موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الرَّابعُ: ما قارَب الشَّيءَ هَل يُعطى حُكمَه؟


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "ما قارَبَ الشَّيءَ هَل يُعطى حُكمَه؟" [154] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/144)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (1/182). ، وبصيغةِ: "ما قارَبَ الشَّيءَ قد يَكونُ في حُكمِه، ويُفارِقُ ما بَعُد مِنه" [155] يُنظر: ((عيون الأدلة)) لابن القصار (3/ 508). ، و"ما قارَب الشَّيءَ حُكمُه حُكمُه" [156] يُنظر: ((شرح التلقين)) للمازري (1/ 136). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تَتَحَدَّثُ هذه القاعِدةُ حَولَ إلحاقِ الشَّيءِ في الحُكمِ بما يُقارِبُه ويَدنو مِنه، ويَكونُ حينَئِذٍ حُكمُ المُقارِبِ حُكمَ مُقارِبِه، أو لا يلحَقُ به؟ والقُربُ قد يَكونُ في الزَّمانِ، وهو ما أشارَت إليه قاعِدَتا: (المُتَوقَّعُ هَل يُجعَلُ كالواقِعِ؟) بأن يُعطى المَعدومُ الذي سَيُوجَدُ حُكمَ المَوجودِ، و (المُشرِفُ على الزَّوالِ هَل يَكونُ كالزَّائِلِ؟) بأن يُعطى المَوجودُ الذي سَيُعدَمُ حُكمَ المَعدومِ، كَما يَكونُ القُربُ في المَكانِ، وهو المُعَبَّرُ عنه بقاعِدةِ (الحَريمُ له حُكمُ ما هو حَريمٌ لهـ)؛ فالقاعِدةُ المَذكورةُ تَشمَلُ كُلَّ هذه القَواعِدِ وتَعُمُّها [157] يُنظر: ((المجموع)) للنووي (3/41)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/98)، ((شرح المنهج المنتخب)) للمنجور (1/163:152)، ((القواعد)) للحصني (2/265)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (1/182)، ((ضوء الشموع)) لمحمد الأمير (4/268)، ((معلمة زايد)) (8/432). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ القُرآنُ والسُّنَّةُ:
1- مِنَ القُرآنِ:
- قَولُ اللهِ تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [النحل: 98] .
- وقولُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة: 6] .
وَجهُ الدَّلالةِ مِنَ الآيَتَينِ:
أنَّ الآيتَينِ اعتَبَرَتا ما قارَبَ الوُقوعَ كالواقِعِ فيها، فمَعنى "قَرَأتَ القُرآنَ" و"قُمتُم إلى الصَّلاةِ" في الآيَتَينِ: إرادةُ الفِعلِ ومُقارَبَتُه [158] يُنظر: ((تفسير السمرقندي)) (1/372) و (2/291)، ((تفسير القرطبي)) (1/86) و (6/82). .
2- مِنَ السُّنَّةِ:
- عن أبي رافِعٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَولى القَومِ مِنهم)) [159] أخرجه أبو داود (1650)، والترمذي (657)، والنسائي (2612) واللفظ له صححه الحاكم في ((المستدرك)) (1487)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1221) وقالا: على شَرطِ الشَّيخَينِ، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (9/720)، وابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (2/50)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (2612)، وقال الترمذي: حَسَنٌ صحيحٌ. .
- وعن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((المَرءُ مَعَ مَن أحَبَّ)) [160] أخرجه البخاري (6168)، ومسلم (2640). .
وَجهُ الدَّلالةِ مِنَ الحَديثَينِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَيَّنَ أنَّ القُربَ المَعنَويَّ بالولاءِ أوِ المَحَبَّةِ يُلحِقُ صاحِبَه بسَيِّدِه وبمَن يُحِبُّهم [161] يُنظر: ((شرح المنهج المنتخب)) للمنجور (1/163،162). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا لم يَكُنْ للنَّاسِ في البَلدِ قوتٌ مَعلومٌ، فيَلزَمُهم في زَكاةِ الفِطرِ قوتُ أقرَبِ البلادِ إليهم [162] يُنظر: ((الأم)) للشافعي (2/73)، ((التنبيهـ)) للشيرازي (1/61)، ((المنثور)) للزركشي (3/144). .
2- لو لم يَكُنْ لبَلدٍ نَقدٌ، وأُتلِفَ على رَجُلٍ مالٌ فيُقَوَّمُ بنَقدِ أقرَبِ البلادِ إليهم [163] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/144). .
3- البلادُ التي لا يَغيبُ فيها الشَّفَقُ، على أهلِها أن يُقدِّروا غيابَه باعتِبارِ أقرَبِ البلادِ إليهم [164] يُنظر: ((بحر المذهب)) للروياني (1/385)، ((المجموع)) للنووي (3/41)، ((رد المحتار)) لابن عابدين (1/363،362). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءٌ:
تُعتَبَرُ التَّطبيقاتُ الفِقهيَّةُ لقاعِدةِ (لا يَثبُتُ حُكمُ الشَّيءِ قَبلَ وُجودِهـ) استِثناءً مِن هذه القاعِدةِ، وقد أشارَ ابنُ السُّبكيِّ إلى ذلك وهو يَتَحَدَّثُ عن قاعِدةِ (لا يَثبُتُ حُكمُ الشَّيءِ قَبلَ وُجودِهـ)، فقال: (لهذا الفَرعِ وأشباهِه التِفاتٌ على أصلٍ آخَرَ يَقَعُ كالمُستَثنى عن هذا الأصلِ، وهو أنَّ ما قارَبَ الشَّيءَ هَل يُعطى حُكمَه؟ وقَريبٌ مِن هذه العِبارةِ قَولُهم: المُتَوقَّعُ هَل يُجعَلُ كالواقِعِ؟ وكذلك قَولُهم: المُشرِفُ على الزَّوالِ هَل يُعطى حُكمَ الزَّائِلِ؟ وكذلك قَولُهم: هَل العِبرةُ بالحالِ أوِ المَآلِ؟ وكذلك قَولُهم: هَل النَّظَرُ إلى حالِ التَّعَلُّقِ أو حالِ وُجودِ الصِّفةِ؟) [165] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/98،97). .

انظر أيضا: