موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ الأوَّلُ: لا حُكمَ للباطِلِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
اسُتعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "لا حُكمَ للباطِلِ" [198] يُنظر: ((شرح الوقاية)) لصدر الشريعة (5/126)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (2/594)، ((الدر المختار)) للحصكفي (ص: 686). ، ويُعَبَّرُ عنها أيضًا بـ "التَّصَرُّفُ الباطِلُ لا حُكمَ له" [199] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (4/137). ، و"التَّصَرُّفُ الباطِلُ لا وُجودَ له إلَّا مِن حَيثُ الصُّورةُ" [200] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (4/159). ، و"الباطِلُ لا يُفيدُ شَيئًا" [201] يُنظر: ((العناية)) للبابرتي (6/459). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
حتَّى تَكونَ العِباداتُ والمُعامَلاتُ صحيحةً فلا بُدَّ أن تَستَجمِعَ أركانَها وشُروطَها، فإذا كانت كذلك حُكِم بصِحَّتِها وتَرَتَّبَت عليها آثارُها، أمَّا إذا فقَدَت رُكنًا مِن أركانِها أو شَرطًا مِن شُروطِ صِحَّتِها فإنَّه يُحكَمُ ببُطلانِها، وإذا بَطَلت فلا تَتَرَتَّبُ عليها آثارُها التي تُفيدُها وهيَ صحيحةٌ، فليسَ مُجَرَّدُ وُجودِ صورَتِها يَعني تَرَتُّبَ الحُكمِ عليها، فلا تُعتَبَرُ بهذه الحالِ ولا يُعتَدُّ بوُجودِها؛ لكَونِها باطِلةً، والأحكامُ الشَّرعيَّةُ لا تُبنى على باطِلٍ [202] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (4/137، 159)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/151)، ((العناية)) للبابرتي (6/459)، ((البناية)) للعيني (12/532)، ((درر الحكام)) لملا خسرو (2/57، 169)، ((علم أصول الفقهـ)) لخلاف (ص: 126). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقُرآنِ والإجماعِ:
1- مِنَ القُرآنِ:
- قَولُ اللهِ تعالى: إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء: 81] .
- وقال اللهُ سُبحانَه: وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ [سبأ: 49] .
- وقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ [الأنفال: 8] .
ووَجهُ الدَّلالةِ واضِحٌ مِن هذه الآياتِ؛ حَيثُ إنَّ الباطِلَ لا أثَرَ له ولا اعتِدادَ به في الشَّرعِ مُطلقًا [203] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (10/313،312)، ((تفسير ابن كثير)) (5/112)، ((معلمة زايد)) (8/329). .
2- مِنَ الإجماعِ:
اتَّفقَت جَميعُ المِلَلِ على أنَّ الباطِلَ لا حُكمَ له، ومِمَّن نَقَل ذلك: العِزُّ بنُ عبدِ السَّلامِ [204] قال: (فإن قيل: لمَ حَرَّمتُم على الحاكِمِ ألَّا يَحكُمَ بخِلافِ عِلمِه؟ قُلنا: لأنَّه لو حَكَمَ بخِلافِ عِلمِه لكان قاطِعًا ببُطلانِ حُكمِه، والحُكمُ على الباطِلِ مُحَرَّمٌ في كُلِّ مِلَّةٍ). ((قواعد الأحكام)) (2/37). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- بَيعُ الخَمرِ والخِنزيرِ، وبَيعُ المَيتةِ وغَيرِ ذلك مِنَ المُسلمِ لا يَتَرَتَّبُ عليه أثَرٌ، فلا يُفيدُ المِلكَ للمُشتَري؛ إذ لا حُكمَ لهذا البَيعِ أصلًا؛ لأنَّ الحُكمَ للمَوجودِ، ولا وُجودَ لهذا البَيعِ إلَّا مِن حَيثُ الصُّورةُ؛ فليسَ بتَصَرُّفٍ شَرعيٍّ مُعتَبَرٍ فهو باطِلٌ، والباطِلُ لا يَتَرَتَّبُ عليه شَيءٌ [205] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/305)، ((رد المحتار)) لابن عابدين (5/50،49)، ((مجلة الأحكام العدلية)) (ص: 73)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (9/56). .
2- الإجارةُ التي فاتَها شَرطٌ مِن شَرائِطِ الانعِقادِ باطِلةٌ فلا حُكمَ لها ولا تَتَرَتَّبُ عليها آثارُ الإجارةِ الصَّحيحةِ، فلا يَملِكُ المُستَأجِرُ المَنفَعةَ ولا المُؤَجِّرُ الثَّمَنَ؛ لأنَّ ما لا يَنعَقِدُ شَرعًا فوُجودُه وعَدَمُه بمَنزِلةٍ واحِدةٍ [206] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (4/218)، ((مجلة الأحكام العدلية)) (ص: 87). .

انظر أيضا: