موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الثَّالِثُ: البَقاءُ أسهَلُ مِنَ الابتِداءِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "البَقاءُ أسهَلُ مِنَ الابتِداءِ" [1555] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (4/116)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/114). ، و"حالةُ البَقاءِ أسهَلُ مِن حالةِ الابتِداءِ" [1556] يُنظر: ((شرح السير الكبير)) للسرخسي (ص: 943). ، و"حُكمُ البَقاءِ أسهَلُ مِن حُكمِ الابتِداءِ" [1557] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (4/417). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ البَقاءَ والِاستِمرارَ على تَصَرُّفٍ مِنَ التَّصَرُّفاتِ أيسَرُ وأسهَلُ مِنِ ابتِدائِه، فدَوامُ العَقدِ أسهَلُ مِنِ ابتِدائِه، ويُتَسامَحُ في أثناءِ العَقدِ ودَوامِه ما لا يُتَسامَحُ في ابتِدائِه، كَما تَتَأكَّدُ العُقودُ في بدايَتِها بما لا تَتَأكَّدُ به في دَوامِها واستِمرارِها، فما يَكونُ مَقبولًا في بدايَتِها يَكونُ مَقبولًا في أثنائِها؛ لأنَّ البَقاءُ أسهَلُ مِنَ الابتِداءِ، والذي لا يَجوزُ ابتِداءً قد يَجوزُ بَقاءً؛ لأنَّ البَقاءَ أيسَرُ، وقدِ انفرَدَ الحَنَفيَّةُ بذِكرِ هذه القاعِدةِ [1558] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/114)، ((العزيز)) للرافعي (1/ 280)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/315)، ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/56)، ((تلقيح الأفهام العلية)) للسعيدان (ص: 284)، ((القواعد الفقهية وتطبيقاتها)) لمحمد الزحيلي (1/516)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (3/82). .
وهذه القاعِدةُ تُعتَبَرُ استِثناءً مِن قاعِدة (يُغتَفرُ في الابتِداءِ ما لا يُغتَفرُ في الدَّوامِ).
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ ما سَبَقَ في أدِلَّةِ قاعِدةِ (ما هو شَرطُ ابتِداءِ الشَّيءِ لا يَكونُ شَرطَ بَقائِه لا مَحالةَ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
يَتَخَرَّجُ على هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- لا يَخرُجُ المُعتَكِفُ مِن مُعتَكَفِه في الاعتِكافِ الواجِبِ ليلًا ولا ونَهارًا إلَّا لِما لا بُدَّ له مِنه مِنَ الغائِطِ والبَولِ وحُضورِ الجُمعةِ؛ لأنَّ الاعتِكافَ لمَّا كان لُبثًا وإقامةً فالخُروجُ يُضادُّه، ولا بَقاءَ للشَّيءِ مَعَ ما يُضادُّه، فإن خَرَجَ للجُمعةِ في المَسجِدِ الجامِعِ، ولا يَنبَغي أن يُقيمَ في المَسجِدِ الجامِعِ بَعدَ صَلاةِ الجُمُعةِ إلَّا مِقدارَ ما يُصَلِّي بَعدَها أربَعًا أو سِتًّا على الاختِلافِ. ولَو أقامَ يَومًا ولَيلةً لا يَنتَقِضُ اعتِكافُه، لكِن يُكرَهُ له ذلك، أمَّا عَدَمُ الانتِقاضِ فلأنَّ الجامِعَ لمَّا صَلَحَ لابتِداءِ الاعتِكافِ فلَأَنْ يَصلُحَ للبَقاءِ أَولى؛ لأنَّ البَقاءَ أسهَلُ مِنَ الابتِداءِ، وأمَّا الكَراهةُ فلأنَّه لمَّا ابتَدَأ الاعتِكافَ في مَسجِدٍ فكَأنَّه عَيَّنَه للِاعتِكافِ فيه، فيُكرَهُ له التَّحَوُّلُ عنه مَعَ إمكانِ الإتمامِ فيه [1559] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/114). .
2- إذا أسلَمَ زَوجُ الكِتابيَّةِ فهُما على نِكاحِهما؛ لأنَّ البَقاءَ أسهَلُ مِنَ الابتِداءِ، ففي الابتِداءِ نِكاحُ الكِتابيَّةِ جائِزٌ، فأَولى أن يَبقى بَعدَ الإسلامِ [1560] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (9/262)، ((المغني)) لابن قدامة (10/32)، ((شرح مشكلات القدوري)) لخواهر زاده (2/149). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءٌ:
ذَكَرَ بَعضُ العُلَماءِ فُروعًا تَخرُجُ عن هذه القاعِدةِ، مِنها:
إذا فسَقَ القاضي فإنَّه يَنعَزِلُ؛ لأنَّ عَدالَتَه في مَعنى المَشروطةِ في وِلايَتِه، ووِلايَتُه مُقَيَّدةٌ بعَدالَتِه، فتَزولُ بزَوالِها، وقيلَ: لا يَنعَزِلُ، وإذا ولَّى فاسِقًا يَصِحُّ عِندَ البَعضِ [1561] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم ومعه ((غمز عيون البصائر)) للحموي (2/354). .
كَما يَخرُجُ عنِ القاعِدةِ الفُروعُ المُندَرِجةُ تَحتَ قاعِدةِ: (يُغتَفرُ في الابتِداءِ ما لا يُغتَفرُ في البَقاءِ).

انظر أيضا: