المَطلَبُ الأوَّلُ: يُغتَفرُ في الابتِداءِ ما لا يُغتَفرُ في الدَّوامِ، ويُغتَفرُ في الدَّوامِ ما لا يُغتَفرُ في الابتِداءِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.صِيَغُ الشِّقِّ الأوَّلِ:"يُغتَفرُ في الابتِداءِ ما لا يُغتَفرُ في الدَّوامِ"
[1512] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/372)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (2/349)، ((القواعد)) للحصني (2/210). ، و "يُغتَفرُ في الابتِداءِ ما لا يُغتَفرُ في البَقاءِ"
[1513] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 104). ، و"يُغتَفرُ في الابتِداءِ ما لا يُغتَفرُ في الانتِهاءِ"
[1514] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلى حيدر (1/56). ، و"قد يُغتَفرُ في الابتِداءِ ما لا يُغتَفرُ في الدَّوامِ"
[1515] يُنظر: ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (6/ 2566). .
صِيَغُ الشِّقِّ الثَّاني:"قد يُغتَفرُ في الدَّوامِ ما لا يُغتَفرُ في الابتِداءِ"
[1516] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/313). وينظر أيضًا: ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (4/126)، ((المنثور)) للزركشي (3/374)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 186)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 72). ، و"يُحتَمَلُ في الاستِدامةِ ما لا يُحتَمَلُ في الابتِداءِ"
[1517] يُنظر: ((فتح العزيز)) للرافعي (10/153). ، و"يُغتَفرُ في الاستِدامةِ ما لا يُغتَفرُ في الابتِداءِ"
[1518] يُنظر: ((إيضاح الدلائل)) للزريراني (ص: 379)، ((حاشية العبادي على الغرر البهية)) (2/401). ، و"يُحتَمَلُ في الدَّوامِ ما لا يُحتَمَلُ في الابتِداءِ"
[1519] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (2/335)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/320). ، و"يُغتَفرُ في البَقاءِ ما لا يُغتَفرُ في الابتِداءِ"
[1520] يُنظر: ((منحة الخالق)) لابن عابدين (2/200)، ((درر الحكام)) لعلى حيدر (1/56). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ. يُشتَرَطُ لانعِقادِ العُقودِ والتَّصَرُّفاتِ شُروطٌ في ابتِدائِها فقَط، وشُروطٌ مِن أجلِ ابتِدائِها ودَوامِها، وتُفيدُ القاعِدةُ في شِقِّها الأوَّلِ أنَّه قد يُتَسامَحُ عِندَ ابتِداءِ العَقدِ وإنشائِه، فتُقبَلُ بَعضُ الأشياءِ التي لا يُتَسامَحُ فيها عِندَ بَقاءِ العَقدِ ودَوامِه، فليس كُلُّ ما يُقبَلُ في الابتِداءِ ويُتَسامَحُ فيه يُقبَلُ في البَقاءِ والدَّوامِ، بَل قد يُعفى عن أمرٍ في الابتِداءِ ويُجيزُه الشَّرعُ، لكِنَّه لا يُجيزُ حُدوثَه بَعدَ ذلك أثناءَ دَوامِ العَقدِ، ولَو حَدَث بَعدَ ذلك لرُبَّما أدَّى إلى فسادِ العَقدِ
[1521] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/372)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (2/349)، ((القواعد)) للحصني (2/210)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 104). .
وتُفيدُ القاعِدةُ في شِقِّها الثَّاني عَكسَ ما يُفيدُه الشِّقُّ الأوَّلُ، وهو أنَّ وُجودَ الشَّيءِ في الدَّوامِ قد يَختَلِفُ عن وُجودِه في الابتِداءِ، فالشَّيءُ قد يُتَسامَحُ في أثنائِه وخِلالِه ما لا يُتَسامَحُ به عِندَ ابتِدائِه وإنشائِه
[1522] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (1/ 280)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/315)، ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 293)، ((تلقيح الأفهام العلية)) للسعيدان (ص: 284). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ. أدِلَّةُ الشِّقِّ الأوَّلِ:دَلَّ على هذه القاعِدةِ ما سَبَقَ مِن أدِلَّةٍ على أنَّ الدَّوامَ على الشَّيءِ ليسَ كابتِدائِه.
أدِلَّةُ الشَّقِّ الثَّاني:1- مِنَ القُرآنِ:قَولُ اللهِ تعالى:
الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ [البقرة: 194] ، وقَولُ اللهِ تعالى:
وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ [البقرة: 191] .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّه أُذِن للمُؤمِنينَ بقِتالِ المُشرِكينَ في الشَّهرِ الحَرامِ إذا كانتِ البداءةُ مِنهم؛ لأنَّه يُغتَفرُ في الدَّوامِ ما لا يُغتَفرُ في الابتِداءِ
[1523] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/150)، ((محاسن التأويل)) للقاسمي (5/415). .
2- مِنَ السُّنَّةِ:- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إذا أدرَكَ أحَدُكُم سَجدةً مِن صَلاةِ العَصرِ قَبلَ أن تَغرُبَ الشَّمسُ فليُتِمَّ صَلاتَه، وإذا أدرَكَ سَجدةً مِن صَلاةِ الصُّبحِ قَبلَ أن تَطلُعَ الشَّمسُ فليُتِمَّ صَلاتَه )) [1524] أخرجه البخاري (556) واللفظ له، ومسلم (608) بنحوه .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَيَّنَ أنَّ طُلوعَ الشَّمسِ أو غُروبَها على مَن قد صَلَّى مِنَ الفجرِ أوِ العَصرِ رَكعةً، لا يَقطَعُ عليه صَلاتَه؛ فدَلَّ على جَوازِ استِدامةِ الصَّلاةِ وَقتَ النَّهيِ، مَعَ أنَّ ابتِداءَها في هذا الوقتِ مَنهيٌّ عنه، فاغتُفِر في البَقاءِ ما لا يُغتَفرُ في الابتِداءِ
[1525] يُنظر: ((أعلام الحديث)) للخطابي (1/438)، ((فتح الباري)) لابن رجب (4/329،328). .
- وعن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت:
((طَيَّبتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيَدي لحَرَمِه حينَ أحرَمَ، ولحِلِّه حينَ أحَلَّ قَبلَ أن يَطوفَ بالبَيتِ )) [1526] أخرجه مسلم (1189). .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ تَطَيُّبَ المُحرِمِ مَمنوعٌ مِنه، والنَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه تَطيَّب لإحرامِه واستَدامَ الطِّيبُ مَعَه، واستَمَرَّ بَعدَ الإحرامِ؛ فدَلَّ على جَوازِ تَطَيُّبِ المُحرِمِ لإحرامِه، واستَدامَتِه، وإنَّما يُمنَعُ مِمَّا يَستَأنِفُه ويَبتَدِئُ به بَعدَ الإحرامِ
[1527] يُنظر: ((اختلاف الحديث)) للشافعي (ص: 175،174)، ((إكمال المعلم)) لعياض (4/188). .
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ. مِنَ الأمثِلةِ على الشِّقِّ الأوَّلِ: 1- المُضطَرُّ إذا أخَذَ مالَ الغَيرِ وأيسَرَ وجَبَ عليه رَدُّه، وحَرُمَ عليه استَدامَتُه، فاغتُفِر في الابتِداءِ ما لم يُغتَفَرْ في البَقاءِ
[1528] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/375). .
2- إذا طَلَعَ الفجرُ وهو مُجامِعٌ فنَزَعَ في الحالِ، صَحَّ صَومُه عِندَ الحَنَفيَّةِ والشَّافِعيَّةِ، ولَو وقَعَ ذلك في أثناءِ الصَّومِ أبطَلَه
[1529] يُنظر: ((الأم)) للشافعي (2/106)، ((التجريد)) للقدوري (3/1471))، ((المغني)) لابن قدامة (4/379)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 186)، ((شرح منهج الطلاب)) لزكريا الأنصاري (2/322). واعتَرَضَ ابنُ السُّبكيِّ على التَّمثيلِ بهذا الفرعِ، وقال: (لا يَصِحُّ عَدُّ هذه الصُّورةِ؛ فإنَّ المُغتَفرَ في الابتِداءِ النَّزعُ فلَم يَحصُلْ به فِطرٌ، وفي الدَّوامِ الفِطرُ لا يَحصُلُ بالنَّزعِ، بَل بالإيلاجِ، فلَم تَتَّحِدِ الصُّورةُ، وإنَّما يَصِحُّ التَّنظيرُ لو وُجِدَت صورةٌ يُغتَفرُ في الابتِداءِ ثُمَّ توجَدُ بعَينِها في الدَّوامِ ولا تُغتَفرُ). ((الأشباه والنظائر)) (1/318). .
3- لو ماتَ شَخصٌ وفي مِلكِه صَيدٌ، ووارِثُه مُحرِمٌ، فالأصَحُّ عِندَ الشَّافِعيَّةِ أنَّه يَرِثُه، ثُمَّ يَزولُ مِلكُه عنه على الفَورِ
[1530] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/372)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (2/349). .
مِنَ الأمثِلةِ على الشِّقِّ الثَّاني:1- لا يَجوزُ للمُحرِمِ أن يَنكِحَ، لكِن لو طَلَّقَ زَوجَتَه قَبلَ ذلك وهيَ في عِدَّةٍ رَجعيَّةٍ وأرادَ أن يُراجِعَها وهو مُحرِمٌ، صَحَّ ذلك مِنه؛ لأنَّها مِن بابِ البَقاءِ لا مِن بابِ الابتِداءِ، فهيَ استِدامةٌ للنِّكاحِ، ويُحتَمَلُ في الاستِدامةِ ما لا يُحتَمَلُ في الابتِداءِ
[1531] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/374)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/100)، ((الروض المربع)) للبهوتي (2/88). .
2- يُستَحَبُّ أن لا تُرفَعَ الجِنازةُ حتَّى يُتِمَّ المَسبوقُ ما فاتَه، فإن رُفِعَت لم يَضُرَّ وإن حُوِّلَت عنِ القِبلةِ، بخِلافِ ابتِداءِ عَقدِ الصَّلاةِ؛ لا يُحتَمَلُ فيه ذلك والجِنازةُ حاضِرةٌ؛ لأنَّه يُحتَمَلُ في الدَّوامِ ما لا يُحتَمَلُ في الابتِداءِ
[1532] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (2/183)، ((فتح العزيز)) للرافعي (5/184)، ((المجموع)) للنووي (5/242)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/320)، ((منح الجليل)) لعليش (1/488)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/343). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.تَنبيهٌ:قَلَّلَ السُّبكيُّ مِنِ اعتِبارِ الشِّقِّ الثَّاني قاعِدةً مُستَقِلَّةً، واعتَبَرَها استِثناءً لا يَصلُحُ أن يَرتَقيَ لقاعِدةٍ؛ ومِمَّا قاله: (مَن أدخَلَ في القَواعِدِ قَولَهم: قد يُغتَفرُ في الدَّوامِ ما لا يُغتَفرُ في الابتِداءِ... فلَيسَ على بَصيرةٍ مِن فَهمِهـ)
[1533] ((الأشباه والنظائر)) (1/ 315). .