موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الثَّاني: العِبرةُ للمَتبوعِ دونَ التَّابِعِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "العِبرةُ للمَتبوعِ دونَ التَّابِعِ" [1348] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/132). . وصيغةِ: "العِبرةُ بالمَتبوعِ لا بالتَّابِعِ" [1349] يُنظر: ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (11/8). . وصيغةِ: "لا مُعتَبَرَ بالتَّوابِعِ" [1350] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (4/364)، ((العناية)) للبابرتي (10/8)، ((البناية)) للعيني (7/20). . وصيغةِ: "العِبرةُ للأصلِ دونَ التَّبَعِ" [1351] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/132)، ((منحة الخالق)) لابن عابدين (5/188). . وصيغةِ: "إنَّما يُعتَبَرُ ما هو المَقصودُ لا ما يَكونُ تَبَعًا" [1352] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (10/155). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ هذه القاعِدةُ أنَّ المَدارَ على المَتبوعِ دونَ التَّابِعِ؛ لذلك كان الحُكمُ للأصلِ المَتبوعِ دونَ التَّابِعِ؛ لأنَّ الاعتِدادَ به لا بتابِعِه، وإذا كان اعتِبارُ التَّابِعِ يُؤَدِّي إلى الإخلالِ بالمَتبوعِ فلا عِبرةَ به، ويُلغى جانِبُ التَّابِعِ في جَنبِ المَتبوعِ [1353] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/132)، ((البيان)) للعمراني (7/122)، ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (11/8)، ((الكافي)) للسغناقي (1/272)، ((الموافقات)) للشاطبي (3/491)، ((البيوع المحرمة)) لميلاد (ص: 279). .
قال الشَّاطِبيُّ: (الأمرُ المُتَعَلِّقُ بالمَتبوعِ آكَدُ في الاعتِبارِ مِنَ الأمرِ المُتَعَلِّقِ بالتَّابِعِ) [1354] ((الموافقات)) (3/491). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (التَّابِعُ لا يُعارِضُ الأصلَ)، ووَجهُ تَفَرُّعِها عنها أنَّ العِبرةَ للمَتبوعِ؛ لأنَّه الأصلُ، والتَّابِعُ لا يُعارِضُه؛ لأنَّه فَرعُه.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ، والإجماعِ، والقَواعِدِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:
عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((نَهى نَبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن لُبسِ الحَريرِ، إلَّا مَوضِعَ إصبَعَينِ، أو ثَلاثٍ، أو أربَعٍ)) [1355] أخرجه البخاري (5835)، ومسلم (2069) واللفظ له .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ لُبسَ الحَريرِ يَجوزُ إذا كان عَلَمًا قَدرُه أربَعُ أصابِعَ فما دونَها في الثَّوبِ غَيرِ الحَريرِ؛ لأنَّ هذه الأعلامَ تابِعةٌ، والعِبرةُ للمَتبوعِ دونَ التَّابِعِ [1356] يُنظر: ((المختصر)) لخالد المشيقح (ص: 190)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (17/208). .
2- مِنَ الإجماعِ:
وقد نَقَلَه الكاسانيُّ على صورةٍ مِن صُوَرِ القاعِدةِ [1357] قال: (فإن كان [الحَريرُ] قَليلًا، كَأعلامِ الثِّيابِ والعَمائِمِ قَدرَ أربَعةِ أصابِعَ فما دَونَها، لا يُكرَهُ، وكَذا العَلَمُ المَنسوجُ بالذَّهَبِ؛ لأنَّه تابِعٌ والعِبرةُ للمَتبوعِ، ألَا تَرى أنَّ لابِسَه لا يُسَمَّى لابِسَ الحَريرِ والذَّهَبِ، وكَذا جَرَتِ العادةُ بتَعَمُّمِ العَمائِمِ ولُبسِ الثِّيابِ المُعَلَّمةِ بهذا القَدرِ في سائِرِ الأعصارِ مِن غَيرِ نَكيرٍ، فيَكونُ إجماعًا). ((بدائع الصنائع)) (5/131). .
3- مِنَ القَواعِدِ:
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (التَّابِعُ لا يُعارِضُ الأصلَ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ:
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- إذا جُمِعَ بَينَ الحَجِّ والعُمرةِ، لمَّا كانتِ العُمرةُ تَبَعًا للحَجِّ سَقَطَ اعتِبارُ أفعالِها، وكان التَّرتيبُ لأفعالِ الحَجِّ؛ لأنَّ الاعتِبارَ بالمَتبوعِ [1358] يُنظر: ((التعليقة الكبيرة)) لأبي يعلى (4/265). .
2- الإناءُ المُضَبَّبُ بالذَّهَبِ والفِضَّةِ لا بَأسَ بالأكلِ والشُّربِ فيه إذا كانتِ الضَّبَّةُ يَسيرةً، ودَعَتِ الحاجةُ إليها؛ لأنَّ هذا القَدرَ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ الذي عليه تابِعٌ للإناءِ، والعِبرةُ للمَتبوعِ دونَ التَّابِعِ، كالعَلَمِ في الثَّوبِ [1359] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/132)، ((الاختيار)) للموصلي (4/160)، ((البيوع المحرمة)) لميلاد (ص: 277). .

انظر أيضا: