الفَرعُ الثَّالِثُ: عَمدُ الصَّبيِّ وخَطَؤُه سَواءٌ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ. استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "عَمدُ الصَّبيِّ وخَطَؤُه سَواءٌ"
[5684] يُنظر: ((الأصل)) لمحمد بن الحسن (7/14). ، وصيغةِ: "عَمدُ الصَّبيِّ خَطَأٌ"
[5685] يُنظر: ((مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويهـ)) (7/3517). ، وصيغةِ: "عَمدُ الصَّبيِّ يَجري مَجرى الخَطَأِ"
[5686] يُنظر: ((الذب عن مذهب الإمام مالك)) للقيرواني (2/474). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعدةِ. ما يَصدُرُ عَنِ الصَّبيِّ سَواءٌ كان عَن قَصدٍ وتَعَمُّدٍ أو عَن خَطَأٍ وسَهوٍ، يُعتَبَرُ في حُكمِ الشَّرعِ سَواءً مِن حَيثُ المَسؤوليَّةُ الشَّرعيَّةُ، أي: أنَّه لا يُؤاخَذُ بعَمدِه كما لا يُؤاخَذُ بخَطَئِه؛ لأنَّ الصَّبيَّ غَيرُ مُكَلَّفٍ شَرعًا بسَبَبِ نَقصِ أهليَّتِه العَقليَّةِ وعَدَمِ بُلوغِه
[5687] يُنظر: ((الأصل)) لمحمد بن الحسن (7/14)، ((مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويهـ)) (7/3517)، ((التجريد)) للقدوري (4/211)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/211)، ((الذب عن مذهب الإمام مالك)) للقيرواني (2/474). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ. دَلَّ على هذه القاعِدةِ الإجماعُ والقواعدُ والقِياسُ والمعقولُ:
1- مِنَ الإجماعِ: وقد نقل ابنُ عَبدِ البَرِّ الإجماعَ على ذلك في صورةٍ مِنْ صورِ القاعدةِ
[5688] قال: (أجمَعَ العُلَماءُ أنَّ الغُلامَ والنَّائِمَ لا يَسقُطُ عَنهما ما أتلَفا مِنَ الأموالِ، وإنَّما يَسقُطُ عَنهمُ الإثمُ، وأمَّا الأموالُ فتُضمَنُ بالخَطَأِ كما تُضمَنُ بالعَمدِ). ((الاستذكار)) (8/50). .
2- مِنَ القواعدِ:
يُستدلُّ لهذه القاعِدةِ بقاعدةِ: (عِبارةُ الصَّبيِّ مُلغاةٌ).
3- مِنَ القِياسِ:
وذلك بالقِياسِ على النَّائمِ والمجنونِ:
قال الأبهريُّ: (فلأنَّ الصَّغيرَ معدومُ القصدِ في فِعلِه القَتلَ وغيرَه، فجرى مجرى المجنونِ والنَّائِمِ، وقد قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((رُفِعَ القَلَمُ عَنِ الصَّبيِّ حتَّى يَبلُغَ، وعَنِ المَجنونِ حتَّى يُفيقَ، وعَنِ النَّائِمِ حتَّى يَنتَبِهَ )) [5689] لم نجده بلَفظِ: "وعن النَّائمِ حتَّى ينتَبِهَ". ورُوِيَ بلفظ: عن عائشةَ، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((رُفِعَ القَلَمُ عن ثلاثٍ: عن النَّائِمِ حتَّى يستيقِظَ، وعن الصَّغيرِ حتَّى يَكبَرَ، وعن المجنونِ حتَّى يَعقِلَ أو يُفيقَ)). أخرجه النَّسائي (3432) واللفظ له، وابن ماجه (2041)، وأحمد (24694). وأخرجه أبو داود (4398) بلفظ: (وعن المبتلَى حتى يبرَأَ) بدَلَ المجنونِ، والحاكمُ (2350)، والبيهقي (11453) بلفظ: (وعن المعتوهِ حتى يُفيقَ). من حديثِ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها. صحَّحه الحاكمُ وقال: على شرط مسلم، وابنُ العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/392)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (3432). ، فَرَفَعَ الإثمَ عنهم كلِّهم، وأجراهم مجرًى واحدًا، ومعلومٌ أنَّه لا قَصدَ لفِعلِ النَّائمِ ولا المجنونِ، فكذلك الصَّبيُّ مِثلُهـ)
[5690] ((شرح المختصر الكبير)) (3/ 300). .
4- مِنَ المعقولِ:
وهو أنَّ قَصدَ الصَّبيِّ لا حُكمَ له، فصارَ عَمدُه وخَطَؤُه سَواءً، والدَّليلُ على أنَّه لا حُكمَ لقَصدِه: أنَّه لا قِصاصَ عليه في جِنايَتِه، ولا يَستَحِقُّ المَأثَمَ بفِعلِه وإن عَمَدَ إلَيه وقَصَدَه، ولَو كان لقَصدِه حُكمٌ للَزِمَه القِصاصُ إذا تَعَمَّدَ كما يَلزَمُ البالِغَ، وإذا كان كذلك صارَت جِنايَتُه -وإن قَصَدَها- في حُكمِ الخَطَأِ، فلَزِمَتِ الدِّيةُ عاقِلَتَه
[5691] يُنظر: ((مختصر اختلاف العلماء)) للجصاص (5/341). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعدةِ. 1- إذا جَنى الصَّبيُّ الذي لَم يَبلُغْ على رَجُلٍ فقَتَلَه، كانت ديَتُه على عاقِلَتِه
[5692] العاقِلةُ هم مَن يَتَحَمَّلُ العَقلَ -أيِ الدِّيةَ- وهم عَصَبةُ الجاني -أي قَرابَتُه- مِن جِهةِ أبيه بحَسَبِ الأقرَبِ فالأقرَبِ. يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (12/ 345)، ((المغني)) لابن قدامة (12/ 39). ؛ لأنَّ قَصدَ الصَّبيِّ لا حُكمَ له، فصارَ عَمدُه وخَطَؤُه سَواءً
[5693] يُنظر: ((الجامع لعلوم الإمام أحمد)) (12/170)، ((مختصر اختلاف العلماء)) للجصاص (5/341،115)، ((المعونة على مذهب عالم المدينة)) للقاضي عبدالوهاب (3/1309). .
2- إن أتى الصَّبيُّ مَحظورًا مِن مَحظوراتِ الإحرامِ التي يَختَلِفُ حُكمُ عَمدِها عَن خَطَئِها، كالطِّيبِ واللِّباسِ، فإن فعَلَ الصَّبيُّ ذلك ناسيًا فلا فِديةَ فيه كالبالِغِ، وإن فعَلَه عامِدًا فعَلى قَولَينِ مَبنيَّينِ على الاختِلافِ في عَمدِ الصَّبيِّ: هَل يَجري مَجرى الخَطَأِ فعَلى هذا لا فِديةَ فيه كالبالِغِ النَّاسي، أو يَجري مَجرى العَمدِ مِنَ البالِغِ العاقِلِ، فعَلى هذا فالفِديةُ واجِبةٌ كالبالِغِ
[5694] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/211). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ. استثناءٌ: يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ ما لَو قَتَلَ الصَّبيُّ مورِّثَه، فلا فرقَ بَينَ أن يَكونَ القاتِلُ في القَتلِ المانِعِ مِنَ الميراثِ صَبيًّا أو بالِغًا
[5695] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (9/ 23)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (8/ 400). ، خِلافًا للحَنَفيَّةِ
[5696] يُنظر: ((الكافي شرح أصول البزدوي)) للسغناقي (5/ 2213). .
انظر أيضا:
عرض الهوامش