موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: العِلمُ بالرِّضا يَقومُ مَقامَ إظهارِ الرِّضا


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ: "العِلمُ برِضا المُستَحِقِّ يَقومُ مَقامَ إظهارِ الرِّضا" [71] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (29/20). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
سَبَقَ بَيانُ أنَّ العُقودَ لا تَصِحُّ إلَّا برِضا المُتَعاقِدَينِ، ويَثبُتُ الرِّضا بصَريحِ اللَّفظِ أو ما يَدُلُّ عليه مِن عَلامةٍ أو إشارةٍ ونَحوِهما، وتُشيرُ القاعِدةُ إلى أنَّ العِلمَ برِضا أحَدِ العاقِدَينِ يَقومُ مَقامَ التَّصريحِ بالرِّضا، فإذا عَلِمَ الشَّخصُ برِضا المُستَحِقِّ فإنَّه يَقومُ مَقامَ إظهارِه للرِّضا، ويَثبُتُ به الحُكمُ، ويَتَرَتَّبُ عليه كَما يَتَرَتَّبُ على إظهارِ الرِّضا، وتُعتَبرُ هذه القاعِدةُ تَطبيقًا لقاعِدةِ (دَليلُ الرِّضا كَصَريحِ الرِّضا) [72] يُنظر: ((شرح مسلم)) (7/115)، ((المجموع)) (6/244) كلاهما للنووي، ((فتح الباري)) لابن حجر (9/296)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (29/20). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ السُّنَّةُ، ومِن ذلك:
1- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما ((أنَّ رَجُلًا أتاه فقال: إنِّي سائِلُك عن شَيءٍ أتُحَدِّثُني؟ قال: أنشُدُك بحُرمةِ هذا البَيتِ، أتَعلمُ أنَّ عُثمانَ بنَ عَفَّانَ فرَّ يَومَ أُحُدٍ؟ قال: نَعَم، قال: فتَعلَمُه تَغيَّبَ عن بَدرٍ، فلم يَشهَدْها؟ قال: نَعَم، قال: فتَعلَمُ أنَّه تَخَلَّف عن بَيعةِ الرِّضوانِ فلم يَشهَدْها؟ قال: نَعَم، قال: فكَبَّرَ، قال ابنُ عُمَرَ: تَعالَ لأُخبِرَك ولأُبَيِّنَ لك عَمَّا سَألتَني عنه، أمَّا فِرارُه يَومَ أُحُدٍ فأشهَدُ أنَّ اللَّهَ عَفا عنه، وأمَّا تَغَيُّبُه عن بَدرٍ فإنَّه كان تَحتَه بنتُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكانت مَريضةً، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ لك أجرَ رَجُلٍ مِمَّن شَهدَ بَدرًا وسَهمَه، وأمَّا تَغَيُّبُه عن بَيعةِ الرِّضوانِ فإنَّه لو كان أحَدٌ أعَزَّ ببَطنِ مَكَّةَ مِن عُثمانَ بنِ عَفَّانَ لبَعَثَه مَكانَه، فبَعَثَ عُثمانَ، وكانت بَيعةُ الرِّضوانِ بَعدَما ذَهَبَ عُثمانُ إلى مَكَّةَ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيَدِه اليُمنى: هذه يَدُ عُثمانَ -فضَرَبَ بها على يَدِه، فقال:- هذه لعُثمانَ. اذهَبْ بهذا الآنَ مَعَك )) [73] أخرجه البخاري (4066). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بايَعَ عن عُثمانَ؛ لعِلمِه برِضاه، فأقامَه مَقامَ إظهارِه للرِّضا [74] يُنظر: ((الكوثر الجاري)) للكوراني (6/458)، ((منار القاري)) لحمزة قاسم (4/264). .
2- عن عُروةَ بنِ أبي الجَعدِ البارِقيِّ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعطاه دينارًا يَشتَري له به شاةً، فاشتَرى له به شاتَينِ، فباعَ إحداهما بدينارٍ، وجاءَه بدينارٍ وشاةٍ، فدَعا له بالبَرَكةِ في بَيعِه، وكان لوِ اشتَرى التُّرابَ لرَبحَ فيه )) [75] أخرجه البخاري (3642). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ عُروةَ رَضِيَ اللهُ عنه تَصرَّف فباعَ وأقبضَ وقَبَضَ؛ اعتِمادًا على عِلمِه برِضا النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لأنَّ مَن رَضيَ أن يَملكَ شاةً بدينارٍ فمَلكَ بالدِّينارِ شاتَينِ، كان بذلك أرضى [76] يُنظر: ((الأم)) للشافعي (4/34)، ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (3/409)، ((القواعد)) لابن رجب (3/394-395)، ((عون المعبود)) للعظيم آبادي (9/171). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- لا يَجوزُ للزَّوجةِ أن تُدخِلَ أحَدًا بَيتَ زَوجِها إلَّا بإذنِه، أمَّا لو عَلِمَت رِضا الزَّوجِ بذلك فلا حَرَجَ عليها، كَمَن جَرَت عادَتُه بإدخالِ الضِّيفانِ مَوضِعًا مُعَدًّا لهم، سَواءٌ كان حاضِرًا أم غائِبًا، فلا يَفتَقِرُ إدخالُهم إلى إذنٍ خاصٍّ [77] يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (7/115)، ((فتح الباري)) لابن حجر (9/296)، ((طرح التثريب)) للعراقي (4/142). .
2- يَجوزُ للزَّوجةِ أن تُنفِقَ وتَتَصَدَّقَ مِن مالِ زَوجِها ما تَعلَمُ رِضاه به، كَإعطاءِ السَّائِلِ شَيئًا مِمَّا جَرَتِ العادةُ به واطَّرَدَ العُرفُ فيه، وعُلِمَ بالعُرفِ رِضاءُ الزَّوجِ والمالِكِ به، فإذنُه في ذلك حاصِلٌ وإن لم يَتَكَلَّمْ [78] يُنظر: ((المحلى)) لابن حزم (9/226)، ((شرح مسلم)) (7/112)، ((المجموع)) (6/244) كلاهما للنووي، ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) لابن الملقن (25/19)، ((طرح التثريب)) للعراقي (4/143). .

انظر أيضا: