موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ الأوَّلُ: كُلُّ ما يَقتَضيه العَقدُ يَجوزُ شَرطُه


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "كُلُّ ما يَقتَضيه العَقدُ يَجوزُ شَرطُه" [415] يُنظر: ((المختصر الفقهي)) لابن عرفة (4/470)، ((شرح المنهج)) لابن المنقور (1/418)، ((منح الجليل)) لعليش (4/340). . ويُعَبَّرُ عنها أيضًا بصيغةِ: "يَصِحُّ شَرطُ كُلِّ ما يَقتَضيه العَقدُ" [416] يُنظر: ((منتهى الإرادات)) لابن النجار (2/418)، ((غاية المنتهى)) لمرعي الكرمي (1/607)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/117)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (3/278). . و"الشَّرطُ الذي يَقتَضيه العَقدُ لا يَضُرُّ" [417] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/270)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/400). . وكَذا: "الشَّرطُ الذي يَقتَضيه العَقدُ لا يُفسِدُه" [418] يُنظر: ((العناية)) للبابرتي (9/112). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
يَنقَسِمُ الشَّرطُ إلى قِسمَينِ: الأوَّلُ: ما يَقتَضيه العَقدُ، وهو الذي يُفيدُ ما يَثبُتُ بمُطلقِ العَقدِ، كشَرطِ المِلكِ للمُشتَري، وشَرطِ تَسليمِ الثَّمَنِ أوِ المَبيعِ. والثَّاني: ما لا يَقتَضيه، وهو ما كان بخِلافِ ذلك.
ومَعنى كَونِ الشَّرطِ يَقتَضيه العَقدُ: أنَّه يَجِبُ بالعَقدِ مِن غَيرِ شَرطٍ، وأنَّه لا يوجِبُ فسادَ العَقدِ. فهو شَرطٌ لازِمٌ مُستَحِقٌّ بموجِبِ العَقدِ، سَواءٌ ذُكِرَ في العَقدِ أو لم يُذكَرْ، فلا يُفيدُ شَيئًا، فصارَ وُجودُه كَعَدَمِه، وذِكرُه لا يَنفَعُ العَقدَ، وعَدَمُ ذِكرِه لا يَضُرُّه، وإنَّما ذِكرُه يَأتي مِن بابِ البَيانِ والتَّوكيدِ [419] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/171)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازة (6/389)، ((المغني)) لابن قدامة (6/323)، ((القواعد)) للحصني (4/141)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/131)، ((العناية)) للبابرتي (6/441)، ((درر الحكام)) لملا خسرو (2/200)، ((المعاملات المالية)) للدبيان (5/235). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ، والإجماعِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:
أنَّ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها اشتَرَت بَريرةَ لتُعتِقَها، واشتَرَطَ أهلُها ولاءَها، فقالت: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي اشتَرَيتُ بَريرةَ لأُعتِقَها، وإنَّ أهلَها يَشتَرِطونَ ولاءَها، فقال: ((أعتِقيها؛ فإنَّما الولاءُ لمَن أعتَقَ -أو قال: أعطى الثَّمَنَ- )) [420] أخرجه البخاري (6754) واللفظ له، ومسلم (1504). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها اشتَرَت بَريرةَ لتُعتِقَها، فدَلَّ على أنَّ شَرطَ عِتقِ العَبدِ المَبيعِ لم يُفسِدِ العَقدَ [421] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (2/22)، ((المجموع)) للنووي (9/363). .
2- مِنَ الإجماعِ:
ومِمَّن حَكاه المازَريُّ [422] قال: (الشُّروطُ ثَلاثةٌ: شَرطٌ يَقتَضيه العَقدُ، كالتَّسليمِ، والتَّصَرُّفِ؛ فلا خِلافَ في جَوازِه ولُزومِه، وإن لم يُشتَرَطْ). ((شرح الزرقاني على الموطأ)) (4/116). ، وابنُ القَيِّمِ [423] قال: (فإنَّ شَرْطَ ما يَقتَضيه العَقدُ، أو ما هو مِن مَصلحَتِه -كالرَّهنِ والتَّأجيلِ والضَّمينِ ونَقدِ كَذا- جائِزٌ بلا خِلافٍ، تَعَدَّدَتِ الشُّروطُ أوِ اتَّحَدَت). ((تهذيب سنن أبي داود)) (2/518). وتبعه على ذلك: شرف الحق العظيم آبادي في ((عون المعبود)) (9/295)، والإتيوبي في ((ذخيرة العقبى)) (35/67). ، وابنُ النَّجَّارِ [424] قال: (يَصِحُّ في عَقدِ الرَّهنِ شَرطُ كُلِّ ما يَقتَضيه العَقدُ بلا نِزاعٍ). ((شرح منتهى الإرادات)) (5/255). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- اشتِراطُ البائِعِ تَقديمَ كَفيلٍ أو رَهنٍ مُعَيَّنينِ بالثَّمَنِ عن تَأجيلِه للمُستَقبَلِ، فهذا شَرطٌ مُؤَكِّدٌ لمُقتَضى العَقدِ؛ فإنَّ الكَفالةَ والرَّهنَ استيثاقٌ بالثَّمَنِ، فيُلائِمُ البَيعَ ويُؤَيِّدُ التَّسليمَ. ومِثلُه اشتِراطُ كَونِ والِدِ الزَّوجِ كَفيلًا بالمَهرِ والنَّفَقةِ [425] يُنظر: ((الفقه الإسلامي وأدلتهـ)) لوهبة الزحيلي (4/3053). .
2- ما يَقتَضيه عَقدُ النِّكاحِ مِنَ الشُّروطِ، كَشَرطِه أن يُنفِقَ على الزَّوجةِ، أو يَكسوَها، أو لا يَضُرَّ بها في نَفَقةٍ ولا كِسوةٍ ولا في عِشرةٍ، فذلك جائِزٌ لا يوقِعُ ذِكرُه في العَقدِ خَللًا، ولا يُكرَهُ اشتِراطُه، ويُحكَمُ به سَواءٌ شُرِط أو تُرِكَ؛ فوُجودُه وعَدَمُه سَواءٌ [426] يُنظر: ((تحرير الكلام)) للحطاب (ص: 327). .
3- يَصِحُّ في عَقدِ الرَّهنِ شَرطُ كُلِّ ما يَقتَضيه العَقدُ بلا نِزاعٍ، وذلك كَشَرطِ بَيعِ المُرتَهَنِ، وبَيعِ العَدلِ للرَّهنِ عِندَ حُلولِ الدَّينِ، ونَحوِ ذلك، كَشَرطِ كَونِه بيَدِ عَدلٍ مُعَيَّنٍ أوِ اثنَينِ أو أكثَرَ [427] يُنظر: ((شرح منتهى الإرادات)) لابن النجار (5/255). .

انظر أيضا: