موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الثَّاني: فوائِدُ القَواعِدِ الفِقهيَّةِ في ضَبطِ الفُروعِ الفِقهيَّةِ المُتَكاثِرةِ.


يَظهَرُ أثَرُ دِراسةِ القَواعِدِ الفِقهيَّةِ على الدَّارِسِ في ضَبطِ الفُروعِ الكَثيرةِ والمَسائِلِ التي لا حَصرَ لها، وذلك أنَّ هذه القَواعِدَ نَفسَها تَحتَوي على عَشَراتِ المَسائِلِ والتَّطبيقاتِ المُنضَويةِ تَحتَها والمَبثوثةِ في كُتُبِ الفِقهِ، مِمَّا يَشمَلُها حُكمُ القاعِدةِ، فتُنَظِّمُها في سِلكٍ واحِدٍ مِمَّا يُمَكِّنُ الفَقيهَ أوِ الباحِثَ مِن إدراكِ الرَّوابِطِ والصِّفاتِ الجامِعةِ بَينَ الجُزئيَّاتِ المُتَفَرِّقةِ، فهيَ كما قال ابنُ رَجَبٍ: (تُنَظِّمُ له مَنثورَ المَسائِلِ في سِلكٍ واحِدٍ، وتُقَيِّدُ له الشَّوارِدَ، وتُقَرِّبُ عليه كُلَّ مُتَباعِدٍ) [154] ((القواعد)) (1/ 55). .
وقال الزَّركَشيُّ: (فإنَّ ضَبطَ الأُمورِ المُنتَشِرةِ المُتَعَدِّدةِ في القَوانينِ المُتَّحِدةِ هو أوعى لحِفظِها وأدعى لضَبطِها) [155] ((المنثور)) (1/ 65). .
وخَصيصةُ الضَّبطِ تَجعَلُ الدَّارِسَ مُلِمًّا بالأحكامِ الإجماليَّةِ للمَسائِلِ وإن غابَ عَنه بَحثُها الخاصُّ ونُصوصُها، وقد ذَكَرَ القَرافيُّ أنَّ الفَقيهَ مَتى (ضَبَطَ الفِقهَ بقَواعِدِه استَغنى عَن حِفظِ أكثَرِ الجُزئيَّاتِ؛ لاندِراجِها في الكُلِّيَّاتِ، واتَّحَدَ عِندَه ما تَناقَضَ عِندَ غَيرِهـ) [156] ((الفروق)) (1/ 3). .
فإذا غابَ عَنِ الفَقيهِ الدَّليلُ الخاصُّ بالمَسألةِ، فبِالقاعِدةِ يَقرُبُ له إدراكُ الحُكمِ والتَّصَوُّرُ الإجماليُّ للقَضيَّةِ، فهيَ مُعَرِّفةٌ للحُكمِ بهذا الاعتِبارِ، فمَثَلًا قاعِدةُ: "الأصلُ في المياهِ الطَّهارةُ": يُستَدَلُّ بها على أنَّ الماءَ الذي غُمِسَ فيه يَدُ قائِمٍ مِن نَومِ ليلٍ ناقِض لوُضوءٍ: طَهورٌ؛ لأنَّ الأصلَ في المياهِ الطَّهارةُ، فهذا الماءُ طَهورٌ يَرفَعُ الحَدَثَ، ويُزيلُ الخَبَثَ [157] يُنظر: ((منظومة أصول الفقه وقواعدهـ)) لابن عثيمين مع شرحها لخالد المشيقح (ص: 18). .

انظر أيضا: