موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الثَّالثُ: إذا اجتَمَعَ في العِبادةِ جانِبُ الحَضَرِ وجانِبُ السَّفرِ غُلِّبَ جانِبُ الحَضَرِ.


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ: "إذا اجتَمَعَ في العِبادةِ جانِبُ الحَضَرِ وجانِبُ السَّفرِ غَلَّبنا جانِبَ الحَضَرِ" [806] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/123)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص:113). ، ويُعَبَّرُ عنها أيضًا بـ"إذا اجتَمَعَ الحَضَرُ والسَّفَرُ في الصَّلاةِ فوجَبَ أن يُغَلَّبَ حُكمُ الحَضَرِ" [807] يُنظر: ((المجموع)) للنووي (2/310). ، و"اجتِماعُ الحَضَرِ والسَّفَرِ في العِبادةِ يوجِبُ تَغليبَ حُكمِ الحَضَرِ" [808] يُنظر: ((المجموع)) للنووي (4/352). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
الإنسانُ قد يَكونُ مُقيمًا في بَلدِه، وقد يُسافِرُ ويَقطَعُ المَسافاتِ، والغالِبُ في السَّفرِ وُجودُ المَشَقَّةِ؛ لذا راعى الشَّارِعُ هذه المَشَقَّةَ، فاعتَبَرَ السَّفرَ مَوضِعًا للتَّخفيفِ في بَعضِ العِباداتِ، كالصَّومِ والصَّلاةِ والمَسحِ على الخُفَّينِ، والعِباداتُ التي تَختَلفُ باختِلافِ السَّفَرِ والحَضَرِ في هَيئَتِها الشَّرعيَّةِ لو أنَّ المُكَلَّفَ أنشَأها في السَّفرِ ثُمَّ أقامَ، أو أنشَأها في الحَضَرِ ثُمَّ سافرَ؛ فإنَّها تَأخُذُ أحكامَ الحَضَرِ لا السَّفَرِ، فإذا اجتَمَعَ السَّفَرُ والحَضَرُ يُغَلَّبُ جانِبُ الحَضَرِ على جانِبِ السَّفَرِ، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ تَطبيقًا للقاعِدةِ الأُمِّ [809] يُنظر: ((المجموع)) للنووي (4/352)، ((المنثور)) للزركشي (1/123)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص:113). .
وخالف الحَنَفيَّةُ في ذلك، فقال ابنُ نُجَيمٍ: (وليسَ مِنَ القاعِدةِ ما إذا اجتَمَعَ في العِبادةِ جانِبُ الحَضَرِ وجانِبُ السَّفرِ، فإنَّنا لا نُغَلِّبُ جانِبَ الحَضَرِ) [810] ((الأشباه والنظائر)) (ص: 100). ويُنظر: ((القواعد الفقهية وتطبيقاتها)) لمحمد الزحيلي (2/ 701). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ ما سَبَقَ مِن أدِلَّةٍ في قاعِدةِ (إذا تَعارَضَ المانِعُ والمُقتَضي يُقدَّمُ المانِعُ)؛ لأنَّ الحَضَرَ مانِعٌ، والسَّفَرَ مُقتَضٍ.
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ لهذه القاعِدةِ:
1- إنْ لَبِسَ الخُفَّ في الحَضَرِ، ثُمَّ سافرَ قَبلَ أن يُحدِثَ، ثُمَّ أحدَثَ في السَّفَرِ، فله أن يَمسَحَ مَسحَ مُسافِرٍ؛ لأنَّ ابتِداءَ مُدَّةِ المَسحِ وابتِداءَ فِعلِه وُجِد في السَّفَرِ، وإن أحدَثَ في الحَضَرِ ومَسَحَ ثُمَّ سافرَ، أتَمَّ مَسحَ مُقيمٍ [811] يُنظر: ((البيان)) للعمراني (1/152،151)، ((المجموع)) للنووي (4/352)، ((المنثور)) للزركشي (1/123)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص:113). .
2- لوِ ابتَدَأ النَّافِلةَ على الأرضِ ثُمَّ أرادَ السَّفَرَ فأرادَ أن لا يَستَقبِلَ بها القِبلةَ، فعليه استِقبالُها [812] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/124)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص:114). .
3- لوِ اقتَدى المُسافِرُ بمُقيمٍ لزِمَه الإتمامُ؛ تَقديمًا لجانِبِ الحَضَرِ على جانِبِ السَّفَرِ [813] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/124)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/213)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/295). .

انظر أيضا: