المَطلبُ الثَّالثُ: الأصلُ بَقاءُ ما كان على ما كان
أوَّلًا: صِيغَةُ القاعِدةِاستُعْمِلَتِ القاعِدةُ بهذِهِ الصِّيغةِ المذكورَةِ: "الأصلُ بَقاءُ ما كان على ما كان"
[251] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/24)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/13)، ((القواعد)) للحصني (1/269)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 51)، ((إيضاح المسالك)) للونشريسي (1/386). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِمَعنى القاعِدةِ أنَّ الرَّاجِحَ بَقاءُ ما كان في الزَّمانِ الثَّاني على ما كان عليه في الزَّمانِ الأوَّلِ لم يَتَغَيَّرْ عن حالِه؛ فالواقِعُ أوِ الحُكمُ الذي ثَبَتَ في الزَّمانِ الماضي ثُبوتًا أو نَفيًا، يَبقى على حالِه، ولا يَتَغَيَّرُ حتَّى يَقومَ الدَّليلُ على خِلافِ ذلك، فيُصارُ حينَئِذٍ إليه
[252] يُنظر: ((رفع النقاب)) للشوشاوي (1/155)، ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 87)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/129). .
وهذه القاعِدةُ فرعٌ للقاعِدةِ الأساسيَّةِ: (اليَقينُ لا يَزولُ بالشَّكِّ)
[253] يُنظر: ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 107)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/111). ، وقد صَرَّحَ السُّيوطيُّ بذلك، فقال: (يَندَرِجُ في هذه القاعِدةِ عِدَّةُ قَواعِدَ: مِنها قَولُهم: الأصلُ بَقاءُ ما كان على ما كان)
[254] ((الأشباه والنظائر)) (ص: 51). ويُنظر أيضًا: ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 49). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِيُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالإجماعِ، وبالقاعِدةِ الأُمِّ.
أمَّا الإجماعُ فإنَّ العُلماءَ مُتَّفِقونَ على أنَّ الأشياءَ يُحكَمُ ببَقائِها على أُصولِها، حتَّى يُتَيَقَّنَ خِلافُ ذلك. ومِمَّن نَقَل الاتِّفاقَ على ذلك: ابنُ العَطَّارِ
[255] قال: (الأشياءُ يُحكَمُ ببَقائِها على أُصولِها، حتَّى يُتَيَقَّنَ خِلافُ ذلك، ولا يَضُرُّ الشَّكُّ الطَّارِئُ عليها. والعُلماءُ -فيما نَعلَمُ- مُتَّفِقونَ على هذه القاعِدةِ، لكِنَّهم مُختَلفونَ في كَيفيَّةِ استِعمالِها). ((العدة في شرح العمدة)) (1/181). ، وابنُ تَيميَّةَ
[256] قال: (إبقاءُ ما كان على ما كان مِمَّا أجمَعَ عليه العُلماءُ، بَل العُقَلاءُ كُلُّهم). ((تنبيه الرجل العاقل)) (ص: 578). ، وابنُ المُلقِّنِ
[257] قال: (الأشياءُ يُحكَمُ ببَقائِها على أُصولِها حتَّى يُتَيَقَّنَ خِلافُ ذلك، ولا يَضُرُّ الشَّكُّ الطَّارِئُ عليها. والعُلماءُ مُتَّفِقونَ على هذه القاعِدةِ، ولكِنَّهم مُختَلِفونَ في كَيفيَّةِ استِعمالِها). ((التوضيح)) (4/44) و((الإعلام بفوائد عمدة الأحكام)) (1/666). ، والعَينيُّ
[258] قال: (الأشياءُ يُحكَمُ ببَقائِها على أُصولِها حتَّى يُتَيَقَّنَ خِلافُ ذلك، ولا يَضُرُّ الشَّكُّ الطَّارِئُ عليها. والعُلماءُ مُتَّفِقونَ على هذه القاعِدةِ، ولكِنَّهم مُختَلِفونَ في كَيفيَّةِ استِعمالِها) ((عمدة القاري)) (2/253). .
كَما يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ: (اليَقينُ لا يَزولُ بالشَّكِّ) فقال ابنُ السُّبكيِّ: (اليَقينُ لا يُرفَعُ بالشَّكِّ، ولا يَخفى أنَّه لا شَكَّ مَعَ اليَقينِ، ولكِنَّ المُرادَ: استِصحابُ الأصلِ المُتَيَقَّنِ لا يُزيلُه شَكٌّ طارِئٌ عليه، فقُلْ إن شِئتَ: الأصلُ بَقاءُ ما كان على ما كان)
[259] ((الأشباه والنظائر)) (1/13). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِمِنَ الأمثِلةِ على القاعِدةِ:
1- لوِ ادَّعَتِ الزَّوجةُ على زَوجِها عَدَمَ وُصولِ النَّفقةِ المُقدَّرةِ إليها، وادَّعى الزَّوجُ الإيصالَ، فالقَولُ قَولُها بيَمينِها؛ لأنَّ الأصلَ بَقاؤُها بَعدَ أن كانت ثابتةً في ذِمَّتِه حتَّى يَقومَ على خِلافِه دَليلٌ مِن بَيِّنةٍ أو نُكولٍ
[260] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 50)، ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 88). .
2- إذا تَسَحَّرَ الصَّائِمُ ظانًّا بَقاءَ اللَّيلِ ولم يَتَحَقَّقْ صِدقُ ظَنِّه، فإنَّه لا قَضاءَ عليه؛ لأنَّ الأصلَ بَقاءُ اللَّيلِ
[261] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/ 65). ويُنظر أيضًا: ((المجموع)) للنووي (4/ 509). .
3- إذا زَعَمَ المُشتَري بناءً على رُؤيةٍ مُتَقدِّمةٍ أنَّ المَبيعَ تغَيَّر عن حالتِه الأولى إلى ما هو أدوَنُ، فقيل: إنَّ القَولَ قَولُ المُشتَري بناءً على أنَّ الأصلَ بَقاءُ ما كان على ما كان، والأصلُ بَراءةُ ذِمَّةِ المُشتَري
[262] يُنظر: ((شرح المنهج المنتخب)) للمنجور (2/ 489). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِتَقييدُ القاعِدةِ:إعمالُ القاعِدةِ مُقَيَّدٌ بما إذا لم يَرِدْ دَليلٌ صحيحٌ يَرفعُ البَقاءَ على الأصلِ، فإن وُجِدَ ما يَرفعُه لم يَجُزِ البَقاءُ عليه؛ ولذلك ورَدَت تَعبيراتُ بَعضِ العُلماءِ مُقَيِّدةً للقاعِدةِ، ومِن ذلك: تَعبيرُ ابنِ القَيِّمِ عنها بقَولِه: (الأصلُ بَقاءُ ما كان على ما كان حتَّى يَثبُتَ رَفعُهـ)
[263] ((إعلام الموقعين)) (2/249). .
وكذلك الزَّركَشيُّ؛ حَيثُ ذَكَرَها مُقَيَّدةً بقَولِه: (الأصلُ بَقاءُ ما كان على ما كان حتَّى يوجَدَ المُزيلُ لهـ)
[264] ((البحر المحيط)) (1/27). .