موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الثَّالِثُ: كُلُّ شَرطٍ يُعتَبَرُ في الاستِدامةِ يُعتَبَرُ في الابتِداءِ، وقد يُعتَبَرُ في الابتِداءِ ما لا يُعتَبَرُ في الاستِدامةِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "كُلُّ شَرطٍ يُعتَبَرُ في الاستِدامةِ يُعتَبَرُ في الابتِداءِ، وقد يُعتَبَرُ في الابتِداءِ ما لا يُعتَبَرُ في الاستِدامةِ" [1496] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (6/449)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (12/394). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
يُشتَرَطُ في العُقودِ التي لها ابتِداءٌ واستِدامةٌ شُروطٌ في ابتِدائِها واستَدامَتِها، فيَكونُ الشَّرطُ مُعتَبَرًا في الحالَينِ، ومِنَ الشُّروطِ ما يُعتَبَرُ في الابتِداءِ فقَط ولا يُعتَبَرُ في الاستِدامةِ؛ فالشَّيءُ قد يَكونُ شَرطًا في الابتِداءِ، ولا يَكونُ شَرطًا في الاستِدامةِ، وتُفيدُ القاعِدةُ أنَّ كُلَّ ما كان شَرطًا مُعتَبَرًا في استِدامةِ العَقدِ ودَوامِه فإنَّه يَكونُ شَرطًا مُعتَبَرًا في ابتِدائِه أيضًا [1497] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (6/357)، ((البيان)) للعمراني (4/543)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (8/428). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَليلُ الشِّقِّ الأوَّلِ (كُلُّ شَرطٍ يُعتَبَرُ في الاستِدامةِ يُعتَبَرُ في الابتِداءِ):
القياسُ على الصَّلاةِ: فالصَّلاةُ مَتى طَرَأ على المُصَلِّي فيها تَمَكُّنٌّ مِنَ القيامِ أوِ القِراءةِ بَعدَ عَجزِه عنهما، خوطِبَ بهما، ولَم تَصِحَّ باقي الصَّلاةِ دونَهما؛ وذلك لمُساواةِ حالِ الاستِدامةِ لحالِ الابتِداءِ [1498] يُنظر: ((شرح التلقين)) للمازري (1/ 302). .
دَليلُ الشِّقِّ الثَّاني (قد يُعتَبَرُ في الابتِداءِ ما لا يُعتَبَرُ في الاستِدامةِ):
يُستَدَلُّ عليه مِنَ المَعقولِ بأنَّ كَثيرًا مِنَ الأحكامِ يُحتاجُ في ابتِدائِها ما لا يُحتاجُ إليه في دَوامِها؛ وذلك لقوَّةِ الدَّوامِ وثُبوتِه واستِقرارِ حُكمِه [1499] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (3/279). .
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- الحَجرُ على الكَبيرِ المُسرِفِ المُبَذِّرِ المُتَجاوِزِ الحَدَّ المَألوفَ والقَدرَ المَعروفَ، وكان مُفسِدًا في دينِه لفِسقِه وفُجورِه، قال أبو العَبَّاسِ بنُ سُرَيجٍ: (يَجِبُ الحَجرُ عليه بفِسقِه بأن كان مُصلِحًا في مالِه؛ لأنَّه لمَّا كان فسادُ الدِّينِ شَرطًا في استِدامةِ الحَجرِ كان شَرطًا في ابتِداءِ الحَجرِ، كالفسادِ في المالِ) [1500] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (6/ 357). .
2- شَرطُ صِحَّةِ عَقدِ النِّكاحِ حُضورُ الوَليِّ ورِضاه، ووُجودُ شاهِدَي العَدلِ، فإذا تَمَّ النِّكاحُ فإنَّ رِضا الوليِّ ليسَ شَرطًا لاستِدامَتِه، وكَذا وُجودُ الشُّهودِ وعَدالَتُهم ليسا شَرطًا للِاستِدامةِ [1501] يُنظر: ((بحر المذهب)) للروياني (9/260). .
3- إذا أجَّرَ الرَّاهنُ الدَّارَ المَرهونةَ برِضا المُرتَهِنِ خَرَجَتِ الدَّارُ مِنَ الرَّهنِ، وبَقيَ كَأنَّه لم يوجَدْ فيه قَبضٌ، فإذا رَجَعَتِ الدَّارُ إلى المُرتَهِنِ صارَت رَهنًا، فاستِدامةُ القَبضِ شَرطٌ للُزومِ الرَّهنِ، فإذا أخرجَه المُرتَهِنُ عن يَدِه باختيارِه زالَ لُزومُ الرَّهنِ، وبَقيَ العَقدُ كَأنَّه لم يوجَدْ فيه قَبضٌ، سَواءٌ أخرجه بإجارةٍ أو إعارةٍ أو إيداعٍ أو غَيرِ ذلك، فإذا عادَ فرَدَّه إليه، عادَ اللُّزومُ بحُكمِ العَقدِ السَّابِقِ، وقيلَ: استِدامةُ القَبضِ ليسَت شَرطًا؛ لأنَّه عَقدٌ يُعتَبَرُ القَبضُ في ابتِدائِه، فلَم يُشتَرَطِ استَدامَتُه كالهبةِ [1502] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (6/449)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (12/394). .

انظر أيضا: