الفَرعُ الأوَّلُ: ما كان مِن مَصلَحةِ العَقدِ جاز اشتِراطُه فيه
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلتِ القاعِدةُ بعِدَّةِ صيَغٍ؛ مِنها: "كُلُّ شَرطٍ كان مِن مَصلحةِ العَقدِ أو مِن مُقتَضاه فهو جائِزٌ"
[428] يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (3/142). ، وبصيغةِ: "الشَّرطُ الذي لا يَقتَضيه العَقدُ يَصِحُّ إن كان مِن مَصلحَتِه"
[429] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/272)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/402)، ((القواعد)) للحصني (4/141). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.الشَّرطُ ضَربانِ:
1- ما يَقتَضيه مُطلَقُ العَقدِ.
2- ما لا يَقتَضيه مُطلَقُ العَقدِ.
والشَّرطُ الذي لا يَقتَضيه إطلاقُ العَقدِ قِسمانِ:
القِسمُ الأوَّلُ: ما يَتَعَلَّقُ بمَصلحةِ العَقدِ:وذلك كالرَّهنِ والكَفيلِ والأجَلِ والخيارِ، فيَصِحُّ إن وافقَ الشَّرعَ، وإن خالف الشَّرعَ بَطَل الشَّرطُ، ويَبطُلُ العَقدُ بذلك إن لم يَقبَلِ المَشروطُ الإفرادَ، كالأجَلِ والخيارِ، وفيما يَقبَلُ الإفرادَ -كالرَّهنِ والضَّمانِ- قَولانِ.
القِسمُ الثَّاني: ما لا يَتَعَلَّقُ بمَصلحةِ العَقدِ:وهو نَوعانِ:
النَّوعُ الأوَّلُ: ما لا يَتَعَلَّقُ بمَقصودِ العَقدِ، كَما لو شَرَطَ أن لا يَلبَسَ إلَّا الحَريرَ وما أشبَهَه، فيَفسُدُ الشَّرطُ دونَ العَقدِ.
والنَّوعُ الثَّاني: ما يَتَعَلَّقُ بمَقصودٍ للعَقدِ، كَما لو شَرَط ألَّا يَبيعَ أو لا يَطَأَ، فيَفسُدُ الشَّرطُ والعَقدُ، وفيه قَولٌ يَجري في جَميعِ الشَّرائِطِ الفاسِدةِ: أنَّ العَقدَ صحيحٌ، والشَّرطَ فاسِدٌ.
وتُفيدُ القاعِدةُ أنَّ ما كان مِن مَصلحةِ العَقدِ ومباحاتِه في البَيعِ -كاشتِراطِ الرَّهنِ والضَّمينِ، وتَأجيلِ الثَّمَنِ، وخيارِ الثَّلاثِ- فهذا وما شاكَله لازِمٌ بالشَّرطِ دونَ العَقدِ؛ لأنَّ إطلاقَ العَقدِ لا يَقتَضيه، واشتِراطُه في العَقدِ لا يُنافيه. وكُلُّ شَرطٍ كان مِن مَصلحةِ العَقدِ أو مِن مُقتَضاه فهو جائِزٌ.
والشَّرطُ الذي يَكونُ مِن مَصلحةِ العَقدِ يَكونُ صحيحًا، سَواءٌ كان مِن مَصلحةِ البائِعِ كَشَرطِ الرَّهنِ والكَفيلِ بالثَّمَنِ والإشهادِ، أو مِن مَصلحةِ المُشتَري، كشَرطِ كَونِه كاتِبًا أو خَبَّازًا، أو مِن مَصلحَتِهما كَشَرطِ الخيارِ لهما.
والعِلَّةُ في صِحَّةِ اشتِراطِ شَرطٍ مِن مَصلحةِ العَقدِ: أنَّ الرَّغَباتِ تَختَلفُ باختِلافِ ذلك، فالبَيعُ مَثَلًا إنَّما جازَ ليَحصُلَ لكُلِّ واحِدٍ مِنَ المُتَعاقِدَينِ مَقصودُه، فلو لم يَصِحَّ اشتِراطُ ما ذُكِرَ لم تَحصُلِ الحِكمةُ التي شُرِعَ البَيعُ لأجلِها
[430] ينظر للمعنى الإجمالي: ((معالم السنن)) للخطابي (3/142)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (5/312)، ((الغاية)) للعز بن عبد السلام (3/305)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/405)، ((الممتع)) لابن المنجى (2/416)، ((القواعد)) للحصني (4/141). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالإجماعِ، والقَواعِدِ:
1- مِنَ الإجماعِ:ومِمَّن حَكاه: ابنُ القَيِّمِ
[431] قال: (فإنَّ شَرْطَ ما يَقتَضيه العَقدُ، أو ما هو مِن مَصلحَتِه -كالرَّهنِ والتَّأجيلِ والضَّمينِ ونَقدِ كَذا- جائِزٌ بلا خِلافٍ، تَعَدَّدَتِ الشُّروطُ أوِ اتَّحَدَت). ((تهذيب سنن أبي داود)) (2/518). وتبعه على ذلك: شرف الحق العظيم آبادي في ((عون المعبود)) (9/295)، والإتيوبي في ((ذخيرة العقبى)) (35/67). .
وقد حَكاه ابنُ قُدامةَ وغَيرُه على بَعضِ فُروعِ القاعِدةِ
[432] قال: (البَيعُ بشَرطِ الرَّهنِ أوِ الضَّمينِ صحيحٌ، والشَّرطُ صحيحٌ أيضًا؛ لأنَّه مِن مَصلحةِ العَقدِ، غَيرُ مُنافٍ لمُقتَضاه، ولا نَعلمُ في صِحَّتِه خِلافًا إذا كان مَعلومًا). ((المغني)) (6/500). ويُنظر: ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (12/472). .
2- مِنَ القَواعِدِ:يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (كُلُّ ما يَقتَضيه العَقدُ يَجوزُ شَرطُهـ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- إذا شُرِط في المَبيعِ وصَفٌ يُقصَدُ: كَكَونِ الدَّابَّةِ حامِلًا، أو لَبُونًا، صَحَّ؛ لأنَّه شَرطٌ يَتَعَلَّقُ بمَصلحةِ العَقدِ، وهو العِلمُ بصِفاتِ المَبيعِ التي تَختَلفُ بها الأغراضُ، ولا يَقتَضي إنشاءَ أمرٍ مُستَقبَلٍ، فلم يَدخُلْ في النَّهيِ عن بَيعٍ وشَرطٍ، وإنَّما هو التِزامُ أمرٍ مَوجودٍ عِندَ العَقدِ، فسَمَّيناه شَرطًا، وله الخيارُ إن أخلفَ؛ لفواتِ شَرطِه
[433] يُنظر: ((عجالة المحتاج)) لابن الملقن (2/691)، ((النجم الوهاج)) للدميري (4/88). .
2- اشتِراطُ الإشهادِ في الرَّهنِ جائِزٌ؛ لأنَّه شَرطٌ يَتَعَلَّقُ بمَصلحةِ عَقدِ الرَّهنِ، ولا يَبطُلُ العَقدُ وإن لم تُعلَمِ الشُّهودُ؛ للأمرِ به، كَما قال اللهُ تعالى:
وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ [البقرة: 282] [434] يُنظر: ((روضة الطالبين)) للنووي (4/58)، ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (2/428). .
3- يَجوزُ أن يُشتَرَطَ في الشَّرِكةِ أن لا يَتَّجِرَ إلَّا في نَوعٍ مِنَ المَتاعِ، أو بَلَدٍ بعَينِه، أو لا يَبيعَ إلَّا بنَقدٍ مَعلومٍ، أو لا يُسافِرَ بالمالِ، أو لا يَبيعَ إلَّا مِن فُلانٍ
[435] يُنظر: ((الممتع)) لابن المنجى (2/705)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (5/624). .