موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الثَّالثُ: عِندَ اختِلافِ المُستَحِقِّ لا بُدَّ مِنِ اعتِبارِ اختِلافِ السَّبَبِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ: "عِندَ اختِلافِ المُستَحِقِّ لا بُدَّ مِن أن يُعتَبَرَ اختِلافُ السَّبَبِ" [322] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (22/135). . ويُعَبَّرُ عنها بـ "الاستِحقاقُ بقَدرِ المِلكِ فيَختَلفُ باختِلافِه قِلَّةً وكَثرةً" [323] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (2/ 284). ، و"الحَقُّ المُستَفادُ بالمِلكِ يَجِبُ أن يَتَقَسَّطَ حالَ الاشتِراكِ على قَدرِ المِلكِ" [324] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (7/ 3458- 3459)، ((المهذب)) للشيرازي (2/ 220)، ((الكافي)) لابن قدامة (2/ 236). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّه عِندَ اختِلافِ أصحابِ الحَقِّ فإنَّه يُراعى اختِلافُ سَبَبِ الاستِحقاقِ؛ ليَأخُذَ كُلُّ صاحِبِ حَقٍّ حَقَّه، ولا يُتَصَوَّرُ ذلك إلَّا عِندَ تَعَدُّدِ المُستَحِقِّينَ، أمَّا عِندَ اتِّحادِ المُستَحِقِّ فلا حاجةَ إلى اعتِبارِ اختِلافِ السَّبَبِ، وتُعتَبرُ هذه القاعِدةُ مُكملةً لقاعِدةِ (يَبقى الاستِحقاقُ ببَقاءِ السَّبَبِ) [325] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (22/135)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (22/135). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ السُّنَّةُ، ومِن ذلك:
عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن أعتَقَ شِركًا له في عَبدٍ، فكان له مالٌ يَبلُغُ ثَمَنَ العَبدِ، قُوِّمَ العَبدُ قيمةَ عَدلٍ، فأعطى شُرَكاءَه حِصَصَهم، وعَتَقَ عليه، وإلَّا فقدَ عَتَقَ مِنه ما عَتَقَ )) [326] أخرجه البخاري (2522) واللفظ له، ومسلم (1501). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
بَيَّنَ الحَديثُ أنَّه لمَّا تَعَدَّدَ المُلَّاكُ وصاروا شُرَكاءَ في العَبدِ، روعيَ سَبَبُ استِحقاقِ كُلِّ واحِدٍ مِنهم؛ ليَأخُذَ كُلُّ واحِدٍ مِنهم حِصَّتَه في العَبدِ عِندَ تَقويمِه [327] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (29/ 72)، ((طرح التثريب)) للعراقي (6/ 208). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا ضارَبَ رَجُلٌ مَعَ رَجُلٍ بألفٍ، وضارَب مَعَه رَجُلٌ آخَرُ بألفٍ أُخرى، فخَلطَ مِنها خَمسَمِائةٍ مَعَ الألفِ الأُولى، ثُمَّ خَسِرَ ثَلاثَمِائةٍ، فإنَّها تَكونُ مِنَ المالَينِ بالحِصَصِ؛ فمِن صاحِبِ الألفِ مِئَتانِ، ومِن صاحِبِ الخَمسِمِائةِ مِائةٌ، فالهالِكُ اعتُبِرَ مِنَ المالينِ؛ لاختِلافِ المُستَحِقِّينَ، بخِلافِ ما لو كان رَبُّ المالِ واحِدًا [328] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (22/135). .
2- تَثبُتُ الشُّفعةُ [329] هيَ: انتِزاعُ الإنسانِ حِصَّةَ شَريكِه مِن مُشتَريها بمِثلِ ثَمَنِها. يُنظر: ((الكافي)) لابن قُدامةَ (2/232). بَينَ الشُّفعاءِ على قَدرِ أنصِبَتِهم؛ لأنَّ مَناطَ الاستِحقاقِ المِلكُ المُتَّصِلُ بجَميعِ الأجزاءِ، فاتِّصالُ كُلِّ جُزءٍ مِن أجزاءِ مِلكِه سَبَبٌ لأخذِ ما يَتَّصِلُ به؛ فمَنِ ازدادَت أجزاءُ مِلكِه ازدادَ ما يَتَّصِلُ به مِنَ الحَقِّ [330] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (2/ 283)، ((العدة شرح العمدة)) للمقدسي (ص: 306). .

انظر أيضا: