موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الثَّالثُ: الرِّضا في الانتِهاءِ بمَنزِلةِ الرِّضا في الابتِداءِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الرِّضا في الانتِهاءِ بمَنزِلةِ الرِّضا في الابتِداءِ" [85] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (23/126). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
سَبَقَ بَيانُ أنَّ الرِّضا هو أحَدُ أهَمِّ شُروطِ صِحَّةِ العُقودِ، والغالِبُ فيه أن يَكونَ في أوَّلِ العَقدِ، إلَّا أنَّه إذا وُجِدَ في نِهايةِ العَقدِ فإنَّه يُقدَّرُ وكَأنَّه مَوجودٌ في بدايَتِه، فيَصِحُّ بناءً على ذلك، فإذا تَصَرَّف أحَدٌ في مالِ غَيرِه فأجازَ صاحِبُ الحَقِّ هذا التَّصَرُّفَ بَعدَ تَمامِه، فيُعتَبَرُ هذا وكَأنَّه أذِنَ في ذلك التَّصَرُّفِ ابتِداءً. وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ مُكملةً لقاعِدةِ (دَليلُ الرِّضا كَصَريحِ الرِّضا) [86] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (5/21)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (4/413). .
وتُعتَبَرُ قاعِدةُ (لا يُنسَبُ لساكِتٍ قَولٌ) وفُروعُها استِثناءً مِن هذه القاعِدةِ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ السُّنَّةُ، ومِن ذلك:
عن عُروةَ بنِ أبي الجَعدِ البارِقيِّ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعطاه دينارًا يَشتَري له به شاةً، فاشتَرى له به شاتَينِ، فباعَ إحداهما بدينارٍ، وجاءَه بدينارٍ وشاةٍ، فدَعا له بالبَرَكةِ في بَيعِه، وكان لوِ اشتَرى التُّرابَ لرَبحَ فيه )) [87] أخرجه البخاري (3642). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ عُروةَ رَضِيَ اللهُ عنه تَصَرَّف فباعَ وأقبضَ، وصَحَّحَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فِعلَه؛ فدَلَّ على أنَّ الرِّضا في الانتِهاءِ كالإذنِ في الابتِداءِ [88] يُنظر: ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) لابن الملقن (20/230)، ((فتح الباري)) لابن حجر (6/634)، ((الدلائل والإشارات على أخصر المختصرات)) للعيدان واليتامى (2/200). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على القاعِدةِ:
1- تَصَرُّفاتُ الفُضوليِّ في البَيعِ والإجارةِ والنِّكاحِ والطَّلاقِ ونَحوِه تَقَعُ مُنعَقِدةً مَوقوفةً على إجازةِ المُجيز عِندَ الحَنَفيَّةِ والمالكيَّةِ، فإن أجازَها جازَت؛ لأنَّ الإجازةَ في الانتِهاءِ كالإذنِ في الابتِداءِ [89] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/149،148)، ((الشرح الكبير)) للدردير مع ((حاشية الدسوقي)) (3/11). .
فمَثَلًا: إذا وهَبَ رَجُلٌ ثوبًا لا يَملِكُه، وإنَّما يَملكُه غَيرُه، وسَلَّمه له، فعَلِم المالكُ بذلك فأجازَه، صَحَّت الهبةُ؛ لأنَّ إذنَه ورِضاه في الانتِهاءِ دَليلٌ على رِضاه في الابتِداءِ [90] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (12/ 80). .
2- إذا زُوِّجَتِ المَرأةُ بأقَلَّ مِن مَهرِ مِثلِها، فلها حَقُّ الاعتِراضِ والاختيارِ بَينَ الرِّضا والرَّفضِ، فيُفسَخُ العَقدُ، فإن دَخل بها الزَّوجُ برِضاها فيَكونُ ذلك رِضًا مِنها بالمَهرِ المُسَمَّى انتِهاءً، ولا خيارَ لها بَعدَه [91] يُنظر: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (4/ 413). .

انظر أيضا: