موسوعة القواعد الفقهية

المَبحَثُ الثَّالِثُ: ما لا يَمنَعُ ابتِداءَ الإذنِ لا يَمنَعُ بَقاءَه بطَريقِ الأَولى


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "ما لا يَمنَعُ ابتِداءَ الإذنِ لا يَمنَعُ بَقاءَه بطَريقِ الأَولى" [1562] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (25/33). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
الإذنُ في التَّصَرُّفِ مَرهونٌ بشُروطٍ، وانتِفاءِ مَوانِعَ، كالسَّفَهِ والإتلافِ وغَيرِهما، فإذا وُجِدَ بالشَّخصِ مانِعٌ يَمنَعُ الإذنَ ابتِداءً، كَأن كان سَفيهًا، فإنَّ هذا السَّفَهَ لو طَرَأ عليه بَعدَ رُشدِه يَمنَعُ بَقاءَ الإذنِ، وما لا يَمنَعُ ابتِداءَ الإذنِ بدايةً فإنَّه لو طَرَأ على الإذنِ فلا يَمنَعُ دَوامَ الإذنِ واستِمرارَه، وقدِ انفرَدَ بذِكرِ هذه القاعِدةِ الحَنَفيَّةُ، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ مُكملةً لقاعِدةِ (البَيانُ يُعتَبَرُ بالِابتِداءِ إن صَحَّ الابتِداءُ وإلَّا فلا) [1563] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (25/33))، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (9/255). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ القياسُ؛ فإنَّ تَأثيرَ المانِعِ في البِدايةِ أقوى مِن تَأثيرِه في النِّهايةِ، فإذا لم يَكُنْ مُؤَثِّرًا في البِدايةِ فلا يَكونُ مُؤَثِّرًا في النِّهايةِ بطَريقِ الأَولى [1564] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (25/33). .
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
 1- إذا أَبَق العَبدُ المَأذونُ له في التِّجارةِ فإباقُه حَجرٌ عليه عِندَ الحَنَفيَّةِ، وقال زُفَرُ: لا يَصيرُ مَحجورًا عليه بالإباقِ؛ لأنَّ صِحَّةَ الإذنِ باعتِبارِ مِلكِ المَولى وقيامِ رَأيِه ولَم يَختَلَّ ذلك بإباقِه، والدَّليلُ عليه أنَّ الإباقَ لا يُنافي ابتِداءَ الإذنِ، فإنَّ المَحجورَ عليه إذا أَبَق فأَذِنَ له المَولى في التِّجارةِ وعَلِمَ به العَبدُ، كان مَأذونًا، وما لا يَمنَعُ ابتِداءَ الإذنِ لا يَمنَعُ بَقاءَه بطَريقِ الأَولى، وعِندَ بَقيَّةِ الحَنَفيَّةِ: كَما تُجعَلُ دَلالةُ الإذنِ كالتَّصريحِ به فكذلك دَلالةُ الحَجرِ كالتَّصريحِ بالحَجرِ، وقد وُجِدَت دَلالةُ الحَجرِ بَعدَ إباقِه؛ لأنَّ الظَّاهرَ أنَّ المَولى إنَّما يَرضى بتَصَرُّفِه ما بَقيَ تَحتَ طاعَتِه، ولا يَرضى بتَصَرُّفِه بَعدَ تَمَرُّدِه وإباقِه؛ ولِهذا صَحَّ ابتِداءُ الإذنِ بَعدَ الإباقِ؛ لأنَّه يَسقُطُ اعتِبارُ الدَّلالةِ عِندَ التَّصريحِ بخِلافِه [1565] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (25/33). .
2- إذا تَزَوَّجَ المُسلِمُ كِتابيَّةً ثُمَّ انتَقَلَت بَعدَ الزَّواجِ مِن دينِها السَّماويِّ إلى دينٍ سَماويٍّ آخَرَ -كَما إذا كانت يَهوديَّةً فتَنَصَّرَتِ- استَمَرَّ زَواجُها على صِحَّتِه؛ لأنَّ دينَها الذي انتَقَلَت إليه يَصِحُّ زَواجُها عليه ابتِداءً، فيَصِحُّ بَقاءً؛ لأنَّ القاعِدةَ أنَّ ما لا يَمنَعُ ابتِداءَ العَقدِ لا يَمنَعُ بَقاءَه، لكِن إذا ارتَدَّت عن دينِها السَّماويِّ، ولَم تَعتَنِقْ دينًا سَماويًّا آخَرَ، فهيَ لا دينَ لها، ولا يَحِلُّ زَواجُها بالمُسلِمِ ابتِداءً، فلا يَحِلُّ أن تبقى زَوجةً للمُسلِمِ، فيَبطُلُ العَقدُ، ويَجِبُ التَّفريقُ بَينَهما إن لم يَفتَرِقا مِن تِلقاءِ أنفُسِهما [1566] يُنظر: ((الأم)) للشافعي (5/9)، ((بدائع الصنائع) للكاساني (2/338)، ((المغني)) لابن قدامة (9/552)، ((تحبير المختصر)) لبهرام الدميري (2/635)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (3/226)، ((أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية)) لعبد الوهاب خلاف (ص: 125). .
3- الإذنُ بالتِّجارةِ للصَّغيرِ المُمَيِّزِ جائِزٌ، ولَكِن قد تَقومُ مَوانِعُ تَمنَعُ مِنَ الإذنِ ابتِداءً، فهذه تَمنَعُ بَقاءَه بطَريقِ الأَولى، كالسَّفَهِ والإتلافِ. ولَكِن إذا وُجِدَت أسبابٌ لا تَمنَعُ الإذنَ ابتِداءً، فهذه لا تَمنَعُ بَقاءَه واستِمرارَه بطَريقِ الأَولى كذلك [1567] يُنظر: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (9/255). .

انظر أيضا: