موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ الأوَّلُ: قاعِدةُ دَليلُ الرِّضا والقَبولِ كَصَريحِ الرِّضا والقَبولِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ: "دَليلُ الرِّضا كَصَريحِ الرِّضا" [65] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (2/120). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
اشتَرَطَتِ الشَّريعةُ الإسلاميَّةُ لصِحَّةِ العُقودِ وتَرَتُّبِ أحكامِها عليها أن تَصدُرَ عن رِضا المُتَعاقِدَينِ، إلَّا أنَّ الرِّضا أمرٌ قَلبيٌّ لا اطِّلاعَ لأحَدٍ عليه، لكِنْ هناكَ أُمورٌ تَدُلُّ عليه، كالتَّصريحِ بالرِّضا بأن يَقولَ البائِعُ: رَضِيتُ وقَبِلتُ ونَحوَهما، أو تَصدُرَ مِنه عَلامةٌ أو دَليلٌ أو إشارةٌ تَدُلُّ على رِضاه، وحينَئِذٍ تَقومُ هذه الأدِلَّةُ والعَلاماتُ مَقامَ التَّصريحِ بالرِّضا، فإذا ظَهَرَ مِنَ المُكَلَّفِ دَليلٌ على الرِّضا نُزِّل هذا الدَّليلُ مَنزِلةَ التَّصريحِ بالرِّضا في ترَتُّبِ الحُكمِ عليه [66] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (8/73) و (14/117)، ((الغاية في اختصار النهاية)) للعز بن عبد السلام (4/303)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (7/438)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (4/354). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ السُّنَّةُ، ومِن ذلك:
عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الثَّيِّبُ أحَقُّ بنَفسِها مِن وليِّها، والبِكرُ يَستَأذِنُها أبوها في نَفسِها، وإذنُها صُماتُها، ورُبَّما قال: وصَمتُها إقرارُها )) [67] أخرجه مسلم (1421). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أقامَ سُكوتَ البِكرِ -الذي هو دَليلٌ على رِضاها- مَقامَ الرِّضا [68] يُنظر: ((المنتقى شرح الموطأ)) للباجي (3/267)، ((القواعد)) للحصني (2/406). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- كُلُّ عَيبٍ وجَدَه المُشتَري في السِّلعةِ فعَرَضَها بَعدَما رَآه على بَيعٍ أو أجَّرَها أو رَهَنَها، فذلك رِضًا مِنه بالعَيبِ، وليسَ له أن يَرُدَّها ولا يَرجِعَ بنُقصانِ عَيبِها؛ لأنَّه يَعرِضُها على البَيعِ لحاجَتِه إلى ثَمَنِها، وذلك دَليلُ الرِّضا مِنه بسُقوطِ حَقِّه مِنَ الثَّمَنِ المَدفوعِ إلى البائِعِ، ودَليلُ الرِّضا كَصَريحِ الرِّضا [69] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (13/99،98)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/224)، ((حاشية الروض المربع)) لابن قاسم (4/452). .
2- لو أُكرِهَ أحَدٌ على أن يَهَبَ شَيئًا ففعَل، فعَوَّضه الآخَرُ مِنَ الهبةِ بغَيرِ إكراهٍ فقَبِلَه، كان هذا إجازةً مِنه بهبَتِه؛ لرِضاه بالعِوضِ؛ لأنَّ العِوضَ إنَّما يَكونُ عن هبةٍ صحيحةٍ، فرِضاه بالعِوَضِ يَكونُ دَليلَ الرِّضا مِنه بصِحَّةِ الهبةِ، ودَليلُ الرِّضا كَصَريحِ الرِّضا [70] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (24/110)، ((النوادر والزيادات)) لابن أبي زيد القيرواني (10/292). .

انظر أيضا: