موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: الأصلُ في كُلِّ تَصَرُّفٍ غَيرِ لازِمٍ أن يَكونَ لبَقائِه حُكمُ الابتِداءِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الأصلُ في كُلِّ تَصَرُّفٍ غَيرِ لازِمٍ أن يَكونَ لبَقائِه حُكمُ الابتِداءِ" [1469] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (3/223). ، ويُعَبَّرُ عنها أيضًا بـ"ما لا يَكونُ لازِمًا فلِدَوامِه حُكمُ الابتِداءِ" [1470] يُنظر: ((العناية)) للبابرتي (4/393). ، و"ما لا يَكونُ لازِمًا مِنَ التَّصَرُّفِ يُعطى لدَوامِه حُكمُ الابتِداءِ" [1471] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (4/290). ، و"العُقودُ التي لا تَلزَمُ لبَقائِها حُكمُ الابتِداءِ" [1472] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/289). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
التَّصَرُّفاتُ غَيرُ اللَّازِمةِ هيَ التي يُمكِنُ لأحَدِ العاقِدينِ الانفِرادُ بفسخِها دونَ الحاجةِ إلى رِضا الآخَرِ، كالشَّرِكةِ والوديعةِ، فهذه العُقودُ غَيرُ اللَّازِمةِ الأصلُ فيها أن يَكونَ لبَقائِها مِنَ الأحكامِ ما لابتِدائِها، فما يَكونُ شَرطًا في ابتِدائِها يَكونُ شَرطًا في دَوامِها واستِمرارِها، وما يَكونُ مانِعًا لانعِقادِها يَكونُ مُبطِلًا ومانِعًا لبَقائِها، وقدِ انفرَدَ الحَنَفيَّةُ بذِكرِ هذه القاعِدةِ، وهيَ تُعتَبَرُ مُكمِلةً للقاعِدةِ الأُمِّ: (ما يَمتَدُّ فلِدَوامِه حُكمُ الابتِداءِ وإلَّا فلا) [1473] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (4/290)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/289)، ((العناية)) للبابرتي (6/165،164) و (10/178). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ الاستِقراءُ والمَعقولُ:
1- مِنَ الاستِقراءِ:
ومِمَّن نَصَّ عليه: البابَرتيُّ [1474] قال: (كُلُّ ما هو عَقدٌ غَيرُ لازِمٍ فلِدَوامِه حُكمُ الابتِداءِ، وهو ثابِتٌ بالِاستِقراءِ). ((العناية)) (6/165). .
2- مِنَ المَعقولِ:
وقد سَبَقَ بَيانُه في أدِلَّةِ قاعِدةِ: (ما يَمتَدُّ فلِدَوامِه حُكمُ الابتِداءِ وإلَّا فلا) [1475] يُنظر: ((العناية)) للبابرتي (8/141). .
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا قَضى القاضي للزَّوجةِ بنَفقةِ الإعسارِ ثُمَّ أيسَرَ الزَّوجُ فصارَ غَنيًّا، فخاصَمَته، تَمَّمَ لها القاضي نَفقةَ الموسِرِ عِندَ الحَنَفيَّةِ؛ لأنَّ النَّفقةَ تَختَلِفُ بحَسَبِ اليَسارِ والإعسارِ، وما قَضى به تَقديرٌ لنَفقةٍ لم تَجِبْ، فإذا تَبَدَّلَ حالُه فلَها المُطالَبةُ بتَمامِ حَقِّها؛ فكان هذا بمَنزِلةِ ابتِداءِ فَرضِ نَفقةِ الإعسارِ على الموسِرِ؛ لأنَّ ما لا يَكونُ لازِمًا فلِدَوامِه حُكمُ الابتِداءِ، وتَقديرُ النَّفقةِ على اعتِبارِ الإعسارِ مَعَ أنَّ الزَّوجَ موسِرٌ لا يَجوزُ؛ فلا بُدَّ مِنَ التَّغييرِ [1476] يُنظر: ((العناية)) للبابرتي (4/393). .
2- تَبطُلُ الوَكالةُ بمَوتِ الموكِّلِ وجُنونِه جُنونًا مُطبِقًا ولَحاقِه بدارِ الحَربِ مُرتَدًّا عِندَ الحَنَفيَّةِ؛ لأنَّ التَّوكيلَ تَصَرُّفٌ غَيرُ لازِمٍ، فيَكونُ لدَوامِه حُكمُ ابتِدائِه، فلا بُدَّ مِن قيامِ الأمرِ، وقد بَطَلَ بهذه العَوارِضِ، وشَرَطوا أن يَكونَ الجُنونُ مُطبِقًا؛ لأنَّ قَليلَه بمَنزِلةِ الإغماءِ [1477] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (3/152)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/289)، ((العناية)) للبابرتي (8/141). .
3- إذا أوصى أحَدٌ لإنسانٍ ثُمَّ جُنَّ، ثُمَّ ماتَ، تَبطُلُ الوصيَّةُ عِندَ الحَنَفيَّةِ؛ لأنَّ الوصيَّةَ لا تَقَعُ لازِمةً حتَّى يَملِكَ الوصيُّ فَسخَها قَصدًا بالرُّجوعِ، وحُكمًا بالبَيعِ، فيَكونُ لدَوامِها حُكمُ الابتِداءِ، فما يَمنَعُ ابتِداءَ الوصيَّةِ يَمنَعُ بَقاءَها [1478] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (4/68). .

انظر أيضا: