الفرعُ الثَّالثُ: الجَهلُ بالشَّرطِ مُبطِلٌ وإن صادَفه
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ. استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الجَهلُ بالشَّرطِ مُبطِلٌ وإن صادَفه"
[629] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/17). ، وبصيغةِ: "الجَهلُ بالشَّرطِ بمَنزِلةِ عَدَمِه"
[630] يُنظر: ((جامع المسائل)) لابن تيمية (2/351). ، وبصيغةِ: "الجَهلُ بالشَّرطِ يوجِبُ الجَهلَ بالمَشروطِ"
[631] يُنظر: ((المحصول)) للرازي (4/404)، ((التحصيل)) للأرموي (2/133)، ((الفروق)) (3/252)، ((نفائس الأصول)) (7/2956) كلاهما للقرافي، ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (7/2888)، ((البحر المحيط)) للزركشي (2/90)، ((فصول البدائع)) للفناري (1/312). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ. تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الجَهلَ بحَقيقةِ العَمَلِ يُبطِلُ العَمَلَ، وإن وَقَع على وَجهِه المَشروعِ مُصادَفةً واتِّفاقًا؛ لأنَّ العِلمَ شَرطٌ في صِحَّةِ القَولِ والعَمَلِ، فلا يُعتَبَرانِ إلَّا به، فهو مُتَقدِّمٌ عليهما لأنَّه مُصَحِّحُ النِّيَّةِ المُصَحِّحةِ للعَمَلِ، فمَن جَهِلَ ولم يَعلَمْ حَقيقةَ ما يَفعَلُ كان عَمَلُه باطِلًا وإن صادَف الحَقَّ.
والمُرادُ بالشَّرطِ هنا الشَّرطُ الشَّرعيُّ؛ ولذلك كان مِن شُروطِ التَّكليفِ: التَّمَكُّنُ مِنَ العِلمِ؛ لأنَّ الامتِثالَ مَعَ عَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنَ العِلمِ مُحالٌ
[632] يُنظر: ((الصفدية)) لابن تيمية (2/221)، ((البحر المحيط)) للزركشي (2/84)، ((فتح الباري)) لابن حجر (1/160)، ((عمدة القاري)) للعيني (2/39)، ((الدرر اللوامع)) للكوراني (2/497)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (3/49). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ. يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقُرآنِ والسُّنَّةِ:
1- مِنَ القُرآنِ: - قَولُ اللهِ تعالى:
رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [البَقَرة: 129] .
وَجهُ الدَّلالةِ: في الآيةِ دَلالةٌ على أنَّ الأصلَ تَقديمُ العِلمِ أوَّلًا ثُمَّ العَمَلُ به؛ لأنَّ العِلمَ شَرطٌ في العَمَلِ
[633] يُنظر: ((تفسير ابن عرفة)) (1/419). .
- وقال اللهُ تعالى:
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد: 19] .
وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ اللَّهَ تعالى بَدَأ بالعِلمِ؛ لأنَّ العِلمَ شَرطٌ في القَولِ، وفي العَمَلِ، ولا يُعتَبَرانِ إلَّا به، وهو مُتَقدِّمٌ عليهما، وواجِبٌ قَبلَهما؛ لأنَّه مُصَحِّحٌ للنِّيَّةِ المُصَحِّحةِ للعَمَلِ، فالشَّيءُ يُعلَمُ أوَّلًا، ثُمَّ يُقالُ ويُعمَلُ به
[634] يُنظر: ((مصابيح الجامع)) للدماميني (1/190)، ((عمدة القاري)) للعيني (2/39). .
2- مِنَ السُّنَّةِ: عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إذا نَعَسَ أحَدُكُم وهو يُصَلِّي فليَرقُدْ حتَّى يَذهَبَ عنه النَّومُ، فإنَّ أحَدَكُم إذا صَلَّى وهو ناعِسٌ، لا يَدري لعَلَّه يَستَغفِرُ فيَسُبُّ نَفسَه )) [635] أخرجه البخاري (212) واللفظ له، ومسلم (786). .
وَجهُ الدَّلالةِ: يَدُلُّ الحَديثُ على أنَّ العِلمَ شَرطٌ في صِحَّةِ الصَّلاةِ، وهذا المَعنى مَوجودٌ في القُرآنِ، كَما في قَولِ اللهِ تعالى:
لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى [النساء: 43] فالعِلمُ شَرطٌ في صِحَّةِ الصَّلاةِ
[636] يُنظر: ((المسالك)) لابن العربي (2/485). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ. مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- مَن فسَّرَ كِتابَ اللهِ تعالى بغَيرِ عِلمٍ أثِمَ، وإن أصابَ
[637] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/17). .
2- مَن صَلَّى جاهِلًا بكَيفيَّةِ الصَّلاةِ لا تَصِحُّ صَلاتُه، وإن أصابَ
[638] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/17). .
3- بَيعُ السَّكرانِ وشِراؤُه وغَيرُهما مِنَ المُعاوضاتِ، لا يَصِحُّ بلا خِلافٍ؛ لأنَّه لا يَعلمُ ما يَعقِدُ عليه، والعِلمُ شَرطٌ في المُعامَلاتِ
[639] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 216). .
انظر أيضا:
عرض الهوامش