موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الثَّاني: الاختِلافُ في فهمِ الدَّليلِ والِاستِنباطِ منه


قد يَقَعُ الاختِلافُ بَينَ الفُقَهاءِ في فهمِ الدَّليلِ والِاستِنباطِ مِنه، فيَعكِسُ ذلك خِلافًا في القَواعِدِ الفِقهيَّةِ.
ومِن أمثِلةِ ذلك:
قاعِدةُ "الرُّخَصُ لا تُناطُ بالمَعاصي": الجُمهورُ على أنَّ الرُّخَصَ لا تُناطُ بالمَعاصي، أي: رُخَصُ الشَّرعِ لا يَستَحِقُّها العُصاةُ؛ لأنَّهم دَخَلوا إلى تلك الرُّخَصِ مِن بابِ المَعصيةِ لا مِن بابِ الطَّاعةِ، بَينَما رَأى الحَنَفيَّةُ أنَّ العِصيانَ لا يُنافي التَّرخيصَ [481] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (2/ 223)، ((شرح مشكلات القدوري)) لخواهر زاده (1/ 272). .
قال الشَّافِعيُّ: (ولَيسَ لأحَدٍ سافَرَ في مَعصيةٍ أن يَقصُرَ، ولا يَمسَحَ مَسحَ المُسافِرِ، فإن فعَلَ أعادَ، ولا تَخفيفَ على مَن سَفَرُه في مَعصيةٍ) [482] ((تفسير الإمام الشافعي)) (1/ 249). .
وسَبَبُ اختِلافِهِم في اعتِبارِ أصلِ القاعِدةِ: الاختِلافُ في المُشتَرِكِ اللُّغَويِّ الوارِدِ في قَولِه تعالى: فمَنِ اضطُرَّ غَيرَ باغٍ ولا عادٍ فلا إثمَ عليه [البقَرة: 173] ، فقَولُه تعالى: غَيرَ باغٍ ولا عادٍ يَحتَمِلُ مَعنَيَينِ: الأوَّلُ: غَيرَ باغٍ ولا عادٍ في سَفَرِه، فلا بُدَّ أن يَكونَ سَفَرُه سَفَرَ طاعةٍ لا سَفَرَ مَعصيةٍ وبَغيٍ. والثَّاني: المُرادُ غَيرَ باغٍ ولا عادٍ في تَناوُلِه الأكلَ المُحَرَّمَ عِندَ اضطِرارِه إليه. فالذينَ حَمَلوها على المَعنى الأوَّلِ استَنبَطوا قاعِدةَ: الرُّخَصُ لا تُناطُ بالمَعاصي، والذينَ حَمَلوها على المَعنى الثَّاني، قالوا: لا وجهَ لاستِنباطِ تلك القاعِدةِ [483] يُنظر: ((تفسير الإمام الشافعي)) (1/ 249)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/ 388)، ((شرح التلقين)) للمازري (1/ 935). .

انظر أيضا: