موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الثَّالثُ والثَّلاثونَ: الشَّكُّ في التَّماثُلِ كتَحَقُّق التَّفاضُلِ


أوَّلًا: صِيغَةُ القاعِدةِ
استُعْمِلَتِ القاعِدةُ بهذِهِ الصِّيغةِ المذكورَة: "الشَّكُّ في التَّماثُلِ كتَحَقُّق التَّفاضُلِ" [650] يُنظر: ((شرح المنهج المنتخب)) لابن المنجور (1/426)، ((الإتقان والإحكام)) لميارة (1/318)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (5/44)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/131)، ((حاشية العدوي)) (2/181)، ((الشرح الكبير)) للدردير (3/58). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ
المُرادُ بالشَّكِّ هَنا مُطلَقُ التَّرَدُّدِ، فيَشمَلُ الوَهمَ لا حَقيقةَ الشَّكِّ فقَط [651] يُنظر: ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (5/74)، ((لوامع الدرر)) للمجلسي الشنقيطي (8/158). ، ومَعنى القاعِدةِ: إذا بادَلتَ رِبَويًّا بجِنسِه وأنتَ تَشُكُّ في التَّماثُلِ، فحالُ ذلك كَما لو عَلِمتَ بالتَّفاضُلِ، فيَحرُمُ؛ فلا بُدَّ أن تَعلَمَ التَّماثُلَ تَمامًا [652] يُنظر: ((العقد الثمين)) لخالد المشيقح (ص: 85). ؛ ولذلك لا يَجوزُ بَيعُ الأموالِ الرِّبَويَّةِ مُجازَفةً دونَ كَيلٍ أو وزنٍ؛ لعَدَمِ تَحَقُّقِ المُماثَلةِ، والشَّكِّ في حُصولِها؛ لأنَّ الشَّكَّ في التَّماثُلِ يُبطِلُ المُعامَلةَ؛ ولأنَّ مَبنى المُعامَلاتِ الرِّبَويَّةِ على الاحتياطِ [653] يُنظر: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (2/12). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ: (اليَقينُ لا يَزولُ بالشَّكِّ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّه لا بُدَّ مِن تَحَقُّقِ التَّماثُلِ يَقينًا، والشَّكُّ فيه يُحَرِّمُ المُعامَلةَ كالتَّفاضُلِ.
ولذلك صَرَّحَ ابنُ المَنجورِ ببناءِ القاعِدةِ على قاعِدةِ: (الشَّكُّ في الزِّيادةِ كَتَحَقُّقِها)، فقال: (ويَنبَني على الأصلِ الثَّاني -وهو أنَّ الشَّكَّ في الزِّيادةِ كَتَحَقُّقِها- مَسألةُ الرِّبا، وهو قَولُ الشُّيوخِ: الشَّكُّ في التَّماثُلِ كَتَحَقُّقِ التَّفاضُلِ فيما لا يَجوزُ فيه التَّفاضُلُ) [654] ((شرح المنهج المنتخب)) (1/426). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بنَفسِ أدِلَّةِ القاعِدةِ الأُمِّ: (اليَقينُ لا يَزولُ بالشَّكِّ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ
يَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ أمثِلةٌ؛ مِنها:
1- لا يَجوزُ بَيعُ طَعامٍ وعَرضٍ بطَعامٍ وعَرضٍ، أو بَيعُ طَعامٍ وعَرضٍ بطَعامٍ، فكُلٌّ مِنهما مَمنوعٌ؛ لدُخولِ الشَّكِّ في التَّماثُلِ؛ لأنَّ العَرضَ المُصاحِبَ للطَّعامِ حُكمُه حُكمُ الطَّعامِ، فحَصَلتِ الجَهالةُ في الطَّرَفينِ، والشَّكُّ في التَّماثُلِ كَتَحَقُّقِ التَّفاضُلِ. وحاصِلُه أنَّ ما صاحَبَ أحَدَ النَّقدَينِ مِنَ العَرضِ يُقدَّرُ مِن جِنسِ النَّقدِ المُصاحِبِ له، فيَأتي الشَّكُّ في التَّماثُلِ [655] يُنظر: ((حاشية الصاوي)) (3/49، 94، 672). .
2- لا يَجوزُ بَيعُ دينارٍ وثَوبٍ بمِثلِهما، أو دِرهَمٍ وشاةٍ بمِثلِهما، والمَنعُ في هذه المَسألةِ مُطلَقٌ، ولو تَحَقَّق تَماثُلُ الدِّينارَينِ وتَماثُلُ قيمةِ العَرضَينِ؛ لأنَّ ما صاحَبَ أحَدَ النَّقدَينِ مِنَ العُروضِ يُقدَّرُ مِن جِنسِ النَّقدِ المُصاحِبِ له، فيَأتي الشَّكُّ في التَّماثُلِ، والشَّكُّ في التَّماثُلِ كَتَحَقُّقِ التَّفاضُلِ [656] يُنظر: ((قرة العين)) للمغربي (ص: 195). .

انظر أيضا: