موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الثَّاني: ذو السَّبَبَينِ مُقدَّمٌ في الاستِحقاقِ على ذي سَبَبٍ واحِدٍ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "ذو السَّبَبَينِ مُقدَّمٌ في الاستِحقاقِ على ذي سَبَبٍ واحِدٍ" [315] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (10/101). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ مَن ثَبَتَ له حَقٌّ مِنَ الحُقوقِ بسَبَبَينِ أو أسبابٍ مُتَعَدِّدةٍ، فإنَّه يُقدَّمُ على مَن ثَبَتَ له الحَقُّ بسَبَبٍ واحِدٍ؛ لأنَّ صاحِبَ السَّبَبَينِ أقوى فلا يُعارِضُه الأضعَفُ، فكان الصَّرفُ إلى مَن أدلى بسَبَبَينِ أَولى، وتُعتَبرُ هذه القاعِدةُ مُكملةً لقاعِدةِ (يَبقى الاستِحقاقُ ببَقاءِ السَّبَبِ) [316] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (10/101)، ((القواعد)) لابن رجب (2/425)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (4/379). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ القُرآنُ والسُّنَّةُ.
1- مِنَ القُرآنِ:
قال اللهُ تعالى: وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ [الأنفال: 75] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
بَيَّنَ اللهُ تعالى في هذه الآيةِ أنَّ أولي الأرحامِ أحَقُّ بالتَّوارُثِ مِمَّا كانتِ الشَّريعةُ قَرَّرَته سابقًا مِن مَشروعيَّةِ التَّوارُثِ بالأُخوَّةِ والهجرةِ؛ لِما في الأرحامِ مِنَ القَرابةِ والإسلامِ، وهيَ أَولى مِن مُجَرَّدِ الأُخوَّةِ بالإسلامِ فقَط [317] يُنظر: ((أحكام القرآن)) لابن الفرس (3/423)، ((تفسير ابن جزي)) (1/190). .
2- مِنَ السُّنَّةِ.
عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ألحِقوا الفرائِضَ بأهلِها، فما بَقيَ فلأَولى رَجُلٍ ذَكَرٍ )) [318] أخرجه البخاري (6737) واللفظ له، ومسلم (1615). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ الحَديثُ على أنَّه إذا بَقيَ بَعدَ تَقسيمِ الفرائِضِ في المَواريثِ شَيءٌ فإنَّه يُقَسَّمُ في العَصَباتِ، فإذا كان في الذُّكورِ الوارِثينَ مَن هو أولى -أي: أقرَبُ- للمَيِّتِ مِن غَيرِه، فإنَّه يُقدَّمُ [319] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (8/347)، ((المعلم بفوائد مسلم)) للمازري (2/335)، ((إكمال المعلم)) لعياض (5/ 327)، ((العدة في شرح العمدة)) لابن العطار (3/1240). ؛ لأنَّه بهذا يَجمَعُ بَينَ كَونِه أقرَبَ إلى المَيِّتِ، وكذلك صِفةُ الذُّكورةِ.
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- الأخُ الشَّقيقُ مُقدَّمٌ على الأخِ لأبٍ في الإرثِ، والعِلَّةُ هيَ: امتِزاجُ النَّسَبَينِ: نَسَبُ الأُمِّ ونَسَبُ الأُمِّ واختِلاطُهما إجماعًا، ويُقاسُ على ذلك: تَقديمُ الأخِ الشَّقيقِ على الأخِ لأبٍ في وِلايةِ النِّكاحِ وتَحَمُّلِ العاقِلةِ، بجامِعِ امتِزاجِ النَّسَبَينِ أيضًا [320] يُنظر: ((المسائل الفقهية)) لأبي يعلى (2/91)، ((النجم الوهاج)) للدميري (6/138)، ((رد المحتار)) لابن عابدين (6/774)، ((منح الجليل)) لعليش (3/278) و(9/628)، ((الجامع)) لعبدالكريم النملة (ص: 351)، ((الولاية في النكاح)) للعوفي (2/74). .
2- المُرتَدُّ عِندَ الحَنَفيَّةِ يَرِثُه ورَثَتُه المُسلمونَ، ولا يَؤولُ مالُه إلى بَيتِ المالِ على اعتِبارِ أنَّه مالٌ ضائِعٌ فيَكونُ للمُسلمينَ؛ لأنَّ المُسلمينَ يَستَحِقُّونَ ذلك بالإسلامِ، وورَثَتُه ساوَوا المُسلمينَ في الإسلامِ، وتَرَجَّحوا عليهم بالقَرابةِ، وذو السَّبَبَينِ مُقدَّمٌ في الاستِحقاقِ على ذي سَبَبٍ واحِدٍ، فكان الصَّرفُ إليهم أَولى [321] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (10/101). .

انظر أيضا: