضِ البَدَلِ، فلا يَجوزُ للمُكَلَّفِ أن يُؤَدِّيَ الواجِبَ بفِعلِ جُزءٍ مِنَ الأصلِ وجُزءٍ مِنَ البَدَلِ؛ لأنَّ هذا جَمعٌ بَينَ البَدَلِ والمُبدَلِ مِنه، وهو مُمتَنِعٌ، كَما أنَّ ما يَجوزُ فيه التَّخييرُ بَينَ خِصالٍ لا يَجوزُ فيه التَّبعيضُ بالتَّلفيقِ بَينَ هذه الخِصالِ؛ لأنَّ الواجِبَ لا يَتَلَفَّقُ مِن أُصولٍ، كَخِصال الكَفَّارةِ، فكَيف يَتَلَفَّقُ مِن أصلٍ وبَدَلٍ؟!
[1609] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (9/440)، ((الغاية)) للعز بن عبد السلام (6/124)، ((المنثور)) للزركشي (1/255، 259). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِن قاعِدةِ (البَدَلُ يَقومُ مَقامَ الأصلِ وحُكمُه حُكمُ الأصلِ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها: أنَّ عَدَمَ بَعضِ الأصلِ بمَنزِلةِ عَدَمِ الجَميعِ في جَوازِ الاقتِصارِ على البَدَلِ، والواجِبُ أن يَقومَ البَدَلُ مَقامَ الأصلِ عِندَ عَدَمِه.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.دَلَّ على هذه القاعِدةِ القَواعِدُ التَّاليةُ:
1- القاعِدةُ الأُمُّ: (البَدَلُ يَقومُ مَقامَ الأصلِ وحُكمُه حُكمُ الأصلِ).
2- قاعِدة: (الأصلُ والبَدَلُ لا يَجتَمِعانِ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- لا يَجوزُ التَّبعيضُ في الوُضوءِ مَعَ التَّيَمُّمِ؛ لأنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ عنِ الوُضوءِ، والأصلُ أنَّ الواجِبَ الواحِدَ لا يُؤَدَّى ببَعضِ الأصلِ، وبَعضِ البَدَلِ؛ لأنَّ هذا جَمعٌ بَينَ البَدَلِ والمُبدَلِ، وهو مُمتَنِعٌ
[1610] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (9/440)، ((المنثور)) للزركشي (1/259). .
2- إذا وجَدَ الجُنُبُ ماءً يَكفي غَسلَ بَعضِ أعضائِه، فذَهَب الحَنَفيَّةُ والمالِكيَّةُ، وهو أحَدُ قَولَيِ الشَّافِعيِّ، وبِه قال أكثَرُ العُلَماءِ: إلى أنَّه يَتَيَمَّمُ ويَترُكُه؛ لأنَّ هذا الماءَ لا يُطَهِّرُه، فلَم يَلزَمْه استِعمالُه كالماءِ المُستَعمَلِ، ولِما فيه مِنَ الجَمعِ بَينَ البَدَلِ والمُبدَلِ، ولأنَّ ما جاز على البَدَلِ لا يَدخُلُه تَبعيضٌ
[1611] يُنظر: ((البيان)) للعمراني (1/297)، ((المجموع)) للنووي (2/268)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (10/77). .
3- لا يَجوزُ لمَن يَلبَسُ الخُفَّينِ أن يَمسَحَ على الخُفِّ في إحدى الرِّجلَينِ ويَغسِلَ الأُخرى؛ لأنَّه يُؤَدِّي إلى الجَمعِ بَينَ الأصلِ والبَدَلِ؛ ولِذلك ذَهَبَ أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ إلى أنَّه لا يَجوزُ المَسحُ إلَّا على ما يَستُرُ جَميعَ مَحَلِّ الغَسلِ؛ لأنَّه إذا ظَهَرَ بَعضُ القَدَمِ كان فرضُ ما ظَهَرَ الغَسلَ، وفَرضُ ما بَطَنَ المَسحَ؛ فيَلزَمُ أن يُجمَعَ بَينَ الغَسلِ والمَسحِ، أي: بَينَ الأصلِ والبَدَلِ، وهذا لا يَجوزُ؛ لأنَّه إمَّا أن يَغسِلَ القدَمَينِ، وإمَّا أن يَمسَحَ على الخُفَّينِ
[1612] يُنظر: ((شرح مشكل الوسيط)) لابن الصلاح (1/160)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (21/172)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/52)، ((البناية)) للعيني (1/618). .
4- لا يَجوزُ التَّبعيضُ في خِصالِ الكَفَّارةِ؛ لأنَّ الواجِبَ لا يَتَلَفَّقُ مِن أُصولٍ، ولأنَّ الجَمعَ بَينَ البَدَلِ والمُبدَلِ مُمتَنِعٌ؛ ولِهذا لا يَجوزُ في كَفَّارةِ الظِّهارِ أن يَصومَ ثَلاثينَ يَومًا ويُطعِمَ ثَلاثينَ مِسكينًا. كَما لا يَجوزُ في كَفَّارةِ اليَمينِ أن يُطعِمَ خَمسةً ويَكسوَ خَمسةً؛ لأنَّ ما جازَ فيه التَّخييرُ لا يَجوزُ فيه التَّبعيضُ
[1613] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (9/440)، ((الغاية)) للعز بن عبد السلام (6/124)، ((المنثور)) للزركشي (1/255، 259). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.استِثناءاتٌ:يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ بَعضُ الصُّورِ، مِنها:
1- لو قَتَلَ ثَلاثةٌ مُحرِمونَ ظَبيةً فعليهم جَزاءٌ واحِدٌ، يُخَيَّرُ فيه بَينَ شاةٍ، أو صيامٍ، أو إطعامٍ، فلَو ذَبَحَ أحَدُهم ثُلُثَ شاةٍ، وأطعَمَ الثَّاني بقيمةِ ثُلثِ شاةٍ، وصامَ الثَّالِثُ عَدلَ ذلك، فإنَّه يجزِئُهم
[1614] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (3/168)، ((روضة الطالبين)) للنووي (2/304)، ((المنثور)) للزركشي (1/257). .
2- لو وجَبَ لرَجُلٍ قِصاصٌ على جَماعةٍ فيَجوزُ قَتلُ الجَميعِ، أو أخذُ الدِّيةِ مِنهم، فلَو قَتَلَ بَعضَهم وأخَذَ الدِّيةَ مِنَ البَعضِ، جازَ، ولَو وجَدَ بَعضَ الإبِلِ في الدِّيةِ أخَذَه وقيمةَ الباقي
[1615] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/259). .