موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الرَّابِعُ: استِدامةُ الشَّيءِ تُعتَبَرُ بأصلِه


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "استِدامةُ الشَّيءِ تُعتَبَرُ بأصلِه" [1503] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (12/82). ، ويُعَبَّرُ عنها بـ "المُستَدامُ تابِعٌ لأصلِه الثَّابِتِ" [1504] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (3/280). ، وبِصيغةِ "استِدامةُ الشَّيءِ مُعتَبَرةٌ بأصلِه" [1505] يُنظر: ((درر الحكام)) لملا خسرو (2/223). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الشَّيءَ إذا كان فرعًا عن غَيرِه أو مَبنيًّا عليه فإنَّ حُكمَه مِن جِهةِ الثُّبوتِ والِاستِدامةِ حُكمُ أصلِه، فإن كان أصلُه حَرامًا فالِاستِدامةُ حَرامٌ، وإن كان أصلُه مُباحًا فهو مُباحٌ، وإن كان أصلُه مَندوبًا فهو مَندوبٌ، وإن كان واجِبًا فهو واجِبٌ [1506] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (12/82)، ((المنثور)) للزركشي (1/160)، ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (3/280)، ((درر الحكام)) لملا خسرو (2/223). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ ما سَبَقَ مِن أدِلَّةٍ في قاعِدةِ (الدَّوامُ على الشَّيءِ هَل هو كابتِدائِه أم لا؟).
ويُستَدَلُّ أيضًا بدَليلٍ مِنَ القُرآنِ:
وهو قَولُ اللهِ تعالى: فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام: 68] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ استِدامةَ الفِعلِ حُكمُها حُكمُ الابتِداءِ، وسُمِّي دَوامُ القُعودِ قُعودًا، فإذا دامَ على القيامِ أوِ القُعودِ كان ذلك كابتِداءِ القيامِ والقُعودِ [1507] يُنظر: حاشية الشلبي على ((تبيين الحقائق)) (1/ 47)، ((شرح الزيادات)) لقاضي خان (2/ 598). ؛ وذلك لأنَّ الاستِدامةَ فيما يُستَدامُ كالإنشاءِ [1508] يُنظر: ((العناية)) للبابرتي (1/ 392). .
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إن كانوا في آخِرِ شَعبانَ فيما يَظُنُّونَ فشَهدَ العُدولُ برُؤيةِ الهلالِ، وأنَّ اليَومَ مِن رَمَضانَ، وجَبَ عليهمُ الإمساكُ عن جَميعِ ما يُمسِكُ عنه الصَّائِمُ، سَواءٌ أكَلوا ذلك اليَومَ أو لم يَأكُلوا؛ لأنَّه إنَّما جازَ لهمُ الفِطرُ وهم يَظُنُّونَ أنَّ ذلك اليَومَ مِن غَيرِ رَمَضانَ، فإذا عَلِموا أنَّه مِن رَمَضانَ كان عليهمُ الإمساكُ، ولا يَجوزُ لهمُ استِدامةُ الفِطرِ؛ لأنَّ إباحةَ الفِطرِ إنَّما كان قَبلَ العِلمِ برُؤيةِ الهلالِ، وقد ثَبَتَ أنَّه مِن رَمَضانَ، والفِطرِ في رَمَضانَ حَرامٌ، فاستَدامَتُه كذلك [1509] يُنظر: ((المنتقى)) للباجي (2/40)، ((التنبيهـ)) لابن بشير (2/713)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (7/360)، ((المنثور)) للزركشي (1/160). .
2- إذا أفطَرَ في أوَّلِ النَّهارِ بسَفَرٍ، ثُمَّ قَدِمَ جاز له الأكلُ؛ لأنَّ ابتِداءَ الأكلِ كان مُباحًا، فاستَدامَتُه مُباحةٌ [1510] يُنظر: ((المنتقى)) للباجي (2/40، 52)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (7/362)، ((المنثور)) للزركشي (1/160). .
3- إن ماتَ المَوهوبُ في يَدِ المَوهوبِ له قَبلَ أن يَقبِضَه الواهِبُ بَعدَ ما قَضى القاضي له: لم يَكُنْ للواهبِ أن يُضَمِّنَه قيمَتُه عِندَ الحَنَفيَّةِ؛ لأنَّ أصلَ قَبضِه لم يَكُنْ موجِبًا ضَمانَ المَقبوضِ عليه، واستِدامةُ الشَّيءِ مُعتَبَرٌ بأصلِه، وكذلك مَنعُه قَبلَ قَضاءِ القاضي مَنعٌ بسَبَبِ مِلكِه؛ فلا يَكونُ موجِبًا للضَّمانِ عليه، ولَم يوجَدْ بَعدَ القَضاءِ في المَوهوبِ سَبَبٌ موجِبٌ للضَّمانِ عليه، والضَّمانُ لا يَجِبُ بدونِ السَّبَبِ، إلَّا أن يَكونَ مَنعه بَعدَ القَضاءِ وقد طَلَبَه مِنه الواهبُ، فهذا المَنعُ يَتَقَرَّرُ بسَبَبِ الضَّمانِ، وهو قَصرُ يَدِ المالِكِ عن مِلكِه بإزالةِ تَمَكُّنِه مِن أخذِه، وهو حَدُّ الغَصبِ الموجِبُ للضَّمانِ [1511] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (12/82)، ((درر الحكام)) لملا خسرو (2/223). .

انظر أيضا: