الفَرعُ الرَّابِعُ: قد يَثبُتُ الفرعُ مَعَ سُقوطِ الأصلِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "قد يَثبُتُ الفرعُ مَعَ سُقوطِ الأصلِ"
[1368] يُنظر: ((الوجيز)) للبورنو (ص: 338). . وصيغةِ: "قد يَثبُتُ الفرعُ مَعَ عَدَمِ ثُبوتِ الأصلِ"
[1369] يُنظر: ((مجلة الأحكام العدلية)) (ص: 25)، ((قواعد الفقهـ)) للبركتي (ص: 98)، ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 411). . وصيغةِ: "قد يَثبُتُ الفرعُ وإن لم يَثبُتِ الأصلُ"
[1370] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/22)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 119)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 103)، ((مجمع الضمانات)) للبغدادي (ص: 282). . وصيغةِ: "قد يَثبُتُ الفرعُ دونَ الأصلِ"
[1371] يُنظر: ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (4/482)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (4/167)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/453). . وصيغةِ: "قد يَثبُتُ تَبَعًا ما لا يَثبُتُ أصلًا"
[1372] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (4/420)، ((شرح المقنع)) للبهاء المقدسي (2/193)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (7/345)، ((شرح عمدة الفقهـ)) لابن تيمية (3/116). . وكذلك: "قد يَثبُتُ تَبَعًا ما لا يَثبُتُ قَصدًا"
[1373] يُنظر: ((حاشية ابن عابدين)) (4/156). . وصيغةِ: "قد يَثبُتُ تَبَعًا ما لا يَثبُتُ استِقلالًا"
[1374] يُنظر: ((قواعد ابن رجب)) (3/132)، ((تصحيح الفروع)) للمرداوي (1/131). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.الأصلُ في الفرعِ أنَّه يَسقُطُ إذا سَقَطَ أصلُه المَتبوعُ، لكِن قد يَثبُتُ الفرعُ وإن لم يَثبُتِ الأصلُ في صورٍ، كَما في هذه القاعِدةِ. فتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ استِثناءً مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (التَّابِعُ لا يُعارِضُ الأصلَ)؛ إذ يَنتَفي الأصلُ لعَدَمِ وُجودِ شَرطِه. وفي هذه القاعِدةِ تَعبيرٌ عن إثباتِ الحُقوقِ؛ فإنَّها تُعَبِّرُ عن إثباتِ الحُقوقِ أمامَ القَضاءِ، ولا تَبحَثُ عن نُشوئِها في الواقِعِ، فأكثَرُ استِعمالاتِها أمامَ القَضاءِ؛ لأنَّ إثباتَ المسؤوليَّاتِ الحُقوقيَّةِ على الأشخاصِ قد تُفقَدُ وسائِلُ إثباتِها في حَقِّ الأصلِ، وتَتَوافرُ في حَقِّ الفرعِ
[1375] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/22)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 103)، ((الفتاوى الكبرى الفقهية)) لابن حجر الهيتمي (3/135)، ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/81)، ((الوجيز)) للبورنو (ص: 338)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/453). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُمكِنُ الاستِدلالُ لهذه القاعِدةِ بالإجماعِ:
فقد حُكيَ الإجماعُ على صورةٍ مِن صُوَرِ القاعِدةِ، وهيَ أنَّ الخَمرَ إذا صارَت خَلًّا بنَفسِها فقد حَلَّت، وقد حَكاه ابنُ عَبدِ البَرِّ
[1376] قال: (احتَجُّوا بالإجماعِ على أنَّ الخَمرَ إذا تَخَلَّلَت مِن ذاتِها طَهُرَت وطابَت). ((الاستذكار)) (1/172). ، والقُرطُبيُّ
[1377] قال: (لو تَخَلَّلَتِ الخَمرُ بأمرٍ مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ حَلَّت. ولا خِلافَ في ذلك، على ما حَكاه القاضي عَبدُ الوهَّابِ. فأمَّا لو خَلَّلَها آدَميٌّ فقد أثِمَ؛ لاقتِحامِه النَّهيَ). (المفهم)) (5/260). ، وابنُ تَيميَّةَ
[1378] قال: (إنَّ المُسلِمينَ أجمَعوا أنَّ الخَمرَ إذا بَدَأ اللهُ بإفسادِها وتَحويلِها خلًّا طَهُرَت). ((مجموع الفتاوى)) (21/601). ، مَعَ أنَّ أصلَ الخَمرِ حَرامٌ بالنَّصِّ والإجماعِ، فيَكونُ قد ثَبَتَ للخَلِّ خِلافُ حُكمِ الخَمرِ.
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- لا يَلزَمُ مِن بُطلانِ صَلاةِ الإمامِ بُطلانُ صَلاةِ المَأمومِ إلَّا حَيثُ وقَعَ مِنَ المَأمومِ تَقصيرٌ، كأن كان إمامُه ذا نَجاسةٍ ظاهِرةٍ
[1379] يُنظر: ((مسألة في إعادة الإمام الصلاة)) للمعلمي اليماني، مطبوعة ضمن آثاره (18/215). .
2- إذا ادَّعى الزَّوجُ الخُلعَ مَعَ المَرأةِ، وأنكَرَتِ المَرأةُ، بانَت، ولَم يَثبُتِ المالُ الذي هو الأصلُ في الخُلعِ، وثَبَتَتِ البَينونةُ التي هيَ فرعٌ عنِ المالِ؛ لأنَّه مُقِرٌّ بما يوجِبُها، فقد ثَبَتَ الفرعُ دونَ الأصلِ
[1380] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/23)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 119)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 103)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (10/97). .
3- إذا أقَرَّ أحَدٌ لشَخصٍ مَجهولِ النَّسَبِ أنَّه أخوه، فهذا الإقرارُ يَمَسُّ حُقوقَ الأبِ؛ لأنَّ فيه تَحميلًا للنَّسَبِ عليه؛ لأنَّ كَونَه أخًا للمُقِرِّ هو فرعٌ عن بُنوَّتِه لأبيه، فيَحتاجُ إلى تَصديقِ الأبِ. فإذا أنكَرَ الأبُ بُنوَّتَه ولَم يُمكِنْ إثباتُها بالبَيِّنةِ، لا تَثبُتُ بُنوَّتُه للأبِ، ولَكِن يُؤاخَذُ بإقرارِه أنَّه أخوه فيُقاسِمُه حِصَّتَه مِن ميراثِ أبيه
[1381] يُنظر: ((الوجيز)) للبورنو (ص: 338). .
4- لو غَصَبَ إنسانٌ شَيئًا فباعَه، ثُمَّ تَداولَته الأيدي بالبَيعِ والشِّراءِ، فأجازَ المالِكُ أحَدَ العُقودِ، جازَ ذلك العَقدُ، لا ما قَبلَه ولا ما بَعدَه
[1382] يُنظر: ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 411)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/454). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.استِثناءاتٌ:يُستَثنى مِن هذه القاعِدةِ المَسائِلُ المُتَفرِّعةُ مِن قاعِدةِ: (إذا سَقَطَ الأصلُ سَقَطَ الفرعُ). وقاعِدةِ: (إذا بَطَلَ الشَّيءُ بَطَل ما في ضِمنِهـ).