موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ الأوَّلُ: قاعِدةُ: الغالِبُ كالمُحَقَّقِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الغالِبُ كالمُحَقَّقِ" [814] يُنظر: ((الكواكب الدراري)) للكرماني (3/62)، ((التوضيح)) لابن الملقن (4/384)، ((فتح القريب المجيب)) للفيومي (4/304)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (1/70)، ((الشرح الكبير)) للدسوقي (2/106)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 564). ، وبصيغةِ: "الغالِبُ كالمُحَقَّقِ في الحُكمِ" [815] يُنظر: ((شرح المنهج المنتخب)) لابن المنجور (1/112). ، وبصيغةِ: "الأحكامُ تَتَعَلَّقُ بالغالِبِ مِنَ العاداتِ لا بنادِرِها" [816] يُنظر: ((شرح الرسالة)) للقاضي عبد الوهاب (1/231). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
أصلُ مَعنى (الغالِبِ): القاهرُ المُستَولي على الشَّيءِ، واستَعمَله المُصَنِّفونَ بمَعنى الأكثَرِ، فيَقولونَ: هذا الاستِعمالُ هو الغالبُ، أي: الأكثَرُ دَورانًا في الكَلامِ. فمَعنى (الغالِبِ) هنا في القاعِدةِ: ما يَكثُرُ وُقوعُه ويَتَكَرَّرُ حُدوثُه، فإذا غَلبَ وُقوعُ الشَّيءِ حتَّى يَكونَ قَريبًا مِنَ المُحَقَّقِ، فإنَّه يَأخُذُ حُكمَه في بناءِ الأحكامِ عليه إذا لم يوجَدْ نَصٌّ بخِلافِه، ويُلحَقُ المُقابِلُ له -وهو (النَّادِرُ)- بالعَدَمِ، فتَتَعَلَّقُ الأحكامُ بالغالِبِ مِنَ العاداتِ لا بنادِرِها؛ ولذلك فإنَّ التَّعديلَ والتَّفسيقَ للشُّهودِ ونَحوِهم إنَّما يَكونُ بالغالِبِ، فالفُقَهاءُ يُعَدِّلونَ العَدلَ بالغالبِ مِن أفعالِه، ورُبَّما أساءَ، ويُفَسِّقون الفاسِقَ بالغالِبِ مِن أفعالِه، ورُبَّما أحسَنَ [817] يُنظر: ((شرح الرسالة)) للقاضي عبد الوهاب (1/231)، ((تسهيل النظر)) للماوردي (ص: 69)، ((المبسوط)) للسرخسي (8/184)، ((المحصول)) للرازي (5/302)، ((الجاسوس على القاموس)) للشدياق (ص: 116). .
وقد سَبَقَ ذِكرُ هذه القاعِدةِ ضِمنَ القَواعِدِ المُندَرِجةِ تَحتَ القاعِدةِ الكُبرى (اليَقينُ لا يَزولُ بالشَّكِّ)، وتبَيَّنَ هناكَ أنَّ غالِبَ الظَّنِّ مُلحَقٌ باليَقينِ، وتُبنى عليه الأحكامُ إذا لم يوجَدْ له مُعارِضٌ أرجَحُ مِنه.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالأدِلَّةِ المَذكورةِ لها في الفَصلِ الثَّاني (اليَقينُ لا يَزولُ بالشَّكِّ) مِنَ البابِ الثَّاني.
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- تُؤخَذُ الزَّكاةُ مِنَ الأنعامِ السَّائِمةِ وإن عُلِفَت في الحَولِ مَرَّةً أو مَرَّتَينِ؛ اعتِبارًا بالغالِبِ [818] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/124). .
2- إذا ماتَ جَماعةٌ أكثَرُهم مُسلمونَ وفيهم واحِدٌ أوِ اثنانِ مِن غَيرِ المُسلمينَ، ولكِن لا يُعرَفُ المُسلمُ مِن غَيرِ المُسلمِ؛ فإنَّه يُصَلَّى على جَميعِهم، ويُدفنونَ جَميعًا في مَقابرِ المُسلمينَ؛ بناءً على الأخذِ بالغالِبِ [819] يُنظر: مقدمة ((الأصل لمحمد بن الحسن)) لبوينوكالن (ص: 291). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءاتٌ:
يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ بَعضُ الصُّورِ التي لا يَجوزُ العَمَلُ فيها بالغالِبِ، وإنَّما يَجِبُ العَمَلُ فيها بالمُحَقَّقِ؛ مِنها:
1- الميراثُ؛ فإنَّه لا يُستَحَقُّ بالغالِبِ المَعهودِ ولا بالشَّكِّ، فإذا ماتَ رَجُلٌ وتَرَكَ حَملًا يَرِثُه، فإنَّه يوقَفُ سَهمُ مَن يُشارِكُ الحَملَ في ميراثِه حتَّى يوضَعَ فيَتَبَيَّنَ حُكمُه [820] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (8/171)، ((بحر المذهب)) للروياني (7/493). .
2- المُتَّهَمونَ مِمَّنِ اشتَهَروا بالسَّرِقةِ والإجرامِ لا يَجوزُ أخذُهم بالتُّهمةِ دونَ بَيِّنةٍ أو إقرارٍ، مَعَ أنَّ الغالبَ صَوابُ اتِّهامِهم، والنَّادِرَ عَدَمُه، لكِن أُلغيَ الغالِبُ هنا؛ صَونًا للأعراضِ والدِّماءِ [821] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/333). .

انظر أيضا: