موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الثَّالِثُ: فوائِدُ دِراسةِ القَواعِدِ الفِقهيَّةِ في مَعرِفةِ أحكامِ النَّوازِلِ والمُستَجَدَّاتِ المُعاصِرةِ


تَبرُزُ فائِدةُ القَواعِدِ الفِقهيَّةِ في تَنزيلِ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ على الواقِعِ المُستَجِدِّ؛ فعَبرَ القَواعِدِ الفِقهيَّةِ تَتَّسِعُ دائِرةُ الفِقهِ الإسلاميِّ لتَشمَلَ النَّوازِلَ العَصريَّةَ والمُستَجَدَّاتِ التي تَشغَلُ النَّاسَ، وذلك عَن طَريقِ الإلحاقِ والقياسِ والتَّخريجِ [158] قال ابنُ الصَّلاحِ: (فالمُجتَهِدُ في مَذهَبِ الشَّافِعيِّ مَثَلًا، المُحيطُ بقَواعِدِ مَذهَبِه، المُتَدَرِّبُ في مَقاييسِه وسُبُلِ تَصَرُّفاتِه: مُتَنَزِّلٌ -كما قدَّمنا ذِكرَه- في الإلحاقِ بمَنصوصاتِه وقَواعِدِ مَذهَبِه مَنزِلةَ المُجتَهِدِ المُستَقِلِّ في إلحاقِه ما لم يَنُصَّ عليه الشَّارِعُ بما نَصَّ عليهـ). ((أدب المفتي والمستفتي)) (ص: 96). ويُنظر أيضًا: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (5/ 141)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (4/ 469- 470). ، وهيَ بهذا تُبرِزُ عَظَمةَ الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ وصَلاحيَّتَها في العَصرِ الحاضِرِ بنَوازِلِه ومُستَجَدَّاتِه وتَحَدِّياتِه.
وقد نَبَّهَ العُلَماءُ على هذا الدَّورِ المُهِمِّ، فقد ذَكَرَ السُّيوطيُّ أنَّ وظيفةَ هذا العِلمِ أنَّه (يَطَّلِعُ على حَقائِقِ الفِقهِ ومَدارِكِه، ومَآخِذِه وأسرارِه، ويَتَمَهَّرُ في فهمِه واستِحضارِه، ويَقتَدِرُ على الإلحاقِ والتَّخريجِ، ومَعرِفةِ أحكامِ المَسائِلِ التي ليسَت بمَسطورةٍ، والحَوادِثِ والوقائِعِ التي لا تَنقَضي على مَمَرِّ الزَّمانِ) [159] ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 6). .
فالفَقيهُ والقاضي والمُفتي إذا نَزَلَت بهم نازِلةٌ لا قَولَ فيها للعُلَماءِ يَجتَهِدونَ في رَدِّها إلى أصلِها وقاعِدَتِها، قال القَرافيُّ: (وتَخريجُ الأحكامِ على القَواعِدِ الأُصوليَّةِ الكُلِّيَّةِ أولى مِن إضافَتِها إلى المُناسَباتِ الجُزئيَّةِ، وهو دَأبُ فُحولِ العُلَماءِ دونَ ضَعَفةِ الفُقَهاءِ) [160] يُنظر: ((الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام)) (ص: 90). .
والقَواعِدُ الفِقهيَّةُ كَذلك تُسَهِّلُ على رِجالِ التَّشريعِ غَيرِ المُختَصِّينَ بالشَّريعةِ فُرصةَ الاطِّلاعِ على الفِقهِ بروحِه ومَضمونِه وأُسُسِه وأهدافِه، وتُقدِّمُ العَونَ لهم لاستِمدادِ الأحكامِ مِنه، ومُراعاةِ الحُقوقِ والواجِباتِ فيه، وهذا ما حَقَّقَته القَواعِدُ الفِقهيَّةُ في مَجَلَّةِ الأحكامِ العَدليَّةِ، والتي انتَقَلَت إلى العَديدِ مِنَ القَوانينِ المُعاصِرةِ [161] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/ 28). .
ولِلقَواعِدِ الفِقهيَّةِ أيضًا دَورُها في تَوضيحِ وتَقنينِ مَنهَجِ الفَتوى في النَّوازِلِ والمُستَجَدَّاتِ، (وبِقدرِ الإحاطةِ بها يَعظُمُ قدرُ الفَقيهِ، ويَشرُفُ ويَظهَرُ رَونَقُ الفِقهِ ويُعرَفُ، وتَتَّضِحُ مَناهِجُ الفَتاوى وتُكشَفُ) [162] ((الفروق)) للقرافي (1/ 3). .

انظر أيضا: