موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: إيقاعُ العِباداتِ أوِ العُقودِ أو غَيرِها مَعَ الشَّكِّ في شَرطِ صِحَّتِها هَل يَجعَلُها كالمُعَلَّقةِ على تَحقيقِ ذلك الشَّرطِ أم لا؟


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "إيقاعُ العِباداتِ أوِ العُقودِ أو غَيرِها مَعَ الشَّكِّ في شَرطِ صِحَّتِها، هَل يَجعَلُها كالمُعَلَّقةِ على تَحقيقِ ذلك الشَّرطِ أم لا؟" [613] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (1/489). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
نَصَّ الحَنابلةُ على هذه القاعِدةِ، والمُرادُ أنَّ إيقاعَ العِباداتِ أوِ العُقودِ أو غَيرِهما مَعَ الشَّكِّ في شَرطِ صِحَّتِها، نَوعانِ:
أحَدُهما: ما يُشتَرَطُ فيه النِّيَّةُ الجازِمةُ، فلا يَصِحُّ إيقاعُه بهذا التَّرَدُّدِ، ما لم يَكُنِ الشَّكُّ غَلَبةَ ظَنٍّ، فيَكفي مِثلُه في إيقاعِ العِبادةِ أوِ العَقدِ، كغَلبةِ الظَّنِّ بدُخولِ الوقتِ، وطَهارةِ الماءِ والثَّوبِ ونَحوِ ذلك.
ومِن أمثِلةِ ذلك: ما إذا صَلَّى يَظُنُّ نَفسَه مُحدِثًا، مَعَ احتِمالِ أنَّه مُتَطَهِّرٌ، فتَبَيَّن مُتَطَهِّرًا، فلا يَصِحُّ؛ لاشتِراطِ الجَزمِ بكَونِه مُتَطَهِّرًا أوِ استِصحابِ حالةِ الجَزمِ.
والثَّاني: ما لا يَحتاجُ إلى نيَّةٍ جازِمةٍ، فالصَّحيحُ فيه الصِّحَّةُ، فإذا نُكِحت امرَأةُ المَفقودِ قَبلَ أن يَجوزَ لها النِّكاحُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أنَّه كان جائِزًا؛ ففي الصِّحَّةِ وجهانِ:
الأوَّلُ: أنَّه صحيحٌ؛ لأنَّه لا تُشتَرَطُ له النِّيَّةُ الجازِمةُ فلا يُؤَثِّرُ إيقاعُ الفِعلِ مَعَ التَّرَدُّدِ فيها.
الثَّاني: أنَّه لا يَصِحُّ؛ لأنَّ الشَّكَّ في تَحَقُّقِ الشَّرطِ يُؤَدِّي إلى التَّرَدُّدِ في صِحَّةِ الفِعلِ، ويَجعَلُه كالمُعَلَّقِ على وُجودِ الشَّرطِ، وتَعليقُ الفِعلِ على شَرطٍ مَشكوكٍ فيه يُؤَثِّرُ في صِحَّتِه [614] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (1/489)، ((شرح تحفة أهل الطلب)) لعبد الكريم اللاحم (ص: 215). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (الشَّكُّ في الشَّرطِ يوجِبُ الشَّكَّ في المَشروطِ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
أ- أمثِلةٌ لِما يُشتَرَطُ فيه النِّيَّةُ الجازِمةُ، فلا يَصِحُّ وُقوعُه مَعَ وُجودِ تَرَدُّدٍ:
1- إذا كان له مالٌ حاضِرٌ وغائِبٌ، فأدَّى زَكاةً ونَوى أنَّها عنِ الغائِبِ إن كان سالِمًا، وإلَّا فتَطَوُّعٌ، فبانَ سالِمًا؛ أجزَأَه. وقيل: لا يُجزِئُه؛ لأنَّه لم يُخلِصِ النِّيَّةَ للفَرضِ [615] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (1/490). .
2- إذا صامَتِ المَرأةُ وهيَ شاكَّةٌ في الطُّهرِ مِنَ الحَيضِ، فلمَّا أصبَحَت فإذا هيَ طاهرةٌ، فصيامُها غَيرُ مُنعَقِدٍ، ويَلزَمُها قَضاءُ ذلك اليَومِ؛ وذلك لأنَّ الأصلَ بَقاءُ الحَيضِ. ودُخولُها في الصَّومِ مَعَ عَدَمِ تَيَقُّنِ الطُّهرِ دُخولٌ في العِبادةِ مَعَ الشَّكِّ في شَرطِ صِحَّتِها، وهذا يَمنَعُ انعِقادَها [616] يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/107). .
ب- أمثِلةٌ لِما لا يَحتاجُ إلى نيَّةٍ جازِمةٍ، وحُكِمَ فيه بالصِّحَّةِ:
1- إذا نُكِحت امرَأةُ المَفقودِ قَبلَ أن يَجوزَ لها النِّكاحُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أنَّه كان جائِزًا؛ ففي الصِّحَّةِ وجهانِ [617] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (1/492). .
2- الحُكمُ بإسلامِ مَنِ اتُّهمَ بالرِّدَّةِ إذا أنكَرَ وأقَرَّ بالشَّهادَتَينِ؛ فإنَّه حُكمٌ صحيحٌ، وإن حَصَل التَّرَدُّدُ في مُستَنَدِه؛ هَل هو الإسلامُ المُستَمِرُّ على ما يَدَّعيه، أوِ الإسلامُ المُجَدَّدُ على تَقديرِ صِحَّةِ ما اتُّهمَ به؟ [618] يُنظر: ((مختصر الخرقي)) (ص: 132)، ((المغني)) لابن قدامة (12/288)، ((القواعد)) لابن رجب (1/496). .

انظر أيضا: